Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حصار باماكو يكشف حدود النفوذ الروسي في أفريقيا

يرى مراقبون أن باماكو وعواصم الساحل قد تلجأ إلى دعم أميركي في مواجهة الجماعات الإرهابية

الموقف الروسي في مالي قد يدفع حلفاء آخرين في أفريقيا إلى مراجعة حساباتهم (أ ف ب)

ملخص

اكتسبت روسيا في الأعوام الماضية شعبية كبيرة في أفريقيا، خصوصاً في الساحل، وذلك إثر موجة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت أنظمة كانت حليفة للغرب وهو ما قاد إلى تكريس حضور عسكري وأمني لموسكو في المنطقة.

مع انزلاق الوضع في مالي نحو تدهور غير مسبوق إثر نجاح مسلحي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي في محاصرة العاصمة باماكو ثارت مخاوف لدى حلفاء روسيا في أفريقيا من الغموض الذي يحيط بموقف موسكو من تراجع الدعم الروسي.

ولم تعلق روسيا بعد على أزمة باماكو على رغم أن الرئيس الانتقالي لمالي أسيمي غويتا يعد من أبرز حلفائها في أفريقيا، فيما تقول جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إنها تستهدف تجمعات لقوات فيلق أفريقيا الذي يتألف من قوات روسية والجيش المالي.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتصاعد فيها المخاوف من تخلي روسيا عن حلفاء لها أو الامتناع عن تقديم دعم كبير لهم، إذ سبق أن شكل سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد تطوراً لافتاً جذب الأفارقة.

هدوء مريب

اكتسبت روسيا في الأعوام الماضية شعبية كبيرة في أفريقيا، خصوصاً في الساحل، وذلك إثر موجة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت أنظمة كانت حليفة للغرب، وهو ما قاد إلى تكريس حضور عسكري وأمني لموسكو في المنطقة.

وكان غويتا سباقاً في منطقة الساحل الأفريقي في الاستعانة بمرتزقة "فاغنر" الروسية عام 2022 في سياق مساعيه إلى استعادة الأمن والاستقرار، ومهد ذلك الطريق لدخول قوي لموسكو إلى قارة أنهكتها النزاعات.

 

وعد الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الدولية نزار مقني أن "هناك ثلاثة عوامل تفسر الهدوء المريب لروسيا إزاء الوضع في مالي، أولاً الانشغال بالجبهة الأوكرانية، حيث تخوض موسكو حرباً تستنزف خزائنها وسمعتها واحتياط رجالها، وأي تورط عسكري مباشر في مالي الآن قد يخلق نزفاً ثانوياً لا طاقة لها به. وثانياً، روسيا تقدم نفسها كمزود أمن خاص وليس قوة احتلال، ونموذجها قائم على إرسال مستشارين وتدريب وعمليات نوعية ولا يشمل ذلك الدفاع الوجودي عن العواصم. فسقوط باماكو، لو حصل، سيكشف عن حدود هذا النموذج، لذلك تلتزم الصمت كي لا يظهر التناقض".

أما "ثالثاً فإن موسكو تراهن على أن غويتا الذي على رغم مصائبه لا يزال الورقة الأفضل في الساحل وخسارته مكلفة جداً، لكن تبني فشله علناً سيكون مكلفاً أكثر لها، وهذا الوضع قد يجعل بعض العواصم تلجأ إلى إعادة الحسابات، خصوصاً تلك التي اعتقدت أن موسكو بديل جاهز للقوى الغربية"، وفق ما أكده مقني في حديث إلى "اندبندنت عربية".

تغيير استراتيجي

من جانبه قال الباحث السياسي الروسي ديمتري بريدجيه إن "صمت روسيا وعدم تحركها لإنقاذ نظام أسيمي غويتا لا يمكن تفسيره فقط بانشغالها بالجبهة الأوكرانية، حيث يعكس ذلك تغييراً استراتيجياً في موقف موسكو وطبيعة تدخلها في القارة الأفريقية، إذ تعيد البلاد ترتيب أولوياتها وقواتها هناك".

