Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب والسعودية: زيارة ثانية في زمن الحسابات الصعبة

إذا كان الرئيس الأميركي يؤمن بأن التاريخ يعيد نفسه مع عودته للرياض فإن واقع الشرق الأوسط يثبت العكس تماماً

الرئيس ترمب مصافحاً الأمير محمد بن سلمان في قمة العشرين في اليابان 2019 (أ ف ب)

ملخص

سيعود الرئيس ترمب إلى السعودية بينما تتلمس المنطقة مشهداً جيوسياسياً متغيراً عما كان عليه الوضع في ولايته الأولى، لكن الثابت أنه سيجد شركاء مستعدين لدعم رؤيته للعلاقة الأميركية مع الدول الإسلامية والعربية، والتي وضع خطوطها العريضة في خطابه الطويل قبل 8 سنوات.

مرة أخرى ستكون السعودية، لا كندا ولا المكسيك، كما اعتاد الرؤساء الأميركيون، الوجهة الأولى للرئيس دونالد ترمب في الرحلة التي قد يجريها في مايو (أيار) المقبل. ومن المؤكد أن هذه الرحلة ستثير لدى الرئيس ذكريات زيارته الرياض عام 2017 عندما استُقبل بحفاوة بالغة وألقى خطاباً لمدة 30 دقيقة أمام قادة الدول العربية والإسلامية أوضح فيه أولويات سياسته الخارجية.

لكن إذا كان الرئيس الأميركي يؤمن بأن التاريخ يعيد نفسه عندما يعود للرياض فإن واقع الشرق الأوسط يثبت عكس ذلك تماماً، إذ سيعود الرئيس ترمب إلى السعودية بينما تتلمس المنطقة مشهداً جيوسياسياً متغيراً عما كان عليه الوضع في ولايته الأولى، فدول مجلس التعاون الخليجي أقرب مما كانت عليه قبل نصف عقد، وروابط التعاون تعززت مع روسيا والصين، إضافة إلى أن السعودية استأنفت العلاقات مع إيران، وهي الدولة التي استنكر ترمب دورها في المنطقة 11 مرة في خطاب الرياض.

ومع ذلك فالثابت أن ترمب سيجد شركاء مستعدين لدعم رؤيته للعلاقة الأميركية مع الدول الإسلامية والعربية، والتي وضع خطوطها العريضة في خطابه الطويل قبل 8 سنوات، عندما أكد أن واشنطن لن "تفرض قيمها" ولن "تحاضر" الدول حول كيف يعيش شعوبها أو تتدخل في شؤون دينهم، بل ستسعى إلى العمل معها وفق المصالح المشتركة التي تضمن ازدهار المنطقة وأمنها.

وأوضح المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سام ويربيرغ لـ"اندبندنت عربية" أنه حتى الآن لم تتأكد بعد تواريخ زيارة ترمب للسعودية، لكنه قال إنها ستحدث في أقرب وقت ممكن لتأكيد قوة وأهمية العلاقة بين واشنطن والرياض، مشيراً إلى أن بلاده تتوقع أن تؤدي الزيارة المقبلة إلى نتائج إيجابية مهمة، ليس فقط على صعيد العلاقة الثنائية، ولكن أيضاً للسلام والازدهار في المنطقة بأكملها.

 

المعضلة الإيرانية بين التفاوض والقصف

يواجه الرئيس الأميركي تحدياً جديداً، وهو مواجهة إيران من دون إحباط جهود شركائه في التهدئة معها، بخاصة أن سياسة "الضغط الأقصى" التي تبنتها إدارته الأولى لم تثمر في ردع إيران أو وقف تدخلاتها في دول المنطقة، بل واصلت طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، مما يقربها من تجاوز العتبة النووية، وهي حال تصل فيها إلى القدرة على إنتاج سلاح نووي خلال أسابيع أو أشهر كما أوضحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعدد من الدول الأوروبية.

