ملخص
قد يحرص الأهل على عدم نشر صورهم، وهم يعتقدون أنهم يحمونهم بشكل مطلق وهم لا يقدمون بذلك شيئاً لمنصات التواصل الاجتماعي، فتكون بياناتهم محمية. لكن في الواقع لكل تطبيق إمكانية وصول إلى كافة البيانات والناس بأنفسهم يفسحون المجال لهذه التطبيقات بطريقة غير مباشرة، لتكون قادرة على الوصول إلى بياناتهم.
بعد أن سيطرت وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، وبرزت بشكل أوضح أخطارها إلى جانب إيجابياتها التي لا ينكرها أحد، تزايد الاهتمام بتداعياتها على الأطفال والمراهقين. فأصبح واضحاً أن ثمة أخطاراً عديدة يمكن أن يتعرض لها هؤلاء سواء عبر مشاركة بياناتهم مثل صورهم والمعلومات الخاصة بها، أو عبر استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي. هذه الأخطار الأكيدة تستدعي اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية الأطفال والمراهقين منها بشتى الوسائل التي باتت متاحة، خصوصاً في ما يتعلق بمشاركة بياناتهم، وهي خطوة لا بد للأهل أن يحرصوا عليها بالدرجة الأولى. وهذا ما يفسر أن كثيرين من الأهل يتجنبون نشر صوراً وفيديوهات لأطفالهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
الخطر موجود في كل الحالات
منذ عام 2010، بدأ التداول بمصطلح قد لا يعرفه الكل وهو "استعراض الطفل رقمياً" أو ما يعرف باللغة الأجنبية بـSharenting. ويقصد به الخطوة التي يقوم فيها الأهل بمشاركة صور وفيديوهات خاصة بأطفالهم على الإنترنت. يعلم الكل أن الأهل يشاركون عادة هذه الصور بنية طيبة، وهم لا يرغبون من خلال ذلك إلا بمشاركة لحظات جميلة ومميزة لأطفالهم مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لا تكون للأهل عندها نية استغلال أطفال، إنما هم لا يدركون أنهم بهذه الخطوة البسيطة والبريئة، يعرضون أطفالهم إلى أخطار عدة. وهذا ما يفسر أنه ثمة أهل يتحفظون عن نشر أي صور أو فيديوهات لأطفالهم على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف حمايتهم، وإن كان البعض يعد في إخفاء الأطفال وإبعادهم عن وسائل التواصل الاجتماعي تشدداً مبالغ فيه، في زمن بات فيه هذا العالم يشكل جزءاً أساساً في حياتنا. يوماً بعد يوم، تظهر أخطار جديدة لمشاركة صور وبيانات الأطفال عبر زيادة احتمال خرق الخصوصية وتعرضهم إلى أخطار عدة منها خطر الابتزاز والتنمر الإلكتروني والتحرش وسرقة الهوية والاستغلال الجنسي. إنما في كل الحالات، يبدو أن الخطر موجود على الأطفال في العالم الرقمي الذي لا يعرف حدوداً، وقد تكون هناك صعوبة في توفير الحماية المطلقة لهم.
وأوضح الباحث في مجال التحول الرقمي والأمن السيبراني رولان أبي نجم، أنه "بغض النظر عما إذا كان الأهل يشاركون صور وفيديوهات أطفالهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو لا، تخترق الخصوصية للأطفال. فحتى عندما لا يشارك الأهل صور أطفالهم وفيديوهاتهم، ما دام الصور والفيديوهات موجودة على الهاتف والجهاز متصل بالإنترنت، ما من خصوصية بالمطلق". وأضاف، "تعد الخصوصية وهماً بوجود الإنترنت. مما لا شك فيه أنه في حال نشر صور على وسائل التواصل الاجتماعي يكون الطفل معرضاً أكثر بعد ومكشوفاً. حتى إنه في الدول المتقدمة، تتوافر الكاميرات التي تعمل على الذكاء الاصطناعي على الطرقات وهي مراقبة من الأقمار الاصطناعية، لذا مهما كانت هناك محاولات لحماية الخصوصية يكون ذلك صعباً بما أن كل شيء مراقب، وكل ما هو متصل بالإنترنت يخضع للمراقبة المستمرة".
ويتابع أبي نجم، "تكثر الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال في حال نشر الفيديوهات والصور الخاصة بهم، أو في حال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عشوائي، كما بالنسبة إلى أي شخص آخر أياً كانت المرحلة العمرية التي هو منها"، مشيراً إلى "خطر التزييف العميق للفيديوهات عبر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وهذا ما لا يمكن التدخل فيه ولا ضوابط له".
من جهة أخرى في عالم الإنترنت، تضع كل دولة قوانين خاصة بها، إلا أن هذه القوانين لا تطبق في باقي الدول، وفي عالم الإنترنت الذي لا يحصر بدول معينة يصعب ضبط الأمور. فلكل دولة الضوابط الخاصة بها التي تطبق على أراضيها ولا تطبق خارج حدودها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حسابات خاصة بالمراهقين
وفيما تبرز تحديات كثيرة في مجال ضبط الأمور وتوفير الحماية للمراهقين والأطفال في عالم تكثر فيه التعديات والأخطار، إذ بشركة "ميتا" تطرح خطوة جديدة في طريق توفير نوع من الحماية لهم. فقد أعلنت الشركة عن تعميم حسابات خاصة بالمراهقين على "فيسبوك" و"ماسنجر" حول العالم، بهدف حماية الأطفال من عمر 13 إلى 17 سنة من المحتوى غير المناسب لهم والتواصل غير المرغوب فيه. وفي هذه الحسابات إجراءات وخاصيات عدة تبدو في غاية الأهمية لمن هم في هذه المرحلة العمرية وهم عرضة لأخطار بسبب العالم الرقمي، منها التقييد التلقائي لإشعاراتهم وتذكيرهم بضرورة أخذ استراحة كل ساعة من الاستخدام. كما يشترط بمستخدمي هذه الحسابات الحصول على موافقة الأهل لتغيير الإعدادات إذا كانوا دون سن 16 سنة. وفيها يتم تلقائياً تقييد تعرض المراهقين للمحتوى غير المناسب والتواصل مع أشخاص مجهولين. كما لا يستطيع إلا الأصدقاء رؤية المنشورات الخاصة بالمراهقين والرد عليها، ولا تعرض طلبات الصداقة أو الرسائل من الغرباء. يضاف إلى ذلك أنه يمكن للأهل مراقبة وقت استخدام أبنائهم للتطبيقات ومعرفة الجهات التي يتواصلون معها. ويفعل تلقائياً في هذه الحسابات الخاصة بالمراهقين وضع "الهدوء" خلال الليل لإفساح المجال للمراهق بالاستراحة وعدم التشتت. ولكشف المراهقين الذي يكذبون في شأن أعمارهم، يجري الاعتماد في هذه الحسابات على الذكاء الاصطناعي. كما تقيد أدوات التحكم بالمحتوى الوصول إلى المواد الحساسة وغير الملائمة. هذا، وتفلتر التعليقات والرسائل لتصفية أي لغة مسيئة أو غير لائقة.
وبدت هذه الخطوة في غاية الأهمية في ظل هواجس كثيرة تتعلق باستخدام الأطفال لمنصات التواصل الاجتماعي في الأعوام الأخيرة بسبب الأوقات الطويلة التي يمضونها أمام الشاشات، وما لذلك من تداعيات مع قلة الرقابة على المنصات.
لكن، بحسب أبي نجم، تعد شركة "ميتا" إحدى أبرز الشركات التي تلاحقها فضائح بسبب استخدام بيانات خاصة على منصاتها. ومن الاتهامات التي لاحقتها أخيراً استغلال صور فتيات صغيرات بملابس المدرسة بهدف الترويج لمنصة "ثريدز". هذه الخطوة أثارت صدمة الأهل الذين كانوا قد نشروا صور العودة إلى المدرسة للفتيات على "إنستغرام" وتم استغلالها في صور ترويجية لمنصة "ثريدز".
من جهة أخرى تقدم كافة المنصات خدمات تعدها مجانية، لكن ذلك يكون من ضمن الاستراتيجيات التسويقية للشركات، بحسب أبي نجم. وحتى في خطوة إنشاء حسابات خاصة للمراهقين، تحاول الشركة إظهار اهتمام بالأطفال والخصوصية للمراهقين لتبيض صورتها واستعادة ثقة المتابعين. إلا أن شركة "ميتا" تبقى أكثر الشركات التي تتعرض لاتهامات وملاحقات قضائية، وتطال الملاحقات مارك زوكربيرغ كما يعلم الكل. لكن عبر الاستراتيجيات التسويقية، هناك استفادة مادية كبرى للشركة. ففي العالم الرقمي تغلب المصالح المادية، كما لوحظ في الصراع حول "تيك توك" بين الولايات المتحدة والصين لأن الخوارزميات فيها هي الأعلى.
وفي محاولة حماية أطفالهم، قد يحرص الأهل على عدم نشر صورهم، وهم يعتقدون أنهم يحمونهم بشكل مطلق وهم لا يقدمون بذلك شيئاً لمنصات التواصل الاجتماعي، فتكون بياناتهم محمية. لكن في الواقع لكل تطبيق إمكانية وصول إلى كافة البيانات والناس بأنفسهم يفسحون المجال لهذه التطبيقات بطريقة غير مباشرة، لتكون قادرة على الوصول إلى بياناتهم. انطلاقاً من ذلك، تعد خصوصية الأطفال وهماً وجميع بيانات الأطفال والراشدين مكشوفة ومستباحة، لأنه بكل بساطة في كل ما يرتبط بالإنترنت ما من خصوصية.