Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فضائح الفساد تضع زيلينسكي تحت ضغط في كييف وبروكسل

مواطنوه يهتفون ضده "لا تقلق يا فوفا، الدولارات في أمان" ورئيس الحكومة المجرية يطالب بوقف التمويل لدولة "تعمها الفوضى"

خلال مظاهرة ضد قانون ينتقص من استقلال هيئات مكافحة الفساد، كييف، 24 يوليو 2025 (أ ف ب)

ملخص

"لا تقلق يا فوفا، الدولارات في أمان"، هذا ما خرجت التظاهرات في شوارع العاصمة كييف تردده في أعقاب الكشف عن فضيحة مينديتش رجل الأعمال الشريك السابق للرئيس الأوكراني في ملكية فرقة "كفارتال- 95" المسرحية، التي بدأ فيها زيلينسكي نشاطه الفني "الكوميدي" في مطلع القرن الحالي، و"فوفا" لغير العارفين بالتقاليد السلافية هو كنية التدليل لاسم "فلاديمير"، والنداء يحمل في طياته إشارة إلى اتهام الرئيس الأوكراني بالتورط في هذه "الجريمة".

لم تكن أصداء ما تردد من "مزاعم" حول تورط قرينة الرئيس الأوكراني يلينا زيلينسكايا في فضيحة مشترياتها من الذهب، التي بلغت قيمتها ما يقارب مليون دولار قد خفتت بعد، حتى تعالت من جديد فضيحة شريك فلاديمير زيلينسكي في فرقته المسرحية "كفارتال- 95" ورفيقه وجاره في مسكنه الفاخر في أحد أبراج وسط العاصمة تيمور مينديتش.

وكان زيلينسكي قد تراجع تحت ضغط الشارع الأوكراني وما اجتاحه من تظاهرات احتجاجاً على مشروع قانون تقدم به الحزب الحاكم "خادم الشعب"، الذي خاض معه زيلينسكي انتخابات الرئاسة الماضية، بهدف الحد من استقلالية المكتب الوطني لمكافحة الفساد وإخضاعه لتبعية مكتب المدعي العام في أوكرانيا.

ولعل من المفارقات الصارخة في هذا الصدد ما سبق ورفعه زيلينسكي من شعارات خلال حملته الانتخابية التي خاضها عام 2019، وكان في صدارتها "مكافحة الفساد"، فضلاً عن وعوده الانتخابية لمواطني مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك حول التعهد بحماية "حقوقهم القومية" وفي مقدمها الحفاظ على "وضعية اللغة الروسية" في جنوب شرقي أوكرانيا.

وكانت صحيفة "برلينر تسايتونغ" تناولت، نقلاً عن التقرير الأوروبي، هذه الأمور بما ذكرته حول أن "بروكسل تنتقد أوكرانيا"، وأنها "ترى محاولات لإخضاع هيئات مكافحة الفساد في كييف للسيطرة السياسية".

الدولارات في أمان

"لا تقلق يا فوفا، الدولارات في أمان"، هذا ما خرجت التظاهرات في شوارع العاصمة كييف تردده في أعقاب الكشف عن فضيحة مينديتش رجل الأعمال الشريك السابق للرئيس الأوكراني في ملكية فرقة "كفارتال- 95" المسرحية، التي بدأ فيها زيلينسكي نشاطه الفني "الكوميدي" في مطلع القرن الحالي، و"فوفا" لغير العارفين بالتقاليد السلافية هو كنية التدليل لاسم "فلاديمير"، والنداء يحمل في طياته إشارة إلى اتهام الرئيس الأوكراني بالتورط في هذه "الجريمة".