 

وتابع أن "موسكو اليوم أمام معضلة حقيقية، فإذا اندفعت وتدخلت بقوة لفك الحصار على باماكو وتوسيع تدخلها في الساحل فهي تدخل بذلك معركة استنزاف طويلة ومعقدة في منطقة صحراوية شاسعة في وقت تواجه فيه حرب في أوكرانيا وعقوبات دولية خانقة لذلك هي غير قادرة على لعب دور الحامي لحلفائها في القارة السمراء". وبين أن "موسكو لا تريد الاعتراف بالفشل في أفريقيا ولا تجهر بنفسها لتدخل واسع، وبذلك هي تقع في منطقة رمادية تجاه ما يحدث في القارة".

بديل أميركي جاهز

خلال الأيام الماضية طرح مراقبون أفارقة وأوساط سياسية علناً إمكان البحث عن بدائل أخرى لروسيا في ظل امتناعها عن التدخل لإنقاذ حلفائها، لا سيما أن مالي ليست الوحيدة المهددة بالسقوط بيد الجماعات المسلحة، حيث يفقد النظام في بوركينافاسو نحو 71 في المئة من أراضيه لمصلحة تلك الجماعات.

ورأى نزار مقني أن "فكرة البحث عن بدائل تبدو مغرية، لكنها من نوع تلك المغريات التي تبتلع صاحبها، فمشكل البلدان الأفريقية لم يكن يوماً نقص الحلفاء، بل كثرتهم من موسكو إلى باريس، ومن واشنطن إلى أنقرة وبكين، الجميع يعرض الخدمة، لكن الجميع ينتظر المقابل أيضاً". وذكر أن "هناك تفصيلاً مهماً للغاية، وهو اتصال جرى أخيراً بين وزير الخارجية المالي ومساعد وزير الخارجية الأميركي، والذي لا يعد مجرد تفصيل بروتوكولي، فهذا النوع من الاتصالات يشبه رفع سماعة الهاتف في غرفة مليئة بالدخان، ويعد بمثابة اعتراف غير مباشر بأن الوضع أخطر مما يقال علناً، وأن الصمت الروسي لا يملأ فراغاً، بل يخلق أزمة ثقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأبرز المتحدث أن "هناك رسالة مزدوجة خرجت من باماكو، الرسالة الأولى موجهة إلى واشنطن: نحن لا ندور بالكامل في الفلك الروسي، وإذا انهارت العاصمة، فالانهيار سيشعل الساحل كله، وهذا يضركم أنتم أيضاً، وبمعنى أدق مالي تذكر الأميركيين بأن الفوضى ليست مشكلة أفريقية محلية، بل صداع عالمي عابر للحدود". وقال إن "الرسالة الثانية موجهة إلى موسكو حيث تقول لها باماكو: غيابكم عن الصورة لا يعني أننا لا نملك بدائل، ويعرف غويتا أن روسيا لا تريد أن تبدو عاجزة، لكنه يعرف أيضاً أن موسكو لن ترسل كتائب جديدة في لحظة انشغال جنوني بأوكرانيا، لذلك يلوح للكرملين بأنه قادر على فتح باب خلفي نحو واشنطن إن اضطر". وأشار إلى أن "إحساس موسكو بالغيرة الاستراتيجية معروف، حيث لا تريد أن تفقد أول حقل اختبار لنفوذها في غرب أفريقيا، لذلك قد نشهد خلال الأسابيع المقبلة شد أعصاب روسي – مالي ناعم، من نوع البيانات الطرية والوعود الثقيلة، أما الأميركيون فهم لاعبون بواقعية باردة، فلن يرسلوا قوات، ولن ينقذوا باماكو، لكنهم يراقبون الفجوة الروسية ويرون فيها فرصة".

واستنتج مقني أن "لذلك المهم أن واشنطن تعرف أن انهيار المشروع الأمني الروسي في مالي سيجعل دول الساحل على غرار بوركينافاسو والنيجر، وحتى تشاد تفكر ملياً قبل الارتماء في حضن موسكو، فالاتصال الأميركي – المالي إذاً ليس تحولاً استراتيجياً، لكنه بداية تململ من باماكو تجاه موسكو".

المزيد من تقارير