Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليابان والبحث عن طريق العودة إلى القوة النووية

بعد 8 عقود من الاستسلام في الحرب العالمية الثانية حزب "سانسيتو" القومي المتطرف يتطلع لامتلاك طاقة ذرية

اليابان خلال الحرب العالمية الثانية كان لديها عدة برامج لاستكشاف استخدام الانشطار النووي في التكنولوجيا العسكرية (أ ف ب)

ملخص

في أوائل مارس الماضي بدأت الأخبار تتسرب من اليابان، مشيرة إلى أنها ماضية قدماً في تعزيز قدراتها على الرد بنشر صواريخ بعيدة المدى في جزيرة كيوشو الجنوبية، ويبلغ مداها 621 ميلاً، مما يعني قدرتها على ضرب أهداف داخل كوريا الشمالية والصين.

صباح السادس من أغسطس (آب) الماضي، كانت اليابان تعيش الذكرى الـ80 لذلك اليوم الحزين، الذي لم يُمح من عقول اليابانيين القدامى والمحدثين حتى الساعة، ففيه استخدمت البشرية للمرة الأولى القنبلة النووية، ذلك السلاح الفتاك الوليد، ليتغير مجرى التاريخ وتصبح تلك المدينة اليابانية أول شاهد على الدمار الكارثي للسلاح النووي.

اليوم وبعد مرور 80 عاماً، لم تندمل جراح الماضي، لكنها تحولت إلى دعوة صادقة للسلام.

 اليوم تحتضن هيروشيما نصب السلام التذكاري المجرد على قائمة التراث العالمي لليونيسكو إلى جانب معارض متحفية مؤثرة توثق تلك اللحظة المأسوية، وتنقل للأجيال القادمة رسالة قوية ضد الحرب، وتحذيراً من الانزلاق إلى كابوس العصر النووي.

في الثاني من سبتمبر (أيلول) 1945 أُعلن استسلام اليابان رسمياً على متن السفينة الحربية الأميركية ميسوري في خليج طوكيو، إيذاناً بنهاية الحرب العالمية، ووقعت الوثائق الرسمية.

 خلال الحرب العالمية الثانية، فقد أكثر من 3 ملايين ياباني حياتهم من جنود ومدنيين، ولا يزال الأثر الرهيب والمخيف لقصف مدينة هيروشيما ومن بعدها نغازاكي قائماً، وطوال عقود فضلت اليابان المسيرة السلمية، والبقاء في حماية المظلة العسكرية الأميركية، التقليدية أو النووية، مما وفر لها مجالاً واسعاً في النمو الاقتصادي والوفرة المالية والتقدم التكنولوجي لا سيما في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

غير أنه من الواضح أن الأوضاع تتغير والطباع تتبدل، لا سيما في ظل صحوة الأجيال اليابانية المعاصرة، تلك التي باتت ترفض فكرة السطوة الأميركية، والساعية ليابان قومية مغايرة، قادرة على حماية ترابها الوطني ومياهها التي تحيطها من كافة الجوانب.

في هذا السياق، يأخذ هذا الفريق، لا سيما من الأحزاب القومية اليابانية الصاعدة بعين الاعتبار، التحركات الجيوسياسية التي جرت في الربع قرن الأخير، أي مع بداية الألفية الثالثة، وبخاصة في ظل الصين النووية الصاعدة بسرعة الصاروخ، وروسيا العائدة لسماء القطبية الأممية مرتكنة إلى ترسانتها المزعجة للعالم برمته.

 في هذه الأجواء بات السؤال المطروح في الداخل الياباني هل هذا هو الوقت المناسب لامتلاك اليابان قوة نووية؟

واقع الأمر أن علاقة اليابان بالبرنامج النووي، ليست علاقة جديدة، مما يعني أنه لا بد من إلقاء نظرة على ماضي التجارب النووية لليابان قبل ثمانية عقود، ثم العودة إلى الواقع المعاصر.

اليابان وتاريخ من السعي النووي

بحسب ما هو متوافر في الموسوعات العالمية، فإن اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، كان لديها عدة برامج لاستكشاف استخدام الانشطار النووي في التكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك المفاعلات النووية والأسلحة النووية.

