ملخص
الـ"ترويكا" تدفن الاتفاق النووي مع إيران وترمب يعزز موقف المتشددين
قد لا تفوق فرحة وترحيب القيادة الإسرائيلية بقرار مجلس الأمن الدولي إعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية على إيران، سوى فرحة وترحيب التيار المتشدد والراديكالي الإيراني، بخاصة أن ما قامت به الـ"ترويكا" الأوروبية بإعلان وفاة ودفن الاتفاق النووي الذي وقعته مع طهران عام 2015، أزاح عن كاهل هذا التيار كابوساً فرض عليه التعايش معه على مدى العقد الماضي، ووضع نهاية لمسار من الهزائم والتراجع والمحاصرة نتيجة هذا الاتفاق الذي قلص قدرته على التأثير وكف يده عن الإمساك بمفاصل القرار، وكلفه أثماناً كبيرة باتت تهدد مصيره السياسي، بخاصة بعد حال الانتعاش التي عاشتها إيران على مختلف الصعد خصوصاً الاقتصادية، خلال الأعوام الأولى بعد الاتفاق وقبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرار الانسحاب منه.
تحميل واشنطن وعواصم الـ"ترويكا" لمجلس الأمن مهمة الإعلان عن وفاة الاتفاق النووي، كان بمثابة إعلان وقوف هذه العواصم إلى جانب القوى الراديكالية التي نصبت نفسها سداً أمام أية محاولة انفتاح وحوار وتقارب وتفاهم مع المجتمع الدولي، بالتالي أسهمت في إعادة توجيه نيران المتشددين على الحكومة الإنقاذية التي يقودها الرئيس مسعود بزشكيان الآتي من صفوف الإصلاحيين، والقريب من يسار المحافظين ومعتدليه.
وإذا ما كان الهدف الأوروبي والأميركي من إعادة تفعيل العقوبات، الضغط على طهران للقبول بالشروط المطروحة عليها من أجل حل أزماتها في الملف النووي وقدراتها الصاروخية ونفوذها الإقليمي، أو الاستعداد لمواجهة مصير معقد وغامض يبدأ باحتمال العودة لخيار الحرب الشاملة معها ولا ينتهي بتغيير النظام الذي يفتح الطريق
أمام إمكان حصول انفجار التناقضات الداخلية على أسس عرقية ومذهبية وإثنية، وقد تقود إلى التفكيك والتفتيت، فإن ما يعني المتشددين المرحبين بوفاة الاتفاق النووي هو الإصرار على سياسة التقليل من تداعيات وأخطار عودة العقوبات الدولية، من منطلق أن العقوبات التي فرضها ترمب خلال دورته الأولى ومن بعده الرئيس جو بايدن، وصولاً إلى ما يقوم به ترمب في رئاسته الحالية، تتجاوز في قسوتها واتساعها وشمولها ما جاء في قرارات مجلس الأمن الستة التي أعيد تفعيلها من جديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأمام الإدراك العميق لحجم التحديات والجهود التي تبذلها حكومة بزشكيان للتعامل معها بكثير من الهدوء والتروي، من أجل تخفيف الآثار السلبية للإرث الصعب اقتصادياً واجتماعياً الذي انتقل إليها من حكومة سلفه إبراهيم رئيسي، إضافة إلى ما يمكن أن تخلقه الأوضاع الجديدة الناشئة عن إعادة تفعيل عقوبات مجلس الأمن من أزمات اقتصادية واجتماعية وحتى أمنية جديدة قد تشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار النظام وإيران، فإن التيار المتشدد يرى في سقوط آخر قنوات التواصل والحوار مع المجتمع الدولي، فرصة سانحة لممارسة مزيد من الضغوط، من أجل استعادة قوته وقدرته على التحكم في قرارات السلطة التنفيذية، كمدخل لعودة هيمنته وسيطرته على سياسات النظام الاستراتيجية، مما يفسر رفعه لوتيرة استهدافه وتصويبه على هذه الحكومة ومحاصرتها على المستويات كافة، ولن يتردد في استغلال أية فرصة لإسقاطها أو الدفع باتجاه عقد جلسة برلمانية لاستجواب الرئيس تمهيداً لإسقاطه ونزع الشرعية عنه.
لا شك في أن حكومة بزشكيان التي حملت وتحمل لواء الحوار والتفاهم والانفتاح على المستويين الداخلي والخارجي تخوض معركتين بالتوقيت نفسه، واحدة مع واشنطن والـ"ترويكا" الأوروبية، بما فيها إمكان عودة الخيار العسكري الذي سبق أن اختبرته في يونيو (حزيران) الماضي، مرة جديدة وبصورة أكثر عنفاً وأوسع تهديداً وأبعد أهدافاً، وأخرى مع المتشددين الذين تلقوا جرعة منشطة بقرار الإدارة الأميركية وما قامت به الـ"ترويكا" الأوروبية. بالتالي فإنهم يسعون إلى توظيف الإعلان الأوروبي لدفن جثة الاتفاق النووي وإثبات صوابية موقفهم بعدم إمكان الثقة بنوايا الدول الغربية وفي مقدمتها أميركا.
وهذه الانتفاضة التي يعيش نشوتها المتشددون، تترافق مع انشغال الحكومة في البحث عن آليات جديدة للتعامل مع كرة النار التي رمى بها مجلس الأمن وإعادة كل الجهود التي بذلتها وكل محاولات التسوية التي اقترحتها للخروج من هذه الأزمة لنقطة الصفر، والتي زادت عليها الأعباء ووضعتها أمام تحدي التعامل مع آثار عودة العقوبات وما فيها من تهديد بإمكان الوصول إلى حائط مسدود قد يدفع إلى انفجار اجتماعي وشعبي ينتهي بوضع النظام وإيران أمام خطر الانهيار الذي يشكل الهدف النهائي المعلن لواشنطن.
ولن يتردد المتشددون في العودة للانتقام من محاولات القوى السياسية الإصلاحية والمعتدلة والمحسوبة على توجهات رئيس الجمهورية وتحميلهم مسؤولية ما انتهت إليه الأمور، إضافة إلى ما تعرضوا له من اتهامات ساقتها أوساط سياسية وثقافية وفكرية وحتى اجتماعية بتحولهم إلى عوامل نفوذ واختراق خدمت الأهداف الأميركية والإسرائيلية، ساعدت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تعميق الآثار السلبية للضربة العسكرية التي تعرض لها النظام وإيران. وهي اتهامات ما زالت قيد التداول بين هذه الأوساط التي رفعت الصوت والسؤال عن حجم التعاون والتحالف وتلاقي المصالح بين هذه الجماعات المتشددة والأهداف الإسرائيلية والأميركية، من خلال مزيد من إضعاف القدرات السياسية والاقتصادية للحكومة على المواجهة والمعالجة.
وبعد ما قامت به واشنطن والـ"ترويكا" الأوروبية من إضعاف أو اغتيال لإمكان التعاون والتقارب كانت تطمح له حكومة بزشكيان، فإن التيار المتشدد سيعود لمحاصرتها لإجبارها على حسم خياراتها بتعزيز الاتجاه شرقاً وتعميق التحالف والتعاون مع روسيا والصين لأن هذا الخيار باعتقادهم سيشكل تحالفاً في مواجهة الطموحات والمشاريع الأميركية ويساعد أيضاً في إفراغ سياسة العقوبات الاقتصادية من أهدافها.
وإذا ما كان ترمب نجح في حشد موقف دولي باستخدام الـ"ترويكا" الأوروبية لفرض حصار دولي اقتصادي على إيران، فإنه استطاع في المقابل إعادة الدفع بالخطاب المتشدد إلى الواجهة بإعطائه جرعة منشطة سمحت له كما يبدو بالتمرد على توجيهات وتوجهات المرشد الأعلى، الداعية بصراحة ووضوح ومباشرة إلى توحيد الصفوف والجهود الداخلية خلف حكومة بزشكيان ومساعدتها في مواجهة التحديات، مما يعني بالتالي إما أن المرشد قد غض النظر عن تصرفات ومواقف المتشددين باعتبارها تنسجم مع موقفه المشكك دائماً بالنوايا الغربية، تحديداً الأميركية، وإما أنه بات غير قادر على ضبط السقوف والسيطرة على القوى التي من المفترض أنها تعبر عن توجهاته ومواقف منظومة السلطة.