هذه المخاوف الغربية محسوسة أيضاً في واشنطن وعبر عنها مستشار ترمب للأمن القومي مايك والتز عندما دعا إلى "التفكيك الكامل" للبرنامج النووي الإيراني. وتطرح التساؤلات في هذا السياق حول إمكان توصل واشنطن إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، بخاصة أن معظم القيود المفروضة عليها وفق اتفاق 2015 الذي انسحب منه ترمب سترفع بحلول أكتوبر 2025، وهو آخر موعد يسمح فيه للغرب بتطبيق عقوبات "سناب باك"، مما يصعب العودة إليه، ويحتم التفاوض على اتفاق جديد، وفق "المجلس الأطلسي".

وفي ضوء هذا التحدي أوضح ترمب أن البديل عن الاتفاق هو قصف إيران في حال رفضت عرضه بالتفاوض على اتفاق جديد من شأنه إيقاف برنامجها النووي، وبعث الرئيس بحسب التقارير رسالة للمرشد الإيراني يحثه فيها على بدء المفاوضات المباشرة، وهو ما رفضته إيران رسمياً في رسالة سلمت للأميركيين عبر سلطنة عمان، وفق ما أكده الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ومع ذلك أبقت إيران على احتمال استئناف المفاوضات غير المباشرة، كما أشارت تقارير أن ترمب يفكر جدياً في التفاوض غير المباشر.

 

ويوضح الباحث الأميركي المتخصص بالشأن الإيراني جيسون برودسكي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن الرئيس الأميركي سيستخدم الدبلوماسية القسرية، كما فعل مع "حماس" في غزة، أي إنه سيهدد باستخدام القوة العسكرية لإجبار إيران على تغيير سياستها، مشيراً إلى أهمية تحديد "موعد نهائي" لأي مسار دبلوماسي مع إيران وأن يكون التفكيك الكامل لبرنامجها النووي مطلباً أميركياً ثابتاً. ومع ذلك يعتقد الباحث أن طهران ليست في وضع يسمح لها بالموافقة على هذا المطلب، فهي لا تزال تتحدث بلغة الاتفاق النووي الذي أبرمه باراك أوباما، واختلاف وجهات النظر، يزيد من احتمال الضربات العسكرية الأميركية أو الإسرائيلية.

قراءة في الموقف السعودي

يرى هشام الغنام، وهو باحث سعودي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن "عودة العلاقات السعودية - الإيرانية تعقد موقف الرئيس ترمب المناهض لإيران، ففي عام 2017 بنى جبهة بقيادة سعودية ضد طهران، وانسحب من الاتفاق النووي عام 2018، لكن السعودية تعطي حالياً الأولوية للاستقرار مع إيران"، محذراً من أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب، سواءً بالحرب أو بالاتفاق، يهدد هذا التوازن، مما قد يدفع السعودية إلى تعزيز سياساتها الحالية ومصالحاتها في المنطقة مع إيران وغيرها".

وأوضح الغنام أن التصعيد الأميركي قد يجبر الرياض على اختيار أحد الجانبين، إما دعم ترمب، أو البقاء على الحياد وتعزيز التعاون مع الصين وروسيا، وذلك قد يوتر العلاقات مع أميركا، لكنه يدعم هدف السعودية في التركيز على الاقتصاد على حساب الصراع.

 

وبعد أيام من تأكيد ترمب زيارته المرتقبة إلى السعودية أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اتصالاً هاتفياً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تطرق إلى التطورات الإقليمية. وأشارت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" إلى انفتاح الجانب الإيراني تجاه التفاوض، إذ نقلت عن بزشكيان تأكيده للسعودية أن إيران "لا تبحث عن الحرب" وأنها "مستعدة لـ"التفاوض من أجل حل بعض التوترات على أساس المصالح والاحترام المتبادل".

