Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبادرات تعيد أطفال الفاشر النازحين لمقاعد الدراسة

نشط متطوعون لتقديم الدعم النفسي للصغار بمعسكرات في مناطق طويلة وجبل مرة ومليط

لتخفيف المآسي عن اليافعين وتجنب وقوع كارثة تعليمية نشط متطوعون في فتح مدارس الطوارئ بمراكز الإيواء والخيام الموقتة (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

يشهد السودان أسوأ أزمة تعليمية نتيجة تعطيل الدراسة على نطاق واسع في كل المستويات، ولم يتمكن أكثر من 90 في المئة من الأطفال في سن المدرسة، والمقدر عددهم بـ19 مليون طفل، من الوصول إلى التعليم الرسمي وسط تحذيرات من أن يؤدي التعطيل المستمر للتعليم إلى أزمة تراكم دفعات وأجيال في البلاد.

تتضاعف معاناة أطفال الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بصورة يومية بعدما وجدوا أنفسهم خارج منازلهم بلا ديار أو مأوى يكافحون من أجل العيش والبقاء على قيد الحياة وسط ظروف إنسانية قاسية يطاردهم الجوع ويفتك بهم سوء التغذية داخل دور إيواء مناطق النزوح في طويلة وجبل مرة ومليط، مما جعلهم في حاجة ماسة إلى العون والحماية.

لتخفيف المآسي عن اليافعين وتجنب وقوع كارثة تعليمية نشط متطوعون في فتح مدارس الطوارئ بمراكز الإيواء والخيام الموقتة بهدف تقديم خدمات التعليم والدعم النفسي والاجتماعي ويشرف على الدراسة معلمون نازحون من مختلف التخصصات وتقسم أيام الأسبوع مناصفة بين الأبناء والبنات.

 

تعليم وترفيه

منذ الصباح الباكر يجلس التلاميذ على مقاعدهم الدراسية في مركز إيواء بمحلية طويلة بعدما وصلوا إليها من الفاشر، وبمجرد ما ألقى عليهم المعلم سفيان هارون التحية ردوا مثلها، وقالوا جميعهم بصوت واحد "نحن مستعدون للعودة للتعليم من جديد".

في مساحة صغيرة نشط الأطفال عندما بدأ المعلم يكتب على سبورة صغيرة كلمات باللغة العربية ويطلب من التلاميذ قراءتها بصوت مرتفع، فرفعوا أيديهم ليختار من بينهم طالباً يقرأ كلمة "السودان في قلوبنا".

قال هارون "التلاميذ تعرضوا لمعدلات رهيبة من الرعب بالنظر إلى أعمارهم وتجاربهم التي لم يشهدوا خلالها مثل هذه الفظائع والمجازر من قبل، مما تسبب في هزات نفسية كبيرة، ونحن نعمل على تنفيذ برنامج ترفيهي هدفه التفريغ النفسي عن الصغار المرهقين من أحداث الفاشر، ومن ثم تتواصل العملية التعليمية في مراكز الإيواء"، وأضاف أنهم "يقدمون مواد اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنجليزية والعلوم، إضافة إلى الألعاب التعليمية"، ونوه المعلم بأن "هذه الخدمات تقدم للأطفال النازحين الذين وصلوا من الفاشر إلى محلية طويلة، فضلاً عن اليافعين الذين هم خارج المدرسة".

 

استجابة مستمرة

في منطقة مليط يجلس التلاميذ على مقاعد داخل خيمة صغيرة وتقف أمامهم المعلمة عائشة بدوي التي تكتب على لافتة ورقية كبيرة الحروف والأرقام لتدريس مادتي اللغة العربية والرياضيات. وتعلق المعلمة اللافتة الورقية بمساعدة بعض التلاميذ، ثم تشرح لهم حروف الهجاء العربية في حصة دراسية تستمر مدة 45 دقيقة، ويعقبها معلم اللغة الإنجليزية. وأوضحت بدوي أنها "تؤمن أن ما تقوم به عبارة عن رسالة تعليمية وأن الأعمال الوحشية التي تنفذها قوات 'الدعم السريع' عاجزة عن محو تلك الرسالة وإطفاء نور الأمل بمستقبل أفضل لأطفال الفاشر، وأنهم سيواصلون تعليم اليافعين القراءة والكتابة وفعل ما يلزم لتبديد هواجس الحرب وتداعياتها"، وبحسب ملاحظاتها "فإن الأطفال كانوا مشتتين في الأيام الأولى للدراسة داخل مراكز الإيواء، لكنهم بدأوا تدريجاً يستجيبون للمواد التعليمية، وتذكر الحروف والأرقام والأشكال والمناهج التي درسوها خلال فترة استقرار مدينة الفاشر"، وتابعت "خلال الفترة القصيرة لاحظ المعلمون جميعهم أن هؤلاء التلاميذ يتمتعون بذكاء مفرط ويكتبون بخط واضح".

