ملخص
أعدمت الجماعات المسلحة خلال الأيام الماضية شخصيات بارزة مثل المؤثرة في تطبيق "تيك توك" مريم سيسيه، التي كانت تنشر باستمرار مقاطع فيديو تشيد بالجيش المالي، وجرى إعدامها في ساحة عامة، بحسب ما ذكر التلفزيون الرسمي.
أثارت إعدامات ميدانية نفذتها جماعات مسلحة في مالي مخاوف من تكرار سيناريو الفاشر، حيث شهدت المدينة السودانية الاستراتيجية تنكيلاً بالمدنيين مع سقوطها بقبضة قوات "الدعم السريع" التي تتقاتل مع الجيش.
ولا يختلف الواقع الميداني في مالي كثيراً عن الحرب في السودان، حيث تحاصر الجماعات المسلحة مدناً بأكملها من أبرزها العاصمة باماكو، التي تخضع لحصار خانق فرضته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي منذ نحو شهرين.
وأعدمت الجماعات المسلحة خلال الأيام الماضية شخصيات بارزة مثل المؤثرة في تطبيق "تيك توك" مريم سيسيه، التي كانت تنشر باستمرار مقاطع فيديو تشيد بالجيش المالي وجرى إعدامها في ساحة عامة، بحسب ما ذكر التلفزيون الرسمي.
وخطفت سيسيه داخل مدينة تونكا التي تعد منطقة نزاع بين الجيش المالي وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ولم تتبن أية جهة العملية بعد، فيما تخللت هجمات لهذه الجماعة على قواعد عسكرية عمليات قتل لجنود وضباط بارزين.
قلق وخوف
وأدى حصار للوقود تفرضه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى شل العاصمة باماكو بصورة شبه كاملة، ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الجماعة التي يتزعمها إياد آغ غالي وكانت دعت إلى تشكيل حكومة سياسية تسعى إلى الاستيلاء على الحكم.
وقال ناشط حقوقي مالي إن "هناك مناخاً من القلق والخوف يسود البلاد، بسبب لجوء متزايد من الجماعات المسلحة إلى الخطف لتحقيق عدد من المآرب، من أهمها الحصول على فدية تشكل إحدى أبرز الموارد المالية لهذه الجماعات".
وتابع الناشط الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ"اندبندنت عربية" بسبب حساسية الموضوع أن "الرسالة الأخرى التي تسعى الجماعات المسلحة إلى إيصالها هي رسالة لترهيب المدنيين من أجل إجبارهم على عدم التعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية، لذلك رأينا بالفعل إعدامات ميدانية لنشطاء متعاونين مع الجيش".
وأشار إلى أن "سيسيه قبل قتلها على سبيل المثال في ساحة عامة رمياً بالرصاص كانت نشرت مقاطع فيديو ببزة عسكرية تحت عنوان ’تحيا مالي‘، وسريعاً ما دفعت الثمن".
وبالفعل اختطفت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قبل أيام قليلة كثيراً من الماليين والأجانب أيضاً، على غرار ثلاث مصريين غرب البلاد وخمسة هنود، وذلك في تطورات متسارعة داخل بلد يعاني منذ أعوام هشاشة أمنية.
تصفية حسابات
وتثير الإعدامات الميدانية وتصاعد الهجمات ضد المدنيين والقواعد العسكرية تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف ذلك، خصوصاً أن جماعات مثل نصرة الإسلام والمسلمين لم تعلن بعد سعيها إلى السيطرة على السلطة.
وبعثت بالفعل الجماعة بإشارات لضرورة تشكيل حكومة سياسية تكون طرفاً فيها، وفي كثير من الأحاديث الإعلامية انتقد آغ غالي بشدة استعانة المجلس العسكري الحاكم في مالي بقوات روسية متعهداً "دحرها"، مما يشي بأن المواجهة بين الطرفين قد تتحول إلى معركة استنزاف طويلة الأمد.
وقالت الباحثة السياسية المتخصصة في الشؤون الأفريقية أسماء الحسيني، إن استهداف المدنيين بهذه الصورة يهدف إلى تصفية الحسابات مع المتعاونين مع الجيش والأمن الماليين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت الحسيني ضمن تصريح خاص أن "الوضع داخل مالي في غاية الخطورة على ضوء سيطرة الجماعات المتشددة التي تنتمي إلى تنظيم ’القاعدة‘ على محاور وطرق رئيسة في محيط العاصمة باماكو، واستهدافها أيضاً بلدة لونوني جنوب العاصمة بهجوم بطائرات مسيرة تسبب في فرار السكان، وهذه تطورات خطرة وتعكس انتقالاً بعد حصار الوقود الذي تفرضه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على العاصمة".
وشددت على أن "مثل هذه الجماعات الإرهابية تسعى إلى بسط سيطرتها ونفوذها على العاصمة، في محاولة لاستغلال هشاشة الأوضاع على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي، خصوصاً بعد التطورات التي شهدتها مالي خلال الأعوام الماضية على غرار الانقلابين العسكريين ومغادرة القوات الفرنسية واستبدال قوات ’فاغنر‘ الروسية بها، التي أصبحت الآن الفيلق الأفريقي".
عجز روسي
بموازاة التطورات الميدانية، لازمت روسيا الصمت تجاه حصار نظام حليفها أسيمي غويتا، الذي يواجه أصلاً ضغوطاً سياسية وأمنية واقتصادية منذ انقلابه خلال عام 2021 ضد الرئيس الانتقالي باه نداو، وهو ما يجعل حكمه على محك حقيقي.
وكان غويتا أبرم تفاهمات مع روسيا أتاحت نشر قوات من مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية داخل البلاد لمحاربة الجماعات المسلحة، وتسلم الفيلق الأفريقي الذي أنشأته موسكو غداة مقتل مؤسس وقائد ’فاغنر‘ يفغيني بريغوجين مهام المساعدة على حفظ الأمن والاستقرار داخل البلاد. لكن جهوده لم تكلل بالنجاح بعد، حيث يزداد الوضع الأمني سوءاً وتكتسب هجمات الجماعات المسلحة زخماً غير مسبوق.
وقالت الحسيني إن "الروس عاجزون وغير قادرين على مساعدة الجيش المالي في مواجهة التهديدات الإرهابية، وما يزيد من تشتت جهود الجيش أنه يحارب الانفصاليين أيضاً شمال البلاد، بعد نقض اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة معهم عام 2024".
وأكدت أن "الجماعات المسلحة تسعى إلى استغلال معطى آخر وهو التوترات السياسية الناجمة عن تمديد مرحلة رئاسة أسيمي غويتا للبلاد، لذلك تجد هذه الجماعات نفسها قادرة على تصفية حساباتها السياسية مع المدنيين".