ملخص
الجمهوري الثري، يأمل عبر منظمته العقارية في مواصلة استثماراته في المملكة التي تهيمن على ثلثي مساحة الجزيرة العربية
في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي، وأثناء توجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى فلوريدا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع قال في رده على سؤال صحافي حول زيارة ولي عهد السعودية إلى واشنطن، "إنه أكثر من مجرد لقاء، نحن نُكرم المملكة العربية السعودية، وولي العهد".
تلخص هذه الجملة حجم المكانة التي يحتلها ملهم السعوديين وعراب رؤيتهم، الأمير محمد بن سلمان، لدى أهم صانع قرار في أقوى دولة في العالم، دونالد ترمب.
وبدأ البيت الأبيض بنصب أعلام السعودية، وعمل بروفات لمدافع الترحيب بالضيف الذي يزور واشنطن غداً بعد نحو 7 سنوات.
ومنذ أشهر بدأت تحظى الزيارة باهتمام وسائل الإعلام الأميركية، بدءاً من مراسمها التي ذكرت أن حجم الضيافة قد بلغ منزلة زيارة "دولة رئيس"، وهو حدث استثنائي لضيف يراه ترمب والأميركيون استثنائياً.
ثمة أمر ربما يعد أحد مرتكزات الزيارة في لقاء الزعيمين، فبجانب القضايا السياسية، هناك الشراكة والاستثمار.
فالجمهوري الثري، يأمل عبر منظمته العقارية في مواصلة استثماراته في المملكة التي تهيمن على ثلثي مساحة الجزيرة العربية.
والحديث عن الاستثمار لدى ترمب يتعدى ما وراء كرسي الرئاسة ويعكس ثقة الملياردير الأميركي في الرؤية التي يحمل بعضاً من تفاصيلها الأمير الشاب خلال زيارته الثلثاء.
الدرعية
وثمة أحاديث تشير إلى أن ترمب يعتزم إكمال عقد استثماراته الأربعة في السعودية في مشروع "الدرعية" (عاصمة الدولة السعودية الأولى) وهو المشروع الواعد المملوك لصندوق الاستثمارات العامة، والذي تفوق قيمته أكثر من 236 مليار ريال سعودي (أي ما يعادل تقريباً 63 مليار دولار أميركي).
ويؤكد ذلك جيري إنزيريلو الرئيس التنفيذي للمشروع، وهو صديق قديم لترمب، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية "سنعلن قريباً"، وأضاف أن إتمام الصفقة من قبل منظمة ترمب "مسألة وقت فقط".
#الديوان_الملكي: بناء على توجيه #خادم_الحرمين_الشريفين، واستجابة للدعوة المقدمة لسمو #ولي_العهد رئيس مجلس الوزراء من فخامة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فقد غادر سموه -بحفظ الله ورعايته- اليوم الاثنين متوجهًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في زيارة عمل رسمية يلتقي خلالها… pic.twitter.com/74D9sGmeVc
— واس الأخبار الملكية (@spagov) November 17, 2025
والدرعية بحيّها الأشهر "الطريف" أحد المواقع المسجلة في قائمة اليونيسكو للتراث والثقافة، وهي تختزل في روح جدرانها الطينية العتيقة عراقة أكثر من 600 عام من الأصالة والتاريخ.
وزارها ترمب وفق رئيسها التنفيذي خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية في مايو (أيار) الماضي، كذلك أشار جيري إنزيريلو إلى أن المسؤولين السعوديين عرضوا على ترمب نماذج معمارية من مشروع الدرعية، مقربين منه من موقع "مطور عقاري" وليس فقط كرئيس دولة".
وقال، "لقد كنا محظوظين، وربما كان من الذكاء أن نقول: حسناً، دعونا نلجأ إليه كمطور عقاري وليس كرئيس، وقد أعجبه ذلك".
السعودية أعلى الدول الخليجية استثماراً لترمب
بالنظر لترمب بعيداً من كرسي الرئاسة واستثماراته في الخليج، نجد أن السعودية أكثر البلدان الست في نصيب استثماراته، تليها الإمارات، وقطر وعمان.
ففي السعودية، 4 مشاريع معلنة، وهي؛ برج Trump في جدة الساحلية المشاطئة للبحر الأحمر، وبرج آخر تحت مسمى Trump Plaza، ومشروعان في الرياض بالتعاون مع "دار غلوبال". وثمة أحاديث عن مشاريع أخرى.
وتصل تكلفة "برج ترمب" بجدة لنحو 2 مليار ريال سعودي (نحو 532 مليون دولار)، وهو مشروع عقاري فاخر تحت الإنشاء، ستطوره شركة "دار غلوبال" بالشراكة مع منظمة ترمب.
ويضم 47 طابقاً، يتميز بإطلالات بحرية خلابة، ويتضمن شققاً فاخرة ووحدات بنتهاوس. ويهدف إلى أن يكون أيقونة معمارية في المدينة ودعماً لأهداف "رؤية 2030".
كيمياء العلاقة
هذه الاستثمارات ربما تبرز الكيمياء التي خلقها اللقاء الأول بين الزعيمين في مارس (آذار) 2017، وهو أول لقاء منذ تنصيب ترمب في ولايته الأولى مع الأمير الذي كان يشغل حينها منصب ولي ولي عهد المملكة، ويقود اليوم جهود بلاده لإنعاش المالية العامة من خلال تنويع الاقتصاد بعيداً من الاعتماد على عائدات النفط الخام المتراجعة.
وفي اللقاء الأخير في العاصمة الرياض، خلال كلمة ألقاها ترمب في المنتدى الاستثماري السعودي- الأميركي، وصف الأمير بـ"الرجل العظيم الذي لا مثيل له"، مشيداً بدوره القيادي ومكانته العالمية. معبراً عن سعادته بزيارة المملكة، وقال "شرف لي أن أكون في المملكة مجدداً".
أبعد من السياسة
ينظر المحللون إلى العلاقات الأميركية- السعودية على أنها أبعد من علاقات سياسية وحسب، بل تمتد لشراكات استراتيجية من ناحية، وأخرى على مستوى التقدير المتبادل بين شخصيهما.
وأيضاً هي علاقة تعزز النفوذ الاقتصادي الأميركي.
ووفق أجندة الزيارة المرتقبة، هناك قمة استثمارية سعودية-أميركية مقرّرة في مركز جون أف. كينيدي للفنون بواشنطن، وهي القمة التي يتم تنظيمها بالتعاون بين وزارة الاستثمار السعودية والمجلس التجاري الأميركي- السعودي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أفضل حالاتها
يرى الكاتب السعودي، عبد الرحمن الراشد أن العلاقات السعودية- الأميركية لها الحيّز الأكبر في الزيارة، فهي اليوم في أفضل مراحلها وأكثرها ازدهاراً.
ويضيف في مقالة نشرتها الزميلة "الشرق الأوسط" أن "هناك ملفات كبيرة أبرزها مشروع الطاقة النووية، والاتفاقية الدفاعية والتسلح النوعي، مع مئات من الاتفاقات والمشاريع الاقتصادية التي تحظى بقليل من متابعة الإعلام على رغم أهميتها".
علاقة استثنائية
ومع أن علاقة الرياض الاستراتيجية بواشنطن راسخة، وفق الراشد، "وعلى رغم أن علاقة الأمير بالرئيس استثنائية، فقد حافظ على مصالح السعودية الواسعة مع المصادر الأخرى المهمة اقتصادياً وسياسياً من دون أن يتركها حكراً على طرف واحد".
وهذه العلاقة المتوازنة كما يصفها الكاتب السياسي "لا تنفي العلاقة الخاصة مع واشنطن التي ازدهرت أكثر مع ترمب". ويضيف "الوضع اليوم وصل إلى حد يمكن مقارنته بمرحلة أواخر الحرب العالمية الثانية، من حيث إعادة ترتيبات العلاقات الدولية. ففي عام 1945 طلب الرئيس الأميركي روزفلت لقاء الملك عبد العزيز، وعُقدت قمة "بارجة كوينسي" الشهيرة التي أسَّست لمرحلة مهمة وطويلة في علاقات البلدين في ظل التوازن العالمي".
"أهمية لقاء الأمير والرئيس"
ويقول الراشد في مقالته التي حملت عنوان "أهمية لقاء الأمير والرئيس"، "سياسة ولاية ترمب الثانية واستراتيجيته الخارجية ملامحهما أكثر وضوحاً وجرأة وسط تنافس الأقطاب؛ فهي تسير بالتحالف مع القوى الاقتصادية الناجحة وليس العسكرية فقط".
فهي- أي السعودية- "قوة اقتصادية"، بوصف الراشد وتكمن "أهمية السعودية كونها دولة محورية إقليمية وإسلامية، وفاعلاً أساسياً في أمن الطاقة وإمداداتها، واليوم هي قوة اقتصادية تواصل الصعود ضمن مجموعة العشرين، وشريك استثماري كبير للولايات المتحدة. وليس من المبالغة القول إن نجاح العلاقات السعودية- الأميركية له انعكاس كبير على استقرار المنطقة وازدهارها".
وبحكم هذه الرابطة الرسمية والشخصية بين الرئيس والأمير، كما كتب الراشد "فالتوقعات كثيرة حول انعكاساتها على علاقة البلدين والمنطقة. في واشنطن سمعت نقاشات فكرية حول ما قد تنجزه وتداعياتها حول السلام مع إسرائيل، والعلاقة مع إيران، والتوازن الجيوسياسي والدولي في المنطقة، وترسية علاقة ثنائية بين الرياض وواشنطن اقتصادياً وعسكرياً ونووياً إلى منتصف القرن الحالي، وربما أبعد من ذلك".