ملخص
قال عبدالرحمن الجفري إن الأصالة الثقافية تحكي قصصاً تاريخية في حين أن الحفاوة منهج متأصل في الضيافة السعودية.
انطلقت في لندن اليوم فعاليات اليوم الثالث والأخير من معرض سوق السفر العالمي تحت عنوان "إعادة تصور السفر في عالم متغير"، مع تركيز خاص على مواضيع الاستدامة والابتكار في القطاع الحيوي.
ويشارك في الدورة الحالية للمعرض، أكثر من 4 آلاف عارض، إضافة إلى ما يزيد على 46 ألف متخصص في قطاع السفر والسياحة من مختلف أنحاء العالم.
يعد قطاع السفر والسياحة والضيافة أكبر صناعة في العالم، إذ يسهم بنحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويشكل أحد أبرز مصادر التوظيف.
ويعد السفر من أكثر القطاعات إلهاماً وقرباً من الناس، مما يجعله بيئة خصبة لرواد الأعمال ومحفزاً للابتكار، وينشئ نظاماً اقتصادياً ضخماً يشمل الشركات الناشئة ومراحل التمويل المبكر والنمو وعمليات التخارج.
مواجهة التحديات
بدوره، صرح المدير العام التنفيذي للوجهة السياحية وتفعيل الأصول في شركة "الدرعية السعودية" عبدالرحمن الجفري بأن التحديات التي تواجه القطاع السياحي يمكن التغلب عليها بتركيز استراتيجي على عنصرين أساسيين، وهما "الأصالة" و"الحفاوة".
وأوضح الجفري أن الأصالة تمثل العنصر الأول والأهم في مواجهة التحديات، وهي تتمثل في الجذور والثقافة التاريخية العميقة للموقع، مشيراً إلى أن الدرعية تمتلك قصة ثقافية وتاريخية متأصلة تحكى من المكان نفسه، على عكس بعض المدن التي قد تفتقر إلى هذه الروح أو "ما وراء الطبيعة" التي تدفع الناس لزيارتها. وأكد أن الدرعية تملك هذا البارق الثقافي المتأصل في التاريخ السعودي، والمتمثل في الشعب السعودي الذي يعيش في هذا المكان ذي الهوية المميزة، أما العنصر الثاني فهو الحفاوة، التي وصفها الجفري بأنها "جداً أساس ومتأصلة" في السعوديين.
وأشار إلى أن هذا المنهج يجب أن يكون حاضراً في أية نقطة من نقاط التجربة الثقافية أو رحلة الزائر، مؤكداً ضرورة تجاوز الترحيب الرسمي إلى بناء علاقة أقرب مع الزائر.
وختم بالقول إن الحفاوة تتطلب الاقتراب من الزائر واكتشاف حاجاته لتقديم الخدمة المناسبة له، معتبراً أن هذه النقطة هي من الأساسات التي تضمن التغلب على التحديات وتحقيق النجاح.
مراحل متأخرة
في جلسة نقاشية حملت عنوان "المال يتحدث، التمويل وعمليات الدمج والاستحواذ في قطاع السفر والسياحة والضيافة"، استعرض مشهد التمويل والاستحواذات والاندماجات في القطاع. ووفقاً لتقرير صادر من شركة "فيريندا جاين"، والذي استعرض المشهد خلال المعرض، فإن إجمال المبالغ التي ضخت في الشركات السياحية حتى الآن بلغت 18.7 مليار دولار.
وأشار جاين إلى أن الاستثمارات المبكرة تمثل نسبة أحادية الرقم من هذا الإجمالي، مع وجود ميل واضح لدى المستثمرين إلى التركيز على مراحل التمويل المتأخرة بعد جائحة كوفيد 19. ولفت إلى أنه على رغم أن تمويل الشركات الناشئة شهد انتعاشاً طفيفاً خلال عام 2024، فإن عام 2025 بدأ بوتيرة أبطأ، مما يطرح تساؤلات حول واقع التمويل الحالي للقطاع وأين تتجه الاستثمارات الذكية.
دمج واستحواذ
شارك مستثمرون بارزون رؤاهم حول تغير مشهد التمويل، من تشديد السيولة إلى موجة الابتكار المقبلة. وأشار ضيوف الجلسة إلى أنه عند بلوغ الشركات مرحلة معينة من النضوج، يصبح الاندماج أو النمو غير العضوي عبر صفقات الاستحواذ والدمج أمراً حيوياً لا غنى عنه.
ولفت المجتمعون إلى أن الشركات غالباً ما تواجه أسئلة معقدة تتعلق باختيار الهدف المناسب والتقييم العادل والسوق المثالي للصفقات، سواء على جانب الشراء أو البيع ضمن نطاق قطاع السفر.
وأكدوا أن القطاع الغربي – في أوروبا والولايات المتحدة – يقود هذا التوجه بفضل حجم السوق ونضجها المالي، في حين تبرز الأسواق الناشئة في الشرق عبر مجموعة من الصفقات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل ملامح مرحلة جديدة من إعادة هيكلة السوق.
الجنوب العالمي
إلى جانب قضايا التمويل، تناول المتحدثون قضايا محورية أخرى، إذ تم تسليط الضوء على أهمية "الجنوب العالمي" في السياحة والسفر، مع التركيز على القيمة التعليمية والسرد التاريخي الغني، مثل قصص إمبراطور مالي مانسا موسى ومسار نينكي نانكا في غامبيا. جرى تناول أهمية العمل المناخي وضرورة الاستجابة السريعة للآثار المترتبة على الكوارث الطبيعية، مثل إعصار ميليسا في جامايكا.
وضمن سياق التحول في الطلب السياحي، أشارت الجهات السياحية إلى تزايد اهتمام السوق الصينية، إذ يسعى المسافرون الصينيون إلى الأصالة والتجارب الثقافية والاتصال العاطفي العميق بدلاً من السياحة التقليدية.
شهدت فعاليات اليوم الثاني من معرض سوق السفر العالمي في لندن تركيزاً مكثفاً على صعود السوق الصينية كقوة دافعة للنمو العالمي، وضرورة إعادة تعريف مفهوم الاستدامة في القطاع، وتصدرت موضوعات الاستدامة والاستثمارات السياحية وصعود السوق الصينية المشهد في جلسات اليوم.
المصدر الأول للسياحة
أكد المدير العام ونائب رئيس الأسواق الدولية في مجموعة "تريب دوت كوم" بون سيان تشاي، أن السوق الصينية الخارجية عادت إلى مستويات ما قبل جائحة "كوفيد 19" وحث العاملين في القطاع على الاستعداد المكثف لاستقبال الزخم السياحي المتوقع خلال عطلة العام الصيني الجديد المقبل، والذي ستستمر لمدة تسعة أيام.
من جانبه، أشار رئيس الأسواق في الهيئة السعودية للسياحة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ الحسن الدباغ إلى أن السوق الصينية تمثل حالياً المصدر الأول للسياح الوافدين إلى البلاد، موضحاً أن الهدف الطموح للسعودية هو استقطاب 5 ملايين زائر من الصين بحلول عام 2030.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الدباغ أن السياح الصينيين يبحثون عن القيمة مقابل المال – وليس بالضرورة التجربة الأرخص – ويرغبون خصوصاً في الحصول على تجربة أصيلة تعكس الثقافة والتراث المحلي، مع إيجاد صلة عاطفية حقيقية بالمكان الذي يزورونه. واتفق المشاركون في جلسة اتجاهات السفر على أن الأحداث الكبرى، مثل الحفلات الموسيقية والبطولات الرياضية، تمثل عوامل جذب رئيسة لهم.
موسم الدرعية 26/25
تنظم هيئة تطوير بوابة الدرعية هذا العام نسخة موسم الدرعية 26/25 الذي انطلق تحت شعار "عزّك وملفاك".
وحول مستقبل السياحة في الرياض خلال الأعوام المقبلة خصوصاً مع زيادة عدد المواسم والفعاليات الكبرى في السعودية، توضح مديرة موسم الدرعية أحلام آل ثنيان "نعيش الآن قصة عظيمة، وأمامنا مستقبل أجمل، فالذي نشاهده اليوم من مشاريع ومواسم ليس إلا فصولاً تتكامل مع بعضها لصناعة النجاح، فكل موسم يكمل الآخر، وكل وجهة تفتح للعالم نافذة جديدة يكتشف من خلالها سحر السعودية وتنوعها".
وتشير إلى أن موسم الدرعية تحديداً يمثل القلب الثقافي لهذه المواسم، لأنه يقدم تجربة استثنائية تربط الزائر بتاريخ السعودية وهويتها، ويعرف العالم أكثر بالدرعية التاريخية مهد الدولة السعودية.
وتضيف "السياحة عندنا تتوسع بخطوات مدروسة وواضحة، مع حرصنا على هويتنا وأصالتنا، نستطيع القول إننا نبني مستقبلاً سياحياً عالمياً، لكن بهوية سعودية أصيلة، فكل شيء مصمم بأعلى جودة كي يعيش السائح تجربة مريحة وممتعة ومليئة بالمعرفة، وتبقى الأصالة السعودية حاضرة في كل التفاصيل، في الكرم وفي الفخر وفي الاعتزاز بتراثنا".
وبسؤالها حول قدرة موسم الدرعية على الموازنة بين التطور والحفاظ على التراث والهوية السعودية، خصوصاً أن الحديث في معرض السفر العالمي منصب على فكرة "السفر المستدام"، قالت أحلام آل ثنيان، إن "الاستدامة بالنسبة إلينا هي ركيزة أساسية وجزء من حياتنا، فأهل الدرعية عاشوا قروناً وهم يوازنون بين طريقة البناء والحفاظ على جمال الطبيعة، وبين التطور واحترام الأرض، ونحن اليوم نكمل هذا المسار، لكن بمفهوم عصري يواكب أفضل التجارب العالمية".
وتؤكد أنه "في موسم الدرعية 25/26، كل تصميم وكل برنامج نحرص على أن يكون نابعاً من المكان نفسه، ونحافظ على الطراز المعماري النجدي والعمارة الطينية، ونستخدم كذلك أحدث الأساليب في التنظيم وإدارة الفعاليات وتحسين تجربة الزوار والسياح".
وتابعت بأن موسم الدرعية هو التجسيد الحقيقي لفكرة "إعادة تصور السفر"، لأننا لا نعيد تعريف الوجهة وحسب، وإنما نعيد تعريف التجربة كلها، إذ يحمل الموسم هذا العام شعار "عزك وملفاك"، الذي يعبر عن جوهر الدرعية، كونها وجهة فخر لكل سعودي، وملفى لكل من يزورنا، فالدرعية دائماً كانت نقطة التقاء، ومكاناً يشعر فيه الكل بأنهم من أهله، وهذا ما نريد أن يراه العالم ويكتشفه"، وتضيف "وسط كل التغيرات التي يعيشها العالم، نراهن على ثبات هويتنا ودفء تراثنا، وعلى أن موسم الدرعية يقدم تجارب تجعل كل زائر يشعر بأنه لم يأت لمجرد رؤية المكان، لكنه رجع لمكان ينتمي إليه".
وحول دور موسم الدرعية في دعم وتطوير السياحة الوطنية، تقول مديرة موسم الدرعية إن "موسم الدرعية يمثل مركز السياحة الثقافية، ليس في الدرعية وحسب، بل على مستوى السعودية، من خلاله نروي قصة الدرعية والرياض للعالم، بكل تفاصيلها وتاريخها وهويتها التي نعتز ونفخر بها".
وتضيف "من ناحية ثانية الموسم يفتح أبوابه لكل الفئات والأعمار، كل واحد يعيش تجربة تناسبه وتجعله يخرج بانطباع لن ينساه، وهذا ما يدعم بصورة مباشرة مستهدفاتنا الوطنية في قطاع السياحة، لأننا نقدم تجربة تجمع بين المتعة والمعرفة وتبرز هويتنا للعالم، فالدرعية دائماً كانت رافداً مهماً للسياحة في الرياض، واليوم نعتز بأننا شركاء رئيسون مع هيئة السياحة ضمن مبادرات، مثل (شتاء السعودية)، ونحضر في منتديات ومناسبات تسلط الضوء على الفرص السياحية التي تقدمها الرياض، مما يرسخ مكانة الدرعية كوجهة ثقافية وسياحية رئيسة تعيش فيها الأصالة بروح عصرية".
الترفيه كقوة اقتصادية وثقافية
وشدد المشاركون على أهمية الأحداث الترفيهية والرياضية كعامل جذب رئيس للسياح الصينيين، وفي هذا السياق، سلط الضوء على مشروع مدينة القدية في السعودية، كأول مدينة تركز على الترفيه كقوة اقتصادية وثقافية.
وتقع القدية على بعد نحو 45 كيلومتراً من وسط الرياض داخل منطقة جبال طويق، وتهدف إلى أن تكون وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة، وستضم متنزهات مثل "سيكس فلاجز" وحلبات سباق وأكاديميات فنية ورياضية، كجزء من رؤية البلاد "2030".
واستمع الحضور إلى بحث أجرته شركة "أم أم جي واي" بالتعاون مع مدينة القدية، أبرز أن 70 في المئة من المسافرين يعدون "اللعب" عنصراً أساساً في السفر، وكيف تطور هذا المفهوم من مجرد ترفيه إلى قوة اقتصادية وثقافية عالمية.
وعدت المديرة الأولى للعلامة التجارية في القدية ديما مليباري أن اللعب يمثل "محركاً اقتصادياً" للوجهة، مع استضافة فعاليات كبرى مثل كأس العالم للألعاب الإلكترونية.
وتحدث روبن جونسون من هيئة "زر بريطانيا" أن حملة الهيئة السياحية "Starring GREAT Britain" – التي تعرض مواقع تصوير الأعمال الدرامية الشهيرة مثل "هاري بوتر" و"بريدجيرتون" و"بيكي بلايندرز" كانت واحدة من أنجح مبادراتها على الإطلاق.
وأضاف أن التعاون مع صانعي المحتوى في الصين في الحملات التسويقية أمر أساس، لأن الهدف أصبح الآن إلهام الرحلات وتجارب السفر بدلاً من مجرد بيع برامج الرحلات.
إعادة تعريف الاستدامة
تناولت قمة الاستدامة بجلسة بعنوان "عوالم أخرى ممكنة، إعادة تصور هدف السياحة"، مستقبل الاستدامة في القطاع. وتحدث خبير العمل المناخي جيريمي سميث عن إعادة تعريف دور السياحة في ظل أزمة المناخ، مشدداً على ضرورة أن تفكر شركات السفر ليس فقط في خفض الانبعاثات، بل أيضاً في تمكين السياح من رؤية وفهم التأثيرات الواقعية على المجتمعات.
وأكد سميث، وهو مؤسس شبكة "السفر يعلن حال الطوارئ المناخية"، أن قطاع السفر غالباً ما يرى أزمة المناخ على أنها تحد تقني بحت يمكن إصلاحه بسهولة. وضمن سياق آخر، أشاد سميث بالشركات التي توظف لاجئين في الفنادق وتتيح جولات سير يقودها أشخاص مروا بتجربة التشرد، مؤكداً أن "السياحة تظهر أن عوالم أخرى ممكنة" عندما يدمج الأثر الاجتماعي في العمل.
أداة السلام
في قمة الجيواقتصاد، صعد ناشطون فلسطينيون وإسرائيليون على المسرح معاً لتسليط الضوء على قدرة السياحة على جمع المجتمعات وبناء الفهم المتبادل.
شارك في الجلسة عزيز أبو سارة وهو رائد أعمال ومتحدث دولي فلسطيني، مع ماجن إينون ناشط السلام الإسرائيلي والمربي في لندن. وكلاهما فقد أفراداً من أسرته ضمن الصراع، إذ فقد أبو سارة شقيقه الأكبر، بينما فقد إينون والديه في هجوم "حماس" عام 2023.
وقال أبو سارة "حل النزاعات لا يجب أن يقتصر على غرف الاجتماعات، بل يجب دمجه في كل جوانب الحياة". وأضاف إينون أن بيت الضيافة في الناصرة ساعد الزوار على التواصل مع المجتمع المحلي وشجع على إنشاء بيوت ضيافة مماثلة، مؤكداً الدور الملموس للسياحة في بناء جسور التفاهم.