ملخص
السياسات الضريبية البريطانية المعقدة والمتشددة، إلى جانب التردد السياسي في جذب المستثمرين، تدفع الأثرياء بعيداً وتعرقل النمو الاقتصادي، بينما تستفيد منها البيروقراطية والمحامون والدول المنافسة.
ثمة معركة حامية الوطيس تدور في مقر رئاسة الوزراء بداونينغ ستريت. من جهة، هناك أشخاص يريدون رؤية بريطانيا "منفتحة على الشركات والأعمال" وجذابة لأثرياء العالم، راغبين في رؤيتهم ينفقون أموالهم ويستثمرونها فيها. ومن الجهة الأخرى، يرى بعض أن أي شخص يكسب أكثر من 40 ألف جنيه استرليني سنوياً (54 ألف دولار) ثرياً يجب التعامل معه كخصم.
ترغب المجموعة الأولى من الأشخاص في جذب الشركات الأجنبية ورجال الأعمال، أما الفريق الآخر فيرى ضرورة تفادي هؤلاء أو في الأقل، إذا حلوا بيننا حقاً، فيجب استنزافهم بالضرائب. إنها معركة بين مبادئ سامية والواقع – وخلال وقت تتغير فيه المواقف داخل بريطانيا بين الفينة والأخرى، تبذل دول أخرى جهوداً حثيثة لاستقطاب مجتمع الأعمال العالمي، من خلال تقديم امتيازات مثل "التذاكر الذهبية" [امتيازات استثنائية مقابل استثمارات] والتأشيرات، وتوفير بيئة مريحة وجاذبة تسهل عليهم الاستثمار والعيش.
في قلب المعركة يقبع كير ستارمر. تارة عندما يحل دونالد ترمب ضيفاً عليه يتصرف بحماسة بالغة، وطوراً عندما يجالس يساريين يصبح متردداً وحذراً. ثمة أشخاص من حوله يفهمون المسألة ويعرفون المطلوب مثل دارين جونز، الذي لم تتمكن وزير الخزانة راشيل ريفز من منع انتقاله إلى فريق رئاسة الوزارة، وفارون شاندرا مستشاره للأعمال وأحد أفضل الخبراء في هذا المجال، الذي شارك في المأدبة التي أقيمت على شرف ترمب في قلعة وندسور.
لكن في مقابل هؤلاء تقف ريفز وفريقها، ومن بينهم تورستن بيل، كبير المبشرين بإعادة توزيع الثروة. ينشغل هؤلاء بطرح مقترحات تهدف إلى زيادة الضرائب. يركزون أنظارهم على أولئك الذين يعدونهم قادرين على تحمل الزيادة، أي من يعدونهم أثرياء. وأولئك يشملون الشركات ورؤسائها، أي بعبارة أخرى الأشخاص الذين قد يختارون استثمار أموالهم في بريطانيا وخلق فرص عمل وتوليد مداخيل وتوفير دفع للتعهد بتحقيق نمو "إضافي وأسرع"، وهو تعهد تحب ريفز التقدم به، لكن هؤلاء الأشخاص قد يعيدون النظر في خيارهم هذا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبذل هؤلاء كل ما في وسعهم للمقاومة والعرقلة والاستنزاف. خذ مثلاً الأثرياء الأجانب. من المفترض أن نسعى جاهدين لجعل بريطانيا خيارهم الأول، لكن ما يحدث هو العكس تماماً: نحن ندفعهم بعيداً. ونتائج هذه السياسة واضحة للعيان – مطاعم لندن تتحدث عن تراجع إيراداتها بنسبة 30 في المئة، وسوق العقارات الفاخرة يعاني الركود بما ينعكس سلباً على بقية القطاع، والوظائف تفقد بدلاً من أن تستحدث، وحتى الجمعيات الخيرية والأنشطة الإنسانية تتعرض لانخفاض في التبرعات.
أراهن أنكم لم تسمعوا من قبل عن "أف تي" FT و"أي تي" AT و"دبليو تي" WT و"أن تي" NT و"سي تي" CT. لكن يمكنني أن أقول إن أي شخص، إذا كان أجنبياً ثرياً، وينظر في ممارسة الأعمال هنا، يعرف جيداً ما تعنيه هذه الرموز – سيخبره، في الأقل، محاميه المتخصص في شؤون الضرائب بما تعنيه.
فالمقيم في المملكة المتحدة يخضع لضريبة الدخل على كل ما يكسبه من عمل أو استثمارات أو إيجارات داخل البلاد. وقد يضطر أيضاً لدفع الضريبة على جميع مصادر دخله من الخارج.
ثمة طريقة للالتفاف على ذلك، وهي التقدم بطلب للحصول على وضع "غير المقيم" (non-dom) – أي مقيم في المملكة المتحدة لكن منزله الدائم أو محل إقامته الدائمة يقع، لأغراض ضريبية، خارج المملكة المتحدة. لكن الحكومة الحالية، وحكومة حزب "المحافظين" السابقة، أوضحا رغبتيهما في إلغاء هذا الامتياز. راشيل ريفز قالت إنها كانت تسعى لإلغاء الامتياز في موازنتها الأولى، ثم خففت قليلاً من لهجتها بعد عاصفة من الانتقادات، لكن الإصلاحات التي تمهد لإلغائه الكامل دخلت حيز التنفيذ. لكن لا تخطئوا الظن: تريد ريفز ووزارة المالية إنهاء وضع "غير المقيمين". والمسألة مجرد وقت.
يرغب اليساريون ومساعدوهم في وزارة المالية والإيرادات الداخلية في ضمان توسيع شبكة المقيمين المكلفين ضريبياً إلى أكبر نطاق ممكن، فتطاول فعلاً الجميع أو الجميع على الوجه الأقرب.
يعتمد هؤلاء ما لا يقل عن خمسة "روابط" – فلنحتسبها: الأسرة أو "أف تي" FT، حين يكون للمرء زوج أو شريك مدني أو طفل مقيم في المملكة المتحدة، الإقامة أو "أي تي" AT، حين يكون لديه منزل في المملكة المتحدة متاح للاستخدام لأكثر من 90 يوماً متتالياً خلال العام، العمل أو "دبليو تي" WT، إذا كنت تعمل في المملكة المتحدة لثلاث ساعات أو أكثر يومياً خلال 40 يوماً في الأقل خلال العام الضريبي، 90 يوماً أو "أن تي" NT، إذا قضيت 90 يوماً أو أكثر في المملكة المتحدة في أي من العامين الضريبيين السابقين، البلد أو "سي تي" CT، إذا قضيت في المملكة المتحدة أياماً أكثر من أي بلد آخر خلال العام الضريبي (على رغم أن هذا ينطبق فقط في غضون عام إذا كان سيغادر المملكة المتحدة).
ماذا يعني ذلك؟ يعني ما يلي. يعد المرء مقيماً في المملكة المتحدة ومطالباً بدفع الضرائب، إذا كان يمتلك:
رابطين وقضى ما بين 121 و182 يوماً داخل المملكة المتحدة
ثلاثة روابط وقضى ما بين 91 و120 يوماً هنا
أربعة روابط وقضى ما بين 46 و90 يوماً في المملكة المتحدة
أي منطق هذا؟
خذ هذا المثال الواقعي: أحد كبار الأثرياء في العالم، من بين الأكثر ثراءً على الإطلاق، يرغب في المجيء إلى بريطانيا بصورة متقطعة. إنه يعشق هذا البلد ويريد إنفاق أمواله والاستثمار فيه. لديه مصالح تجارية واسعة في شتى أنحاء العالم، وهو من كبار المتبرعين للأعمال الخيرية، ويستطيع العيش في أي مكان يريده. ويحظى بشعبية كبيرة. عائلته موجودة هنا وكذلك مكتبه العائلي، الذي يعمل فيه 17 شخصاً.
ويقول حرفياً: "نصحني المحامي الخاص بي بأن زوجتي تعيش في المملكة المتحدة، لذا يعد ذلك ’أف تي‘ FT فأخسر 30 يوماً، مكتب الاستثمار العائلي الخاص بي موجود هنا، لكن وفق ’دبليو تي‘ WT، لا يسمح لي بالعمل سوى ثلاث ساعات يومياً لمدة 40 يوماً – إذا تجاوزت ذلك أخسر 30 يوماً أخرى، لدي منزل هنا لكن إذا مكثت فيه ليلة واحدة، يحسب ذلك كإقامة فعلية بحسب ’أي تي‘ AT وأخسر 30 يوماً أخرى، ولهذا السبب مكثت في فندق دورتشستر عندما زرت لندن أخيراً. وهذا أمر سخيف!"
هذه السياسة عبارة عن جنون. الإشارة التي ترسلها فظيعة. الفائزون الوحيدون فيها هم الموظفون الذين يراقبون هذه الأشياء ويبقون في وظائفهم، والمحامون. ولا ننسى أولئك الذين يعتقدون أن استهداف الأغنياء مفيد اقتصادياً ويعدون هذه السياسة جزءاً من هذا النهج. إضافة إلى ذلك، يجب ألا ننسى الدول التي تراقب تصرفات بريطانيا وتضحك في سرها وتشكر حظها.
© The Independent