بدت تلك البرامج شبيهة ببرامج الحرب المماثلة في ألمانيا النازية في ذلك الوقت، فقد كان البرنامج صغيراً نسبياً، وعانى مجموعة من المشكلات الناجمة عن نقص الموارد والفوضى التي سادت خلال الحرب، ولم يتمكن في النهاية من تجاوز مرحلة المختبرات خلال الحرب.

والشاهد أنه رغم ذلك، فإن اليابان امتلكت عقولاً فيزيائية متقدمة للغاية من نوعية البروفيسور هيكوساكا تادايوشي، أستاذ الطاقة الذرية في جامعة توهوكو اليابانية، الرجل الذي توصل عام 1934 إلى "نظرية الفيزياء الذرية"، وقد أشار هيكوساكا إلى الطاقة الهائلة التي تحتويها الذرة وإمكانية توليد طاقة نووية يمكن استخدامها في المجالات المدنية والعسكرية على حد سواء.

مضى اليابانيون سريعاً في نظرياتهم وتجاربهم، وبدا أنهم قريبون بالفعل من إنتاج شيء ما، ففي فبراير (شباط) 1945، نجحت مجموعة صغيرة من العلماء في إنتاج كمية صغيرة من المواد في فاصل بدائي في مجمع RIKEN، غير أن مشروع الفاصل النووي هذا انتهى عندما دمر المبنى الذي ضمه بسبب حريق ناجم عن غارة عملية (Meetinghouse) التي شنتها القوات الجوية الأميركية على طوكيو، ولم تبذل أي محاولة لبناء كومة يورانيوم، كما لم يكن الماء الثقيل متاحاً في ذلك الوقت، لكنها مضت قدماً إلى حدود قصف اليابان بالنووي الأميركي واستسلام الإمبراطور هيروهيتو للجنرال ماك أرثر.

اليوم وبعد ثمانية عقود، لا تمتلك اليابان برامج أسلحة نووية معروفة، كما أنها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وسنت قوانين محلية تحظر إنتاج الأسلحة النووية، ومع ذلك فهي فريدة بين الدول غير الحائزة أسلحة نووية، وذلك بسبب امتلاكها دورة وقود نووي كاملة، كجزء من صناعتها للطاقة النووية المدنية، وتطورات متقدمة في الصناعات اللازمة لصنع الأسلحة النووية، ونتيجة لذلك، غالباً ما يستشهد بها كمثال رئيس على دولة نووية كاملة أو على عتبة تطوير أسلحة نووية، قادرة على تطوير أسلحة في فترة زمنية قصيرة جداً إذا قررت حكومتها ذلك.

لكن وعلى رغم ذلك، هل كانت النهاية الحزينة لليابان في الحرب العالمية الثانية سبباً في نشر سياج من المحرمات النووية على اليابان وإلى وقت قريب، لكن غالباً لن يستمر طويلاً؟

النووي الياباني والمبادئ الثلاثة المحرمة

لم تعرف أمة على سطح الكرة الأرضية مرارة القصف بالسلاح النووي، كما عرفته اليابان، التي سقط منها في دقائق أكثر من 200 ألف قتيل، وملايين المصابين والمشوهين.

تماشياً مع هذه الخبرة المؤلمة، أصدرت اليابان القانون الأساس للطاقة الذرية الخاص بها عام 1955، الذي يحدد ماهية الأنشطة النووية في اليابان المخصصة أساساً للأغراض السلمية.

 تنص المادة الثانية من القانون على أن يقتصر استخدام الطاقة النووية على الأغراض السلمية، لضمان السلامة، ويجب أن يتم تنفيذه بصورة مستقلة تحت إدارة ديمقراطية، ويجب أن تكون نتائج ذلك معلنة، للمساهمة بصورة فعالة في التعاون الدولي.

إضافة إلى هذا الإجراء التشريعي، اعتمدت اليابان أيضاً موقفاً مبدئياً ضد امتلاك الأسلحة النووية، ففي عام 1967، حدد رئيس الوزراء الياباني إيساكو ساتو ثلاثة مبادئ غير نووية وهي "عدم امتلاك، وعدم إنتاج، وعدم السماح بإدخال أسلحة نووية، إلى الأراضي اليابانية".

 من هنا ووفاء بمبادئها دأبت اليابان على إثارة قضايا نزع السلاح ومنع الانتشار في المحافل الدولية، ويتجلى ذلك أيضاً في عضويتها الفاعلة في بعض أهم المعاهدات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، فاليابان طرف في المعاهدات والاتفاقات الرئيسة الثلاث المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وهي معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، واتفاقية الأسلحة الكيماوية، واتفاقية الأسلحة البيولوجية والسامة.

 

 

علاوة على ذلك، وقعت اليابان وصادقت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1966، وأسهمت طوكيو أيضاً في نزع السلاح النووي من خلال الشراكة مع المعهد الدولي لعلم الزلازل وهندسة الزلازل لتقديم دورات تدريبية عالمية في مجال الرصد الزلزالي منذ عام 1995.

وفي وقت لاحق، قدمت اليابان في مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 2000 اقتراحاً من ثماني نقاط لتعزيز التدابير اللازمة لنزع السلاح النووي ومخاوف عدم الانتشار، وكان من نتيجة هذه السياسات المضادة للانتشار النووي، فوز رئيس الوزراء إيساكو ساتو، بجائزة نوبل للسلام عام 1974 تقديراً لهذا الإنجاز السياسي ولتوقيعه معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وفي عام 2024، فازت بالجائزة أيضاً منظمة نيهون هيدانكيو، التي أسسها ناجون من هجمات القنبلتين الذريتين.

 حتى الآن، اعتمدت اليابان على الأسلحة النووية الأميركية، التي سبق أن دمرت ناغازاكي وهيروشيما، لردع التهديدات المعاصرة وفي إطار ترتيب أمني يسمى "الردع الموسع" التزمت واشنطن استخدام كامل قدراتها العسكرية، بما في ذلك النووية، للدفاع عن اليابان وحلفائها الآخرين.

غير أن ما جرى ويجري في العقدين الأخيرين، ربما دفع اليابانيين في طريق مختلف عما سارت فيه سياساتها حتى بدايات الألفية، ما الذي حدث على وجه الدقة، ومن يقف وراء تلك التطورات المثيرة والخطرة في التوقيت نفسه؟

اليابان والنموذج الفرنسي النووي

بات من الواضح أن اليابانيين في العقدين الأخيرين، ينهجون نهج الرئيس الفرنسي الأشهر شارل ديغول، الذي قدر في خمسينيات القرن الماضي، أن الأميركيين لن يغامروا بالدفاع عن لندن أو باريس، ويعرضوا نيويورك وواشنطن لصواريخ السوفيات الباليستية النووية.

 من هنا بلور ديغول رؤية لفرنسا نووية، تمتلك من الردع ما يكفي للدفاع عن فرنسا، واليوم باتت المظلة النووية الفرنسية، غطاء واضحاً للقارة الأوروبية برمتها.

 والثابت أن السياسات الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، لم تعد تقنع الحلفاء الأوروبيين ولا اليابانيين، بأن الرجل على أتم الاستعداد للدفاع عنهم في وجه القيصر بوتين، حال فكر في القيام بمغامرات عسكرية جديدة في المنطقة.

 ينظر اليابانيون اليوم بعين الحذر إلى المشهد الأوكراني، ويرون أن واشنطن لن تقامر بالدخول في مواجهة نووية مع روسيا، من جراء الوضع الأوكراني، عطفاً على أن موسكو بوتين، لا تنفك ترسل كثيراً من الإشارات المخيفة، التي تحمل دلالات على أن ما جرى في أوكرانيا يمكن أن يتكرر في غيرها من دول البلقان، فما بالنا بأن هناك خلافات عميقة بين روسيا واليابان حول عدد من الجزر التاريخية.

