Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صواريخ "توماهوك" تؤسس لمرحلة جديدة في الحرب الروسية - الأوكرانية

يتطلب الاستخدام القتالي لهذه الأنظمة معلومات استخباراتية لا يمكن توفيرها إلا من قبل الولايات المتحدة

"توماهوك" هي منظومة صواريخ "كروز" أميركية متوسطة المدى ودقيقة التوجيه، تستخدم للإطلاق من الغواصات والسفن والأرض (أ ف ب)

ملخص

"لقد أصبح الأوروبيون متورطين بصورة عميقة في الصراع الأوكراني ويساوون بين انتصار أوكرانيا وأمنهم، وهم يحاولون توريط الولايات المتحدة مباشرة في هذا الصراع، لأنهم عاجزون بمفردهم عن مواجهة روسيا".

تسرب معلومات عن استعداد الولايات المتحدة لتزويد أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة لتوجيه ضربات بعيدة المدى ضد البنية التحتية الروسية للطاقة

"توماهوك" الأميركي لن يغير شيئاً على الجبهة الأوكرانية، لكنه سيفسد كل محادثات السلام المتعثرة أصلاً، وقد يأتي على البقية الباقية من الود المستنفد بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين. بهذه العبارات القليلة يمكن اختصار موقف موسكو مما تعده عملية ابتزاز، أميركي تحاول فيها واشنطن التلويح باحتمال تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ الجوالة القادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية.

وأكد الكرملين أن صواريخ "توماهوك" لن تغير الوضع على الجبهة. وقال السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، تعليقاً على التصريحات الأميركية في شأن احتمال نقل صواريخ "توماهوك" إلى أوكرانيا، إنه حتى لو سُلمت هذه الصواريخ "فلن يتغير شيء على الجبهة".

وأضاف "حتى لو حدث ذلك، فلا يوجد حل سحري قادر حالياً على تغيير الوضع على خطوط المواجهة بالنسبة إلى نظام كييف. لا يوجد سلاح سحري، سواء صواريخ ’توماهوك‘ أو الصواريخ الباليستية، فهي لا تستطيع تغيير الديناميكيات".

وأوضح بيسكوف أن موسكو تراقب الوضع من كثب، ومن المهم فهم من سيوجه هذه الصواريخ ويطلقها، هل هم الأوكرانيون أنفسهم أم الجيش الأميركي؟

ورداً على سؤال حول إمكانية تسليم واشنطن صواريخ "توماهوك" لأوكرانيا، أشار بيسكوف إلى أهمية فهم من سيطلقها وماذا ستستهدف. وقال "السؤال، كما كان سابقاً، هو من يملك الحق في إطلاق هذه الصواريخ، حتى لو وصلت إلى كييف؟ هل الأوكرانيون وحدهم هم من يستطيعون إطلاقها، أم ينبغي للجيش الأميركي أن يقوم بذلك؟ من يحدد أهداف هذه الصواريخ؟ هل هو الجانب الأميركي أم الأوكرانيون أنفسهم؟".

وأكد الكرملين أن روسيا استمعت إلى تصريحات أميركية حول إمكانية توريد صواريخ "توماهوك" إلى أوكرانيا، وأنها تقوم بتحليلها بعناية.

 

 

لماذا تشكل صواريخ "توماهوك" تهديداً لروسيا؟

تعد "توماهوك" منظومة صواريخ "كروز" أميركية متوسطة المدى ودقيقة التوجيه، تستخدم للإطلاق من الغواصات والسفن والأرض. صُممت هذه الصواريخ لتدمير مراكز القيادة والرادارات وبطاريات الدفاع الجوي والمطارات وغيرها من الأهداف، ويصل مداها إلى 2500 كيلومتر.

في حال صواريخ "توماهوك" من المهم الإشارة إلى أن هذه الصواريخ هي في الأساس صواريخ بحرية، أي إنها تُطلق في المقام الأول من البحر. فأوكرانيا لا تملك تقريباً أية قوة بحرية خاصة بها. لذلك، إذا جرى توريد هذه الصواريخ فستستخدم من مكان آخر. وهذا سيكون بمثابة حرب مع الغرب، كما يؤكد الخبراء.

يتطلب الاستخدام القتالي لهذه الأنظمة معلومات استخباراتية، وهي نظراً إلى مداها لا يمكن توفيرها إلا من قبل الولايات المتحدة. علاوة على ذلك لا يستطيع سوى المتخصصين الأميركيين تطوير وتنفيذ مهام جوية. لذلك، يستحيل إطلاق صواريخ "توماهوك" بنجاح من دون مشاركة أفراد من الجيش الأميركي. وعلاوة على ذلك، من غير المرجح أن تفوض الولايات المتحدة بالكامل استخدام هذه الأنظمة قتالياً للمتخصصين الأوكرانيين، لأن ذلك يعرضهم لخطر فقدان تقنيات حيوية.

خلال سبتمبر (أيلول) 2024، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متحدثاً عن إمكانية استخدام أسلحة "الناتو" بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية، قائلاً "إذا اتخذ مثل هذا القرار، فسيغير جوهر الصراع وطبيعته، وسيعني أن دول حلف شمال الأطلسي في حال حرب مع روسيا. وإذا كان الأمر كذلك، فمع مراعاة هذا التغيير في طبيعة هذا الصرا، سنتخذ القرارات المناسبة بناءً على التهديدات التي ستواجهنا".

وأشار المتخصص العسكري والنقيب المتقاعد من الرتبة الأولى فاسيلي دانديكين، إلى أن السؤال الرئيس يبقى أين تنوي القوات الأوكرانية تحديداً إطلاق صواريخ "توماهوك" على بلدنا؟ وذكر أن كييف استخدمت أنواعاً مختلفة من الأسلحة بعيدة المدى ضد روسيا خلال الحرب، بما في ذلك صواريخ "أتاكمس" الأميركية وصواريخ "سكالب" الفرنسية.

يصل مدى صواريخ "توماهوك" التي تطالب أوكرانيا الولايات المتحدة بتوريدها إلى جيشها إلى 1600 كيلومتر، ويمكنها تهديد العاصمة الروسية موسكو ومدينة سانت بطرسبورغ التي تعد ثاني مدينة في البلاد ويتحدر منها الرئيس الروسي بوتين، وكذلك الجزء الأوروبي بأكمله من روسيا.

واعتبر المتخصص العسكري الروسي رسلان أوستاشكو أنه إذا أصاب صاروخ واحد مدننا، فإن الحديث عن "مفاوضات السلام" سيستبعد تماماً.

كيف سيكون رد فعل موسكو؟

ميخائيل ميخائيلوفيتش خودارينوك، عقيد متقاعد ومراقب عسكري في صحيفة "غازيتا رو"، يعد أنه "إذا سلمت واشنطن صواريخ ’توماهوك كروز‘ إلى القوات المسلحة الأوكرانية، سيزداد تورط الولايات المتحدة في هذا الصراع بصورة ملحوظة".

ويقول "تتمثل نقاط قوة صواريخ ’توماهوك كروز" في قدرتها على الطيران على ارتفاعات منخفضة ومنخفضة للغاية ومساحة التشتت الفعالة الصغيرة نسبياً ورأسها الحربي القوي (أكثر من 400 كغم)، وخطئها الدائري المحتمل الذي يبلغ بضعة أمتار فحسب.

 

في التضاريس الوعرة، تستطيع أنظمة الرادار في أنظمة صواريخ أرض-جو رصد صاروخ " توماهوك كروز" وهي تحلق على ارتفاعات منخفضة للغاية (أقل من 200 متر) على مدى يراوح ما بين 16 و17 كيلومتراً تقريباً. عند الرصد، يجب إطلاق دفعة من صواريخ أرض-جو فوراً. سيهاجم نظام الدفاع الجوي الهدف على مدى يراوح ما بين تسعة و11 كيلومتراً تقريباً. وبذلك، فإن منطقة تغطية منظومة الدفاع الجوي ضد صواريخ "توماهوك" صغيرة نسبياً، مما يحد بصورة كبيرة من قدرة قوات الصواريخ المضادة للطائرات على تدميرها.

