Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرائم المراهقين... حين تخرج ألعاب الفيديو عن السيطرة

تتكرر الحوادث التي يقترفها هؤلاء متأثرين بالمحتوى الذي يشاهدونه في الألعاب أو في الأفلام

يمضي الأطفال والمراهقون ساعات أمام الأجهزة الإلكترونية من دون رقابة (اندبندنت عربية)

ملخص

"بصورة عامة، ما يجب توضيحه أن المشكلة الحقيقية ليست في ألعاب الفيديو ولا بالأفلام ولا حتى بوسائل التواصل الاجتماعي، كما يشاع، بل المشكلة الفعلية في طريقة استخدامها، وبحجم الغياب والفراغ في حياة الطفل، فالطفل الذي يجد إلى جانبه من يستمع إليه ويعتني به ويوجد إلى جانبه في حياته، لا يضيع في العالم الافتراضي".

الحديث عن تأثر الأطفال والمراهقين بألعاب الفيديو والأفلام ليس بمستجد، إذ يحذر الخبراء من سنوات عديدة من الأخطار المرتبطة بها وبالعالم الرقمي بصورة عامة، لكن أن تصل الأمور إلى حد ارتكاب المراهقين جرائم متأثرين بما يشاهدونه، هو ما يدعو إلى القلق بالفعل وما يستدعي التدخل الجدي لمحاربة هذه الآفة التي تهدد الأطفال ومن حولهم. ففي الفترة الأخيرة، تكررت الحوادث الصادمة التي تعكس وضعاً كارثياً يرتبط بالعالم الرقمي، وهذا ما لا يمكن التهاون فيه. والأسوأ أن الجيل الجديد ينكب على وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو ومنصات عرض الأفلام طوال ساعات، وتحتل مساحة كبيرة من حياتهم ما يجعلهم عرضة للتأثر بها بنسبة عالية.

 

بين الأمس واليوم

إذا ما عدنا سنوات إلى الوراء لوجدنا أن الأفلام والألعاب كانت تخصص لفئات عمرية بحسب ما يناسبها. فلم تكن فرصة المشاهدة العشوائية متاحة للكل ومفتوحة لمختلف الفئات العمرية. أما اليوم، فيبدو واضحاً أن الأمور اختلفت بغياب الضوابط على وسائل التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو، والأجهزة الإلكترونية، ومنصات الأفلام، مما أدى إلى مسار مقلق اتخذته الأمور بالنسبة إلى الأطفال والمراهقين، وإلى جرائم وحوادث تنذر بوجود آفة خطرة في المجتمع، وبخروج الأمور عن السيطرة. ففي عصرنا هذا، اختلفت الأمور عما كانت عليه في السابق، ومع انتقال العالم إلى عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح المجال مفتوحاً للجميع، ويتعرض الأطفال والمراهقون لمحتوى خطر، أو غير لائق، أو غير مناسب لسنهم. ولم يعد من السهل السيطرة على الأمور وتحديد المحتوى الذي يمكن أن يتعرض له الأطفال. ففي السابق، كانت العائلة مجتمعة تجلس أمام شاشة تلفزيون واحدة وتشاهد برامج محددة مناسبة لأفرادها كافة، هذا ما لم يعد ممكناً اليوم بعدما أصبح لكل طفل جهاز يمكن أن يشاهد فيه المحتوى الذي يريد، ويتسلى بألعاب الفيديو على اختلافها، سواء كانت مناسبة له أو لا، وفق ما توضحه الاختصاصية في علم النفس العيادي سهير هاشم، لذلك أصبح الأطفال عرضة لمشاهدة محتوى غير مناسب لهم، من دون أن يدرك الأهل ذلك.

جرائم تتكرر ومرتكبوها مراهقون

من أحدث الجرائم الصادمة التي هزت الرأي العام تلك التي ارتكبها مراهق مصري لم يتجاوز عمره 13 سنة، إذ أقدم على قتل رفيقه في المدرسة، ثم قام بتقطيع جثته إلى أشلاء باستخدام المنشار الكهربائي متأثراً بأحد الأفلام. وأظهرت التحقيقات أن المراهق استدرج رفيقه إلى منزله بغياب أسرته، ثم اعتدى عليه بالضرب حتى فارق الحياة. وبعد وفاته، قام بتقطيع جثته بالمنشار الكهربائي متأثراً بمشاهد رآها في أحد المسلسلات العنيفة على "نتفليكس" وبألعاب الفيديو الإلكترونية، كما أظهر التحقيق بأنه كانت قد حصلت مشادة كلامية بين الطفلين في المدرسة، واعترف الطفل أنه كان قد شاهد أحد الأفلام الأجنبية ورأى طريقة قتل مروعة وقرر تجربتها بالأسلوب نفسه مع زميله، كما اعترف بأنه ضربه أولاً بعصا على رأسه حتى سقط أرضاً وفارق الحياة، ثم وضع الأشلاء بعد تقطيع الجثة في حقيبة المدرسة، وبعدها حاول التخلص من الأشلاء لطمس معالم الجريمة وإبعاد الشبهات عنه، وقد أقر أنه يشاهد هذا المحتوى العنيف في أفلام وألعاب الفيديو على مواقع إلكترونية مفتوحة من دون أية رقابة.