 

تقول المصادر الأوكرانية إن تيمور مينديتش ومعه رجل أعمال متهم آخر هو ألكسندر تسوكرمان، فرا هاربين من البلاد، بعد إخطارهما مسبقاً، على متن سيارة أجرة فارهة من طراز "مرسيدس" في الساعة الثانية وعشر دقائق بعد منتصف الليل إلى بولندا ومنها إلى إسرائيل، وننقل عن "الفيجارو" الفرنسية ما قالته الموظفة في المكتب الوطني لمكافحة الفساد في كييف تاتيانا شيفتشوك، "إن علم الرئيس وتقصيره في التصرف، أو جهله بما كان يحدث، أمر بالغ الخطر، لأنه يؤثر في دائرته المقربة وفي أكبر شركة طاقة مملوكة للدولة"، مضيفة "الأوكرانيون غاضبون للغاية، ويطالبون بمحاسبة السلطات".

وقالت الصحيفة الفرنسية إن هذه "الفضيحة" جاءت في وقت شديد الحرج بالنسبة إلى كييف على الصعيد الدولي، وفي خضم مفاوضات خاصة بعقد "اتفاق قرض جديد" مع صندوق النقد الدولي، وقد عقد أعضاء "مجموعة السبع" الكبار اجتماعاً طارئاً حضرته رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا سفيريدينكو، في إشارة لا تخلو من مغزى، مما يعني أن الشركاء يواصلون تقديم الدعم الشامل، لكنهم يتوقعون رداً قوياً وموثوقاً به من الحكومة الأوكرانية.

وخلص مصدر مطلع على المناقشات إلى أن "هذين الأمرين وجهان لعملة واحدة: فكلما زادت فعالية المكتب الوطني لمكافحة الفساد، زاد حجم مشكلات الفساد المُكتشفة، مما يُظهر أن أوكرانيا تبذل جهوداً لمكافحة الفساد، لكنها تحتاج أيضاً إلى إثبات قدرتها على الاستجابة للأزمات".

البداية من زيلينسكي

ويذكر المراقبون ما حاول به أنصار الحزب الحاكم "خادم الشعب" خلال الصيف الماضي إخضاع المكتب الوطني لمكافحة الفساد، وهو المكتب الذي سبق ووقفت الدوائر الغربية وراء تأسيسه من أجل ضمان مكافحة الفساد في أوكرانيا "بصورة مستقلة" كأحد الشروط اللازمة لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وكان "مجلس الرادا" (البرلمان الأوكراني) وافق في الـ22 من يوليو (تموز) الماضي على مشروع القانون المقدم من جانب الحزب الحاكم، فيما وقع الرئيس زيلينسكي هذه الوثيقة، لكنه تحت ضغط الشارع الأوكراني تراجع عنها معلناً موافقته على مبادرة تشريعية مضادة من شأنها تعزيز استقلالية الهيئات الرقابية، بعدما وافق البرلمان الأوكراني في الـ31 من يوليو الماضي على مشروع قانون إعادة الاستقلالية إلى المكتب الوطني لمكافحة الفساد، والمكتب الخاص للنائب العام في القراءتين الأولى والثانية، ووقع زيلينسكي عليه في اليوم نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان الشارع الأوكراني سبق وتناقل ما تناولته الصحف الغربية من "مزاعم" تورط قرينة الرئيس خلال زيارة زيلينسكي لنيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في شراء مجوهرات ومشغولات يقدر ثمنها بما يقارب مليون دولار، فضلاً عن كثير من الإشاعات التي طاردت زيلينسكي وقرينته، وكلها تتعلق بوقائع فساد واختلاس أموال من المخصصات الأميركية لدعم وتسليح القوات المسلحة الأوكرانية، وهو ما حرص الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الإشارة إليه على نحو غير مباشر لدى حديثه عن تدفق الدعم الأميركي على النظام الأوكراني من دون حسيب أو رقيب، وكان الحديث في هذا الصدد يتناول ما يقدر بـ350 مليار دولار، لم يعترف زيلينسكي منها إلا بما يقارب 100 مليار، بحسب تقديراته.

هروب إلى إسرائيل

وجاءت الواقعة الأخيرة التي تؤكد تورط شريك زيلينسكي وصديقه منذ النشاط المشترك في فرقتهما المسرحية "كفارتال 95" تيمور مينديتش، لتؤكد اختلاس 100 مليون دولار من الأموال المخصصة لتطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة، وقالت المصادر الأوكرانية إن لجان التفتيش دهمت مسكن مينديتش بعد منتصف الليل، وعثرت على كثير من الحقائب مليئة برزم الأوراق المالية من العملات الأجنبية، غير أنها لم تستطع اعتقال المتهم الذي كان قد فر هارباً في تمام الساعة الثانية وعشر دقائق بعد منتصف الليل، أي قبل وصول لجان التفتيش بقرابة الساعة، إلى بولندا ومنها إلى إسرائيل التي يحمل جنسيتها، مما يشير بإصبع الاتهام إلى آخرين من زملاء له في النسق الأعلى للسلطات الأوكرانية، على حد قول مصادر أوكرانية.

وما إن ذاع خبر دهم مسكن مينديتش وهروبه إلى بولندا حتى تقدم وزيران باستقالتهما، هما هيرمان غالوشينكو وزير العدل، وسفيتلانا غرينتشوك وزيرة الطاقة، وننقل عن صحيفة "فايننشيال تايمز" ما كتبته حول أن إدارة فلاديمير زيلينسكي تعرضت لضربة قاصمة مع تفجير أكبر فضيحة فساد في أوكرانيا، في تطور يهدد استقرار السلطات الأوكرانية، وقالت الصحيفة البريطانية إن التحقيقات كشفت عن أدلة مادية صادمة عن الفساد، ومنها ما يتعلق باكتشاف "مرحاض ذهبي وحقائب مليئة بالرزم المالية" خلال عمليات التفتيش، إضافة إلى "تسجيلات صوتية" لمناقشات حول "غسل الأموال"، مما أثار غضباً واسعاً بين الأوكرانيين.

وبحسب الصحيفة يحاول زيلينسكي جاهداً "وضع مسافة بينه وبين المتورطين في القضية"، وبخاصة صديقه ورفيقه تيمور مينديتش، المعروف بكنية "الحافظة المالية" لزيلينسكي، ومن هنا يحذر المحللون والسياسيون من أن التفاصيل الجديدة التي قد تظهر أثناء التحقيق يمكن أن تزعزع استقرار زيلينسكي بشكل أكبر.

كذلك دهم رجال المكتب الوطني لمكافحة الفساد منزل وزير الطاقة السابق غيرمان غالوشينكو ومقر شركة "إنيرغواتوم"، وبينما أعلن زيلينسكي فرض عقوبات على مينديتش وألكسندر تسوكرمان، المسؤول عن الشؤون المالية في مكتبه، أعلن "مجلس الرادا" عن عقد جلسة خاصة للنظر في أمر استقالة كل من غالوشينكو وسفيتلانا، وإن كانت المصادر الأوكرانية تؤكد أن الأمر يتعلق بالإقالة وليس الاستقالة.

في الشارع الأوكراني

ثمة من يقول من أنصار الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إن ردود الفعل على كل ما شهدته العاصمة كييف من أحداث تبدو أقرب إلى الصدمة تجاه ما جرى من وقائع كشفت عنها الهيئات المعنية بالكشف عن الفساد، وإن حملت ردود الفعل في طياتها بعض مشاهد التضامن مع زيلينسكي، فإنها تبدو في معظمها إدانة لسلوك بعض زملائه في القيادة الأوكرانية، كذلك فإن ما كشفت عنه التحقيقات وما عثرت عليه من أدلة مادية صادمة عن الفساد، ومنها ما يتعلق باكتشاف "مرحاض ذهبي وأكياس مليئة بالنقود" خلال عمليات التفتيش، إضافة إلى "تسجيلات صوتية" لمناقشات حول "غسل الأموال"، أثار كثيراً من الغضب والاستهجان الشديدين من جانب كثير من الأوكرانيين.

 

وفي السياق ذاته يمكن الإشارة إلى ما دعت إليه ناشطة أوكرانية حول الخروج في تظاهرة ضد السلطات الحالية في كييف احتجاجاً على الفساد. وكانت التظاهرات بدأت في الخروج إلى شوارع العاصمة الأوكرانية تحت شعارات تدعو إلى "نزول الميدان" وإقامة المخيمات احتجاجاً، على غرار ما جرى إبان موجتي "الثورة البرتقالية"، الأولى عام 2004، والثانية في 2014، وانتهت بالانقلاب على الرئيس الشرعي فيكتور يانوكوفيتش، وأسفرت عما نشهده من أحداث الأزمة الأوكرانية منذ اندلاعها في ذلك الحين.

وكشفت "تقارير إعلامية" عن استياء دوائر الاتحاد الأوروبي في بروكسل من محاولات فلاديمير زيلينسكي إخضاع المكتب الوطني لمكافحة الفساد، ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد لمكتب "النائب العام" في أوكرانيا، كذلك نقلت صحيفة "برلينر تسايتونغ" عن "التقرير الأوروبي" ما جاء حول أن "بروكسل تنتقد أوكرانيا"، و"ترى محاولات لإخضاع هيئات مكافحة الفساد في كييف للسيطرة السياسية".

وأشارت الصحيفة إلى أن "أحداً في قيادة الاتحاد الأوروبي لم يتوقع أن يخضع زيلينسكي هيئات مكافحة الفساد تحديداً للسيطرة السياسية"، وتناولت ما يتعلق بالأهداف التي من أجلها جرى "إنشاء هذه الهيئات في أوكرانيا من قبل الغرب لضمان مكافحة الفساد بصورة مستقلة"، وشكلت "شرطاً لمسار أوكرانيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

وثمة من يقول إن ما جرى كشفه أخيراً من وقائع صارخة عن الفساد في أوكرانيا، ومنه ما يتعلق بشخصيات رفيعة المستوى في النسق الأعلى للسلطة، يثير القلق المشروع لدى شركاء أوكرانيا وأنصارها في الدوائر الغربية، على رغم ما أبدته بعض القيادات في عدد من الدول الغربية من تضامن مع الرئيس الأوكراني، ومنها على سبيل المثال رئيس وزراء بولندا دونالد توسك، الذي كتب على منصات التواصل "عزيزي زيلينسكي، أيها الأصدقاء الأوكرانيون الأعزاء: لستم وحدكم"، كذلك ذكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قرار مساعدة أوكرانيا "كان صحيحاً".

وراء أقفال سبعة

وفي الوقت الذي تعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بأن بلاده "تقف مع أوكرانيا مهما طال الأمر"، خرج رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان ومعه رئيس حكومة سلوفاكيا روبرت فيتس ليؤكدا ما سبق أن صدر عنهما من تصريحات حول رفضهما تقديم الدعم المالي للحكومة الأوكرانية، وننقل عن المصادر المجرية ما قاله أوربان حول أن "الأحلام الذهبية لأوكرانيا في سبيلها إلى الانهيار، لن نرسل أموال الشعب المجري إلى أوكرانيا، بعد كل هذا نحن بالتأكيد لن نخضع للمطالب المالية وابتزاز رئيس نظام كييف"، فضلاً عما أكده أوربان بقوله "إن الوقت قد حان للاتحاد الأوروبي لإدراك أن مساعداته المالية تذهب إلى جيوب أعضاء حكومة زيلينسكي"، داعياً إلى وقف التمويل لدولة "تعمها الفوضى".

هناك أيضاً من التزم موقفاً أقرب ما يكون إلى "الدبلوماسية الهادئة" سعياً وراء احتواء الأزمة، ومن هؤلاء الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته، الذي سارع إلى الاتصال بزيلينسكي بعد تلك الحادثة، ونصحه بأن "يجد طريقة" لاستعادة علاقته مع ترمب، مع ضرورة "احترام" ما قدمته واشنطن لأوكرانيا سابقاً، بما قد يعني محاولة الحلف الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف.

وإلى أن تصدر الهيئات المعنية أحكامها تقف أوكرانيا ومعها العالم بأسره في انتظار الجديد من المعلومات والاعترافات عما لا يزال خافياً "وراء أقفال سبعة" وفق الأقوال المأثورة.

المزيد من تقارير