Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الزيتون… تراث لبنان الأخضر يتصدع تحت وطأة المناخ والحرب

وزير الزراعة اللبناني نزار هاني لـ"اندبندنت عربية": هذا الموسم هو أقل من المعدل السنوي الاعتيادي

تحدث الخبير الزراعي رولان عنداري عن انتشار بعض الأمراض التي تعرضت لها أشجار الزيتون (أ ف ب)

ملخص

يعد موسم الزيتون في لبنان هذه السنة الأسوأ لأسباب عدة، فمن ناحية تأخر موسم الأمطار مدة شهرين، وشهدت البلاد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة. وأدت حرب إسرائيل ضد "حزب الله" إلى خسارة 56 ألف شجرة زيتون معمرة في جنوب لبنان، وفتح تراجع المعروض الباب واسعاً أمام عمليات الغش والتهريب التي تحاول السلطات الأمنية قمعها.

تعد شجرة الزيتون من أعمق الرموز المتجذرة في الهوية اللبنانية، إذ ترتبط بتاريخ البلاد وثقافتها واقتصادها منذ آلاف السنين.

فهي شجرة معمرة تعكس صمود اللبنانيين وقدرتهم على الاستمرار على رغم الأزمات، وتُعد جزءاً أساسياً من المشهد الريفي في مختلف المناطق من الشمال إلى الجنوب. ولا يقتصر حضور الزيتون على الزراعة فحسب، بل يمتد إلى التراث الغذائي والطقوس الاجتماعية والرموز الدينية، حيث يُعتبر زيت الزيتون من أهم المنتجات اللبنانية محلياً وعالمياً.

ومع ازدياد الاهتمام بالزراعة المستدامة، تزداد أهمية هذه الشجرة التي تشكل ركيزة في الأمن الغذائي ومصدراً حيوياً للدخل لدى آلاف العائلات اللبنانية.

تقديرات سلبية لعام 2025

بعد جولة في حقل الزيتون خرجت سلمى مع وجه مكفهر وتنهيدات عميقة بسبب التقديرات السلبية للإنتاج، إن لناحية الكمية أو النوعية، فالزيتون الأخضر غاب عن الأشجار، كذلك فإن الثمار صغيرة مقارنة بما كان متوقعاً. واعتبرت السيدة الأربعينية أن الغاية من هذا الموسم تأمين ما تحتاج إليه عائلتها من زيت الزيتون لا التجارة به، مستذكرة موسم العام الماضي "الممتاز" حيث تمكن المزارعون من تحقيق أرباح وادخار بعض كميات الزيت لهذا العام.

وتحدثت سلمى عن تداعيات تأخر هطول الأمطار على أشجار الزيتون، وأيضاً ارتفاع درجات حرارة الطقس مما أدى إلى يباس بعض الأشجار.

الكلفة أعلى من الإنتاج

تاريخياً اقترنت شهرة منطقة الكورة، شمال لبنان، بشجرة الزيتون، وسميت لذلك بـ"الكورة الخضراء"، ويشكو المزارعون في هذه المنطقة من تراجع إنتاج الزيتون، ولا تقتصر الأخطار على تأخر الشتاء وحسب، وإنما تتجاوزها إلى أسباب بيئية أخرى بسبب انتشار معامل الأسمنت في المنطقة، فضلاً عن تراجع الاهتمام بزراعة الزيتون لمصلحة زراعات أخرى.

وقد اختصر المزارع جاك اللقيس واقع الزيتون في الكورة قائلاً "منذ أعوام عدة يتعرض المزارع للخسارة بسبب ارتفاع الكلف، إذ تضاعفت أسعار السماد الكيماوي والحيواني، وارتفع أجر اليد العاملة سواء في قطاف الزيتون أو تشذيب الأشجار، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حراثة الأرض"، وأسف اللقيس لندرة سقوط الأمطار "ففي السابق كان موسم الأمطار يمتد من سبتمبر (أيلول) إلى مايو (أيار)، أما حاضراً فتتوقف الأمطار الغزيرة في مارس (آذار)"، مضيفاً أن ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى تساقط أزهار الزيتون، وأن كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع أسعار زيت الزيتون.

أشجار مريضة

وتعرضت أشجار الزيتون من جنوب البلاد إلى شمالها وبقاعها لأمراض كثيرة، وتحدث المتخصص الزراعي رولان عنداري عن نقص في إنتاج الزيتون في لبنان هذا العام، مشيراً إلى انتشار بعض الأمراض التي تعرضت لها الأشجار، وتحديداً "ذبابة الزيتون" ومرض "عين الطاووس".

من جهته، قال وزير الزراعة اللبناني نزار هاني لـ"اندبندنت عربية" إن موسم الزيت والزيتون هو أقل من المعدل السنوي الاعتيادي، مضيفاً أن "نسبته بلغت 40 في المئة من النسب المتوقعة على امتداد المناطق اللبنانية"، معولاً على تحسن الإنتاج في حال ازدادت المنخفضات الجوية الماطرة، وأكد الوزير اللبناني أن الإنتاج في مناطق شمال لبنان هو أفضل مقارنة بنظيره جنوباً، عازياً السبب إلى التغيرات المناخية لأنه "كلما اتجهنا جنوباً لاحظنا تأثير التغيرات المناخية بصورة أوضح، وارتفاعاً في الرطوبة ودرجات الحرارة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

محاولات غش متكررة

ولا يتوقف تدني الإنتاج زيتاً وزيتوناً على المناخ الحار، وإنما تهديد الإنتاج يعود أيضاً إلى عمليات الغش والتهريب، ففي صيدا، جنوب لبنان، تمكنت الجمارك اللبنانية من ضبط كميات كبيرة من الزيت المغشوش، وأعلنت وزارة المالية أن ما تم ضبطه "عبارة عن زيوت نباتية ملونة معدة للبيع على أنها زيت زيتون".

خسائر كبيرة بسبب الحرب

تعرض قطاع الزيتون في لبنان إلى أضرار كبيرة بسبب الحرب الإسرائيلية المتواصلة ضد "حزب الله"، مما أدى إلى إحراق مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بالزيتون، كذلك منعت القوات الإسرائيلية أهالي القرى الحدودية (جنوب) من دخول أراضيهم لقطاف موسمهم، واستمرت بتقييد حركتهم للعام الثاني على التوالي، وشهدت الفترة الماضية استهداف الأراضي المزروعة بشجر الزيتون بالذخائر العنقودية والقنابل الفوسفورية الحارقة.

في السياق طمأن وزير الزراعة "ألا أخطار كبيرة على استهلاك زيتون الجنوب بحجة التلوث بالفوسفور الأبيض، إذ برهنت مئات فحوصات التربة التي قامت بها الوزارة أن إنتاج الجنوب آمن". وفي المقابل، عبر الوزير هاني عن أسفه لفقدان آلاف أشجار الزيتون بسبب الهجمات الإسرائيلية، التي أتلفت قرابة 56 ألف شجرة زيتون معمرة، "وهي خسارة هائلة، ولا تقدر بثمن، وهي تهديد جدي للتراث الزراعي اللبناني بسبب ارتباطاته الرمزية بشجرة الزيتون"، ونوه، في الوقت عينه، بجهود الجيش اللبناني والقوى الأمنية المتخصصة في مكافحة أعمال التهريب والغش، كاشفاً عن مآل البضائع المصادرة "فإذا ما ضبطت على الحدود تعاد إلى مصدرها الخارجي، أما في حال مصادرتها في الداخل فإنها تقدم للجيش أو المستشفى العسكري أو بعض دور الأيتام ومؤسسات الرعاية".

إعادة إحياء القطاع

وسط هذه الجواء يسلك لبنان خطوة نحو إعادة إحياء قطاع الزيتون في البلاد، وتؤدي الجهود العلمية إلى جانب مبادرات من وزارة الزراعة دوراً في تحقيق هذه الغاية، وكشف وزير الزراعة عن بدء الوزارة بتنفيذ مشروع لتوزيع 200 ألف شتلة زيتون على المزارعين في مختلف المناطق اللبنانية، وقال إن الشتول ستقدم من مشاتل في سوريا "حيث قام المتخصصون بتأصيل الشتول ذات النوعية العالية"، ولفت إلى أن التوزيع سيشمل مختلف المناطق، وسيلحظ الحالة الاستثنائية التي تمر بها المناطق الجنوبية التي تعرضت لأضرار بالغة خلال الحرب، "مما يشكل محاولة للتعويض المحدود على أصحاب الأراضي هناك، وإعادة تأهيل ما تعرض من تجريف واقتلاع وإحراق". وتحدث أيضاً عن مشروع لتأهيل 1500 خيمة زراعية بلاستيكية، و50 محطة لضخ مياه الري، ومحطات للطاقة الشمسية في المناطق المتضررة، إضافة إلى مشروع الإرشاد الزراعي الوطني الذي استفاد منه 9200 مزارع في مختلف المناطق على مستوى بناء القدرات والتدريب والدعم اللوجيستي. وخلص هاني إلى أن "قطاع الزيت والزيتون من القطاعات الواعدة في لبنان، والاستثمار فيه يؤدي إلى نتائج مبشرة على غرار باقي القطاعات الناجحة، ولا بد من التشجيع على زراعة أنواع ذات إنتاجية جيدة ومقاومة للتغيرات المناخية".

أما على المستوى العلمي فقد برزت دعوات مهندسين زراعيين للاعتماد على أنواع جديدة من شتول الزيتون وعدم الاكتفاء بما هو موجود، ونصح المهندس الزراعي عبدالحميد كنج المواطنين باللجوء إلى بعض الأنواع ذات الإنتاج العالي والسريع، إذ "بعد مرور ثلاثة أعوام من زراعتها يبدأ الحقل بالإنتاج، ولا حاجة إلى انتظار 10 أعوام أو أكثر"، مؤكداً أن "اعتماد الطرق العلمية المتطورة هو السبيل لتطوير الإنتاج الزراعي، وتجديد دورة الزيتون في لبنان".

المزيد من تقارير