في هذا السياق تبدو التزامات الولايات المتحدة غير مؤكدة، ذلك أنه بموجب إحكام التعاون والأمن المتبادل لعام 1960، تلتزم الولايات المتحدة بموجب معاهدة بتوفير الأمن الخارجي لليابان، بعدما حصرت وجودها في اليابان بقوات الدفاع الذاتي فحسب، وقد حافظت الولايات المتحدة على وجود قوي في اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أن النهج الدبلوماسي القائم على المعاملات الذي تنتهجه إدارة ترمب يثير مخاوف بشأن صدقيتها في الأوساط السياسية والاستراتيجيات اليابانية.

والمعروف أنه في فبراير الماضي، التقى رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيا الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن في قمة ثنائية، وكان من أبرز نتائج القمة الالتزام الصريح من الجانب الأميركي باستخدام جميع الأسلحة، بما في ذلك النووية، للدفاع عن أي تحركات صينية في شأن جزر سينكاكو المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي.

كان هذا الالتزام هو عينه الذي تعهدته واشنطن منذ بدايات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، وعلى رغم التعهد الأحدث فإن الشكوك الهائلة تدور في الداخل الياباني، حيث تطرح الأسئلة عن مدى جدية وصدقية ترمب في الالتزام بمثل تلك الوعود، لا سيما في ظل سياساته البراغماتية التي لا تقيم وزناً إلا للحسابات الوظيفية المادية قصيرة النظر، ضمن رؤية مؤطرة بفكرة "أميركا أولاً"، مما يفقد اليابانيين الثقة في أي التزامات أميركية، طالما بقي ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية ولأعوام مقبلة.

على أن علامة الاستفهام الأكثر خطورة ووعورة لطوكيو، هل يمكن أن تقوم بكين بتهديدات للأمن القومي الياباني بصورة نووية؟

مخاوف من الصين النووية الصاعدة

كانت الحروب بين اليابان والصين نتيجة طموحات اليابان الإمبريالية في آسيا، حيث سعت لتوسيع نفوذها والتأكد من وصولها للمواد الخام، الشرارة الرئيسة التي أشعلت الحرب الصينية- اليابانية الثانية (1937-1945) كانت "حادثة جسر ماركو بولو"، التي أدت إلى غزو ياباني للصين، بينما كانت أصول "الحرب الصينية - اليابانية الأولى" (1894-1895) في الصراع على النفوذ في شبه الجزيرة الكورية.

 اليوم تغيرت الموازين، بعدما أصبحت الصين قوة قطبية قائمة وقادمة من دون أدنى شك، وباتت الهواجس اليابانية، مخاوف شبه حقيقية، ذلك أنه إلى جانب تعزيز القوة النارية العسكرية التقليدية بصورة هائلة، شرعت الصين في زيادة سريعة ومستدامة في حجم وقدرات قواتها النووية، وفقاً للخبراء العسكريين وخبراء ضبط الأسلحة الأميركيين.

في هذا الصدد يقول قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية الجنرال أنتوني كوتون للكونغرس في مارس (آذار) الماضي، إن التوجيه الصادر عن الزعيم الصيني شي جينبينغ بأن يكون الجيش الصيني مستعداً للاستيلاء على تايوان بحلول عام 2027 كان الدافع وراء تراكم الأسلحة النووية التي يمكن إطلاقها من البر والبحر والجو.

في سياساتها الدفاعية الوطنية لعام 2023، جددت الصين تعهدها الراسخ بعدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية تحت أي ظرف من الظروف، وتتضمن سياسة "عدم البدء بالاستخدام" أيضاً وعداً بأن الصين لن تستخدم أو تهدد باستخدام الأسلحة النووية أيضاً ضد أي دولة غير نووية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ورداً على أسئلة، قالت وزارة الدفاع في بكين "لا يمكن كسب حرب نووية، ويجب عدم شنها"، وأضافت أن الصين "تلتزم باستراتيجية نووية للدفاع عن النفس، وتنتهج سياسة عدم المبادرة بالاستخدام".

غير أن هذا الحديث، الذي يبدو في ظاهره سلمياً، لا يقنع اليابانيين بأن الصين لن تستخدم عند لحظة بعينها من سخونة الرؤوس ما لديها من أسلحة نووية في مهاجمة اليابان، لا سيما الأهداف والقواعد الأميركية الموجودة فوق الأراضي اليابانية، حال القارعة في تايوان، أو بحر الصين الجنوبي.

هنا تبدو اليابان وكأنها بين المطرقة النووية الروسية، والسندان النووي الصيني، ولعلها وهي تتابع تطورات الأحداث في آسيا الشرقية، توازن بين موقف أوكرانيا، تلك التي تخلت عن أسلحتها النووية عام 1994 مقابل 30 من الفضة، لم تتجاوز بحسابات ذلك الوقت 400 مليون دولار أميركي، وبين وضع كوريا الشمالية، ماذا عن تلك المقاربة، وهل يمكنها بالفعل أن تكون قوة فكرية وسياسية دافعة في طريق اليابان النووية؟ وانطلاقاً من استراتيجية معروفة منذ زمن "صن تزو" إلى أوان فون كلاوزفيتز، عن الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع، وما قالته العرب من قبل "ما حك جلدك إلا ظفرك"؟

من اليابان إلى كوريا الجنوبية فبولندا

في تقرير مطول للكاتب الأميركي المهتم بشؤون المناخ والكرة الأرضية عطفاً على المخاوف من الانتشار النووي، يحدثنا نوح سميث عن رؤية اليابان وكوريا الجنوبية وبولندا، الماسة اليوم، إلى حيازة سلاح نووي، ذلك أن المظلة النووية الأميركية لم تعد موثوقة بالنسبة إلى حلفائها، وعنده أن التاريخ يظهر حقيقة مؤكدة، تلك الموصولة بفكرة تحسن أمن الدول الصغيرة، طالما امتلكت سلاح نووي.

يدلل سميث على صدقية كلامه بما جرى لأوكرانيا، التي انتهكت روسيا أراضيها في فبراير 2022، مطالبة بأجزاء من أراضيها، وهو ما تحصلت عليه بالفعل.

 في 2025، أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب محادثات مع القادة الروس، ملقياً باللوم زوراً على أوكرانيا في بدء الحرب، ويقال إنه عرض "اتفاقية سلام" تقر الغزوات الروسية للأراضي الأوكرانية.

يمكن للمرء مقارنة مشهد أوكرانيا بتجربة كوريا الشمالية عام 2006، في ذلك الوقت اختبرت البلاد أول سلاح نووي لها، ويقدر الآن أن لديها نحو 50 سلاحاً نووياً، وعلى رغم فقرها وحصارها من قبل قوى معادية وحلفاء مشكوك فيهم، لم تتعرض كوريا الشمالية لتهديد حرب جدي في السنوات التي تلت امتلاكها السلاح النووي، في الواقع، خلال ولايته الأولى، بذل ترمب قصارى جهده لاستيعاب زعيم كوريا الشمالية وكسب صداقته.

هل اليابانيون ينظرون إلى هذه القصص التي تبدو صغيرة بعين فاحصة؟

قطعاً باتوا يدركون أن العالم الحديث مكان تشعر فيه القوى العظمى المسلحة نووياً، بقيادة قادة سلطويين، بدافع للتنمر على الدول الصغرى.

ولأن اليابان كانت لفترات طويلة، منذ عهد الميجي، حتى الإمبراطور هيروهيتو، قوة إمبراطورية كبرى، لذا تراهم يرفضون فكرة النظر إلى أنفسهم بوصفهم دولة صغيرة، يمكن أن تقع منهكة وعرضة للهجوم من قبل المتنمرين، أما إذا امتلكت أسلحة نووية فسيكون من الصعب جداً السيطرة عليها، هذا لا يعني أنها ستضحى بالمطلق محصنة ضد الهجوم، فقد تعرضت إسرائيل لهجمات من إيران ووكلائها، لكن امتلاك الأسلحة النووية يعزز أمن الدول الصغيرة بصورة كبيرة.

هناك في الأقل ثلاث دول صغيرة يعد هذا الدرس ملحاً للغاية بالنسبة إليها في الوقت الراهن في أوروبا، في مقدمها بولندا التي تشعر بتهديد روسي مستمر، وسعي للهيمنة عليها كما فعلت الإمبراطورية القيصرية في عهد الاتحاد السوفياتي.

وفي آسيا تواجه اليابان وكوريا الجنوبية، والكلام لنوح سميث، قوة متنمرة أقوى بكثير من روسيا، حيث تعد الصين القوة الصناعية العظمى في العالم، بقدرة صناعية تفوق كثيراً قدرة الولايات المتحدة وجميع حلفائها الآسيويين مجتمعين، وحتى لو قررت أميركا بقيادة ترمب الدفاع عن آسيا ضد أي استحواذ صيني، فليس من الواضح ما إذا كانت قادرة على ذلك.

هل أقنعت تلك الحقائق المعاصرة النخب السياسية اليابانية الحاكمة اليوم بأن حيازة سلاح نووي، أمر بات واجب الوجود؟

يبدو ذلك قريباً جداً من رؤية "سانسيتو" الحزب الياباني القومي الصاعد، ذلك الذي لا يثق بأميركا أو الصين، وربما كلاهما مجتمعين، ماذا عن صحوة الأحزاب المحافظة اليابانية؟

حزب "سانسيتو" ومفهوم "اليابان أولاً"

في وقت يتعامل فيه رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيا مع الهزيمة الأخيرة في انتخابات مجلس الشيوخ الياباني، تظل هناك أسئلة أكبر حول التوغلات التي حققتها الأحزاب المحافظة مثل حزب "سانسيتو"، ومن التطورات البارزة في تلك الانتخابات، صعود أحزب محافظة جديدة مثل حزب "سانسيتو" والذي يرفع شعار "اليابان أولاً"، وله ميول يمينية مثل بقية التيارات السياسة ذات التوجه العنصري، سواء كانت في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية.

بالنظر إلى السياسة الخارجية لحزب "سانسيتو"، نرى أن الحزب طرح بالفعل برنامجاً قائماً على مبدأ "الأولوية لليابان"، داعياً إلى اليقظة ضد التسلل الخارجي إلى المجتمع الياباني، ومعرباً عن شكوكه في شأن أنشطة الصداقة اليابانية الصينية.

 

 

 في الوقت نفسه شكك الحزب أيضاً في المعاهدة الأمنية اليابانية الأميركية، مجادلاً بضرورة إعادة تنظيم قوات الدفاع الذاتي لتصبح "جيشاً للدفاع الذاتي"، وأن اليابان يجب أن تدافع عن نفسها باستقلالية، كما استخدم زعيم حزب "سانسيتو" مصطلح "حلف الناتو الآسيوي"، الذي استخدمه سابقاً رئيس الوزراء شيغيرو إيشيا، وعلى عكس الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، الذي يدعم بقوة التحالف الأمني الياباني الأميركي، يتبنى حزب "سانسيتو" موقفاً متشككاً تجاهه.

ويدعو الحزب أيضاً إلى أن تتولى اليابان زمام المبادرة في بناء نظام عالمي جديد يمكن لجميع الدول فيه التعايش والازدهار بحرية داخل "مجتمع عالمي"، يسترشد بمبادئ التناغم والمساواة والتنسيق والإيثار والتفكير الدائري.

ولعل الحديث عن توجهات هذا الحزب تحديداً تقتضي قراءة مطولة ومعمقة، غير أن الأهم في هذا السياق، هو استنباط رؤاه لجهة المشروع النووي الياباني، كأداة للتحرر الوطني، لا سيما في مواجهة الصين التي يحمل الحزب لها رؤية عدائية واضحة للغاية في الوقت الراهن، مما يعني أنه يضع فكرة الصعود النووي الصيني في الحسبان وبقوة.

هل تخرج القنبلة النووية من القبو؟

وفقاً للخبراء النوويين، تتبع اليابان سياسة "القنبلة في القبو"، حيث تمتلك المواد والوسائل اللازمة لإنتاج أسلحة نووية في غضون ستة أشهر، ويعزى ذلك إلى البنية التحتية النووية المتقدمة لليابان، في الوقت نفسه تمتلك طوكيو نظام دفاع صاروخي باليستي متين ومتعدد الطبقات للتصدي لهجمات الصواريخ الباليستية.

