ملخص
يدعو الكاتب إلى نزع سلاح "حماس" عبر قوة استقرار دولية تقودها الولايات المتحدة وتضم قوات عربية وإسلامية لضمان الأمن في غزة، مؤكداً أن القيادة الأميركية الحازمة والتدريب المنسق للقوات الفلسطينية هما الشرطان الأساسيان لإعادة إعمار القطاع وتجنب اندلاع حرب جديدة.
خلال الأسابيع التي تلت وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" خلال الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أصبح إرساء الأمن والحفاظ عليه في غزة اختباراً حاسماً. فخلال الأيام التي أعقبت إعلان الاتفاق، شنت "حماس" حملة انتقامية عنيفة ضد الجماعات المنافسة في محاولة لإعادة توطيد سيطرتها على المناطق التي انسحبت منها إسرائيل. وخلال الـ19 من أكتوبر الجاري، أدى مقتل جنديين من جيش الدفاع الإسرائيلي في رفح إلى شن غارات جوية إسرائيلية. وخلال الـ28 من أكتوبر الجاري، أدى مقتل جندي آخر من جيش الدفاع الإسرائيلي، واستمرار "حماس" في تأخير إعادة جثث الرهائن، إلى توجيه إسرائيل ضربات لعشرات الأهداف في أنحاء غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص وأثار مخاوف من انهيار الاتفاق نفسه. وفي حال سمح لـ"حماس" بإعادة فرض نفوذها، واضطرت إسرائيل إلى مواصلة التدخل على هذا النطاق، أو حتى على نطاق أوسع، فقد يصبح وقف إطلاق النار مجرد فاصل موقت آخر في صراع لا نهاية له.
لقد كان التحدي الأمني متوقعاً في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المكونة من 20 نقطة، التي تدعو بوجه خاص إلى نزع سلاح "حماس"، ونشر قوة استقرار دولية في غزة. غير أن الوقت اللازم لإجراء مفاوضات معقدة حول تنفيذ هذه الأهداف خلق فراغاً، سيزداد سوءاً كلما تأخرت الإجراءات أو تعثرت. وفي خطوة مبشرة، افتتحت الولايات المتحدة خلال الـ17 من أكتوبر الجاري مركز التنسيق المدني - العسكري، وهو مقر جديد تتولاه القيادة المركزية الأميركية. ويقع المركز على بعد نحو 15 ميلاً شرق عسقلان، وسيكون مقراً لنحو 200 جندي أميركي أرسلوا لدعم وقف إطلاق النار، ويمكن أن يلعبوا دوراً رئيساً في الإشراف على قوة الاستقرار الدولية. ولكي تحظى قوة الاستقرار بالشرعية في غزة، سيتعين أن تضم جنوداً من دول عربية وإسلامية، لكن القيادة الأميركية القوية ستكون حاسمة. وإلى جانب مركز التنسيق المدني - العسكري، يجب على واشنطن أن تسخر الموارد الأخرى المتاحة لها في المنطقة، بما في ذلك تعاون الجيش الأميركي مع قوات الأمن الإسرائيلية والفلسطينية في الضفة الغربية.
نادراً ما تتيح الظروف الجيوسياسية فرصة لإعادة ترتيب التحالفات الإقليمية جذرياً بطرق يمكن أن تؤدي إلى سلام وازدهار مستدامين. وتوجد مثل هذه الفرصة الآن في الشرق الأوسط. إلا أن التوصل إلى اتفاق قابل للتنفيذ سيتطلب بذل جهود إضافية من جميع المشاركين في مفاوضات غزة، بما في ذلك الولايات المتحدة وشركاؤها العرب والمسلمون. ومن المرجح أن يؤدي الفشل في التوصل إلى اتفاق سريع في شأن قوة الاستقرار الدولية ونزع سلاح "حماس" إلى نسف فرص وقف إطلاق النار على المدى الطويل.
مهمة لم تكتمل
بعد عامين من الحرب، تضاءلت قوة "حماس" إلى درجة كبيرة. فقد قتل معظم قادتها، على ثلاثة مستويات، ولم تعد الجماعة تمتلك أية قدرة تهدد إسرائيل مثلما كانت الحال عندما شنت هجمات السابع من أكتوبر 2023. ومع ذلك، لا تزال "حماس" تملك نفوذاً في غزة. فقد انضم آلاف المجندين الجدد إلى صفوفها، وأسفرت حملتها العنيفة ضد الخصوم والمتعاونين المزعومين مع إسرائيل عن مقتل العشرات. وحتى لو كان مخزون الأسلحة المتبقي لدى الجماعة محدوداً، فمن الواضح أن لديها القدرة على تعطيل تدفق المساعدات التي تمس الحاجة إليها، وكما أظهرت بالفعل، وخلال هذا الأسبوع أيضاً، لا يزال بإمكان مقاتليها مهاجمة قوات الجيش الإسرائيلي أو قوة الاستقرار الدولية التي أنشئت حديثاً.
لن تتخلى "حماس" عن أسلحتها طواعية. ذلك أن أسلحتها هي السبيل للاحتفاظ بالسلطة، أو في الأقل بالنفوذ الطاغي في غزة، كما أن تسليم هذه الأسلحة يتعارض مع دوافعها العقائدية. وعلى عكس الجيش الجمهوري الإيرلندي، الذي كان هدفه الأساس هو انسحاب بريطانيا من إيرلندا الشمالية، وإقامة جمهورية إيرلندية موحدة، فإن هدف "حماس" لا يقتصر على إخراج القوات الإسرائيلية من غزة، أو إقامة دولة فلسطينية موحدة، بل إنها تسعى أيضاً إلى القضاء على دولة إسرائيل. وكما أظهرت المراسلات المروعة والمذكرة التي عثر عليها في جهاز كمبيوتر تابع لـ"حماس"، فقد أمر زعيم "حماس" السابق يحيى السنوار مقاتلي الجماعة باستهداف أكبر عدد ممكن من المدنيين الإسرائيليين وتدمير منازلهم. ومن شأن مثل هذه الخطط أن تبدد أي شكوك في النيات النهائية للجماعة.
"حماس" لن تتخلى عن أسلحتها طوعاً
بيد أن منع "حماس" من الاضطلاع بأي دور رسمي في الحكم بعد الحرب لن يحل المشكلة. فربما يكون الشيء الوحيد الأكثر خطورة من استعادة الجماعة السيطرة الرسمية على غزة هو ممارستها للسلطة من دون تحمل مسؤولية سياسية. وهذا هو النموذج الذي انتهجه "حزب الله" في لبنان، وكانت نتائجه مدمرة: فمع التآكل المتواصل للبنية التحتية الاقتصادية والمادية والسياسية والأمنية للبلاد، منع "حزب الله" البرلمان من العمل، وعرقل التحقيقات في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005 وانفجار ميناء بيروت عام 2020، وقوض الجهود اللبنانية للتعاون مع صندوق النقد الدولي، وبنى ترسانة من الصواريخ والأسلحة مستعيناً بإيران، وهاجم إسرائيل، معرضاً سلامة الشعب اللبناني بأسره للخطر، وأنشأ بنية مجتمع مدني موازية يهيمن عليها الحزب، مما منحه نفوذاً عاماً مزعزعاً للاستقرار. وبما أنه لم يكن يسيطر على الحكومة، فقد تمكن من التنصل من أية مسؤولية عن انهيار البلاد.
وإذا حرمت "حماس" من لعب دور رسمي في غزة، فإنها ستحاول فعل الشيء نفسه، أي ممارسة السلطة وفرض إرادتها على أي هيكل حكم قد ينشأ. ولن يؤدي ذلك إلى تعقيد الجهود الدولية لإعادة إعمار غزة فحسب، بل قد يشكل أيضاً تهديداً جديداً خطراً لإسرائيل. وفي غياب معارضة مسلحة قوية تنافسها، قد تعيد "حماس" فرض هيمنتها من خلال الترهيب وتبييض الأموال والقضاء على منافسيها بعنف، ومن خلال التهديدات الإرهابية.
معضلة نزع السلاح
ثمة طريقتان واقعيتان فقط لمنع "حماس" من إعادة فرض سيطرتها على السلطة. إما أن تعود إسرائيل إلى الأجزاء التي انسحبت منها في غزة لمواجهة "حماس"، وهي استراتيجية تتطلب مزيداً من الدمار، وفرص نجاحها غير مؤكدة. أو أن تتدخل قوة دولية في المنطقة وتواجه "حماس" وتجردها من سلاحها تدريجاً بالوسائل العسكرية وصور الضغط الأخرى، وهي عملية قد تستغرق أعواماً. وكلا الخيارين ينطوي على عقبات كبيرة.
وعلى رغم الشرط الذي طالما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح، وهو أن على "حماس" أن تلقي سلاحها لإنهاء الحرب، فإن الأشهر الأخيرة من الصراع أظهرت عجز إسرائيل عن تحقيق هذا الهدف. وعلى رغم الدمار الهائل والتهجير في غزة، إلا أن مجموعات من مقاتلي "حماس" احتفظت بقدراتها على الهجوم. وإذا عادت إسرائيل إلى مواجهة "حماس" عسكرياً، فإن هدفها الواقعي سيكون احتواء الحركة وتقليص التهديد الذي تشكله. وكما جادل كبار القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين الحاليين والسابقين خلال الأشهر التي سبقت وقف إطلاق النار خلال الثامن من أكتوبر الجاري، فإن استراتيجية تهدف إلى نزع سلاح "حماس" بالكامل ستجعل إسرائيل عالقة في إعادة احتلال غزة من دون أن تحقق كثيراً لتعزيز أمنها على المدى الطويل. وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذا النهج سيؤدي أيضاً إلى إبطاء وتيرة المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة.
وبدلاً من تجديد الحرب، يمكن لإسرائيل أن تتبنى نهجاً لمكافحة الإرهاب، من خلال شن غارات متكررة على خلايا وقادة محددين في "حماس". وهي تستخدم هذا النهج منذ أعوام في الضفة الغربية، وحققت بعض النجاح، على رغم أن هذا النجاح غالباً ما يأتي بفضل التعاون الأمني بين القوات الإسرائيلية والفلسطينية. لكن مثل هذا النهج سيكون أكثر صعوبة في غزة. ويمكن لإسرائيل أن تسعى إلى إشراك جماعات محلية كبديل عن القوات الفلسطينية، إلا أن هذه الجماعات ستواجه على الأرجح صعوبة في بناء مستوى التعاون والدعم اللازمين لإنجاح استراتيجية تعتمد على الغارات لمكافحة الإرهاب وحدها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الخيار الثاني، وهو أن تتولى قوة دولية زمام المبادرة في نزع سلاح "حماس"، فينطوي على تحديات خاصة به، إذ كانت عمليات الانتشار الخارجية التي رعتها الأمم المتحدة في الشرق الأوسط خلال الماضي كارثية من وجهة نظر إسرائيل. ففي لبنان، اكتفت قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) – وهي بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان – بمراقبة "حزب الله" وهو يراكم ترسانة أسلحة ضخمة ويبني أنفاقاً يمكن استخدامها لتهديد إسرائيل. وفي هضبة الجولان، ربما تشتهر قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بمواجهتها مع جبهة النصرة عام 2014، عندما فر عدد من أفراد هذه القوة إلى إسرائيل. ومع ذلك، حققت أنواع أخرى من البعثات الدولية نجاحاً أكبر ويمكن أن تكون نموذجاً يحتذى. فقوة كوسوفو التي تقودها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والمعروفة باسم "كفور" KFOR، التي أنشئت منذ أكثر من ربع قرن، لا تزال تعمل في المنطقة حتى اليوم، وساعدت في حفظ السلام وتعزيز الاستقرار في كوسوفو. كما أن البعثة الأمنية الدولية التي أنشئت في البلقان بموجب اتفاقات دايتون للسلام عام 1995 لا تزال سارية المفعول حتى اليوم، وتخضع البعثة حالياً لقيادة قوات الاتحاد الأوروبي.
نظراً إلى عدم ثقة إسرائيل عموماً في البعثات الأمنية الدولية، يجب أن تكون قوة الاستقرار الدولية الجديدة في غزة مخولة صراحة ومجهزة لنزع سلاح "حماس"، ربما بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وأثار هذا الشرط بالفعل مخاوف بين قادة بعض الدول العربية والإسلامية في المنطقة، بما في ذلك ملك الأردن، الملك عبدالله الثاني، الذين يخشون حتماً رد الفعل السلبي من الرأي العام المحلي في حال شاركت قواتهم في القتال ضد "حماس". غير أنه لا يمكنهم الحصول على الأمرين معاً. وإذا كانت أولويتهم هي إيجاد أفق سياسي للشعب الفلسطيني، فعليهم المساهمة بقوة عسكرية حقيقية لضمان ألا تكون "حماس" جزءاً من المعادلة. وإلا، فستنتظر "حماس" ببساطة حتى تنتهي فترات ولايتهم، وتعيد بناء قاعدتها القوية وقدراتها، وتشعل في النهاية حرباً أخرى مع إسرائيل، سواء كان ذلك بعد عام أو عامين أو خمسة أعوام من الآن.
ولا يلزم الاعتماد على القوة وحدها للقضاء على التهديد العسكري الذي تشكله "حماس". فقد كان من المستحيل إقناع مقاتلي "حماس" بنزع سلاحهم حتى بعد مرور ستة أشهر على الصراع، نظراً إلى مدى سيطرة الجماعة على القيادة والسيطرة قبل السابع من أكتوبر. إلا أن نجاح إسرائيل في إضعاف الجماعة، وإن كان ذلك بكلفة بشرية باهظة، قد فتح المجال أمام مثل هذا المسار. وقد يكون المجندون الأصغر سناً، والأقل التزاماً عقائدياً، مستعدين لإلقاء أسلحتهم إذا كان ذلك يعزز الأمن المادي والاقتصادي لأسرهم. وأثبتت هذه المقاربة نجاحها في حالات أخرى. إذ أظهرت "الصحوة السنية" خلال الحرب الأهلية العراقية - عندما دفعت الولايات المتحدة أموالاً وسلحت الجماعات المحلية في محافظة الأنبار للتخلي عن القاعدة - إمكانية إقناع القادة المحليين والسكان بالانفصال عن القوة المهيمنة، بما في ذلك الجماعات الإرهابية، إذا توفرت بدائل واقعية.
سيكون نزع سلاح "حماس" صعباً للغاية، لكن هذه المقاربة المزدوجة، أي إغراء العناصر بنزع سلاحهم بمحض إرادتهم، مع إيضاح أن القوات الدولية مستعدة للتعامل معهم عسكرياً في حال لم يفعلوا ذلك، هي أفضل فرصة لتحرير غزة من سطوة الجماعة. غير أن هذا لن يحدث إلا إذا وفرت الدول العربية والإسلامية الدعم لقوة الاستقرار الدولية، وبحيث يشمل ذلك هدفاً طويل الأمد يفضي إلى التحول نحو نشوء القوات الفلسطينية وتسلمها زمام الأمور. وستحظى القوات العربية والإسلامية بشرعية أكبر بكثير لدى سكان غزة من القوات الغربية. ويبقى السؤال الأكبر المطروح هو كيف يمكن للولايات المتحدة أن توفر الدعم الأقوى لقيادة مثل هذه القوات.
دور فاعل عربي بغطاء أميركي
وبينما تتواصل المفاوضات حول وقف إطلاق النار في غزة، سيكون من الأهمية بمكان حشد الدعم الإقليمي لقوة الاستقرار الدولية. وكثيراً ما كانت الدول العربية والإسلامية حذرة من المشاركة في مهام تحقيق الاستقرار داخل غزة، ناهيك بالعمليات التي قد تنطوي على استخدام القوة. وحتى الآن، أبدت أذربيجان ومصر وإندونيسيا استعدادها لإرسال قوات إلى غزة. لكن المهام المحددة التي ستكون هذه الدول على استعداد للقيام بها لا تزال غير واضحة. وقبل وقف إطلاق النار، كانت الإمارات العربية المتحدة هي الأقرب إلى الالتزام بالمشاركة في قوة استقرار غير محددة، لكنها أصرت على أنها لن تفعل ذلك إلا إذا كانت القوة بقيادة الولايات المتحدة.
ينبغي أن تنظر إدارة ترمب إلى إصرار الإمارات على أن تكون واشنطن هي المسؤولة على أنه فرصة وليس عبئاً. ففي تحديد مهام القوة الدولية، شددت خطة ترمب المكونة من 20 نقطة على أن إحدى المهام الرئيسة ستكون تدريب القوات الفلسطينية. وسيكون هذا بالتأكيد عنصراً حاسماً. لكن نظراً إلى أن القوة الدولية ستحتاج هي نفسها إلى القيام بدورين، عسكري وشرطي، فإن إطاراً تقوده الولايات المتحدة ويستفيد من مشاركة الدول العربية والإسلامية سيوفر أفضل توازن بين الشرعية والفعالية التشغيلية.
كما أن القيادة الأميركية ضرورية لجعل قوة الاستقرار الدولية جديرة بالثقة بالنسبة إلى إسرائيل. فمن غير المرجح أن توفر قوة عربية - إسلامية في غزة، تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية، لإسرائيل الطمأنينة التي تحتاج إليها لتجنب اتخاذ إجراءات عسكرية قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، ضد كل تهديد ينشأ من غزة. أما إذا كانت قوة الاستقرار الدولية تحت قيادة أميركية حازمة، فهذا يعني أن إسرائيل، إذا أصرت على مهاجمة هدف مهم تابع لحركة "حماس"، ستضطر إلى التنسيق مع الولايات المتحدة، أو في الأقل إعلامها. ويمكن للإدارة الأميركية عندئذ أن تسعى إلى إقناع إسرائيل بالسماح لقوة الاستقرار الدولية باتخاذ الإجراءات بدلاً منها، أو الضغط على إسرائيل لتقليص نطاق أية عملية تقوم بها إلى أقصى حد ممكن، مما يقلل من احتمال إعادة نشوب صراع أوسع نطاقاً.
وأوضح الرئيس ترمب أن إرسال قوات أميركية إلى مناطق الحرب، لا سيما في الشرق الأوسط، أمر غير وارد. لكن الولايات المتحدة ليست مضطرة لإرسال قواتها إلى غزة من أجل السيطرة على العمليات العسكرية في القطاع. بل على العكس، لدى واشنطن حافز قوي لتوجيه قوة الاستقرار الدولية بغض النظر عن مشاركة القوات الأميركية، لأن التقاعس عن ذلك قد يؤدي إلى خطر قيام قوات أجنبية بأعمال لا تتماشى مع الأهداف الأمنية الأميركية الأوسع نطاقاً. وبالطبع، فإن توجيه قوة الاستقرار الدولية من دون وجود قوات أميركية على الأرض في غزة ليس أمراً مثالياً بالنسبة إلى الجيش الأميركي. لكن احتمالات نزع سلاح "حماس" على المدى الطويل، وإعادة إرساء الأمن الإسرائيلي، ومنع تجدد الصراع ستكون بعيدة المنال إذا لم تؤكد الولايات المتحدة هذه القيادة.
القيادة الأميركية الحازمة للعمليات الأمنية في غزة لها أهمية بالغة
بغية فرض سيطرة قوية على قوة الاستقرار الدولية، يجب على إدارة ترمب أن تدمج مركز التنسيق المدني - العسكري الجديد الذي تتولاه القيادة المركزية الأميركية مع الجهود العسكرية الأميركية الحالية في المنطقة. ويشير قرار الإدارة بإنشاء مركز التنسيق المدني - العسكري إلى نيتها لعب دور قيادي في مستقبل غزة. ولكن المركز سيتعزز بصورة كبيرة من خلال الاستفادة من الموارد الحيوية الموجودة بالفعل، وأبرزها مكتب المنسق الأمني في القدس الذي تقوده الولايات المتحدة. فمنذ عام 2005، ويعمل المكتب على تعزيز التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتقديم المشورة للسلطة الفلسطينية في شأن الإصلاح الأمني وبناء القدرات المؤسسية، وتوفير التدريب والمعدات لعمليات مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية.
خلال الصيف الماضي، وفي إطار إعادة تنظيم وزارة الخارجية، نقلت إدارة ترمب مكتب المنسق الأمني إلى السفارة الأميركية لدى القدس، بدلاً من أن يكون تابعاً مباشرة لوزير الخارجية، مثلما كانت الحال في السابق. وسيكون من الحكمة أن تتراجع الإدارة عن هذا القرار، بل وأن توسع نطاق ولاية المكتب ليشمل غزة. وينبغي أن يأمر ترمب بأن يتبع المنسق الأمني مباشرة إلى كل من وزير الخارجية ماركو روبيو وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر، الذي يشغل أيضاً منصب قائد مركز التنسيق المدني - العسكري.
ومن الناحية الموضوعية، وبما أن كوبر لا يمكنه التفرغ للعمل في إسرائيل بدوام كامل، ينبغي للرئيس أن يمنح المنسق الأمني الأميركي منصباً مزدوجاً بصفته قائد مركز التنسيق المدني - العسكري وأن يعين ضابطاً أميركياً أو حليفاً برتبة نجمة أو نجمتين للعمل تحت إمرته بصفته قائد قوة الاستقرار الدولية. ومن شأن ذلك أن يمكن القيادة الأميركية من قيادة المهمة مع ضمان أن تكون القوات الدولية الموجودة على الأرض في غزة عربية ومسلمة. وستشمل مسؤوليات قائد مركز التنسيق توجيه أفراد القوات الأميركية الذين نشروا لدعم وقف إطلاق النار، والعمل مع السفير ستيفن فاغن، القائد المدني الذي عين حديثاً لمركز التنسيق.
ومن شأن مثل هذه الهيكلية التي تقودها الولايات المتحدة في غزة أن توفر أربع مزايا. أولاً، تتمتع بعثة مكتب المنسق الأمني بخبرة راسخة وقد نالت احترام القوات الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء. ثانياً، تسهم 11 دولة أخرى من حلف شمال الأطلسي في بعثة المكتب، وسيكون منح المكتب دوراً قوياً في غزة وسيلة فعالة لضمان المشاركة وتقاسم الأعباء بين الحلفاء الأوروبيين في أمن غزة واستقرارها. وثالثاً، يمكن أن يفضي تمكين المكتب في غزة إلى تسريع الدعم التدريبي الإضافي من قبل البعثات الحليفة الأخرى، مثل بعثة الاتحاد الأوروبي لدعم الشرطة الفلسطينية وسيادة القانون (EUPOL COPPS)، وهي بعثة تابعة للاتحاد الأوروبي توفر التنسيق والتدريب لسلطات إنفاذ القانون والعدالة الجنائية الفلسطينية داخل الضفة الغربية. وأخيراً، فإن هذا النوع من القيادة المشتركة للولايات المتحدة سيساعد في تهيئة الظروف التي تمكن الفلسطينيين أنفسهم من لعب الدور القيادي داخل غزة في نهاية المطاف.
لعبة غزة الطويلة
في نهاية المطاف، يتمثل الهدف طويل الأمد لخطة غزة في تمكين السلطة الفلسطينية والقوات الأمنية الفلسطينية من إتمام التحول لتتولى المسؤولية عن القطاع. وخلال الوقت الحالي، قد يبدو مثل هذا التحول بعيد المنال، بالنظر إلى الإصلاحات الواسعة التي يتعين على السلطة الفلسطينية إجراؤها. ولتحقيق هذا التحول في القيادة الفلسطينية، سيتعين على الولايات المتحدة وشركائها العرب في قوة الاستقرار الدولية والمجلس المشرف على حكومة تكنوقراطية في غزة، وكذلك إسرائيل، أن يكونوا على ثقة من أن قوات السلطة الفلسطينية الجديدة لديها القدرة الكافية لمنع تدخل بقايا "حماس" وضمان أمن غزة. ولن تتمكن القوات الفلسطينية في غزة من اكتساب صدقية لدى جميع الأطراف إلا من خلال إثبات المستويات العالية من التدريب والكفاءة، والقدرة المستمرة على التنسيق مع القادة المدنيين، وفقاً للمعايير الصارمة التي يفرضها مكتب المنسق الأمني على قوات الأمن في الضفة الغربية.
ويتعين على قادة العالم أن يتوقعوا بقاء قوات الاستقرار الدولية داخل غزة لأعوام مقبلة. ولا يمكن إلا لقوة دولية تحت قيادة أميركية حازمة أن توفر الأمن اللازم للحكم الناجع، وتدفق المساعدات الإنسانية بسلاسة، وإعادة الإعمار السريع، وضمان تقليص تهديد أية جماعات في القطاع لإسرائيل. ولكن يجب أيضاً تنفيذ المهمة مع التركيز على تهيئة الظروف اللازمة للنجاح في المستقبل.
فمن أجل كسب تأييد الفلسطينيين والتزامهم، يجب على ضامني الاتفاق إيضاح أن المهمة تضع الأساس لتولي الفلسطينيين زمام الأمور. ولكي يصمد وقف إطلاق النار الذي أقره ترمب في مواجهة الضغوط المتزايدة التي يواجهها، سيتعين على قادة الولايات المتحدة والدول العربية والأوروبية وغيرها من الدول أن يتفقوا بسرعة على مقاربة موحدة لنزع سلاح "حماس" وإنشاء قوات الاستقرار الدولية. وأي تأخير في ذلك قد يؤدي إلى إهدار هذه الفرصة النادرة لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل.
جوناثان بانيكوف هو مدير مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط في "المجلس الأطلسي". وشغل منصب نائب مسؤول الاستخبارات الوطنية للشرق الأدنى في المجلس الوطني الأميركي للاستخبارات بين عامي 2015 و2020.
مترجم عن "فورين أفيرز"، الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) 2025
© The Independent