رعاية وحماية

في السياق قال الطفل الواثق محجوب المقيم بأحد مراكز إيواء منطقة طويلة "مدارس الطوارئ وفرت لهم فرصاً للتطوير والتعلم والحماية والدعم النفسي، فضلاً عن تحسن حال عدد كبير من الأطفال مقارنة بالأيام الأولى للنزوح، وبات لديَّ أصدقاء كثر واكتسبوا عدداً من المهارات"، وأضاف "التجربة مفيدة وأسهمت بقدر كبير في إخراجهم من أجواء القتل والمجازر التي ارتكبتها الدعم السريع، فضلاً عن أن الأنشطة انعكست بصورة إيجابية على نفسياتهم وسلوكهم، إلى جانب تعزيز قيم المسؤولية وإثبات الذات والاندماج والعمل الجماعي والاستكشاف والابتكار"، وأوضح محجوب أن "الأطفال لديهم رغبة كبيرة في التعليم ومواصلة الدراسة، بخاصة في ظل إغلاق المؤسسات التعليمية بولاية شمال دارفور، بالتالي فإن وجود مدارس موقتة بمراكز الإيواء يسهم في حل الأزمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عقبات وتحديات

في منطقة تجمع النازحين بجبل مرة يجلس تلاميذ وطلاب أمام المعلمة ماجدة الزين وهي تعلمهم حروف اللغة العربية في وقت يتسابق الطلاب على نطقها واستخراج كلمات مفيدة منها، مستعينة بسبورة صغيرة، إضافة إلى تعليم قراءة القرآن بأحكامه ومعانيه. وقالت الزين "جاءت المبادرة بعد رؤية الأطفال وهم يمسكون بالأقلام والدفاتر ويتوقون للتعليم، لذا نشط عدد من المعلمين في تقديم حصص دراسية متنوعة، إذ تقسم أيام الأسبوع مناصفة بين الأبناء والبنات"، وأضافت "نقدم الدروس التعليمية بخيمة للأطفال، على رغم نقص الإمكانات المتاحة، ونعمل على تجاوز العقبات ومنح الفرصة لأطفال معسكرات النزوح كافة لتعلم الكتابة والقراءة".

دعم نفسي

وسط هذه الأجواء نشط متطوعون في تقديم الدعم النفسي للأطفال بمعسكرات النازحين في مناطق طويلة وجبل مرة ومليط. في كل صباح تقصد المتطوعة السودانية سارة الطيب مناطق تجمعات النازحين لتقديم الدعم النفسي للأطفال الفارين من جحيم القتال والانتهاكات في الفاشر، في محاولة منها لمساعدة اليافعين في التغلب على آثار المجازر والفظائع وتوفير مساحة آمنة لبناء علاقات اجتماعية إيجابية.

قالت الطيب إنها "نفذت منهج علاج نفسي متكاملاً وجلسات تفريغ تفاعلية هادفة باستخدام الألعاب من أجل التركيز على محاكاة عقول الصغار وغرس القيم الأخلاقية في نفوسهم ومخاطبة مشاعرهم وإثارة معارفهم وحسهم الحركي ونزع الخوف من قلوبهم الصغيرة"، ولفتت إلى أن "الأطفال الذين جرت معالجة نفسيتهم باتت حالهم أفضل بصورة كبيرة وانتظموا في علاقات اجتماعية إيجابية على عكس الأيام الأولى، كما تطورت مهاراتهم في مجالات عدة"، مضيفة "خاطبت أولياء أمور الصغار وطلبت منهم الإذن باصطحاب أبنائهم لممارسة الرياضة، وتجمع اليافعين حولي حتى تمكنت من تشكيل دائرة تبادل خلالها الجميع اللعب"، واعتبرت المتطوعة السودانية أن "التجربة حققت أهدافها بدليل شهادة أسر الأطفال، الذين لاحظوا التحول الكبير في سلوكيات وتصرفات الصغار، واهتمامهم الكبير بتحسين تواصلهم مع الآخرين وتطوير قدراتهم كل بحسب هوايته".

خدمات نوعية

على الصعيد نفسه رأى الناشط في مجال التعليم بمعسكرات الإيواء عمار الشريف أن "مبادرة تعليم للأطفال أسهمت في تعزيز حماية اليافعين ووفرت لهم خدمات التعليم والدعم النفسي والاجتماعي من أجل التغلب على الخوف والقلق وتهيئة بيئة مناسبة للإحساس بالطفولة وتقوية العلاقات وفن الحديث والحوار والتعبير عن الرأي والأمل"، ونوه بأن "تأثيرها عادة ما يكون محدوداً مقارنة بعدد الأطفال الفارين من جحيم القتال مثلما يميل الصغار إلى المشاركة وإظهار تعلق تام بها"، وتابع الشريف "نسعى لتنفيذ المبادرة في مراكز الإيواء بالمنطقة من أجل منح الفرصة للأطفال كافة".

ويشهد السودان أسوأ أزمة تعليمية نتيجة تعطيل الدراسة على نطاق واسع في كل المستويات، ولم يتمكن أكثر من 90 في المئة من الأطفال في سن المدرسة، والمقدر عددهم بـ19 مليون طفل، من الوصول إلى التعليم الرسمي وسط تحذيرات من أن يؤدي التعطيل المستمر للتعليم إلى أزمة تراكم دفعات وأجيال في البلاد.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، فإن 17 مليون طفل خارج المدارس حالياً، بينهم 7 ملايين كانوا خارج النظام التعليمي قبل اندلاع الصراع المسلح، مشيرة إلى أن هذه الأزمة تعد من أسوأ أزمات التعليم في العالم بالنظر إلى ما شهدته العملية التعليمية من تذبذب واضح.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير