Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتصاد إسرائيل المغلق خيار استراتيجي أم مأزق دبلوماسي عميق؟

محللون رأوا أن هذه المقاربة ليست سوى محاولة لتلطيف حقيقة العزلة الاقتصادية التي تتفاقم

تراجعت الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا منذ بداية العام الحالي بشكل ملموس (أ ف ب)

ملخص

وفقاً لنتائج المسح الأولية التي أجراها اتحاد المصنعين الإسرائيليين في 17 و18 سبتمبر الجاري، وشمل 132 من كبار الصناعيين، فإن نحو نصف المصدرين أبلغوا عن إلغاء أو عدم تجديد عقود قائمة، و71 في المئة من تلك الإلغاءات جاءت لأسباب سياسية مرتبطة بالحرب

عبر مجموعات شراء محلية أو منشوراتٍ على منصات التواصل الاجتماعي، يحاول تمار ياعيل (40 سنة) إلى جانب بعض المزارعين الإسرائيليين، بيع محاصيلهم من المانغو والأفوكادو والبطاطا بأسعار تنافسية، إلا أن محاولاتهم اليائسة لتسويق منتجاتهم المتكدسة من الخضار والفواكه عبر الإنترنت باءت بالفشل، وسط أزمة عميقة وصعوبات متزايدة يواجهها التجار الإسرائيليون، خصوصاً مع القارة الأوروبية، في إبرام صفقات تجارية، فمع تزايد الرفض للتعامل معهم في ظل استمرار الحرب على غزة واتساعٍ غير مسبوق في دائرة العزلة الدولية، لاحظ ياعيل، منذ أشهر، أن رسائله مع التجار الأوروبيين باتت بلا رد، وأن العقود التي اجتهد لإبرامها جمّدت بالكامل. ويدرك الإسرائيليون اليوم بما لا يدعُ مجالاً للشك، أن تأثير المقاطعة، هذه المرة، تجاوز السلاح والقطاع العسكري ليضرب أساسيات الحياة اليومية للمواطن الإسرائيلي.

 

وعلى رغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد مؤتمراً صحافياً اقتصادياً أخيراً، ليزيل سوء الفهم بعد خطابه الذي أثار حالاً من الذعر، والذي أقرّ فيه بأن إسرائيل في عزلة، وبضرورة التكيف مع اقتصاد مغلق. إلا أن الوجه المظلم لحقيقة تصريحاته، وفقاً لخبراء، أن عزلة إسرائيل الدولية تتسع جراء الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، وأن التصريحات السياسية المنددة بتصرفات إسرائيل تجاه الفلسطينيين تحولت إلى إجراءات اقتصادية عملية تشبه الحصار الصامت، وتركت آثاراً ملموسة وعميقة في حياة الإسرائيليين لا تقل خطورة عن أي عقوبات علنية. ويحذر المزارعون الإسرائيليون يومياً من أن العزلة التجارية والاقتصادية التي يعشونها، قد تفضي إلى أزمة غذائية داخلية حتمية. وعلى رغم أن الصناعات الإسرائيلية في التكنولوجيا والغاز والسلاح لا تزال مطلوبة عالمياً، إلا أن محللين في السوق الإسرائيلية رأوا أن هذه المقاربة ليست سوى محاولة لتلطيف حقيقة العزلة الاقتصادية التي تتفاقم.

ووفقاً للمفوضية الأوروبية، يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، حيث استحوذ عام 2024 على نحو 32 في المئة من إجمالي تجارتها السلعية، في حين لم تمثل إسرائيل سوى 0.8 في المئة من تجارة الاتحاد الأوروبي العالمية. وبلغ حجم التبادل السلعي بين الجانبين 42.6 مليار يورو (46.2 مليار دولار)، إذ استوردت إسرائيل من الاتحاد ما قيمته 26.7 مليار يورو (28.97 مليار دولار)، تصدرتها الآلات ومعدات النقل (43 في المئة) والمواد الكيماوية (18 في المئة). في المقابل، بلغت صادرات إسرائيل إلى الاتحاد 15.9 مليار يورو (نحو 18.72 مليار دولار)، كان أبرزها أيضاً الآلات ومعدات النقل (43.9 في المئة) والمواد الكيماوية (18 في المئة).

 

إلغاء عقود

في أعقاب تزايد الدعوات الأوروبية إلى فرض عقوبات على إسرائيل ومقاطعة منتجاتها بسبب الحرب على غزة والكارثة الإنسانية فيها، تراجعت الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا منذ بداية العام الحالي بشكل ملموس، إذ تشير المعطيات إلى أن الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا، بين يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) الماضية، تراجعت بنسبة 15.4 في المئة قياساً بالفترة نفسها من العام الماضي. وذكرت صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية، أن نسبة التراجع هذه تشكل ثلاثة أضعاف التراجع الشامل للصادرات الإسرائيلية التي وصلت إلى خمسة في المئة في هذه الأشهر الثلاثة. كذلك تراجعت الصادرات إلى الولايات المتحدة، التي أشارت المعطيات إلى أن حجمها أقل بـ 20 في المئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة عن معطيات الفترة نفسها من العام الماضي. ولفتت الصحيفة إلى أن هذا التراجع يدل إلى اتجاه الأمور وليس متعلقاً بتغيرات موسمية أو بتغيير في عدد أيام العمل، وأن هذا التراجع لا يأتي من جانب الدول الإسكندنافية فقط، وإنما من جانب دول أخرى أيضاً اعترفت بالدولة الفلسطينية.

وفي موازاة ذلك، يدرس الاتحاد الأوروبي تعليق الاتفاقيات التجارية مع إسرائيل، ومن الجائز أن تخفض شركات أوروبية الطلب على البضائع الإسرائيلية قبل فرض عقوبات رسمية عليها. وبحسب "ذا ماركر"، فإن الحظر الأوروبي، الذي جاء ضمن عقوبات أوسع، يغلق منفذاً رئيساً أمام المزارعين الإسرائيليين، والنتيجة بحسب البعض، قد تتمثل بفائض خانق في الأسواق المحلية وغياب شبه تام للحلول. وبحسب ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فقد شهدت الأسابيع الأخيرة موجة غير مسبوقة من إلغاء العقود القائمة أو رفض تمديدها، وفي بعض الحالات، أعلنت شركات وسلاسل تسويق في دول مختلفة وقف استيراد المنتجات الإسرائيلية، بينما أعلنت شركات أخرى في أوروبا وأميركا، خصوصاً منذ إعلان إسرائيل تنفيذ خطة لاحتلال غزة، وقفاً مفاجئاً للتعامل مع الموردين الإسرائيليين. ورأى الرئيس السابق للمجلس القومي للاقتصاد في مكتب نتنياهو ومدير معهد دراسات الأمن القومي سابقاً مانويل ترايتنبرغ، أن أي توجه نحو تقليص الروابط الاقتصادية مع العالم "سيعني انهيار مستوى المعيشة بشكل دراماتيكي، وفقدان القدرة على تمويل الجيش والأمن والخدمات الاجتماعية".

 

أسواق مغلقة

عمق الأزمة بالنسبة للإسرائيليين لم يتوقف عند إغلاق الأسواق الأوروبية وحسب، فالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أدت إلى إغراق السوق الأوروبية بمنتجات جديدة أخرجت الإسرائيليين من المنافسة، ناهيك عن إغلاق أسواق غزة والضفة الغربية. ووفقاً لوصف "ذا ماركر"، فإن نتيجة العزلة الدولية التي يعيشها التجار الإسرائيليون تتلخص في "سوق محلية غارقة بالفاكهة الفاسدة، مزارعون على حافة الإفلاس، وصورة قاتمة لاقتصاد معزول ومأزوم، بلا حلول ولا أفق".

وخلص تقرير آخر لصحيفة "غلوبس" إلى أن تصريحات نتنياهو تكشف حجم المأزق الدبلوماسي والاقتصادي الذي تواجهه إسرائيل، وأن الحديث ليس سوى انعكاس لفقدان أدوات النفوذ التقليدية، ووفقاً لما أعلنته "القناة 12" الإسرائيلية، فإن صادرات إسرائيل تواجه أزمة حقيقية، لأن العالم يمتنع بشدة عن استلام البضائع التي تحمل ملصق "صنع في إسرائيل". وأكدت نائبة المدير العام لشركة الاستشارات الإدارية الإسرائيلية NSG نيني غولدفاين، "أن هذا الوضع يؤدي مباشرة إلى خسارة الشركات الإسرائيلية وانخفاض كبير في تجارتها الخارجية، وشددت على أن هذا مسار "مقلق لا يؤثر فقط على الشركات الكبيرة بل على كل مواطن وصاحب عمل صغير إسرائيلي".

 

وقال مزارع إسرائيلي إن سلاسل المتاجر الكبيرة تمتنع عن شراء المنتجات الزراعية الإسرائيلية لأنها قلقة من رد الفعل السلبي للمستهلكين. من جانبه، أورد مدير إحدى الشركات الناشطة في مجال المنتجات الصحية أور ليف هار، أن بعض الموزعين الأوروبيين أكدوا له أن الرمز التجاري الإسرائيلي الذي يبدأ بالرقم 792 "أصبح سبباً لرفض شراء المنتجات". وأضاف أن واحدة من الشركات التي أبرم عقد توزيع معها بقيمة ثلاثة ملايين دولار سنوياً في أوروبا، باتت تواجه مشكلة في المعارض الدولية بسبب الضغوط السياسية، مؤكداً انه نُصح خلال مشاركته في معرض في بولندا العام الحالي بعدم التحدث باللغة العبرية، وهو أمر وصفه بأنه "ضربة خطيرة لصورة إسرائيل".

مشهد سلبي

ووفقاً لنتائج المسح الأولية التي أجراها اتحاد المصنعين الإسرائيليين في 17 و18 سبتمبر (أيلول) الجاري، وشمل 132 من كبار الصناعيين، فإن نحو نصف المصدرين أبلغوا عن إلغاء أو عدم تجديد عقود قائمة، و71 في المئة من تلك الإلغاءات جاءت لأسباب سياسية مرتبطة بالحرب. وأكد نحو 76 في المئة منهم أن الحرب أضرت بصادراتهم، وقال 21 في المئة منهم إن الضرر تجاوز 40 في المئة من إجمالي صادراتهم. وبينّت الأرقام، أن دول الاتحاد الاوروبي تصدرت المشهد السلبي، إذ قال 84 في المئة من المصنعين إن دوله ألغت صفقاتهم، كذلك فإن قرابة 38 في المئة من المصدرين واجهوا إلغاء عقود من دول أوروبية أخرى، و31 في المئة من الولايات المتحدة. وأشار قرابة 54 في المئة إلى أن عملاء جدداً رفضوا التعاون مع إسرائيل، في حين واجه نحو 49 في المئة صعوبات لوجستية وتنظيمية استثنائية، بينها مشكلات شحن وتأخيرات في الجمارك والموانئ. وتعرّض زهاء 22 في المئة من المستوردين الإسرائيليين لإلغاء طلبيات من قبل الموردين في الخارج.

 

وطالب رئيس اتحاد الصناعيين في إسرائيل رون تومر الحكومة الإسرائيلية بعكس الاتجاه قائلاً "بدلاً من الانكماش على أنفسنا يجب تعزيز قدرات التصدير وتوسيع الاتفاقيات التجارية وتوفير اليقين للقطاع الصناعي". أما كبير الاقتصاديين في "بروفيت فاينانس"، أمير كاهانوفيتش، فأكد أن "العزلة الدبلوماسية التي بدأت منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 تتركز أساساً في مجالات الثقافة والأكاديميا وتجارة السلاح"، لكنه شدد على أن "أي سيناريو لإسبرطة اقتصادية سيعني كوارث طويلة المدى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التفاف تجاري

وبما أن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً لمصدري الفاكهة الإسرائيليين في أوروبا، دأب بعض المصدرين الإسرائيليين على مواجهة صعوبات في تصدير منتجاتهم، عبر استهداف أسواق أخرى مثل اليابان وكندا لتقليل اعتمادهم على السوق الأوروبية. ووفقاً لما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن مزارعين ومصدري أغذية إسرائيليين، فإن سلاسل متاجر كبرى في إيطاليا وبريطانيا قررت وقف بيع المنتجات الإسرائيلية. وبحسب الصحيفة، فإن ردود فعل سلبية بدأت تظهر من تجار تجزئة كبار حتى في أماكن بعيدة، إذ تلزم لوائح الاتحاد الأوروبي تجار التجزئة بوضع علامة توضح بلد المنشأ على الرفوف، ما دفع مستهلكين إلى رفض المنتجات الإسرائيلية. وتزامناً مع حملة المقاطعة العالمية، وثّق نشطاء وحقوقيون من مختلف دول العالم مشاهد مصورة جرى تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، في نطاق واسع، لجوء عدد من المحال التجارية إلى إخفاء مصدر بعض المنتجات الآتية من إسرائيل كالأفوكادو ونسبها إلى بلدانٍ أخرى، كيف لا وهي تصنف خامس أكبر مصدر للأفوكادو في العالم، بقيمة صادرات بلغت 331 مليون دولار أميركي عام 2023 وحده. كما تعد البطاطا الإسرائيلية من أبرز المنتجات التي تأثرت بحملة المقاطعة العالمية، إذ تصدّر شركات إسرائيلية كبرى عشرات آلاف الأطنان سنوياً إلى أوروبا. لكن هذه الصادرات تواجه اليوم عراقيل كبيرة، وتمثل صادرات البطاطا نسبة 48 في المئة من إجمالي الخضروات التي تصدرها إسرائيل.

وأفاد خبراء اقتصاديون صحيفة "يديعوت أحرونوت" حديثاً، بأن الإنفاق الدفاعي الضخم وسط مخاوف من انهيار القدرة على ضبط الموازنة العامة في إسرائيل، قد يدفع وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" لخفض التصنيف السيادي لإسرائيل قريباً، وسيكون هذا رابع تخفيض للتصنيف، وستكون له انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ سترتفع الفوائد على القروض الضخمة التي ستقترضها الحكومة لتمويل الحرب. ناهيك عن أن ذلك سيحول دون خفض أسعار الفائدة في إسرائيل وتردد الشركات الأجنبية بالاستثمار في سوقها، وخطر تسريح العمال، مع تراجع سعر الشيكل مجدداً وتضرر البورصة، وخسائر متوقعة للمستثمرين.

المزيد من تقارير