ويتابع "إذا أصبح نقل صواريخ ’توماهوك‘ المجنحة من طراز ’تايفون‘ إلى القوات المسلحة الأوكرانية حقيقة واقعة، فإن مثل هذه التوريدات من الولايات المتحدة تزيل جميع القيود المحتملة على القيادة العسكرية والسياسية الروسية، في ما يتعلق باستخدام الأسلحة الخاصة داخل منطقة العمليات الخاصة".

ويُذكر أن الجيش الروسي يشير إلى الأسلحة النووية باعتبارها أسلحة خاصة، وأن نطاق استخدامها المحتمل سيقتصر في البداية على منطقة العمليات الخاصة.

ويخلص هذا العقيد إلى القول "سيكون من الجيد أن يتمكن السياسيون والمسؤولون العسكريون الأميركيون من الشرح بالتفصيل كيف يرتبط توريد صواريخ ’توماهوك‘ إلى أوكرانيا بالمصالح الوطنية العميقة والحيوية للولايات المتحدة، وكيف يتماشى هذا مع تصريح الرئيس دونالد ترمب الأخير بأن ’العالم لم يعد على شفا الحرب العالمية الثالثة‘".

بوادر انقلاب الموقف الأميركي

لم تكتف واشنطن بحث الدول الأوروبية والأطلسية خلال الأسابيع القليلة الماضية على الامتناع عن شراء موارد الطاقة الروسية ومقاطعتها نهائياً وكلياً، بل عمدت إلى إقناع الدول الصناعية السبع بضرورة زيادة الضغط على روسيا وتبني عقوبات جديدة وشديدة ضدها، وذلك خلافاً لموقفها السابق الذي عارض قبل بضعة أشهر قيام مجموعة دول "جي-7" بفرض قيود وعقوبات خانقة على موسكو، بل سربت معلومات خلال الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري عن استعداد الولايات المتحدة لتزويد أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة لتوجيه ضربات بعيدة المدى ضد البنية التحتية الروسية للطاقة. وقالت إن الرئيس دونالد ترمب وقع أخيراً على تفويض لوكالات الاستخبارات والبنتاغون لمساعدة كييف في الضربات"، بحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين لم تسمهم.

وبحسب الصحيفة، فإن الحكومة الأميركية تطلب من دول حلف شمال الأطلسي تقديم دعم مماثل.

وتدرس الإدارة الأميركية أيضاً إمكانية تزويد أوكرانيا بصواريخ "توماهوك" و"باراكودا" وصواريخ أخرى يصل مداها إلى نحو 800 كيلومتر.

لكن الصحيفة أوضحت أن واشنطن لم تتخذ قراراً بعد في شأن الشحنات المحددة التي قد توافق عليها.

وأواخر سبتمبر الماضي، ذكرت "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصادر في البيت الأبيض وكييف، أن ترمب أعلن خلال اجتماع مع نظيره الأوكراني زيلينسكي داخل نيويورك، أنه منفتح على رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأميركية بعيدة المدى لشن ضربات على الأراضي الروسية، لكنه لم يقدم أي التزام مباشر بمراجعة القيود الحالية.

 

مع ذلك، طلب زيلينسكي صواريخ "توماهوك". وتدرس الإدارة الأميركية هذا الخيار إضافة إلى خيار صواريخ "أتاكمس" إضافية. وفي تعليقه على الوضع، حمل نائب الرئيس جي دي فانس مسؤولية القرار إلى رئيس الدولة.

ومع أن موقع "أكسيوس" أفاد قبل يومين بأن ترمب حظر بيع صواريخ "توماهوك" لدول أخرى في حلف الناتو لنقلها إلى أوكرانيا، إلا أن فانس في مقابلة مع "فوكس نيوز" صرح بأن بلاده لم تتخذ قراراً نهائياً في شأن الصواريخ بعد، وبأن إدارة ترمب لا تزال تدرس خيارات توريد هذه الصواريخ إلى دول الحلف لنقلها إلى لاحقاً إلى زيلينسكي.

وتناقش إدارة واشنطن إمكانية توريد صواريخ "توماهوك كروز" إلى دول أخرى في حلف شمال الأطلسي لنقلها إلى لاحقاً إلى كييف، وسيُتخذ القرار النهائي من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخصياً.

وتعتقد روسيا أن إمدادات الأسلحة لنظام كييف تعوق التسوية وتجر دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) مباشرة إلى الصراع. وأشارت موسكو مراراً وتكراراً إلى أن المساعدات العسكرية الغربية تنذر بالسوء لأوكرانيا، ولا تسهم إلا في إطالة أمد الصراع، في حين تصبح شحنات الأسلحة أهدافاً مشروعة للجيش الروسي.

دعم عسكري أم ابتزاز سياسي؟

هكذا أصبحت صواريخ "توماهوك" التي يراوح مداها ما بين 1600 و2400 كيلومتر أداة يستخدمها دونالد ترمب لابتزاز فلاديمير بوتين، بحسب ما تعتقد الدوائر السياسية في موسكو، وتتدفق تصريحات متضاربة من واشنطن. فقد طلب زيلينسكي الصواريخ، لكن الأميركيين أبقوا باب ردهم موارباً. ولا تزال إدارة ترمب تدرس الأمر، وهي مستعدة نظرياً لتزويد كييف بهذه الأسلحة. والهدف هو ترهيب القادة الروس ودفعهم نحو مفاوضات أكثر فاعلية مع الأوكرانيين بشروط أميركية. ويزداد الوضع خطورة لأن زيلينسكي يلعب لعبته الخاصة، ويعد خلال الوقت نفسه استفزازاً لجر روسيا وأوروبا إلى الحرب. إنها الحرب العالمية الثالثة.

وكتب عالم السياسة الروسي دميتري نيكوتين حول هذا الموضوع قائلاً "حسناً، وصلنا إلى مرحلة يمكننا خلالها القول إن توريد صواريخ ’توماهوك‘ لأوكرانيا أصبح الآن قيد المناقشة رسمياً. وكان سيناريو التصعيد هذا أحد الاحتمالات المحتملة في حال فشل محادثات السلام".

وأضاف "في خضم هذه التقلبات، أعلنت الولايات المتحدة عن اجتماع غير مسبوق لجميع جنرالاتها، بحضور أكثر من 800 جنرال وأميرال. لم يسبق للبنتاغون أن عقد اجتماعات كهذه. ويشير هذا القرار إلى أن الولايات المتحدة قررت الدخول في صراع مباشر مع روسيا".

 

وتابع "في هذا السيناريو، ترمب بعيد كل البعد من صورة ’صانع السلام‘ التي يروج لها. وهو يتصرف بعدوانية أكثر من جو بايدن، الذي رفض مسبقاً نقل صواريخ ’توماهوك‘ إلى أوكرانيا".

وخلص للقول "لذا، فإن الوضع اليوم متوتر للغاية. إما أن نستسلم للابتزاز ونعلن علانية استعدادنا للتفاوض على السلام وفق الشروط التي يفرضها ترمب على روسيا. أو أن نستعد لتصعيد غير مسبوق، قد يشمل ضربات صاروخية ضد الكرملين واندلاع حرب مع حلف الناتو، بل وحتى مواجهة مسلحة مباشرة مع الولايات المتحدة".

وعدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن نظام كييف يعد ذريعة لشن عمل عسكري. وصرحت بأن أوكرانيا تخطط لاستخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب منشآت عسكرية وصناعية داخل بولندا ورومانيا.

وعلى مدار العام الماضي، طلبت السلطات الأوكرانية مراراً وتكراراً من واشنطن تزويدها بصواريخ "توماهوك كروز" ذات مدى بعيد يصل إلى 2500 كيلومتر. وأدرجت أوكرانيا على الدوام هذه الصواريخ في قائمة الأسلحة التي طلبتها من الرئيس ترمب قبل أشهر عدة. ومع ذلك، تردد ترمب في الاستجابة لهذا الطلب وكان ميالاً للرفض، وفقاً لما ذكره موقع "أكسيوس"، نقلاً عن مصدر.

وقال مصدر مطلع للموقع إن صواريخ "توماهوك" هي نظام الأسلحة الوحيد في القائمة الذي رفض ترمب بيعه لدول حلف شمال الأطلسي، من أجل نقله لأوكرانيا.

يشير هذا إلى الآلية التي تشتري بموجبها الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أسلحة من الولايات المتحدة لكييف منذ الصيف. وتسمى هذه المبادرة "قائمة متطلبات أوكرانيا ذات الأولوية". وذكرت وكالة "رويترز" خلال الـ17 من سبتمبر الماضي أن الدفعات الأولى من الأسلحة في إطار هذا البرنامج بدأ وصولها إلى أوكرانيا.

وأكد مسؤول أوكراني ومصدر آخر مطلع على اجتماع ترمب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي على هامش الدورة الـ80 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن الأخير طلب تحديداً صواريخ "توماهوك" خلال محادثتهما. ونشرت صحيفة "التلغراف" هذا الخبر.

وأعلن المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص كيث كيلوج أن ترمب وافق على استخدام أوكرانيا أسلحة بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية، لكنه صرح بأنه لم يتخذ قراراً بعد في شأن نقل صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى إلى أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أوكرانيا

بدوره، صرح الرئيس الأوكراني زيلينسكي لموقع "أكسيوس" بأنه طلب من ترمب أسلحة جديدة "لإجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات". وأضاف أن الرئيس الأميركي رد بأن الولايات المتحدة وأوكرانيا "ستعملان على ذلك". ووفقاً للوسائل الإعلامية، كان يشير إلى صواريخ "توماهوك".

ولمح زيلينسكي إلى أن كييف ستستخدم أسلحة جديدة بعيدة المدى إذا حصلت عليها من واشنطن، مضيفاً أن على المسؤولين الروس معرفة مواقع الملاجئ التي سيهرعون إليها، ووصف الكرملين هذا التصريح بأنه تهديد غير مسؤول.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" سابقاً أن ترمب يجيز بيع أسلحة أميركية لكييف، لكنه يقيد استخدامها لشن هجمات على أراضٍ داخل روسيا. وكان عارض سابقاً استخدام أنظمة أميركية الصنع لشن هجمات بعيدة المدى على عمق روسيا، إلا أن زيلينسكي قال إن ترمب وافق خلال لقائهما الأخير على أن ترد أوكرانيا على الضربات الروسية "بالمثل".

الرد الروسي

خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن بوتين استخدام أحدث صاروخ باليستي روسي متوسط المدى من طراز "أوريشنيك"، برأس حربي فرط صوتي غير نووي، ضد مجمع عسكري صناعي داخل مدينة دنيبرو الأوكرانية. ثم صرح بوتين بأن ضربة "أوريشنيك" جاءت رداً على هجمات بصواريخ أميركية وبريطانية بعيدة المدى – "أتاكمس" و"ستورم شادو" - على منشآت عسكرية داخل منطقتي بريانسك وكورسك.

وتوعد الكرملين بالرد المناسب على نقل صواريخ "توماهوك" إلى أوكرانيا. وقال السكرتير الصحافي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف، إن موسكو سترد "بصورة مناسبة" إذا نقلت صواريخ "توماهوك" الأميركية إلى أوكرانيا.

وأعلن المتحدث باسم الكرملين رداً على سؤال حول كيفية رد روسيا على هذه الخطوة "بطريقة مناسبة".

وصرح بيسكوف بأنه إذا جرى توريد صواريخ "توماهوك" إلى أوكرانيا، فإن روسيا ستحدد أولاً من سيشارك في استخدامها، ثم تحدد ردها.

وقيم النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي (الدوما) أليكسي جورافليف احتمالات استخدام صواريخ "كروز" الأميركية ضد روسيا، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة كانت منحت أوكرانيا هذا الإذن خلال إدارة بايدن. ووصف الحدث بأنه مثير، لكن من الناحية الفنية استخدمت القوات المسلحة الأوكرانية سابقاً أنظمة "هيمارس" وصواريخ "ستورم شادو" لضرب أهداف في روسيا، وفقاً لجورافليف.

وقال ساخراً "يبدو أن هذه التصريحات موجهة لجمهور فاقد للذاكرة. والآن، على ما يبدو، يستخدمون هذه الكلمات للتغطية على إمداد الولايات المتحدة أوكرانيا بصواريخ ’توماهوك‘ الأميركية، وهي صواريخ لا يستطيع جميع أعضاء حلف الناتو الوصول إليها، مثل المملكة المتحدة وهولندا. وحتى هناك، لا تستخدم إلا تحت إشراف البنتاغون".

واعتبر جورافليف أنه في حال حصول القوات المسلحة الأوكرانية على صواريخ "توماهوك"، فسيكون من الممكن الحديث عن مرحلة جديدة من الحرب، تشارك فيها الولايات المتحدة بصورة مباشرة. وأكد النائب أن روسيا ستجد حينها طريقة لاستخدام صواريخ "أوريشنيك" ضد الأهداف الأميركية.

 

واستطرد "ينبغي نقل ’أوريشنيك‘ الخاص بنا إلى مكان أقرب إلى الحدود الأميركية. بالمناسبة، طلب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بشدة إحضاره إلى هنا. أما كيفية استخدامه أو أغراضه، فهذا لا يعنينا. من المؤكد أن شخصين يمكنهما لعب هذه اللعبة".

واعتبر نائب مجلس الدوما الروسي عن سيفاستوبول وعضو لجنة الشؤون الدولية دميتري بيليك، أن الولايات المتحدة تصعد من حدة موقفها. بدأت المعركة ضد النظام الروسي "غير المرغوب فيه"، وعلى ترمب أن يدرك تماماً ما يواجهه بتسليم صواريخ "توماهوك" إلى كييف.

وقال "إن نقل الولايات المتحدة صواريخ ’توماهوك‘ المجنحة إلى أوكرانيا من شأنه أن يهدد العلاقات بين موسكو وواشنطن، لأن الولايات المتحدة تدرك الأخطار المرتبطة بنقل هذه الصواريخ المجنحة إلى أوكرانيا، وهذا بالطبع قد يؤدي إلى تدهور حاد في العلاقات الثنائية".

وأضاف "أنا متأكد من أن الولايات المتحدة تدرك عواقب هذه الخطوة. صواريخ ’توماهوك كروز‘ سلاح هائل بلا شك، ولن ينظر إلى نقلها على أنه مجرد تصرف استفزازي، بل على أنه تراجع في علاقاتنا مع الولايات المتحدة إلى أدنى حد".

وبرأيه، ينبغي اعتبار التصريحات الحالية في شأن الصواريخ ضغطاً على روسيا ومحاولة لدعم نظام كييف أمام جمهور غربي، إنها تصعد من حدة التوتر في محاولة لاستفزاز رد فعل من بلدنا. لم تنقل الولايات المتحدة صواريخ "توماهوك" قط إلى دول ثالثة، بما في ذلك أوكرانيا. لقد استخدمت هذه الصواريخ ضد أنظمة غير مرغوب فيها، لكن روسيا لا يمكن أن تكون من بينها.

هل تفسد "توماهوك" الود بين بوتين وترمب؟

على مدى الأعوام القليلة الماضية، دأبت آلة الدعاية الغربية على خلق صورة عدو خارجي أطلقت عليه تارة "محور الشر" وطوراً "تكتل الدول الاستبدادية"، ووضعت روسيا والصين على رأسه. وقد يكون التقارب الحالي في العلاقات الروسية - الأميركية الذي وعد به الرئيس الأميركي دونالد ترمب قصير الأجل تماماً، إذ إنه في غير صالح الحكومة الحالية، وفقاً لتصريح رئيس تحرير مجلة "إنسايدر" رومان دوبروخوتوف.

وبحسب دوبروخوتوف، فإن كثيراً من العلاقات بين موسكو وواشنطن سيعتمد الآن على تصرفات روسيا، التي وجدت نفسها في موقف صعب إلى حد ما.

من جهة، تحتاج موسكو إلى تغيير في علاقاتها مع أميركا، فالعقوبات تؤثر سلباً والدعم مطلوب في ما يتعلق بتسوية الأزمة الأوكرانية. لكن من جهة أخرى، يجد الوجدان الجماعي الروسي الآن نفسه ضمن موقف صعب للغاية. ففي النهاية، بني مفهوم الحرب في أوكرانيا برمته على فكرة محاولة الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا. وسيكون إيجاد بديل غربي مجرد ولكن مع أميركا "الصالحة"، صعباً وغير مقنع.

ويعتقد دوبروخوتوف أن "روسيا ستشعر بتحسن في بعض النواحي إذا أصبحت أميركا عدوها مرة أخرى، وهذا الخطر كبير جداً".

وأضاف أن موسكو تتبنى الآن موقف الانتظار والترقب، وستحاول التوصل إلى اتفاق في شأن قضايا العقوبات وأوكرانيا، ما دامت العلاقات بين البلدين لم تتدهور مجدداً.

لكن دوبروخوتوف يقول إن ترمب أيضاً لا يستفيد من تحسن العلاقات مع روسيا، فهو "لا يحتاج إلى صورة ’بوتين البطل‘. سيكون أكثر ارتياحاً في انتقاد الرئيس الروسي والإعلان أن أمله فيه خاب، ولكن من أجل المظهر فقط، فقد وعد خلال الحملة الانتخابية بحل الأزمة الأوكرانية والتوصل إلى اتفاق مع روسيا".

وبحسب الصحافي الروسي، فإن السؤال المطروح هو إلى متى ستستمر "مرحلة التهدئة"؟ وكم من الوقت سيستغرق الطرفان للتوصل إلى اتفاق. بعد ذلك، سيجد قادة البلدين بسهولة سبباً للانفصال مجدداً، وهناك أسباب كثيرة لذلك منها اختلاف في وجهات النظر حول قضايا رئيسة كثيرة.

ويتوقع دوبروخوتوف قائلاً "أشك جدياً في إمكانية التوصل إلى أية اتفاقيات حقيقية في شأن الأزمة الأوكرانية قريباً، وعلى الأرجح فإن المناقشات ستدور حول معاهدات الحد من الأسلحة النووية القياسية ومعاهدة ’ستارت‘".

لكن في أي سيناريو، فإن روسيا تخاطر بالخروج من دائرة الخاسرين، كما يعتقد الصحافي الروسي، لأنها قد تواجه أزمة سياسية واقتصادية خطرة.

فحتى لو نجحت موسكو في رفع العقوبات، فستواجه مشكلة سياسية - إذ سيتعين عليها أن تشرح للجمهور، بطريقة ما، أن الولايات المتحدة لم تعد مسؤولة عن سوء الأوضاع في البلاد وانخفاض المعاشات التقاعدية. لكن تصرفات ترمب وسياساته قد تشعل أزمة اقتصادية عالمية مماثلة لما حدث عام 2008. فهو يفرض مزيداً ومزيداً من الرسوم على دول جديدة، وينسحب حالياً من اتفاقات تجارية مختلفة، مما قد يلحق الضرر ليس فقط بالولايات المتحدة، بل بالاقتصاد العالمي أيضاً. وفي مثل هذه العمليات، تعاني الدول النامية أكثر من غيرها ويتوقف تدفق الاستثمارات. وإذا تكرر سيناريو عام 2008، فقد تكون المشكلات أشد خطورة من العقوبات الحالية، كما قال دوبروخوتوف.

 

وتهدف الرسائل المتضاربة الصادرة عن واشنطن إلى دفع موسكو نحو محادثات السلام بشروط الولايات المتحدة.

فمنذ عودة الرئيس ترمب إلى السلطة، تزايدت مناقشات أوروبا لتعزيز دفاعاتها. وهو يدعو القارة العجوز إلى زيادة الإنفاق العسكري وتحديث المجمع الصناعي العسكري لضمان الأمن دون الاعتماد على الولايات المتحدة. وتتحدث وسائل الإعلام عن بزوغ عصر جديد ونهاية نموذج دولة الرفاهية، بينما يحذر سياسيون معارضون وخبراء من الصعوبات والعواقب الغامضة للعسكرة على كل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، والأخطار التي يشكلها ذلك على روسيا.

موازين الحرب والسلام

لا يكتفي الرئيس الأميركي بمطالبة الحلفاء في "الناتو" بزيادة حادة في الإنفاق العسكري - ليصل إلى هدف خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي - بل يدعوهم أيضاً إلى تحمل مسؤولية مساعدة أوكرانيا ودفاعهم.

لا يستبعد الاتحاد الأوروبي أيضاً صراعات مستقبلية، بما في ذلك مع روسيا. وأشار المستشار الألماني فريدريش ميرز إلى أن البلاد لم تعد في حال سلام، بينما أكد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أن أوروبا تواجه نوعاً جديداً من الحروب.

مع ذلك، تبقى عواقب العسكرة على أوكرانيا غامضة. فوفقاً للخبير أليكسي شيخاتشيف تربط الدول الأوروبية أمنها بأمن أوكرانيا مباشرة، وترى ضرورة دعم القوات المسلحة الأوكرانية على اعتبار أنها تشكل خط الدفاع الأول عن دول الناتو، لا سيما الأوروبية منها، مما يقحم الاتحاد الأوروبي بصورة أعمق في الصراع، ويدعوه للطلب من واشنطن تقديم كل أسباب الدعم العسكري لكييف، بما في ذلك الأسلحة الفتاكة مثل صواريخ "توماهوك".

لقد أصبح الأوروبيون متورطين بصورة عميقة في الصراع الأوكراني ويساوون بين انتصار أوكرانيا وأمنهم، وهم يحاولون توريط الولايات المتحدة مباشرة في هذا الصراع، لأنهم عاجزون بمفردهم عن مواجهة روسيا.

ويشير الخبراء العسكريون الروس إلى أن منظومة الدفاع الجوي الروسية نجحت حتى الآن في التصدي لجميع "أسلحة كييف الغربية الخارقة". ويعدون أن الطائرات المسيرة تشكل حالياً تهديداً أكبر بكثير لروسيا.

فقد رصدت طائرات مسيرة بعيدة المدى قرب موسكو، وسانت بطرسبورغ. والأهم من ذلك، أن هذا النوع من الأسلحة أرخص بكثير من الصواريخ، مما يعني سهولة إنتاجها بكميات كبيرة.

وفي رأي هؤلاء الخبراء، فإن روسيا تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكن هذا الضغط قد يأتي بنتائج عكسية على أولئك الذين يحاولون استفزازها.

التلويح بتوريد صواريخ "توماهوك" لأوكرانيا ما زال حتى اليوم مجرد كلام، مجرد تكتيك تخويف. مع ذلك، حتى من دون هذه الصواريخ، هناك أنواع عدة من الأسلحة القادرة، إن صح التعبير، على تصعيد المواجهة. أقر الكرملين بتعثر عملية التفاوض. ورفضت كييف أخيراً مبادرة رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو للسلام، إن صح التعبير. وأوروبا تدرس بجدية فائقة كيفية عزل نفسها عن روسيا بصورة أكبر. والآن يحاولون القيام بذلك جواً أيضاً، من خلال مشروع يسمى "جدار الطائرات من دون طيار". أما نجاح هذا المشروع من عدمه، فهو مسألة أخرى. ومن الصعب أيضاً الجزم بكيفية تنفيذه تقنياً. لكن الأهم أن التباعد يزداد بين روسيا وأوروبا وبينها والولايات المتحدة يوماً بعد يوم. دونالد ترمب منشغل بالشرق الأوسط وبكيفية تأمين أمن إسرائيل الحيوي على حساب جيرانها العرب لـ50 عاماً مقبلة. أوكرانيا تلاشت ودفعت غالياً ثمن محاولتها الدفاع عن الغرب في مواجهة روسيا والانضواء في الناتو والانضمام للاتحاد الأوروبي، الذي يبدو أنه صار صعب المنال خلال الوقت الراهن. باختصار، كل شيء متحرك في هذا الموضوع بديناميكيات يصعب التنبؤ بها، ولسان حال روسيا يقول للغرب، إذا أردتم القتال فامضوا قدماً، ولكن دعونا نحاول قبل ذلك ولو جزئياً تحقيق تكافؤ الفرص بين الحرب والسلام.

المزيد من تقارير