ملخص
بينما تميل أميركا لمشاركة كل الدول المستعدة لدخول غزة، فإنها أيضاً تفهم مطالب إسرائيل التي ترفض وجود قوات لأنقرة في غزة بما يعزز نفوذها في الشرق الأوسط. يقول نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس "إذا لم يكن لدينا أمن ونظام حكم موثوقان في غزة يوافق عليهما الإسرائيليون، فسنجد أنفسنا عالقين في وضع تواصل فيه تل أبيب شن هجمات على القطاع المدمر وهذا يعوق إعادة البناء".
في مقابلة صحافية قال جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن "تشكيل القوة الدولية في غزة يسبق إقامة لجنة التكنوقراط لإدارة القطاع، هذه البعثة وحدها يمكنها نزع سلاح ’حماس‘"، هذا التصريح كشف في كلماته كثيراً وفجر الخلافات بين الدول التي تنوي الوجود في مدينة مدمرة، وعلى نطاق "حماس" وإسرائيل أيضاً برزت العراقيل.
كوشنر الذي يعد أحد مهندسي خطة ترمب للسلام والازدهار ويحلم بأن تتحول غزة الشرقية والغربية إلى ريفييرا الشرق الأوسط، أفصح أن القيادة المركزية الأميركية تتولى زمام المبادرة في صياغة خطة في شأن القوة الدولية بالقطاع.
أول خطوة في المرحلة الثانية
بموجب خطة ترمب التي أوقفت الحرب على غزة، فإنها تنص على تشكيل قوة استقرار دولية موقتة لنشرها فوراً في القطاع، على أن توفر التدريب والدعم لقوات شرطة فلسطينية عليها توافق، ويعد نشرها شرطاً لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي ما زالت تسيطر عليها داخل المدينة المدمرة والتي تشكل نحو 50 في المئة من مساحتها.
وبينما تقترب المرحلة الأولى من اتفاق غزة على الانتهاء، بدأت جميع الأطراف المعنية في صراع غزة الشروع في تنفيذ المرحلة الثانية، إذ عقدت الفصائل الفلسطينية لقاءات داخل العاصمة المصرية القاهرة من أجل تشكيل لجنة تكنوقراط، وأيضاً تخوض الولايات المتحدة مشاورات حول طبيعة القوة الدولية التي ستحافظ على الأمن والاستقرار وإعادة البناء.
في الواقع، لا يوجد خلاف على فكرة نشر قوة دولية في غزة، إسرائيل توافق على ذلك بشدة، الوسطاء (قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة) ترى أنها ضرورة ملحة، وكذلك "حماس" برفقة الفصائل وحتى السلطة الفلسطينية تريدها داخل القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استعدت دول كبيرة للمشاركة في قوة غزة الدولية، إذ أكد رئيس تركيا رجب طيب أردوغان أن بلاده جاهزة للمشاركة، ورئيس إندونيسيا برابوو سوبيانتو أعلن استعداده لإرسال أكثر من 20 ألف جندي للمساعدة في تحقيق السلام داخل غزة، ووزير خارجية فرنسا جان نويل بارو أكد أن بلاده ضمن المشروع، كذلك أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إرسال قوات لغزة.
خلاف على الدول المشاركة
وبما أن هناك اتفاقاً على إرسال قوة دولية لغزة، إذاً ما هي الخلافات؟
تكمن المشكلة الآن في طبيعة دور هذه القوة في غزة وصلاحياتها ومهامها والمشاركين فيها، لذلك يجري المسؤولون الأميركيون محادثات صعبة مع إسرائيل ومجموعة دول إقليمية قوية للوصول إلى حلول في شأن قوة "ISF".
أول تلك الخلافات التي برزت حول الدول التي ستشارك في هذه البعثة، إذ ترى إسرائيل أنه من حقها الموافقة عليها، وأن يحافظ جنودها على الاستقرار السياسي والأمني داخل غزة بعد حرب كان هدفها اجتثاث "حماس" وليس دعمها.
ترغب تركيا وإندونيسيا وأذربيجان ودول عربية وإقليمية أخرى في المشاركة، وتميل الولايات المتحدة لذلك لكن إسرائيل لا تريد بعضها في تلك البعثة، وتطالب بأن يعمل الجنود الدوليون على نزع سلاح "حماس" وأن ينتشروا في غزة لتنفيذ مهام أمنية.
وبينما تميل أميركا لمشاركة كل الدول المستعدة لدخول غزة، فإنها أيضاً تفهم مطالب إسرائيل التي ترفض وجود قوات لأنقرة في غزة بما يعزز نفوذها في الشرق الأوسط. يقول نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس "إذا لم يكن لدينا أمن ونظام حكم موثوقان في غزة يوافق عليهما الإسرائيليون، فسنجد أنفسنا عالقين في وضع تواصل فيه تل أبيب شن هجمات على القطاع المدمر وهذا يعوق إعادة البناء".
ويضيف "إسرائيل ستحصل على حق النقض في شأن تشكيل القوة، كما يمكنها خصوصاً معارضة مشاركة تركيا"، لكن أنقرة التي ترى نفسها شريكاً أساساً في صناعة اتفاق السلام تؤكد أن ذلك يمنحها الأحقية في المشاركة. يقول أردوغان "أنقرة تواصل التشاور مع الأطراف المعنية في شأن إنشاء قوة مهام في قطاع غزة، لكن إسرائيل تعرقل ذلك".
هل للسلطة الفلسطينية دور؟
بينما تتوقع أميركا من الأردن وقطر والإمارات والمغرب المشاركة في "ISF" فإن لتلك الدول العربية تحفظات، وترى أن بعثهم العسكرية غير مستعدة لدخول غزة ومواجهة منظمة مسلحة، وتنفيذ الإجراءات التي تريد إسرائيل أن تقوم بها القوة الدولية، وإنما على استعداد للحفاظ على الهدوء والاستقرار فحسب.
ومن بين الخلاف على المشاركين في قوة غزة الدولية، يبرز رأس السلطة الفلسطينية، إذ يرى رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى أن أرض القطاع فلسطينية ويجب إرسال شرطة تابعة للشرعية هناك، لكن إسرائيل ترفض ذلك بالمطلق.
للسلطة الفلسطينية ورقة رهان قوية تمكنها من المشاركة في قوة غزة، وهي نص واضح في خطة ترمب جاء فيه "تشمل مهام القوة الدولية تدريب وتأهيل ومساعدة قوة شرطة فلسطينية جديدة في غزة، لتتمكن لاحقاً من إدارة القطاع".
ومن هذه العبارة ترى السلطة الفلسطينية أن ترمب سمح لها بالمشاركة، إذ قوة الشرطة التي ستدخل غزة وتعمل في القطاع عبارة عن موظفين تابعين لها، دربتهم مصر والأردن وكندا على تلك المهمة، وبمجرد نشرهم في المنطقة يعني أن السلطة الفلسطينية عادت لغزة.
لا توافق إسرائيل على ذلك، بل هو وعد قطعه نتنياهو على نفسه، لكن الدول العربية المشاركة تشترط دمج عناصر الشرطة الفلسطينية مع قواتهم، والولايات المتحدة ترى أن ذلك ضرورياً لمنح هذه البعثة شرعية دولية.
وعلى رغم رفض إسرائيل، فإن جهات أميركية وفلسطينية عقدت لقاءات بهدف خلق مشاركة للسلطة الفلسطينية، إذ تتقرب إدارة ترمب من السلطة برئاسة محمود عباس، وعقد لقاء بين نائب الرئيس الأميركي فانس ونائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، والتقى عباس ترمب وتحدثا طويلاً.
ويقول الباحث الإسرائيلي عومي شتيرن "قد تمارس الولايات المتحدة ضغطاً على تل أبيب لتقبل بدمج فلسطينيين ليسوا جزءاً رسمياً من السلطة الفلسطينية ضمن القوة، وبهذا تحافظ أميركا على علاقتها مع العرب".
مهام القوة الدولية معقدة
أما ثاني الخلافات يتمثل في حجم القوة الدولية ومهامها في غزة، إذ ترى الولايات المتحدة ضرورة إرسال ما لا يقل عن 2000 عنصر، ولا تعارض أي من الدول على عدد جنود تلك البعثة، وإنما المشكلة في المهام التي ستنفذها.
يريد نتنياهو لهذه القوة أن تتولى مهمة صعبة عنه وتنزع سلاح "حماس"، وأن تنفذ مهام عسكرية في غزة وأن تكون مستعدة للقتل عند الحاجة، إذ ستدخل إلى بيئة أمنية معقدة فيها فصائل وعشائر مسلحة وتشكيلات إجرامية مسلحة، فضلاً عن الأنفاق التي يجب أن تدمرها.
يستند نتنياهو على نص خطة ترمب، الذي يحمل القوة الدولية مسؤولية نزع السلاح من قطاع غزة وتفكيك حركة "حماس"، وضبط الأمن لكن هذه المهام صعبة ولا تريد "حماس" أن تكون البعثة عبارة عن قوة أمنية في القطاع وإنما بعثة على الحدود.
"حماس" لا تريدها داخل غزة
تضغط مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة على "حماس" للموافقة على إمكانية تنفيذ هذه البعثة مهام أمنية داخل القطاع إلى جانب مراقبة الحدود، لكن الحركة تبدي مخاوف على وضعها وتخشى على عناصرها من أن يلاحقهم ويطاردهم جنود القوة الدولية أو أعداؤهم الفلسطينيون، وتحتاج إلى أن تثق بالعفو الذي سيحصل عليه مقاتلوها إذا وافقت على ذلك.
حتى اللحظة الحالية تشترط "حماس" عدم وجود القوة الدولية داخل القطاع وأن تكون على الحدود، وألا تشرف على نزع السلاح وأن تشمل مهام إعادة البناء، وهذه الشروط هي نفسها مطالب حركة "فتح" بما لا يمس بالسيادة الفلسطينية ولا بدور مؤسساتها الرسمية. وهذا يعني أن جنود البعثة على غرار (يونيفيل لبنان) سيكونون في غزة".
بقرار من الأمم المتحدة
لحل هذه الخلافات رأت الدول أن تمتثل للمواثيق الدولية التي تحدد آليات عمل البعثات الدولية، واللجوء إلى الأمم المتحدة للحكم في الأمر، لكن ذلك أثار غضب إسرائيل، إذ بمجرد اللجوء للأمم المتحدة يجب أن تنشأ هذه البعثة بقرار من مجلس الأمن، وهذا ما ترفضه إسرائيل لكن يصر عليه الوسطاء.
ترى مصر وفرنسا أنه ينبغي للقوة أن تكون بتفويض من الأمم المتحدة، لكن إسرائيل تريدها قوة متعددة الجنسيات يجري التوافق عليها بين الدول والجهات المعنية في المنطقة فحسب.
حال تقرر نشر قوة من الأمم المتحدة، فإن الأمر سيحتاج إلى قرار من مجلس الأمن يحدد عدد أفرادها والمهام التي ستوكل إليها، وهذا يحتاج لموافقة السلطة الفلسطينية وإسرائيل، لكن يمكن لمجلس الأمن أن يتخذ قرارات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض مشيئته إذا كان الأمر يشكل تهديداً للأمن والسلم والدوليين.
يقول وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو "واشنطن قد تسعى إلى الحصول على تفويض من الأمم المتحدة لهذه القوة، بناءً على طلب بعض الدول". وهذا ما يقوله أيضاً وزير الخارجية الفرنسي "نعمل حالياً في نيويورك، في الأمم المتحدة، مع الفرق الأميركية لضمان إعطاء التفويض لهذه القوة الدولية لتأمين غزة".
يؤكد رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان أن القاهرة تصر على منح هذه القوة الدولية حصانة أممية وتفويضاً من قبل مجلس الأمن. يقول "لا تريد إسرائيل تحويلها لقوات أممية لها مهام محددة غير منخرطة في أية نزاعات داخلية، وأن تمنع تل أبيب من الهجوم على القطاع وتدرب قوات شرطية فلسطينية لضبط الأمن، بل تريد أن تتضمن صلاحياتها في نزع السلاح وإنهاء الأنفاق وألا تكون أممية".