في منتصف أغسطس الماضي، قالت جنيفر كافانا، مدير التحليل العسكري في مركز أبحاث "أولويات الدفاع"، في واشنطن، إنه في غضون عامين، ستتمكن طوكيو من صنع سلاح نووي صغير بما يكفي لتركيبه على صاروخ.

وصرح نائب بارز مقرب من رئيس الوزراء إيشيا لـ"رويترز" بأن اليابان قادرة على صنع سلاح نووي في غضون ستة أشهر فحسب، وأنه ينبغي عليها التفكير في القيام بذلك لا سيما إذا انهارت الثقة بالمظلة النووية الأميركية.

 هل اليابان إذن على مقربة شديدة القرب من حيازة سلاحها النووي؟

المؤكد أن هناك تغيرات في التوازنات الآسيوية تجري بها المقادير بسرعة هائلة، ذلك أن الأمر لا يتوقف عند حدود الـ1000 رأس نووية الصينية التي تسعى إلى حيازتها، بل يتجاوز إلى اليابان، التي تتمتع بخبرة نووية متقدمة بفضل أسطولها العريق من المفاعلات المدنية، وصناعة دفاعية متطورة وتقنيات برنامجها الفضائي، بما في ذلك صواريخ تعمل بالوقود الصلب، ويشير الخبراء إلى أن هذا سيسمح لها ببناء صواريخ باليستية لنقل حمولة نووية.

تقول الحكومة اليابانية إنها تمتلك نحو 45 طناً من البلوتونيوم، وهو المادة الانشطارية اللازمة لصنع قنبلة نووية، كمنتج ثانوي لاستهلاكها من الوقود النووي، كما تمتلك اليابان القدرة على تخصيب اليورانيوم، وهو سبيل آخر لإنتاج مواد نووية صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة.

 هل بدأت اليابان بالفعل في خطواتها الأولى في سياق الاستعداد لتكون دولة نووية؟

جزيرة كيوشو والردع القادم

في أوائل مارس الماضي، بدأت الأخبار تتسرب من اليابان، مشيرة إلى أنها ماضية قدماً في تعزيز قدراتها على الرد بنشر صواريخ بعيدة المدى في جزيرة كيوشو الجنوبية، ويبلغ مدى هذه الصواريخ 621 ميلاً، مما يعني قدرتها على ضرب أهداف داخل كوريا الشمالية والصين.

سيتم تخزين هذه الأسلحة، وهي نسخ مطورة من صواريخ "تايب 12" الموجهة أرض- بحر التابعة لقوات الدفاع الذاتي البرية اليابانية GSDF في قواعد مع حاميات عسكرية قائمة، وستكون قادرة على الدفاع عن سلسلة جزر أوكيناو ذات الأهمية الاستراتيجية.

 والمؤكد أنه من الصعب تحديد متى وضعت هذه الخطة تحديداً، لكن من الواضح أنها رد فعل لتعليقات الرئيس ترمب في السادس من مارس الماضي، التي وصف فيها معاهدة الأمن الأميركية اليابانية الموقعة للمرة الأولى عام 1951، بأنها "غير متبادلة"، وإشارته إلى أن اليابان في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتأمين دفاعها.

هنا يمكن التساؤل هل هذه الصواريخ ستكون اليد الطولى لليابانيين في طريق تعبئة قواتهم المسلحة لتركيب رؤوس نووية عليها؟

 عند الكاتب الروسي أنطون تشيكوف، في إحدى رواياته، أنه إذا قرأت في الفصل الأول من رواية أن هناك بندقية معلقة على الحائط، فإنه سيكون من الطبيعي جداً أن تنطلق البندقية عينها، في الفصل الثالث.

 وفي كل الأحوال، يمكن القول إن اليابان أمام محور نووي جديد وبقية التفاصيل تنجلي عما قريب جداً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير