ملخص
فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا عقوبات على شركتي "روسنفت" و"لوك أويل" الروسيتين، مما يهدد صادرات النفط إلى الصين والهند وتركيا، ويُتوقع أن تؤثر هذه الخطوة على الأسواق العالمية وسط مساعٍ للضغط على الكرملين وإنهاء الحرب في أوكرانيا.
فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأسبوع عقوبات جديدة على شركتي "روسنفت" و"لوك أويل"، وهما أكبر شركتين لإنتاج النفط في روسيا.
فبعد تعثر جهود التفاوض لوضع حد للحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، اتخذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على هذه الخطوة بهدف "زيادة الضغط على قطاع الطاقة الروسي" و"تقويض قدرة الكرملين على توليد الإيرادات التي تمول آلته العسكرية وتدعم اقتصاده المتعثر".
لكن ما مدى تأثير هذه العقوبات، وما انعكاساتها على الدول التي تعتمد بشكل كبير على النفط الروسي؟
مَن يشتري النفط من روسيا؟
تُعد الصين والهند وتركيا أكبر مستوردي النفط الروسي الذي كان يباع في السابق لدول الاتحاد الأوروبي. وقد أدى قرار الاتحاد في يناير (كانون الثاني) من العام 2023، والقاضي بمقاطعة معظم النفط الروسي المنقول عبر البحر، إلى تحول كبير في مسار صادرات النفط الخام من أوروبا إلى آسيا.
ومنذئذ، باتت الصين المستورد الأول للطاقة الروسية، إذ اشترت ما قيمته نحو 219.5 مليار دولار أميركي (164 مليار جنيه إسترليني) من النفط والغاز والفحم منذ بدء الحرب، تليها الهند التي بلغت قيمة وارداتها من الطاقة الروسية نحو 133.4 مليار دولار (100 مليار جنيه إسترليني)، ثم تركيا بحجم تعاملات يُقدر بـ90.3 مليار دولار (67.7 مليار جنيه إسترليني).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، فإن ما يصل إلى 20 في المئة من واردات الصين من النفط الخام يأتي من روسيا، فيما تقدر شركة تحليل البيانات "كبلر" Kpler [المتخصصة في تتبع تدفقات التجارة العالمية] أن ربع هذه الكميات تقريباً مصدرها شركتا "روسنفت" و"لوك أويل".
وخلال العام الماضي، استوردت بكين نحو 100 مليون طن من النفط الخام الروسي، بينما بلغت وارداتها في الشهر الماضي فقط قرابة مليوني برميل يومياً.
الهند هي الأخرى، أصبحت من كبار مستوردي النفط الروسي، بعدما كانت تستورد كميات محدودة نسبياً منه قبل غزو أوكرانيا. واليوم باتت تستورد نحو 1.6 مليون برميل يومياً.
وتعد تركيا أيضاً من المستوردين الكبار للطاقة الروسية، كما تشمل قائمة المشترين الآخرين الاتحاد الأوروبي وميانمار وأذربيجان، إلا أن الصفقات مع كل من الهند والصين هي التي تحدث الأثر المالي الأكبر بالنسبة إلى موسكو.
في هذا الإطار أظهر تحليل أجراه "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف" Centre for Research on Energy and Clean Air (CREA) [منظمة بحثية تُعنى بدرس اتجاهات تلوث الهواء وتأثيراتها الصحية] أن الاتحاد الأوروبي زاد من وارداته من الغاز الطبيعي الروسي عبر الأنابيب ومن الغاز الطبيعي المسال، بينما رفعت تركيا من مشترياتها من المنتجات النفطية المكررة من موسكو.
وأشار المركز إلى أن الصين والهند وحدهما استحوذتا على نحو 85 في المئة من إجمالي صادرات النفط الخام الروسي خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
هل ستتأثر المملكة المتحدة؟
حظرت المملكة المتحدة استيراد المنتجات النفطية الروسية وشراءها وتوريدها في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام 2022. إلا أن خبراء "لجنة الخزانة" البرلمانية (التي تقيم عمل وزارة الخزانة البريطانية) أفادوا في العام 2024 بأن النفط الروسي- على رغم العقوبات- لا يزال يصل إلى المملكة المتحدة، وذلك بسبب ثغرة قانونية.
لمزيدٍ من التوضيح، ما دام النفط الخام الروسي يُكرر في دولة أخرى، كالهند مثلاً، يُعاد تصنيفه كمنتج لتلك الدولة، ما يسمح له بتجاوز الحظر.
ريتشارد برونز رئيس قسم الجغرافيا السياسية في شركة أبحاث الطاقة "إنيرجي أسبكتس" Energy Aspects، أبلغ أعضاء في البرلمان البريطاني بأنه يُقدر أن النفط الروسي المكرر يشكل "أقل بكثير من 5 في المئة" من إجمالي واردات المملكة المتحدة من النفط.
وكانت بريطانيا قد انضمت في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات على شركتي "روسنفت" و"لوك أويل" الروسيتين.
ما هو الأثر المالي للعقوبات؟
في ما يتعلق بمدى الضرر الذي ستلحقه العقوبات الجديدة بروسيا، فإن أثرها المالي قد لا يظهر على الفور. إذ إن الإجراءات تتطلب ضرورة وقف التعاملات التجارية مع الشركتين الروسيتين بحلول الحادي والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، الأمر الذي يمنح كلاً من الهند والصين الوقت اللازم للبحث عن مصادر بديلة للطاقة. كما أنه خلال هذه الفترة، من المحتمل أن تقرر موسكو العودة إلى طاولة المفاوضات في محاولةٍ لرفع العقوبات عنها.
مع ذلك، كشف تحليل "مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف" أن إجمالي إيرادات روسيا من الوقود الأحفوري في سبتمبر (أيلول) الماضي بلغت 546 مليون يورو (474 مليون جنيه إسترليني) يومياً. ويشير التقرير إلى أنه لو تم تطبيق سقف السعر البالغ 47.60 دولار للبرميل بشكل كامل [تم اقتراحه وتطبيقه من قبل الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع المملكة المتحدة، وذلك ضمن الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات المفروضة على روسيا]، لكانت الإيرادات أقل بمقدار 1.53 مليار يورو (1.15 مليار جنيه إسترليني) في سبتمبر 2025 وحده.
أول أثر مباشر للعقوبات الأخيرة برز من خلال التغير الملحوظ في أسعار النفط. فالأسواق بطبيعتها تنفر من الغموض وعدم اليقين، والعقوبات التي فرضتها واشنطن جاءت بشكل غير متوقع، لذلك لم يكن غريباً أن تشهد الأسعار قفزةً سريعة ومفاجئة في مثل هذه الظروف.
وقد أكد ذلك ستيف كلايتون رئيس صناديق الأسهم في شركة الخدمات المالية "هارغريفز لانسداون" Hargreaves Lansdown الذي قال إن "أسواق النفط شهدت ارتفاعاً حاداً بعد صدور أنباء عن فرض الولايات المتحدة عقوباتٍ على كبار منتجي النفط في روسيا، بسبب فشل الكرملين في إحراز تقدم نحو تحقيق السلام في أوكرانيا".
وأضاف "ارتفع سعر خام برنت بنسبة 4 في المئة ليقترب من 65 دولاراً للبرميل عقب صدور الخبر، في ارتفاع لافت بعد فترة من الضعف في أسواق النفط الخام. الموقف الأميركي الجديد يتناقض بوضوح مع المواقف الأخيرة الصادرة عن البيت الأبيض، وقد فاجأ الأسواق تماماً".
وتابع "لم يُثبت بعد مدى فعالية هذه العقوبات، لكن الرئيس ترمب قال إن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي طمأنه بأن الهند ستتوقف عن شراء النفط الروسي".
على سبيل المقارنة، كان سعر خام برنت قد بلغ نحو 77 دولاراً في الصيف الماضي عندما أثارت التوترات الإقليمية مخاوف من احتمال إغلاق إيران مضيق هرمز بالكامل.
ما حجم شركتي "روسنفت" و"لوك أويل"؟
تُقدر القيمة السوقية لشركتي "روسنفت" و"لوك أويل" مجتمعتين بنحو 105 مليارات دولار (80 مليار جنيه استرليني) – وهي المقياس المعتمد لتقدير "قيمة" الشركة – وتتقاسمانها تقريباً بالتساوي، مع حصة أكبر قليلاً لشركة "روسنفت". وللمقارنة، تبلغ القيمة السوقية لشركة "بريتش بتروليوم" BP البريطانية نحو 66 مليار جنيه استرليني (87.88 مليار دولار).
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن روسيا تصدر نحو 4 ملايين برميل من النفط يومياً، نصف هذه الكمية تساهم فيها شركتا "روسنفت" و"لوك أويل" تقريبا، فيما تنتج "روسنفت" وحدها ما يقارب 6 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط.
© The Independent