ملخص
في ظل تصاعد الفجوة بين الفاعلين الدوليين في أفريقيا بسبب التنافس على النفوذ والمعادن النادرة، فإن الوضع الأمني مرشح إلى المزيد من التفاقم خصوصاً في مناطق ساخنة مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية حيث تستغل التنظيمات الإرهابية الفوضى الأمنية هناك لترسيخ موطئ قدم لها.
أطلق زحف جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، الذراع الرئيسة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي، نحو العاصمة الماليّة باماكو، العنان لدعوات إلى إنشاء تحالف دولي شبيه بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الذي تأسس في عام 2014 من أجل الحدّ من نفوذ "القاعدة".
واستخدمت "القاعدة" خلال الأعوام الماضية أساليب قتالية جديدة في أفريقيا، على غرار مهاجمة القواعد العسكرية وأيضاً ضمان موارد مالية تتأتّى بصورة رئيسة من الفدية التي تحصل عليها أذرعها من خلال عمليات الخطف.
ودعا الاتحاد الأفريقي للمرة الأولى إلى "تحرك واستجابة دولية" قوية ومنسقة من أجل محاربة الإرهاب والتطرف العنيف في منطقة الساحل التي تواجه أزمات أمنية وسياسية غير مسبوقة.
لا عودة إلى مالي
وفي مالي، يستبعد الكثير من الباحثين السياسيين والعسكريين أن تدفع الأوضاع الراهنة إلى تدخل دولي يهدف إلى التصدي لتنظيم "القاعدة" خصوصاً في ظل التجاذبات بين باماكو والعديد من الأطراف الخارجية.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2023، طرد المجلس العسكري في هذا البلد بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار (مينوسما) التي كانت لديها قوة تتألف من 15 ألف جندي وشرطي، وعملت هذه البعثة لأعوام على حفظ السلام في البلاد.
وقال الباحث السياسي المالي، كونتا علي، إن "ما يحصل في مالي الآن ليس حصاراً إذ ليس هناك تطويق لباماكو لقطع الإمدادات والمساعدات وعزلها عن بقية العالم، ولا توجد نقاط لقطع الطرق وردع المركبات من الدخول والخروج، ما يجري في مالي هو منع المركبات المحملة بالوقود من دخول كبريات المدن وذلك باستهدافها من خلال شن هجمات خاطفة ومن ثمّ العودة إلى الغابات".
وتابع علي "لا يُمكن لأي تحالف دولي أو قارّي حماية الماليين لأن هذا واجب الماليين أنفسهم، وبالتالي أي دعم موجه لصد الإرهاب يجب أن يتجاوب مع المتطلبات على أرض الواقع. فتجربة الأمم المتحدة من خلال بعثتها لحفظ السلام في مالي كشفت عجزها ومحدوديّتها، وقد طالبت مالي بتفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حتى تتمكن البعثة من محاربة الإرهاب عوضاً عن إبقائها على مهمة حفظ السلام".
وشدد على أنه "حينما امتنع المجتمع الدولي عن تفعيل البند السابع أدى ذلك إلى مطالبة مالي بخروجها، وبالتالي يصعب عودتها، قد يعود المجتمع الدولي من خلال دعم الجيش المالي لوجستياً ومادياً لكن شرط التنسيق مع القوات المسلحة واحترام سيادة الشعب".
غموض كبير
مالي ليست الهدف الوحيد لـ"القاعدة" في أفريقيا، إذ شنّ التنظيم أخيراً أولى هجماته على نيجيريا ما يعكس طموحات إقليمية متنامية، وهو ما يثير مخاوف من انهيار سريع لجيوش القارة التي أنهكتها الصراعات وحركات التمرّد.
وبات التنظيم في الأعوام الماضية أكثر جرأة في شن هجماته فقد تمكن قبل أشهر من السيطرة على ثكنة عسكرية للجيش في مدينة ديابجا بمقاطعة تابوا شرق بوركينا فاسو، وهو ما يعكس نقلة نوعية في هجماته بشكل يمكنه من غنم أسلحة ومعدات عسكرية ضخمة.
وفي الصومال، نجحت "حركة الشباب" الموالية إلى تنظيم "القاعدة" في تعزيز نفوذها مستفيدة من عجز الحكومة المركزية، وسيطرت منذ أشهر على العديد من البلدات وهاجمت قواعد عسكرية أميركية.
وعدّ الباحث السياسي والأمني المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد أوال، أن "هناك غموضاً كبيراً يخيم على دعوة الاتحاد الأفريقي، خصوصاً في ظل غياب التنسيق الدولي وتحوّل أفريقيا إلى ساحة للتنافس الجيوسياسي بين روسيا والصين من جهة والغرب وتركيا من جهة أخرى".
وأوضح أوال في تصريح خاص أنه "من الصعب جداً أن نرى توافقاً بين هذه الأطراف لتشكيل وحدات عسكرية مشتركة تستهدف تنظيم ‘القاعدة‘ في دول أفريقية، فروسيا التي عزّزت نفوذها بصورة كبيرة لن تسمح بذلك، وقد تضطرّ إلى استخدام حق النقض (الفيتو) في أي محفل دولي لمنع خطوة كهذه، لأنها مستفيدة مباشرة من التطورات الأمنية في القارة حيث تستنجد بها الكثير من الدول الآن على غرار مالي والنيجر وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى".
وأردف أن "الإشكالية في أن روسيا لم تحقق النتائج المرجوّة منها، فيما خسرت دول المنطقة الكثير، لا سيما مع فقدان الولايات المتحدة الأميركية قاعدة أغاديز التي كانت تتيح مراقبة التنظيمات الإرهابية بشكل سلس، وبالتالي يبدو الوضع معقداً للغاية، وأستبعد أن يتم التوصل إلى تفاهمات في شأن إنشاء تحالف دولي لمحاربة ‘القاعدة‘ في القارة السمراء".
فيتو صيني – روسي
وبالفعل، يُعد التنافس الدولي على أفريقيا من أبرز العقبات التي تقف بوجه تشكيل قوة دولية لمحاربة "القاعدة"، إذ لم تعلّق الدول المعنية بعد على دعوة الاتحاد الأفريقي.
وقال الباحث السياسي في الشؤون الأفريقية والأوروبية، حمدي جوارا، إنه "من الصعب جداً تنظيم تشكيل كهذا في الوقت الراهن وذلك لاعتبارات عدة أهمها انقسام المجتمع الدولي، فروسيا متحالفة مع الصين، وقرار كهذا لا بد أن يحظى بتأييد في مجلس الأمن الدولي، لكن روسيا أو الصين قد ترفعان الفيتو ضد أي تدخل سواءً في مالي أو غيرها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع جوارا "كذلك موقف الاتحاد الأفريقي ضعيف، إذ لم يساند مالي منذ بداية الأزمة الأمنية وحتى الآن، بل شاركت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في حصار ضد مالي، فلا ندري كيف وماذا يمكنه تقديمه الآن؟ لذلك يجب أن تتوافر إرادة سياسية قوية لحل أزمة الاتحاد الأفريقي مع مالي أولاً، لا سيما مع استمرار تعليق عضوية البلاد في مؤسسات الاتحاد الأفريقي منذ ثلاثة أعوام".
وفي ظل تصاعد الفجوة بين الفاعلين الدوليين في أفريقيا بسبب التنافس على النفوذ والمعادن النادرة، فإن الوضع الأمني مرشح إلى المزيد من التفاقم، خصوصاً في مناطق ساخنة مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية حيث تستغل التنظيمات الإرهابية الفوضى الأمنية هناك لترسيخ موطئ قدم لها.