ملخص
أشار المدير العام لوزارة الصحة في شمال كردفان أحمد الدومة إلى أن "الحرب أسهمت في تدمير النظام الصحي في إقليم دارفور بسبب انعدام التمويل ونقص الدواء والمستلزمات الطبية التي تعتبر من أكثر مهددات تقديم الخدمات الطبية، بخاصة للنساء الحوامل"، وأضاف "الرعاية الإنجابية باتت ضحية الحرب".
تواجه النساء الحوامل العالقات داخل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور أو اللاتي هربن من انتهاكات قوات "الدعم السريع" منذ اجتياح الأخيرة المدينة في الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خطر الولادة المبكرة، وعدم القدرة على متابعة أوضاعهن الصحية مع الأطباء الاختصاصيين في المستشفيات والمراكز الصحية نتيجة تعرضها للاستهداف المباشر وتدمير بنيتها التحتية، مما شكل خطورة على حياة الحوامل وبات الموت يتهددهن.
في غضون ذلك قال صندوق الأمم المتحدة للسكان إن نحو 6200 امرأة حامل في الفاشر يفتقرن إلى المساعدات الإنسانية، لافتاً إلى أنه يدير منشأة صحية تعمل على مدى 24 ساعة لتقديم الخدمات الإنجابية والحماية في منطقة طويلة التي اعتبرها نازحو الفاشر ملاذهم الآمن.
لاحقاً، أعربت منظمة الصحة العالمية عن صدمتها واستنكارها جراء الهجمات على مستشفى النساء والتوليد في مدينة الفاشر، ومقتل أكثر من 460 مريضاً ومرافقاً من بينهم نساء حوامل أثناء تلقيهن الإشراف الطبي والمتابعة، وأكدت المنظمة أن هذا الاعتداء يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي الذي ينص على وجوب حماية المدنيين والعاملين في المجال الطبي والمرافق الصحية أثناء النزاعات المسلحة.
نزوح شاق
في السياق قالت النازحة حواء آدم عيسى التي وصلت منطقة طويلة "النساء الحوامل بخاصة النازحات اللاتي هربن من فظائع ’الدعم السريع‘، معاناتهن وصلت حد الموت، إذ قطعن سيراً على الأقدام مسافة 70 كيلومتراً، وسط الغابات والمناطق المرتفعة"، مضيفة "حين سيطرة ’الدعم السريع‘ على المدينة كنت على موعد مع طبيب النساء في مستشفى الفاشر التعليمي، وعلى رغم استهدافه المتكرر وصعوبة تلقي الرعاية الأولية في صورة كاملة فإن المستشفى كان يبذل ما في وسعه لتقديم الرعاية الإنجابية للحوامل قبل تدميره بصورة نهائية"، وتابعت "كل يوم يمر يعني اقتراب موعد ولادتي، مما يشعرني بالخوف، فأنا في الشهر السابع، وأفتقد إلى أبسط مقومات السلامة والإنجاب الآمن بعد رحلة نزوح شاقة محفوفة بالأخطار، وقد اضطر الرجال، بخاصة الأزواج والأقارب، إلى حمل النساء الحوامل على ظهورهم"، وأوضحت أن "أقصى ما تتمناه المرأة الحامل الآن الرعاية الطبية والتخلص من الآلام التي فاقمت أوضاعهن الصحية بسبب النزوح الشاق، إلى جانب الحاجة الماسة إلى الفيتامينات ومقويات الحمل التي أصبحت ترفاً في ظل انهيار الرعاية الإنجابية، فضلاً عن الغذاء والمياه والمأوى النظيف والصرف الصحي، إذ إن جميع النازحين يقضون حاجتهم في العراء، مما يؤدي إلى زيادة الأمراض والأوبئة المرتبطة بالتلوث، بخاصة الكوليرا"، وختمت "حلمي أن أكمل أشهر حملي، بخاصة أنني أنجب من طريق جراحة قيصرية، ولا أدري إن كنت أجد لها سبيلاً، إذ إن الحرب قست على النساء الحوامل كثيراً".
معاناة معقدة
أما النازحة رقية آدم التي أنجبت فور وصولها منطقة طويلة، فقالت "معظم النساء الحوامل اللاتي كن على وشك الإنجاب ونزحن بسبب سقوط الفاشر على يد ’الدعم السريع‘، جاءهن المخاض أثناء النزوح ووضعن مواليدهن وسط الأشجار أو في العراء أو فور وصولهن طويلة"، مضيفة "الحوامل في مراكز الإيواء بخاصة من هن في طور الولادة، يساعدن بعضهن بعضاً في إعداد مشروب القرفة الساخن الذي يساعد على سرعة الطلق لحين وصول القابلة، لا سيما هناك قابلات مارسن الولادة في مستشفى الفاشر التخصصي انضممن إلى العيادات الطارئة التي تقدم الخدمات الإنجابية والحماية في منطقة طويلة، وعلى دراية بأن الحوامل في الفاشر يعانين ضعف البنية الجسدية"، ومضت النازحة قائلة "كنت خائفة من الولادة المبكرة أثناء النزوح، إذ كنت أعاني فقر الدم بسبب افتقارنا إلى الطعام، ومع طول أشهر الحصار القاسية نتناول وجبة واحدة في اليوم وهي لا تكفي لامرأة حامل، لا سيما أن الحوامل اللاتي ما زلن عالقات هناك أصبحت معاناتهن متفاقمة نتيجة عدم توفر طواقم الإسعاف، ويلدن بمفردهن بمعدات تقليدية، ويعرضن حياتهن للخطر، كنت شاهدة على ولادة إحداهن، كانت تعاني آلاماً شديدة استمرت يومين، وكان إنجابها باستخدام أدوات بدائية".
أهوال القصف
من جانبها، أكدت الناشطة في مجال العمل الإنساني مريم أبو بكر أن "النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة يواجهون ظروفاً معقدة بسبب النزوح سيراً على الأقدام مسافات طويلة في طرقات وعرة، وبظل انعدام وسائل النقل، إذ إن ’الدعم السريع‘ أوقفت المركبات كافة، وتجبر المدنيين على عدم المغادرة، لا سيما أن هول القصف والانفجارات عجل بأن تضع بعض النساء الحوامل أطفالهن من شدة الرعب، ونزحن وجراحهن لا تزال مفتوحة بينما يربطن مواليدهن بإحكام على ظهورهن لمساعدتهن على سرعة السير"، وزادت "على رغم توفر عيادات طوارئ بمنطقة طويلة للمتابعة فإنها تعجز عن تقديم الرعاية الصحية بالشكل المطلوب، نظراً إلى أن أعداد النساء الحوامل كبيرة وفي تزايد بسبب تصاعد موجات النزوح"، ولفتت الناشطة في مجال العمل الإنساني إلى أن "غالبية النساء تشعر بالصدمة بسبب تجرعهن مرارة النزوح، في وقت تحاول المنظمات الإنسانية تقديم المساندة النفسية، ومع ذلك تبقى هذه المشاعر الصادمة تستغرق وقتاً طويلاً للتعافي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أوضاع مزرية
من جانبه أكد حسن محمد، وهو طبيب يعمل في أحد مستشفيات الفاشر، أن "الحوامل النازحات أو العالقات في الفاشر يواجهن أوضاعاً مزرية قادت العشرات منهن للولادة المبكرة بسبب مضاعفات نتجت من تدهور الوضع الإنساني"، وأوضح أن "الوضع الصحي بات يشكل أخطاراً على النساء الحوامل بسبب استهداف المستشفيات، لا سيما أن هناك نحو ستة مستشفيات خرجت عن الخدمة، فضلاً عن 10 مراكز صحية كانت تقدم الرعاية الإنجابية بالأحياء، إذ تم تدميرها بشكل تام قبل أن توصد أبوابها أمام الأمهات"، وأضاف "’الدعم السريع‘ لم تكف عن استهدافها مستشفى النساء والتوليد فحسب، بل أجبرت الأسر على إجلاء النساء حديثات الولادة وهن يعانين جراحهن، مما سبب حالات نزف لبعضهن".
خيار واحد
من جهتها، أشارت القابلة بمستشفى الولادة التخصصي في الفاشر سعاد أحمد إلى أن خروج مستشفيات الولادة عن الخدمة "وضع النساء الحوامل أمام خيار واحد هو الولادة في المنازل في ظل ظروف غير إنسانية وخطرة تجعل حياتهن عرضة للموت"، ولفتت إلى أن "المشكلة أن النساء الحوامل في هذه المدينة المنكوبة يواجهن الولادة من دون تخدير أو احتياطات صحية أو تدخل جراحي إذا لزم الأمر، هذا وضع في غاية من الخطورة، ومن ثم تفقد كثيرات من هؤلاء النساء الحوامل أرواحهن".
كارثة صحية
وسط هذه الأجواء، أشار المدير العام لوزارة الصحة في شمال كردفان أحمد الدومة إلى أن "الحرب أسهمت في تدمير النظام الصحي في إقليم دارفور بسبب انعدام التمويل ونقص الدواء والمستلزمات الطبية التي تعتبر من أكثر مهددات تقديم الخدمات الطبية، بخاصة للنساء الحوامل"، وأضاف الدومة "الرعاية الإنجابية باتت ضحية الحرب، إذ غادر الأطباء الاختصاصيين في مجال الولادة إلى مناطق أخرى أكثر أمناً، وحتى المراكز الطبية تعرضت للدمار في محليتي طويلة وكبكابية غرب الفاشر التي انهارت تماماً منذ بدء الحصار، وأصبحت غير قادرة على استقبال أي حالة، فضلاً عن أن مستشفى الولادة في الفاشر قبل قصفه ظل يعاني الاكتظاظ بالحوامل والمريضات اللاتي تعرضن لمضاعفات الحمل والإجهاض مع الشلل التام في تقديم الخدمة"، وأشار إلى أن "مستشفى الولادة قبل أن تبسط ’الدعم السريع‘ نفوذها كان يستقبل نحو 25 حالة ولادة في اليوم، وتضاعف العدد إلى 50 حالة، وهكذا تعمقت مشكلة الحوامل".