 

وتبين أن الطفل المعني كان يعيش نمط حياة تغيب فيه الحياة الأسرية والرقابة الفعلية من الوالدين، مما جعله أكثر عرضة لتداعيات هذا المحتوى العنيف على الإنترنت، وقد حاول تقليد ما شاهده في الفيلم بهدف التجربة من دون التفكير بالعواقب.

أما في العراق، فقد ألقت السلطات القبض على مراهق بعمر 14 عاماً أقنع 30 شخصاً بإنهاء حياتهم بالانتحار. وكان المراهق قد أدار 16 شبكة عبر لعبة "روبلوكس" واستدرج من خلالها ضحاياه الذين هم من دول عربية وغربية، فحول اللعبة إلى فخ قاتل، حتى إن السلطات العراقية اتخذت قراراً بحظر اللعبة بصورة رسمية بسبب المخاوف المتعلقة بسلامة الأطفال، فانضمت بذلك إلى دول أخرى اتخذت إجراءات مماثلة.

في السنوات الماضية شهد العالم جرائم عديدة حول العالم ارتكبها مراهقون لتقليد مشاهد من أفلام ومسلسلات أجنبية، ونفذوها متأثرين بمشاهد العنف والجرائم في الأعمال السينمائية، ويبدو أن هذا النوع من الجرائم الصادمة في تزايد، لكن، بحسب هاشم "لا تعتبر ألعاب الفيديو خطرة بذاتها، ولا حتى الأفلام، لأن كثيراً منها قد يكون تثقيفياً وتوجيهياً للأطفال، ومنها ما ينمي القدرة على التركيز والمخيلة لدى الأطفال، وتسهم في تعزيز القدرات الفكرية، فيتعلموا كيفية حل المشكلات والتفكير. لا يأتي الخطر الحقيقي من ألعاب الفيديو بذاتها، بل هناك عوامل عديدة تؤثر في مستوى خطورتها انطلاقاً من المحتوى الذي يتضمن العنف والسلاح والجريمة فيقدمها كفعل طبيعي يمكن القيام به. ومن العوامل التي تسهم في جعل المحتوى أكثر خطورة على المراهقين، مدة التعرض له وما إذا كانت محدودة أو مستمرة لفترة طويلة. ويعد الوضع النفسي والاجتماعي للطفل مهماً أيضاً في تحديد الأثر الذي يمكن أن ينتج من تعرضه لمحتوى مخيف أو عنيف، وما إذا كان طفلاً يتعرض للعنف أو التنمر في محيطه، أو ما إذا كان من الشخصيات المندفعة التي لا تدرك عواقب الأمور، ويعجز عن احتواء مشاعره".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابعت الاختصاصية في علم النفس العيادي سهير هاشم "من المعايير المهمة أيضاً في تحديد الأثر الناتج من التعرض لمحتوى عنيف، غياب الأهل وعدم وجودهم إلى جانب أطفالهم. فهي من المسائل التي تؤثر في تصرفات الطفل، وقد تجعله أكثر ميلاً إلى اعتماد سلوكيات غير مدروسة. هذه العوامل مجتمعة لها كلها أثر، لكن ألعاب الفيديو أو الأفلام لا تحول طفلاً إلى مجرم، إلا في حال وجدت هذه العوامل المتعددة في الوقت نفسه وهذا ما يجب التشديد عليه. وقد يكون للمحتوى غير الملائم والذي يميل إلى العنف أثر في الطفل في أي مرحلة عمرية، خصوصاً بوجود عوامل عدة تؤثر في الوقت نفسه، لكن تبقى مرحلة المراهقة أكثر المراحل دقة لأن المراهق يعد أكثر تأثراً بمثل هذا المحتوى في وقت تتكون شخصيته. في هذه المرحلة أيضاً تسبق العاطفة التفكير، خصوصاً في المرحلة العمرية التي تراوح ما بين 10 و16 سنة، حيث يزيد الاندفاع.

في هذه المرحلة العمرية، هناك مسببات يمكن أن تدفع المراهق إلى الإقدام على عمل عدواني أو سلوك خارج عن القانون"، وهي وفق هاشم "حب الانتماء إلى مجموعة وتقليد مؤثرين معينين ينالون إعجابه، البحث عن الشعبية وحب التجربة".

وكون المراهق في مرحلة يعجز فيها عن تقدير عواقب الأمور من الممكن أن يندفع، ويقدم على سلوكيات عنيفة أو عدوانية أو خارجة عن القانون، فهو لا يدرك ما قد ينتج من العمل الذي يقدم عليه، وما يسببه ذلك له أو لغيره، ويزيد الخطر في حال تعرضه الزائد إلى المحتوى العنيف، بحيث يبدو له وكأن أعمالاً مماثلة تعتبر عادية ومن الممكن تجربتها من دون أية مشكلة.

حقبة ارتفعت فيها الأخطار

في أيامنا هذه أصبح العنف متزايداً في مختلف أنحاء العالم، وأكثر بعد، بات يتخذ أشكالاً أخرى منها مقنعة، كما يمكن أن يحصل في ترند على "تيك توك" وتبدو مسلية وبسيطة في الظاهر، لكنها تكون خطرة، ومنها ما يسبب وفيات بين الأطفال والمراهقين الذين يتبعونها. وقد تكررت الحالات التي حصلت فيها وفيات بسببها في السنوات الأخيرة. في هذا الإطار، أشارت هاشم إلى الحادثة التي أودت بحياة طفل بعمر 12 سنة أراد أن يتبع ترند "قضمة واحدة" بتناول "كرواسون" دفعة واحدة في لبنان. كما أنه عام 2024، تم اكتشاف شبكة تستدرج المراهقين والأطفال وتعرضهم للاعتداء الجنسي، من خلال "تيك توك" بغياب رقابة الأهل.

في مختلف أنحاء العالم باتت الأجهزة الإلكترونية، ومن خلالها وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات الأفلام، وألعاب الفيديو تشكل تهديداً حقيقياً للمراهقين والشباب.

بصورة عامة، يحذر خبراء الأمن السيبراني بصورة متواصلة من ألعاب فيديو معينة هي أكثر خطورة على الأطفال وعلى رأسها لعبة "روبلوكس" التي أقدمت دول عديدة على حظرها على أراضيها منها العراق أخيراً بعد انتحار 30 شخصاً. وتصنف بالخطرة مجمل ألعاب الفيديو المفتوحة التي تفسح المجال للأطفال والمراهقين بالحوار والتواصل مع الآخرين من خلال المحتوى المفتوح فيها. ومن هذه الألعاب ما يسمح بإرسال الصور الخاصة والبيانات وأماكن السكن إلى أشخاص من مختلف أنحاء العالم.

كما أن الألعاب التي تقدم محتوى عنيفاً ومخيفاً تعد أيضاً خطرة على الأطفال بحسب هاشم، يضاف إليها المحتوى الذي يتعلق بترند على "تيك توك" يمكن أن يشكل خطورة عليهم، فكل هذه الأنواع من الألعاب والمحتوى وغيرها أيضاً، يمكن أن تكون خطرة في حال عدم التعامل معها بوعي، وبصورة صحيحة وملائمة، وبرقابة من الأهل.

وختمت هاشم "بصورة عامة، ما يجب توضيحه أن المشكلة الحقيقية ليست في ألعاب الفيديو ولا بالأفلام ولا حتى بوسائل التواصل الاجتماعي، كما يشاع، بل المشكلة الفعلية في طريقة استخدامها، وبحجم الغياب والفراغ في حياة الطفل، فالطفل الذي يجد إلى جانبه من يستمع إليه ويعتني به ويوجد إلى جانبه في حياته، لا يضيع في العالم الافتراضي. أما الطفل الذي يجد نفسه وحيداً من دون تواصل أو رقابة أو دعم، فمن الطبيعي أن يتأثر بكل ما يراه أو يسمعه ويصدقه تماماً، بسبب الوحدة التي يعيش فيها. وما يجب أن يدركه الأهل أن حماية أطفالهم لا تكون بالمنع اليوم، إنما بالحضور وبالوجود إلى جانبهم، فلا بد من تقبل فكرة أننا نعيش اليوم في عصر يختلف تماماً عن السابق، لا بد من تقبل الانفتاح، شرط معرفة كيفية التعامل معه عبر الجلوس مع الأطفال، والاستماع إليهم، والتحدث معهم، مع أهمية ووضع حدود معينة وتعليم الأطفال كيفية التمييز بين الأمور الحقيقية وتلك الخيالية، لأن التربية اليوم أصبحت رقمية، وثمة حاجة إلى أهل يحضرون إلى جانب أطفالهم، إذ يحتاج الطفل اليوم إلى أهله أكثر من أي وقت مضى".

اقرأ المزيد

المزيد من صحة