وتشير كارين إليوت هاوس رئيسة تحرير "وول ستريت" جورنال سابقاً إلى التحولات في خريطة التحالفات الإقليمية قائلة إنه إذا كان ترمب يسعى إلى الاستقرار بدلاً من تحقيق إنجازات إعلامية سريعة، فإن السعودية في موقع مثالي للعب دور الوسيط، لأن ولي العهد السعودي أصبح يتمتع بعلاقات مع الصين وروسيا وحتى إيران، ويسعى الآن إلى التوسط بين واشنطن وطهران.

 

توقعات باجتماع عربي

وفي مكالمة هاتفية مع "اندبندنت عربية" توقع مساعد وزير الخارجية المصري السابق محمد حجازي الدعوة إلى قمة عربية – أميركية في الرياض، نظراً إلى أن الرئيس الأميركي لن يستطيع ترمب زيارة جميع الدول العربية، ومن أهمها لأجندته الإقليمية مصر والأردن، معتبراً أنها فرصة لعرض الخطة المصرية في شأن غزة التي توافقت عليها البلدان العربية، وتوقع إرساء الهدنة التي تنصلت منها إسرائيل في غزة قبل زيارة ترمب للمنطقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واللافت في تصريح ترمب عن زيارته الإقليمية أنه تجاهل إسرائيل، إذ قال إنه سيتوقف في الإمارات وقطر بعد السعودية، وفي هذا السياق يرى حجازي أن الزيارة المرتقبة لترمب ليست مرتبطة مباشرة بإسرائيل، بل بالطموحات الأميركية الاستراتيجية في السعودية، فترمب على حد قوله يدرك جيداً أهداف إسرائيل، ولا يحتاج إلى زيارتها، لكنه يرى فرصة تاريخية في المجيء للرياض وتعزيز التعاون معها.

من جانبه يقول الغنام الذي يشرف على برنامج الأمن الوطني في جامعة نايف العربية بالرياض إن "تخطي ترمب إسرائيل في جولته من تداعيات حرب غزة، حيث تعثرت المساعي الأميركية لإقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل، وترمب يريد تجنب عبء إسرائيل الإقليمي والتعاون مع دول الخليج الثرية، وهذا في المقابل قد يثير حفيظة إسرائيل، التي تتوقع دعماً أميركياً ضد إيران".

وأضاف، "برأيي أن ترمب يعطي الأولوية لنفوذ السعودية والخليج على طهران وقدرتهم على التأثير عليها بعيداً من موقف إسرائيل الصفري التصعيدي الذي قد يورط أميركا. الأكيد في كل هذا أن السعودية لا تريد أي اضطرابات أو تصعيد وستكون هذه الرسالة الأساسية في زيارة ترمب".

خيارا التهدئة والتصعيد

الموقف الإسرائيلي "الصفري"، بحسب وصف الباحث السعودي، يتكرر أيضاً في حديث المسؤول المصري السابق الذي يقول إن "إسرائيل تحرض واشنطن على تبني رؤية عسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني، لكن دول المنطقة يمكن أن تدفع نحو التركيز على تحجيم البرنامج ومنع طهران من تطوير سلاح نووي".

وأوضح حجازي أن "إسرائيل تسعى إلى استدراج الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، لكن هناك مخاوف من أن تؤدي هذه المواجهة إلى اضطراب أسواق الطاقة وتفاقم التوترات الإقليمية. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن احتواء إيران وتقليل إمداداتها النفطية إلى الصين، إضافة إلى عزلها عن تحالفها مع روسيا، يشكل أولوية استراتيجية".

السعودية بين روسيا وأميركا

من المتوقع أن يحضر ملف الوساطة بين الولايات المتحدة وروسيا في أجندة ترمب في الرياض، وذلك في ضوء الدور الذي لعبته السعودية أخيراً عبر استضافة محادثات بين موسكو وواشنطن، ومن ثم بين كييف وواشنطن. وقد صرح ترمب بأن السعودية مكان محتمل لاستضافة قمته مع بوتين، لكن لم يتأكد رسمياً موعد وموقع إقامتها.

واستبعد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في الثاني من أبريل (نيسان) الجاري عقد القمة الرئاسية خلال زيارة ترمب في مايو، وقال خلال إحاطة صحافية يومية إن "هذه خطط ترمب، ولا علاقة لها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، مجدداً التأكيد أنه لم يتم الاتفاق بعد على موعد ومكان انعقاد القمة.

 

وعلى رغم أن الرئيس ترمب تعهد إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية فور توليه منصبه فإنه حتى الآن يواجه صعوبة في إقناع طرفي الصراع بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، وسط ضغوط غربية بعدم التنازل لموسكو. في المقابل، انتقدت روسيا خطة السلام الأميركية للمرة الأولى الأسبوع الماضي، قائلة إنها ركزت على تحقيق وقف إطلاق النار من دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع".

وأشار المتحدث الإقليمي للخارجية الأميركية إلى أن "الزيارة ستكون فرصة للرئيس ترمب لشكر القيادة السعودية وجهاً لوجه، على قيادة المملكة في استضافة المحادثات المتعلقة بالعلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا والجهود المبذولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا".

الدبلوماسية النفطية

يرى مراقبون أن العلاقات السعودية – الروسية التي عمقها التعاون النفطي عبر منظومة "أوبك+" والصلات الوثيقة بين الرئيس الروسي وولي العهد السعودي قد تساعد على تقريب وجهات النظر بين روسيا والولايات المتحدة، بخاصة أن ولاية ترمب الأولى شهدت تنسيقاً لافتاً حول ملف النفط على مستوى قيادات الدول الثلاث.

ففي أعقاب انخفاض أسعار النفط في 2020 على خلفية الخلاف بين روسيا والسعودية، توصل الطرفان إلى اتفاق لخفض الإنتاج، وهو ما كانت تدعمه واشنطن لتفادي انهيار شركات النفط الأميركية وتسريح آلاف الموظفين. وأجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس ترمب والرئيس بوتين اتصالاً مشتركاً في التاسع من أبريل 2020 استعرضوا فيه "الجهود المبذولة للمحافظة على استقرار أسواق الطاقة".

وأوضح الباحث السعودي في شؤون الطاقة عبدالعزيز المقبل أن أدوار "أوبك+" المتعاظمة بصورة متزايدة، بخاصة في الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم في السنوات الخمس الماضية أسهمت في تقوية القنوات الاتصالية بين السعودية وروسيا، مما انعكس على محادثات السلام التي استضافتها السعودية في شأن الحرب الأوكرانية. وقال، "(أوبك+) تبذل جهداً دبلوماسياً دولياً لا يستهان به وتأثيرها لا يقتصر على أسواق النفط".

وتوقع المقبل أن يكون ملف الطاقة مدرجاً في أجندة ترمب في الرياض، بخاصة في ظل تداعيات أزمة البحر الأحمر، لكنه أشار إلى أن التعاون في هذا الملف لن يقتصر على حجم صادرات المنطقة، بل سيشمل استثمارات ومشاريع جديدة في الطاقة المتجددة. وفيما يتعلق بتأثير الوضع الاقتصادي العالمي على أسعار النفط أشار إلى أن "النفط كسلعة استراتيجية يبحث عن فرص للنمو، لكن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وحرب التعريفة التي شنتها الإدارة الأميركية تمثل ضغوطاً إضافية على السوق".

وفيما يتعلق بتأثير سياسات ترمب في دول "أوبك" بعد تعهده إطلاق العنان للصناعة النفطية الأميركية، أكد المقبل أن "العنان تم إطلاقه حتى قبل عودة ترمب"، إذ شهدت صناعة النفط الأميركية توسعاً كبيراً قبل الانهيار السعري عام 2020. وأضاف أن تنفيذ الوعود الانتخابية لا يعتمد فحسب على رغبة الجمهور، بل يتطلب تغييرات هيكلية في الشركات الأميركية، وهو ما يحدث بالفعل، إذ تحولت من مجرد التوسع إلى منهجية تركز على العوائد المالية والاستثمارية.

المزيد من تحقيقات ومطولات