Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعمار غزة على طريقة "بيدي لا بوعود الساسة"

يحاول السكان إعادة تأهيل بيوتهم بالطرق المتاحة: أفضل من العيش داخل فصل دراسي أو خيمة مهترئة في العراء

ملخص

عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من مراكز مدن القطاع إلى الخط الأصفر المتفق عليه في خطة السلام، عاد خليل فوراً لتفقد بيته، وأول ما وصل صعق من المنظر، فأساسات البناية مفرغة من الأسمنت مما يعني أن العمارة السكنية آيلة للسقوط. نظر إلى الأعمدة بحسرة ولكنه تذكر سريعاً أنه يسكن خيمة مهترئة لا فائدة منها، منصوبة في الشارع.

يحمل خليل في يده مطرقة وفي الأخرى حجراً، ويقول "لا أستطيع انتظار وعود الإعمار"، يصعد على درج متصدع نحو شقته السكنية المدمرة بطريقة لا يمكن معها العيش بداخلها، لكنه ما زال يشعر بأن بقايا بيته هي وطنه الصغير الذي يرغب في العودة إليه.

يعيش خليل داخل مدينة غزة، وهي المنطقة التي نفذت فيها إسرائيل عملية "عربات جدعون 2" قبل وقف إطلاق النار، ودمرها الجيش الإسرائيلي بطريقة زلزالية مرعبة، إذ استخدم لنسف المباني روبوتات عسكرية مفخخة أدت إلى دمار واسع في المباني والبنية التحتية والمرافق الخدمية.

أشباه بنايات

عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من مراكز مدن القطاع إلى الخط الأصفر المتفق عليه في خطة السلام، عاد خليل فوراً لتفقد بيته، وأول ما وصل صُعق من المنظر، فأساسات البناية مفرغة من الأسمنت مما يعني أن العمارة السكنية آيلة للسقوط. نظر إلى الأعمدة بحسرة ولكنه تذكر سريعاً أنه يسكن خيمة مهترئة لا فائدة منها، منصوبة في الشارع.

 

الدرج تعرض لقصف مدفعي وبه تصدعات وتشققات، بصعوبة سار على السلم حتى وصل إلى شقته السكنية، فوجدها "عبارة عن أعمدة أسمنتية فحسب، جميع الجدران سقطت نتيجة الانفجارات، لكن على رغم ذلك سأعيد إعمارها بطريقة شعبية وأعيش فيها، بيتي بكل دماره أفضل من العيش في غرفة فصل دراسي، أو في شارع داخل خيمة مهترئة".

نظر من حوله، وجد خليل حجارة متناثرة بسبب القصف، بسرعة استصلح منها المناسب وأخذ يرفعه إلى شقته السكنية، يصف الأحجار بهدوء فوق بعضها ليبني حائطاً جديداً للصالة، بدلاً من الجدار الذي سقط نتيجة حمم الانفجارات العسكرية.

رحلة تقطع الأنفاس

لا يوجد طوب بناء جديد في غزة بسبب الحرب، اضطر خليل لشراء قطع النايلون المقوى وركبها مكان الجدران التي سقطت من منزله، أما المطبخ فقد استصلح خشب "المشاتيح" وصنع منه رفوفاً بسيطة تحل مكان خزانات مطبخه.

يوضح أن الإعمار الشعبي لما تبقى من منازل في غزة مكلف جداً، ويحتاج إلى جهد مرهق يقطع الأنفاس، ويشرح "نبدأ من إزالة الركام إلى ترميم الجدران المتصدعة، عدا عن أنه لا يوجد سلم ولا أبواب ولا نوافذ ولا أثاث، فالمنزل خال تماماً من كل شيء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حجر فوق قطع نايلون فوق خشب مهترئ، هكذا يصلح خليل بيته، فمجرد العيش في مسكنه يشعره بالراحة، يشير الرجل بيده إلى أكوام الحجارة المبعثرة حوله، وقد حولها بجهده إلى مواد بناء "قمت بتكسير الحجارة الكبيرة وتحويلها إلى قطع صغيرة من الحصى، ثم خلطتها واستخدمتها في بناء جدار مهدم، أعمل على إصلاح غرفتين في الأقل إلى جانب المطبخ والحمام، أما الأجزاء المتبقية من المنزل فأغطيها بالنايلون، نحن نبحث عن أية حياة".

على نفقتهم الخاصة

تحولت غزة إلى ورشة إعادة إعمار شعبي لما تبقى فيها من أنقاض منازل وهياكل خرسانية، الرجال يشاركهم النساء والأطفال في ترميم بيوت مهدمة لا تصلح للعيش، وعلى رغم ذلك ينقذون تلك الحجارة، التي كانت يوماً ما أبنية جميلة، من الدمار ويعيشون فيها.

باتت عند الغزيين خبرة واسعة في إعادة الإعمار، إذ مروا بحروب عنيفة خلال الأعوام الـ20 الماضية، ومع تلك التجارب باتوا ينظرون لوعود إعادة بناء غزة على أنها مجرد حديث إعلامي ليس أكثر، لذلك قرروا بسرعة الدخول في ورشة إعادة إعمار شعبي لما تبقى من بيوتهم.

الإعمار الشعبي مصطلح يحمل معاني كثيرة، تارة يستخدم للإشارة إلى إعادة تأهيل الأبنية المتضررة، ومرة يستخدم عند الحديث على مبادرات شبابية تطوعية لإزالة الركام وتنظيف الأحياء، وتارة يدلل على إصلاح الأبنية والمحال بطريقة بدائية، ولكن في جميع الحالات تقع كلف هذا البناء على عاتق أصحاب البيوت وليس ضمن التعويضات المرصودة لبناء القطاع من جديد.

للنساء أدوارهن

يسند صالح ظهره على جدار، يضحك ويقول "هذه نعمة أفتقدها كثيراً"، داخل معسكرات النزوح يعيش الرجل في خيمة مصنوعة من قطع قماش بالية ويختبر حياة مرة، ولكن عندما عاد إلى منزله شبه المدمر، واستند إلى الحائط استشعر النعمة.

يصف صالح نفسه بأنه "محظوظ جداً" لأن منزله لم يدمر بالكامل، ويقول "ما دامت أعمدة المنزل ما زالت قائمة، وسقف المنزل وأرضيته بخير، فهذا يعني أن بإمكاني أن أصحو وأنام بحرية، وأستمتع بخصوصية في بيتي".

 

بيت نجاح أيضاً تحول إلى ورشة عمل جماعية، فالأب يركب الأبواب، والأخ يطرق في النوافذ، والجار يساعد في تعليق قطع النايلون المقوى، والنساء يساعدن، تقول نجاح "تركوا بيتي محروقاً وفيه جدران مثقوبة من الرصاص والقذائف، وعلى رغم انعدام أية مقومات للحياة من ماء وكهرباء، وجدنا كرامتنا فيه".

تستخدم عائلة نجاح معدات بسيطة، النساء تولين مهمة تنظيف الركام وإزالته من المنزل، فيما الأبناء الشباب يتولون تعديل قضبان الحديد المحنية ليعيدوا استخدامها في تدعيم الجدران، أما الأب فيخلط الأسمنت بيديه في دلاء صغيرة ليبنوا بها غرفة تلو الأخرى.

مشاركة جماعية في شقة نجاح، والإعمار الشعبي ليس سهلاً، فالمواد باهظة، ولا مساعدات تصل، لكن الجيران يمدون يد العون، أحدهم يعطي لهم باباً قديماً، وآخر يتشارك معهم سلماً، تقول نجاح "كل يوم نبني حجراً، وسنرجع للحياة تدريجاً".

أعدت نجاح كوباً من الشاي بعد عمل متعب انقطعت فيه الأنفاس، تقول "لا نريد انتظار إعادة إعمار بيتنا ولا ننتظر منحة، نصلح بيتنا بأبسط الأشياء، صحيح البيت لم يعد كما في السابق لكن الروح بقيت كما هي".

أسرع من الوعود

قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) كلفة إعادة بناء قطاع غزة بنحو 70 مليار دولار، يقول مدير البرنامج جاكو سيليرز "هناك 61 مليون طن من الركام في القطاع، مما يجعل عملية الإعمار واحدة من أضخم المهام الإنسانية وإعادة البناء في العالم".

مجبرون الغزيون على الإعمار الشعبي، إذ اهترأت الخيام والشتاء يقترب، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة "قرابة 1.5 مليون إنسان في غزة بلا مأوى بعد تدمير إسرائيل منازلهم، يجد النازح الغزي نفسه اليوم مضطراً للبقاء في العراء بعد تدمير أكثر من 300 ألف منزل، ومنع دخول خيام جديدة ومستلزمات الإيواء الشتوية الضرورية".

ويضيف "انهارت 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفاً، مما جعلها غير صالحة للإقامة، ومعاناة النازحين تتضاعف في ظل رفض إسرائيل إدخال منازل موقتة (كرفانات) أو خيام".

بسبب القيود الإسرائيلية يعيد الغزيون تأهيل بيوتهم، الناطق باسم بلدية غزة عاصم النبيه يقول إن "إزالة الركام وإعادة البناء تواجه صعوبات كبيرة، أمام هذا الواقع فإن الخيارات لدى المواطنين محدودة، لذلك توجهوا للإعمار الشعبي، لكن كلفة إزالة الركام ذاتياً عالية جداً ولا توجد معدات".

ويضيف النبيه "الإعمار الشعبي ظهر كحل اضطراري وأداة لإدارة الأزمة، إذ بدأت العائلات بإعادة ترميم ما تستطيع من منازلها مستخدمة الحجارة والحديد والأخشاب المتاحة، لكن هناك تحديات كبيرة ترافق الإعمار الشعبي، أبرزها ضعف السلامة الإنشائية في المنازل المرممة، مما يجعلها عرضة للسقوط، إلى جانب غياب الخدمات الأساس مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي".

يعمر الغزيون منازلهم شعبياً بطريقة أسرع من الخطوات الدولية، إذ تستعد مصر وفرنسا لعقد قمة كبرى في القاهرة يحضرها الرئيس الأميركي ترمب إلى جانب قادة عرب وأوروبيين لوضع خطة إعادة البناء وتأمين التمويل.

ولكن إعادة البناء هذه قد لا تشمل كل أنحاء قطاع غزة، إذ أفصح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أن بناء غزة سيكون داخل المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل فحسب، أما مناطق غزة الغربية التي تسيطر عليها "حماس" فلن تُعمر، ويرى السكان المحليون أن التأهيل الشعبي أفضل من أية وعود مرتبطة بالقضايا السياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير