Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حروب خارج السيطرة في عصر التنافس العسكري والتقني

يمثل مشروع النظام العالمي الجديد والهيمنة الأحادية وفرضها بالقوة العسكرية أحد العوامل والدوافع المحفزة التي ستقود الدول نحو ذلك

تقوم الحروب الاستباقية على المبادرات الهجومية التي تشنها دولة معينة على دولة أخرى أو أي أهداف باتت تشكل خطراً وشيكاً عليها (أ ف ب)

ملخص

التقدم العلمي والتكنولوجي أسهم في توفير الاستقرار والرخاء للبشرية، لكنه أسهم أيضاً في تطوير كثير من الأسلحة المدمرة الفتاكة، من جرثومية وكيماوية ونووية وليزرية وغيرها، لتتسع مع ذلك الحروب، مباشرة كانت أو عالمية أو بالوكالة، كما هو الحال في الحربين العالميتين خلال النصف الأول من القرن الماضي والتي خلفت 100 مليون قتيل وألحقت دماراً هائلاً بكبريات المدن ومحت بعضها تماماً.

بعد مرور ربع قرن من الألفية الثالثة، وفي ظل التطور المطرد للحروب وأدواتها، نتساءل إلى أين يتجه مستقبل الجيوش؟ وكيف سيشكل المنعطف الذي ينتظر تحول الحروب من المواجهات الكلاسيكية التقليدية خلال العقود الماضية إلى الحروب الهجينة والسيبرانية، في ظل الاندفاع التقني الكبير في أدوات وأساليب الحروب، وما نشهده اليوم من بروز لافت يكاد يكون مسيطراً لأجيال متقدمة من الروبوتات والطائرات المسيرة والمقاتلات الذكية، التي لا تعرف حدوداً أو كوابح إنسانية أو نصوصاً للأعراف والقوانين الدولية وأخلاقيات الحروب، فكيف سيكون شكل الجيوش والحروب وملامح المواجهات؟ وكيف تؤثر الثورة الرقمية في مجال حروب البيانات والفضاء الإلكتروني في ميزان القوى الدولي والإقليمي مستقبلاً؟

سباق الردع

في السياق يقول نائب رئيس هيئة أركان الجيش السوداني السابق والمتخصص في الشؤون الاستراتيجية، الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، إن السمة المسيطرة على الدول خلال الفترة المقبلة في إطار صعود مفهوم الردع ستكون التركيز على بناء الجيوش وتطويرها والارتقاء بقدراتها عبر الإصلاح والتحديث، إذ يمثل مشروع النظام العالمي الجديد والهيمنة الأحادية على العالم وفرض ذلك بالقوة العسكرية، أحد العوامل والدوافع المحفزة التي ستقود الدول نحو ذلك.

المزيج الإلكتروني

ويشير سليمان إلى أن "العالم وبخاصة الدول الكبرى، لن توقف ترتيب إعدادها العسكري على تطوير جيوشها وحسب، باعتبار أن ما تقوم به الولايات المتحدة في الوقت الراهن يمثل بداية العودة لعهد الحرب الباردة من خلال بروز الصين وروسيا كدولتين منافستين في مواجهة الهيمنة الأميركية، ويمتد سعيهما في هذا الاتجاه إلى بناء نظام اقتصادي جديد يلغي هيمنة الدولار، وهو ما يعتمد أيضاً على بناء القوات العسكرية المسلحة التي تمزج بين القدرات التقليدية والحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي، من دون إغفال أهمية اعتبار أسلحة الدمار الشامل".

تنافس جديد

ويستطرد أنه "لاشك في أن هذا التنافس الدولي بصورته الجديدة، والذي بدأت تدخل ميدانه دول أخرى وحلفاء عسكريون ينظرون إلى ما يجري في العالم بقلق، سيقود في نهاية المطاف إلى تصادم المصالح الدولية حين يشتد التنافس على المواد الخام حول العالم، مما سيقود بدوره إلى الرغبة في بناء وتطوير القدرات العسكرية للحماية والدفاع ضد مهددات الأمن القومي لهذه الدول وغيرها، ليس في المجالات العسكرية وحسب، بل سيبرز الصراع في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والنفسية والبيئة والتكنلوجيا، وفوق ذلك يأتي صراع الموارد وما يتبعه من حروب إعلامية مرتبطة بالتراشق والحرب النفسية التي غالباً ما تشرف عليها بالدرجة الأولى أجهزة الاستخبارات في الدول المتنازعة".

السعي إلى الهيمنة

قد يؤدي السعي إلى الهيمنة وصراع البقاء لمواجهة مسلحة مدمرة، لذا يزداد الاهتمام ببناء الجيوش التقليدية وتزويدها بما يلزم من معدات وأدوات تكنولوجية لتمكينها من تحقيق الانتصار في الحروب، ويتوقع سليمان أن تكون الحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي جزءاً من التخطيط الشامل للدول استعداداً للحرب وإدارتها، وذلك ما يدعم فكرة اهتمام دول العالمين الثاني والثالث بحماية السيادة الوطنية وأولها السيادة على الحدود، إضافة إلى مهددات الأمن القومي في البيئات الداخلية حيث الجهل والعنصرية وضعف النسيج الاجتماعي وغيرها، والاستهداف الإقليمي المسنود أحياناً من بعض القوى العظمى، مما يعني الحاجة إلى جيوش قوية ورادعة تفرض هيبة تلك الدول والسلام والاستقرار.

الردع والتقاطعات

وحول تقاطعات الشكل المستقبلي للحروب مع مقتضيات القانون الإنساني الدولي وأخلاق الحرب، يرجح المتخصص في الإستراتيجية العسكرية أن تكون حروب المستقبل مدمرة لمظاهر الحياة كافة، لأنها ستأخذ أشكال الحروب التقليدية وغير التقليدية، بخاصة إذا شعر أحد أطرافها على المستوى الدولي أنه على وشك الهزيمة، فيما يمكن تسميتها بـ "حرب النهاية بلا هزيمة"، ممثلة في الردع والردع المضاد.

ولن يقتصر الدمار الواسع المتوقع على مستوى الحروب الدولية وحسب، بل سيشمل أيضاً الحروب الإقليمية حين تتوفر أسلحة الدمار الفتاكة بالإنسان والأعيان المدنية معاً، ومما لا شك فيه أن ذلك سيكون له تأثير كبير ومباشر في تجاوز قواعد الاشتباك الواردة في القانون الدولي وقوانين وبروتوكولات الحرب، مما يتطلب النظر في تحديث القوانين والبروتوكولات الدولية لضمان حماية المدنيين والأعيان المدنية.

أنواع وأجيال

وعلى صعيد متصل يرى الخبير في القانون الدولي الإنساني اللواء السابق الصادق عبدالله أن الحروب عبر التاريخ تنوعت بين التقليدية وغير التقليدية، كما أنها تصنف أحياناً بحسب الأجيال أو طبيعة القتال، فهناك الحروب التقليدية مثل حروب الجيوش النظامية، وحروب العصابات والحروب الوقائية أو الاستباقية، ولاحقاً ظهرت أشكال حديثة مثل حروب الجيل الرابع أو ما تعرف بـ "الحروب غير المتماثلة"، والحروب البيولوجية والكيماوية والنووية وحروب المعلومات والثقافة والاقتصاد.

ويمكن، وفق عبدالله، تصنيف الحروب بحسب الأجيال، منذ الجيل الأول المتمثل في الحروب الكلاسيكية التي تحصل بين جيوش نظامية بتكتيكات منظمة، ثم الجيل الثاني الذي تمثله حروب العصابات، والتي غالباً ما تركز على التكتيكات غير التقليدية، ثم الجيل الثالث القائم على الحروب الاستباقية أو الوقائية، وصولاً إلى الجيل الرابع في الحروب غير المتماثلة، والتي قد تكون بين جيش نظامي وتنظيمات غير حكومية، وتتميز باللامركزية وعدم التكافؤ في الأدوات، أما حروب الجيل الخامس فهي حروب تخاض من خلال عمل عسكري غير حركي، مثل المعلومات المضللة والهجمات السيبرانية والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة تماماً، وأُشير إليها على أنها حرب المعلومات والإدراك.

الفاتورة الأكبر

ويتابع أنه "عبر التاريخ عرف الإنسان أنواعاً وأشكالاً متنوعة من الحروب، مثل حروب الوكالة والحرب الشاملة التي يستخدم فيها أحد الأطراف أو كلها الثروات المادية والبشرية واللوجستية المتاحة للمجهود الحربي، وهنا لا يجري التفريق بين ما هو عسكري أو مدني، مما يجعل المدنيين يدفعون الفاتورة الأكبر من الخسائر، ومع ذلك، وفق عبدالله، "فقد خلّفت الحروب بجميع صورها وأنواعها وأشكالها وعلى اختلاف العصور والأمكنة الويلات والكوارث على الدول التي نشبت فيها أو شاركت في اندلاعها، وانعكست عواقبها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الوخيمة لفترات طويلة عليها وعلى شعوبها".

تفلت مرعب

ويوضح المتحدث ذاته أن "الحروب والصراعات ظاهرة رافقت البشر منذ القدم، ثم بدأت تتفلت من عقالها ونطاقها القبلي أو العشائري أو المناطقي المحدود، وتطورت بصورة مرعبة مع تقدم وتطور المجتمعات والعلوم، بخاصة بعد اختراع البارود ودخوله في تصنيع مختلف الأسلحة القاتلة والمدمرة واسعة النطاق".

ويشير اللواء الصادق إلى أن التقدم العلمي والتكنولوجي أسهم في توفير الاستقرار والرخاء للبشرية، لكنه أسهم أيضاً في تطوير كثير من الأسلحة المدمرة الفتاكة، من جرثومية وكيماوية ونووية وليزرية وغيرها، لتتسع مع ذلك الحروب، مباشرة كانت أو عالمية أو بالوكالة، كما هو الحال في الحربين العالميتين خلال النصف الأول من القرن الماضي، والتي خلفت 100 مليون قتيل وألحقت دماراً هائلاً في كبريات المدن، بل ومحت بعضها تماماً من على وجه الأرض.

حروب وغايات

ومع تنوع الحروب وغاياتها ووسائل تنفيذها، إذ لا تقتصر على الصراعات المسلحة وحسب، فهناك حروب أخطر بكثير من تلك التي تستخدم فيها البنادق والقنابل والدبابات والمدفعيات، مثل الحروب التقليدية التي تستخدم فيها عادة الأسلحة التقليدية والمعارك التصادمية، وهناك الحروب غير التقليدية التي تعتمد على الاستنزاف بدلاً من الإبادة، أما الحروب الاستباقية فهي التي تقوم على المبادرات الهجومية التي تشنها دولة معينة على دولة أخرى أو أي أهداف باتت تشكل خطراً وشيكاً عليها، ثم هناك الحروب الوقائية الممثلة في الضربات التي تشنها دولة ما ضد أي تهديد بعيد متوقع قبل استفحال أمره، مثل الضربات التي نفذتها إسرائيل على مفاعلي "تموز" النووي العراقي عام 1981، و"دير الزور" في سوريا عام 2007.

نووية وبيولوجية

كما تعد الحروب النووية من أخطر أنواع الحروب التي مرت على تاريخ البشرية حتى اليوم، نظراً إلى حجم الموت والدمار الذي تخلفه، ولما تسببه من كوارث وويلات مباشرة على البيئة والبشر والأجيال اللاحقة.

وتعتبر الحروب البيولوجية أو الجرثومية جزءاً من أسلحة التدمير الشامل، وهي تعتمد على استخدام الكائنات الجرثومية الدقيقة والخطرة والفيروسات المعدلة جينياً بأنواعها المختلفة، لإحداث الأمراض المتعددة الخبيثة والخطرة والتي تتسبب غالباً في موت البشر والكائنات الحية الأخرى كافة، وتدمير حتى الطبيعة.

ثم تجيء الحرب الباردة كصراع وتنافس غير مباشر من دون قتال، وتعتمد على المكائد السياسية بين الدول أو التحالفات، وخير مثال لها تلك التي دامت نصف قرن بين الاتحاد السوفياتي سابقاً والولايات المتحدة منذ منتصف الأربعينيات وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي.

بروز المسيرات

ويشير اللواء الصادق عبدالله إلى البروز الواسع لحروب الطائرات المسيرة في الحرب الروسية ـ الأوكرانية وفي حرب السودان المندلعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حتى كادت أن تعرف بأنها "حرب المسيرات" نتيجة الاستخدام الكثيف لها بمختلف أنواعها، وكان لتكثيف قوات الدعم السريع هجماتها المسيرة على مدينة الفاشر واستهدافها المدن التي يسيطر عليها الجيش السوداني، أثر كبير في المدنيين والبنى التحتية الخدماتية المدنية، مما يشير إلى الأثر التدميري الكبير لذلك النوع من الحروب مستقبلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحديات داخلية

وفي ما يخص الوضع بالنسبة إلى الجيش السوداني فقد توقع عضو القيادة العسكرية العليا للضباط المتقاعدين (تضامن) الرائد محمد عبدالمنعم مقلد، أن يواجه صعوبات في بناء قدراته العسكرية في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حالياً، بخاصة في المجالات المتعلقة بالتقنيات التكنولوجية والعلوم والأبحاث العسكرية، مشيراً إلى أن مواكبة التطور التكنولوجي والتقني وتأهيل الجيوش كوادرها الفنية وتحسين كفاءتها باتت ضرورة ملحة من خلال بناء إستراتيجية تعتمد على مواكبة التطور العلمي في تحسين وتأمين خططها وبرامجها العسكرية من أية هجمات إلكترونية أو سيبرانية قد تشكل خطراً على أمن البلاد.

ولفت مقلد إلى أن ما يعرف بـ "حروب الجيل الخامس" قد بدأت بالفعل ولجأت معظم دول العالم إلى تحسين قدراتها العسكرية وتأهيل جيوشها لتواكب هذا التطور، وقد مضى عهد الحروب التقليدية التي كانت سائدة وبات لزاماً على الجيش السوداني أن يعيد إستراتيجيته في بناء وتطوير قدراته العسكرية، غير أن ذلك لن يحصل إلا من خلال استقرار أمني وسياسي.

توسع تدريجي

تاريخياً ورث السودان بعد الاستقلال في عام 1956 جيشاً صغيراً محدود التسلح، لكنه سعى خلال العقود السابقة إلى التوسع تدريجياً وحصل على دعم وتسليح من دول مثل الاتحاد السوفياتي والصين وليبيا، ثم اتجه لاحقاً إلى تطوير الصناعات الدفاعية المحلية وتطورت معه الصناعات العسكرية، وأنشأ مجمعاً للصناعات الحربية بدأ معه الولوج إلى عالم الطائرات المسيرة للمراقبة والاستهداف، ولعل الاستخدام المتزايد للطائرات من دون طيار في الحرب الحالية يظهر بداية تحول يمكن أن يبنى عليه مستقبلاً.

وقد برز دور الطائرات المسيرة والاستخدام المتزايد بصورة واضحة في الحرب الأخيرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) 2023، ولا تزال مستمرة حتى الآن، ما يشكل بداية للتحول نحو التقنية العسكرية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات