Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أشرف مروان يعود إلى الواجهة كـ"أخطر جاسوس" خدع إسرائيل

تحقيق لـ"يديعوت أحرونوت" يكشف عملية استدراج سكرتير السادات لرئيس الموساد قبل حرب أكتوبر "كالأبله" ويقول إن "الملاك" كان "رأس الحربة" في خطة الخداع

كان أشرف مروان جزءاً من عملية خداع شاملة ومتطورة، ساعدت مصر على مفاجأة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 (أ ف ب)

ملخص

وفق المعلومات الاستخبارية الجديدة لم يكن أشرف مروان المكنى "الملاك" "أفضل عميل للموساد" بل إن الأدلة تشير إلى العكس تماماً، إذ كان مروان جزءاً من عملية خداع شاملة ومتطورة، ساعدت مصر على مفاجأة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، مشيرة إلى أن تحقيقها اعتمد على آلاف الوثائق التي "لم يكشف عنها من قبل" وغالبيتها من الاستخبارات الخام والمعالجة من العامين اللذين سبقا الحرب، وفي نصوص الاجتماعات وتسجيلاتها، فضلاً عن لقاءات بضباط استخبارات وباحثين إسرائيليين، ومحادثات وتحقيقات داخلية أُجريت حول القضية، بما في ذلك مع أولئك الذين كانت لهم صلة شخصية بتشغيل "الملاك".

عادت إلى الواجهة مرة أخرى، قصة أشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وإحدى أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية، الذي كانت الأخيرة تعتبره "أفضل جاسوس لها على الإطلاق في قلب النظام المصري"، فيما تتمسك القاهرة بأنه "كان يخدم البلاد بصورة لا مثيل لها".

الجدل الجديد الذي أعاده إلى الواجهة، تحقيق موسع نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، كشفت خلاله كيف كان مروان "رأس الحربة في خطة الخداع الإستراتيجي المصرية قبل حرب أكتوبر ’تشرين الأول‘ 1973"، وأن "الملاك" وهو الاسم الشهير له في الاستخبارات الإسرائيلية، لم يكن "الجاسوس الأسطوري" الذي طالما اعتبرته تل أبيب "مصدراً لا يقدر بثمن من المعلومات القادمة من القاهرة"، وذلك بعدما تمكن "من استدراج رئيس الموساد كالأبله".

وجاء تحقيق الصحيفة الإسرائيلية قبل أيام قليلة من الذكرى الـ52 لحرب أكتوبر، وهي التوقيت السنوي الذي لطالما اعتادت وسائل إعلام وأجهزة إسرائيلية نشر معلومات جديدة فيه في شأن مروان، كان أبرزها ما نشر قبل عامين في الذكرى الـ50 من الحرب، حين نشر جهاز الاستخبارات الخارجية في إسرائيل (الموساد) كتاباً بعنوان "ذات يوم... حين يكون الحديث مسموحاً"، تضمن آلاف الوثائق الجديدة، بينها ما يشير إلى أن الجهاز "حصل من مروان على معلومات مهمة ودقيقة عن نية مصر وسوريا إعلان حرب على إسرائيل"، وذلك بعد أعوام من نشر شبكة "نتفليكس" عام 2018 فيلماً بعنوان "الملاك" مبنيّاً على كتاب "الملاك.. الجاسوس الذي أنقذ إسرائيل" الصادر عام 2016 للإسرائيلي يوري بار جوزيف، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة حيفا، الذي روى قصة مروان وفق الرواية الإسرائيلية.

"استدرج رئيس الموساد كالأبله"

في تحقيقها المعنون بـ"ملاك الكذب.. هكذا عمل أشرف مروان ضد إسرائيل"، توصلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى أن "الملاك" لم يكن "أفضل عميل للموساد" بل إن الأدلة تشير إلى العكس تماماً، إذ كان أشرف مروان جزءاً من عملية خداع شاملة ومتطورة، ساعدت مصر على مفاجأة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، مشيرة إلى أن تحقيقها اعتمد على آلاف الوثائق التي "لم يكشف عنها من قبل" وغالبيتها من الاستخبارات الخام والمعالجة من العامين اللذين سبقا الحرب، وفي نصوص الاجتماعات وتسجيلاتها، فضلاً عن لقاءات بضباط استخبارات وباحثين إسرائيليين، ومحادثات وتحقيقات داخلية أُجريت حول القضية، بما في ذلك مع أولئك الذين كانت لهم صلة شخصية بتشغيل "الملاك".

 

وتوصلت الصحيفة إلى أن الوثائق والمعلومات التي نقلها مروان (1944-2007)، الذي شغل منصب سكرتير الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بدت دقيقة وموثوقة عند فحصها للمرة الأولى، وقد أذهلت الموساد، لكن في ما بعد كشف أن الكثير منها كان جزءاً من عملية خداع مدروسة، لم يكن مجرد عميل مزدوج، بل كان المهندس الحقيقي للتضليل المصري على أعلى مستوى.

وجاء في التحقيق أن مروان الذي بدأ منذ عام 1970 تمرير كميات ضخمة من الوثائق والمعلومات السرية عن مصر، وقد ارتبط اسمه بالتحذير الشهير الذي نقله لرئيس الموساد تسفي زامير عشية الحرب، قد شارك أواخر أغسطس (آب) 1973 في اجتماعات رفيعة المستوى بين الرئيسين، المصري أنور السادات، والسوري حافظ الأسد، جرى خلالها الاتفاق على خطة الحرب وتحديد موعد الهجوم في السادس من أكتوبر، لكن بدلاً من نقل هذه المعلومة الفاصلة إلى مشغليه في "الموساد"، قدّم مروان سلسلة من الإنذارات المضللة حول مواعيد مختلفة، ترافقها تقديرات بأن الحرب "لن تندلع على الأرجح"، أما التحذير الذي بعث به عشية الهجوم فكان "غامضاً ومتأخراً"، على حد وصف التحقيق.

وأضافت الصحيفة أن هذه التفاصيل، إلى جانب معطيات أخرى غير مسبوقة، دفعت الجنرال شلومو غازيت، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، إلى القول في شهادة لم يُسمح بنشرها إلا بعد وفاته "لقد زُرع مروان في العمق داخل الاستخبارات الإسرائيلية، واستدرج رئيس الموساد زامير كالأبله، وتلاعب به كما أراد، كان الترس المركزي في خطة الخداع المصرية".

وبحسب المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع ضباط استخبارات وباحثين، بما في ذلك أولئك الذين كانت لهم صلة شخصية بتشغيل "الملاك"، قالت "يديعوت أحرونوت" إن بعضهم يرفض حتى اليوم "تصديق أن مروان كان عميلاً مخادعاً، نجح في خداعهم"، في وقت زعم فيه آخرون في الماضي أن هناك اشتباهاً قوياً في أن "الملاك" كان عميلاً مزدوجاً، ونشروا ذلك في مقالات وكتب، بما في ذلك أحد الموقعين على هذا المقال، رونين بيرغمان، الذي كان أول من نشر القضية عام 1998.

ونقلت الصحيفة العبرية عن بيرغمان أنه اعترف بأن أشرف مروان ضلل الجانب الإسرائيلي وكان جزءاً من الخطة المصرية المحكمة في حرب أكتوبر 1973، مشيرة إلى أن "الملاك" كان يسيطر على كل خطوة من خطوات الموساد بينما كان يرسل معلومات مغلوطة تقود إسرائيل إلى قرارات خاطئة، وذلك بعكس ما جاء في توصيف أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين بأن "الملاك"، "حدث يحدث مرة واحدة في العمر"، في إشارة إلى استعانة تل أبيب بها واعتبارها "ثمناً لا يمكن مضاهاته".

 

وتقول "يديعوت أحرونوت" إن الكثير من النتائج الأخرى التي يكشف عنها التحقيق للمرة الأولى، دفعت حتى اللواء شلومو جازيت، الذي كان يعتبر واحداً من أفضل رؤساء جهاز الاستخبارات الإسرائيلي والذي أعاد تأهيل الجهاز بعد الحرب، إلى التصريح في محادثة لم يُسمح بنشرها إلا بعد وفاته "لقد تم زرع مروان في مؤخرة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي وعمقه"، مضيفاً أن "مروان جند رئيس الموساد تسفي زامير كأحمق، وتلاعب به كما يشاء، وفي اللعبة الحقيقية كان هو الترس المركزي في خطة الخداع المصرية".

في المقابل، رفض الموساد ما كشفته "يديعوت أحرونوت"، واصفاً ما ورد في تحقيقها بأنه "مزاعم لا أساس لها وتشويه للواقع التاريخي".

الاتصالات الأولى وبداية الخداع

في تفاصيل التحقيق، ذكرت "يديعوت أحرونوت" أن مصر استطاعت "خداع" تل أبيب بأشرف مروان، في المقابل فشلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اكتشاف الأمر، وهو ما أرجعته الصحيفة إلى "سلسلة من الإخفاقات الخطرة للموساد في تشغيل ’الملاك‘، وتجاهل أضواء التحذير الوامضة في شأنه"، موضحة أن الملاك "زرع ثقة زائفة في جهاز الشاباك الإسرائيلي بصورة عامة وفي شعبة الأبحاث بصورة خاصة".

وقالت الصحيفة بعد مراجعة آلاف الوثائق الاستخبارية إنه كان من المعروف أن لجهاز الشاباك الإسرائيلي مسؤولية كبيرة عن الإخفاق في عملية "الملاك"، وما زاد من تعقيد الأمر هو عدم تمكن أحد من شعبة الأبحاث من تحدي الطريقة غير العادية لتشغيل "الملاك" على رغم وجود عدد لا نهائي من الأسئلة التي طفت بوضوح بخصوص القضية"، معتبرة أنه كان هناك "شعور بالتفوق الإسرائيلي، ولم يتخيل أحد أن يكون المصريون قد خلقوا خداعاً متطوراً كهذا مكنهم من خداع إمبراطورية الدولة العبرية الاستخباراتية".

وعن بدايات عملية خداع مروان لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، قالت الصحيفة العبرية، إن الحكاية بدأت في ديسمبر (كانون الأول) 1970، عندما وصل رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) آنذاك، اللواء أهارون ياريف، في زيارة إلى لندن، رفقة شموئيل غورين، القائد السابق للوحدة 504 الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس مركز أوروبا في "هتسوميت" (جهاز تجنيد وتشغيل العملاء التابع للموساد)"، موضحة أن "خلال رحلة ياريف من مطار هيثرو إلى مقر السفارة الإسرائيلية لدى لندن رفقة غورين، كان معهما الملحق العسكري في السفارة الذي روى عن شخص مصري مزعج يتصل بهم باستمرار ويطلب الاجتماع واسمه أشرف مروان".

 

في هذه الأثناء، تقول الصحيفة، إن "غورين، الذي فهم على الفور من هو المقصود، لم يضحك، حيث كانت الاستخبارات الإسرائيلية تعرف اسم صهر الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر، الذي بدأ يكتسب نفوذاً في القيادة المصرية، منذ أعوام عدة"، مضيفة أنه "قبل أسابيع قليلة فقط، كتب غورين بحزن أنه لا توجد فرصة لتجنيده بنجاح، والآن فجأة يظهر، ويريد أن يصبح جاسوساً"، وحينها سارع غورين بـ"إعطاء أمر بالاتصال الفوري بمروان، وتم تحديد موعد معه في فندق رويال لانكستر، وبدأ التواصل".

وتتابع الصحيفة وفق الوثائق والمقابلات التي أجرتها، قائلة "قبل الاجتماع الأول، أجرى فرع الموساد في لندن فحصاً حول مروان ولسبب ما توصلوا إلى استنتاج خاطئ مفاده أنه لا يتحدث الإنجليزية جيداً بما فيه الكفاية، وذلك قبل أن يستعينوا بالضابط دوبي (سيكون لاحقاً ضابط الموساد الذي يشغل ’الملاك‘) الذي يتقن العربية بعدما درسها في جهاز الشاباك قبل أن ينتقل إلى الموساد".

وفي شأن اللقاءات الأولى بين "دوبي" ومروان، توصلت الصحيفة إلى أنه في ختام سلسلة الاجتماعات طلب دوبي التحقق من بعض الأسئلة الرئيسة من أشرف مروان التي شملت المجالات السرية التي يمكن له الوصول إليها، والأدوار والآليات التي هو عضو فيها، وممن يمكنه الحصول على معلومات من القيادة المصرية دون أن يفهم أنه جاسوس"، لتأتي في المقابل إجابة مروان بتفصيل "قائمة ضخمة من الأدوار والاتصالات وإمكانية الوصول، التي كانت واسعة النطاق ومتنوعة، وبطريقة عجيبة تتناسب تماماً مع حاجات الموساد".

عملية "تضليل" ممنهجة

ما كان بارزاً في التحقيق الإسرائيلي هو سرد طريقة "خداع" مروان لمشغله في الموساد "دوبي" التي وصلت بعد لقاءات متعددة لأن يكون مروان نفسه "المشغل ودوبي هو العميل" في مشهد عكس مدى انقلاب الأدوار وعمق السذاجة الإسرائيلية في التعامل معه في ذلك الوقت.

وتتطرق "يديعوت أحرونوت" للأمثلة على ذلك قائلة إن "مروان غير قواعد اللعبة بصورة جذرية في كل مجال من مجالات علاقة العميل والمشغل في الموساد"، مشيرة إلى كلمات دوبي نفسه في المحادثات الداخلية التي أوضحت مراراً وتكراراً مدى انقلاب الأدوار، قائلة "في الواقع، تحول مروان إلى المشغل، لنفسه ولدوبي وزامير أيضاً، لقد سيطر على الاجتماعات وتواترها وطولها، وهو وحده الذي كان يستطيع بدء اجتماع وتحديد الشروط، وفي كثير من الأحيان المبلغ المالي الذي سيحصل عليه، وكان يتلاعب بمشغليه"، وتابعت "قال دوبي في مقابلة صحافية إن اللقاء كان أشبه بكشك في سوق، مروان يعطي، ودوبي يأخذ، ثم يدفع دوبي، وفي الوقت نفسه وفي ظل الكنز الاستخباراتي الخالص الذي كان يقدمه مروان، لم يلاحظ أحد سلسلة المشكلات الخطرة في التشغيل، وفي إحدى اللحظات، كتب دوبي في محضر أحد الاجتماعات أن "رئيس الموساد شرح له ما حدث بالفعل بخصوص عملية نفذها سلاح الجو في ذلك الوقت"، ليقول بعدها إن "المصدر يتلقى معلومات من رئيس الموساد، وليس العكس"، مشيراً إلى أن شيئاً كهذا لم يحدث من قبل، ليصف الأمر بعدها بالقول "لقد تأثر رئيس الموساد بـ’الملاك‘، وقع في حبه حقاً، وشعر أنه صديقه".

 

وعن مدى السذاجة الإسرائيلية في التعامل مع مروان، توصلت الصحيفة إلى أنه وعلى رغم وجود أصوات متشككة في شأن "الملاك" في الموساد، وبخاصة بين قدامى وكبار مسؤولي الجهاز حين تساءلوا عن أسباب تحول صهر الرئيس ناصر تحديداً بمبادرة منه إلى عميل للموساد، ويأتي بكل هذه الوثائق السرية؟"، فإن مشغليه لم يلتفتوا إلى الأمر.

ونقلت الصحيفة عن رافي إيتان، أحد كبار مسؤولي الموساد قوله "كل هذا بدا خيالياً جداً بالنسبة إلي"، وقال رافي ميدان، رئيس فرع الموساد في لندن عام 1973 "كانت الاستخبارات البريطانية تراقبه على مدار الساعة، ومع ذلك لم يصل مروان بسيارة أجرة أو يركن على بعد ثلاثة شوارع، بل جاء بسيارات تحمل لوحة دبلوماسية تابعة للسفارة المصرية حتى مدخل المنازل الآمنة، حيث كنا نلتقي به، هكذا لا يتصرف شخص لديه ما يخفيه، وإذا انكشف أمره، ولا يمكن التأكد من أن البريطانيين لن يخبروا المصريين، فقد يتم القبض عليه ويدفع حياته ثمناً لفعله هذا".

وعن لحظة الخداع الكبرى التي سبقت اندلاع حرب السادس من أكتوبر بليلة واحدة، حيث اللقاء الشهير الذي جمع زامير رئيس الموساد ومروان في لندن، سردت "يديعوت أحرونوت"، بصورة مغايرة عما ذكره الموساد الإسرائيلي نفسه في كتابه "ذات يوم عندما يسمح بالحديث" الذي تناول قضية مروان، قائلة إن الاجتماع "بدأ بسؤال زامير للـ’ملاك‘ عن موضوع دبلوماسي، وهو الموقف الذي تحدث عنه مشغل مروان (دوبي) قائلاً، حينها لم يفهم مروان ما يريده منه، لأنه لا يملك أية أهمية"، ليرد أشرف مروان ويقول إنه "جاء ليتحدث عن الحرب غداً، ثم تفاجأ زامير، وقال ’أي حرب غداً؟ عمَّ تتحدث؟‘".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق "يديعوت أحرونوت"، كانت خطة مروان تعتمد على ركيزتين، الأولى أن تبدأ الحرب بمفاجأة تامة، قبل 48 ساعة من وصول قوات الاحتياط الإسرائيلية إلى القناة، كما طالب الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري آنذاك، والثانية هي ألا تخرج الحرب عن السيطرة وتنتهي بأسرع وقت ممكن باتفاق وقف إطلاق نار، مضيفة "في كلتا المهمتين.. كان لأشرف مروان دور حاسم.. لأن الإسرائيليين، وتحديداً قادة الاستخبارات، لديهم اقتناع بمعرفة ما سوف يحدث.. لماذا؟ لأن لديهم ’الملاك‘ الذي سيحذرهم مع مصادر أخرى وذلك بعدما حضر عدداً لا يحصى من الاجتماعات التي نوقش فيها تاريخ الحرب والاستعدادات لتنفيذها لكنه لم يقل كلمة واحدة لمشغليه، وبدلاً من ذلك أغرق الموساد بمعلومات كاذبة، حتى ليلة بدء إطلاق النار".

وذكرت الصحيفة أنه في أكثر من مرة أرسل مروان إنذارات "كاذبة في شأن الحرب"، قائلة إنه ابتداء من يونيو (حزيران) 1972، بدأ "الملاك" في نقل سلسلة طويلة من الإنذارات بالحرب، وكانت كلها، باستثناء الأخير في الليلة التي سبقت الهجوم، إنذارات كاذبة"، مشيرة إلى أن خطة الاستخبارات المصرية في هذا التوقيت سعت إلى تحقيق هدفين، تمثل الأول في "إرهاق إسرائيل" بمعلومات كاذبة، والثاني يتمثل في "مراقبة ما يحدث عندما تتأهب إسرائيل، لا سيما لرصد معلومات دقيقة حول كم من الوقت يستغرق للرد ولتجنيد قوات الاحتياط بها وإنزال القوات جنوباً وهي معلومات كانت حاسمة بالنسبة إلى المصريين"، مشيرة إلى أن "تقييمات مروان كانت مسألة محورية في خطة الخداع المصرية، ففي وقت قدم فيه المعلومات الدقيقة حول هيكل الجيش المصري ووحداته من خلال وثائق سرية مكتوبة، جاءت تقييماته في شأن موعد الحرب، على النقيض من ذلك، حيث كانت تعطى دائماً شفوياً وتكون في إطار التقييمات، بناءً على معرفته بشخصية السادات المتقلبة وغير الحاسمة".

 

وفي كتاب "ذات يوم عندما يسمح بالحديث" الذي نشره الموساد رسمياً في الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر، زعم الأخير أهمية الدور الذي لعبه مروان "كجاسوس إسرائيلي في قلب النظام المصري"، قائلاً إنه قبيل منتصف ليلة 4-5 من أكتوبر 1973، تلقى "دوبي"، ضابط الموساد الذي يشغّل الجاسوس "الملاك"، برقية تحثه على تحديد لقاء عاجل معه "لإيصال أخبار مهمة للغاية"، وفي غضون ساعات طار رئيس الموساد تسفي زامير شخصياً إلى لندن، حيث التقى أشرف مروان، وتلقى منه "معلومة ذهبية ذات أهمية غير عادية، غيرت وجه الحرب"، على حد تعبيره.

وفقاً للكتاب، قال مروان (الملاك) لزامير في المحادثة التي جرت مساء يوم الخامس من أكتوبر "إن هناك احتمالاً بنسبة 99 في المئة أن تبدأ الحرب غداً، في وقت واحد على الجبهتين السورية والمصرية"، مضيفاً أن "هدف السوريين هو احتلال الجولان، وأنّ الأردن لن ينضم إلى الحرب، والهجوم المصري سيبدأ بالمدفعية واجتياح القناة، كما حرّك المصريون الجيش بأكمله إلى قناة السويس"، وأضاف، وفق محضر الاجتماع، أنه تأكد من جدية الرئيس السادات في شنّ الحرب هذه المرة يوم الـ29 من سبتمبر )أيلول(، أي قبل طلب الاجتماع بخمسة أيام.

بعد حوالى نصف ساعة من انتهاء اللقاء، أرسل زامير إلى المسؤولين الإسرائيليين برقية كان فحواها "المصريون سيهاجمون غداً"، وبدأت الحرب فعلياً في الساعة الثانية ظهراً يوم السادس من أكتوبر، وقبل أربع ساعات من الوقت الذي حدده أشرف مروان، الذي يرجح أنه لم يكن يعلم بالتغيير الذي طرأ على موعد الهجوم بناءً على طلب من سوريا، بعد سفره إلى ليبيا يوم الثاني من أكتوبر ثم إلى لندن عبر باريس.

وطوال الأعوام الماضية تمسكت السردية الإسرائيلية حول مروان بأنه جاسوس خدم إسرائيل، مستفيدة من شخصية الرجل الملتبسة بين رجل الأعمال وتاجر السلاح والسياسي، ومن صمت السلطات المصرية التي اكتفت بتنظيم جنازة رسمية له بعد وفاته الغامضة في لندن عام 2007 والتأكيد على أنه قدم خدمات جليلة لمصر أيضاً، وأنه لم يحن وقت فتح الملفات.

المزيد من تقارير