ملخص
حمل رياض المالكي المبعوث الخاص للرئيس الفلسطيني، الولايات المتحدة مسؤولية إلزام إسرائيل بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الأخير في شأن وقف إطلاق النار بغزة.
حتى بعد ترك رياض المالكي منصبه وزيراً للخارجية الفلسطيني الذي احتفظ به على مدى 15 عاماً، فإن الرئيس محمود عباس تمسك به وعينه مبعوثاً خاصاً له، ومستشاراً للعلاقات الدولية.
ويأتي تمسك الرئيس عباس بالمالكي بسبب معرفة الأخير بخبايا ودهاليز العواصم العالمية، وإمساكه بملفات الانضمام إلى المعاهدات الدولية، بما فيها "المحكمة الجنائية الدولية" و"محكمة العدل الدولية".
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية" اعتبر المالكي أن قرار مجلس الأمن الدولي حول وقف إطلاق النار الذي قدمته واشنطن "منقوص لأنه لا يلبي المطالب الفلسطينية كافة بوقف دائم للحرب، وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة".
لكن المبعوث الخاص للرئيس الفلسطيني استدرك أن القرار "يستجيب جزئياً لمطالب السلطة الفلسطينية منذ اليوم الأول للحرب، والداعية إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وعودة النازحين لديارهم ووقف محاولات التهجير"، موضحاً أن القرار "سيعني توقف إراقة الدم في القطاع وإنهاء المجاعة فيها وفتح المعابر".
وأشاد المالكي بإشارة قرار مجلس الأمن الدولي إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها المسؤولة عن قطاع غزة والضفة الغربية، وبدعوته إلى حل الدولتين.
مسؤولية أميركية
وعن مدى التزام إسرائيل بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، قال المالكي إن "مسؤولية ذلك تقع على عاتق الإدارة الأميركية لأنها هي من قدمت مشروع القرار، وهي من فاوضت على تعديلاته من أجل تمريره".
وأوضح أن واشنطن استخدمت الـ "فيتو" ثلاث مرات لعرقلة مشاريع قرارات تطالب بوقف إطلاق النار منذ بداية الحرب التي دخلت شهرها التاسع.
ورداً على تصريحات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أشار فيها إلى أن حركة "حماس" هي "الطرف الوحيد الذي لم يوافق على مقترح الرئيس جو بايدن لوقف إطلاق النار" وأن تل أبيب وافقت عليه، طالب المالكي واشنطن بالحصول على "موقف إسرائيلي واضح من المقترح".
اليوم التالي للحرب
وفي شأن اليوم التالي للحرب وعودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة وإمكان استمرار "حماس" في الحكم، استبعد رياض المالكي وجود رغبة لدى الحركة في حكم القطاع.
وبحسب المالكي فإن "لديها فهماً واضحاً لطبيعة المرحلة"، مشيراً إلى "الحاجة إلى تنسيق أكبر بين السلطة الفلسطينية و’حماس‘ للوصول إلى تفاهم مشترك حول طبيعة الأدوار خلال المرحلة المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن السلطة الفلسطينية هي "صاحبة الحق الوحيد في حكم قطاع غزة والضفة الغربية"، مشيراً إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير أشار إلى ذلك.
وقبل نحو شهرين رفضت حركة "حماس" تشكيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس حكومة جديدة برئاسة محمد مصطفى باعتبارها خطوة منفردة، ومن المقرر أن تحتضن العاصمة الصينية بكين منتصف يونيو (حزيران) الجاري جولة ثانية من المشاورات بين حركتي "فتح" و"حماس" للاتفاق على المرحلة المقبلة.
حكومة وفاق وطني
وفي الوقت نفسه وصف وزير الخارجية الفلسطيني سابقاً طرح تشكيل حكومة وفاق وطني بأنه "سابق لأوانه، فعند الوصول إلى تلك المرحلة يمكن الحديث بها، لكن اليوم لدينا حكومة تقوم بدورها على أكمل وجه".
وعن إدخال المساعدات إلى قطاع غزة وإعادة إعمارها فأوضح المالكي أن تلك الجهود "لا يمكن أن تنجح من دون التنسيق مع السلطة".
وحول العلاقة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية في ظل تعهد الرئيس عباس بإعادة تقييم العلاقة معها بسبب منعها حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، شدد المالكي على أن "الاتصالات معها مستمرة وإن كانت على مستوى منخفض"، مقللاً من معارضة إسرائيل عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، ومضيفاً أنها بذلك "تقف وحيدة في مواجهة دول العالم كافة التي تطالب بتلك الخطوة".
وتابع المالكي بأن موقف إسرائيل "ليس مستغرباً، فهي تعادي الشعب الفلسطيني وتعمل على إضعاف السلطة وتهميشها عبر اجتياح مدن الضفة وقرصنة أموال المقاصة".
ورفض المالكي التعبير عن موقفه من هجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، "فهذا شيء يجب تأجيله إلى ما بعد وقف الحرب، إذ ستجري منظمة التحرير مع باقي الفصائل الفلسطينية تقييماً شاملاً حول ذلك ونتائجه".
معارك قانونية
وعن إسهام الحرب الحالية في قطاع غزة في رفع نسبة التأييد العالمي للقضية الفلسطينية وإعادتها لجدول الأعمال العالمي، أشار المالكي إلى أن "ما تقوم به إسرائيل منذ سيطرتها على فلسطين يسهم في ذلك، فكلما استمرت في غيها وارتكاب الجرائم كلما أصبح الرأي العالم العالمي يعرف حقيقة صورتها الإجرامية".
ومنذ حصول دولة فلسطين على صفة دول غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012، ثم انضمامها بعد ذلك بعامين إلى كثير من المعاهدات الدولية والاتفاقات الدولية، تخوض السلطة الفلسطينية "معارك قانونية وسياسية لترسيخ شخصيتها القانونية ومقارعة إسرائيل في المحاكم والمؤسسات الدولية"، فذلك وفق المالكي "مسار في غاية الأهمية ويقلل من تفوق إسرائيل العسكري والاستخباراتي، ويضع فلسطين في مستوى متساو معها من خلال المؤسسات الدولية".
وبعد 10 أعوام على انضمام فلسطين إلى "ميثاق روما" المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، تقترب الأخيرة من إصدار أوامر اعتقال لمسؤولين إسرائيليين بتهم ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ووفقاً للمالكي فإنه خلال العام الحالي "بدأنا نحصد نتائج الجهد الذي نبذله منذ 10 أعوام لجلب المسؤولين الإسرائيليين إلى لاهاي"، في إشارة إلى طلب المدعي العام للمحكمة كريم خان من قضاة المحكمة إصدار مذكرات لاعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
كما تنظر محكمة العدل الدولية في لاهاي اعتباراً من مطلع عام 2023 قضية أحالتها إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحديد "الآثار القانونية الناجمة عن انتهاك إسرائيل المتواصل لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واحتلالها الطويل الأمد للأرض الفلسطينية منذ عام 1967، واستيطانها وضمها إليها".
وتشكل خطوات السلطة الفلسطينية في المؤسسات الدولية إزعاجاً لإسرائيل، إذ تنظر إليها على أنها "إرهاب دبلوماسي ومحاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل".
ووصف المالكي تحركات السلطة الفلسطينية تلك بأنها "معركة دبلوماسية قانونية ضد إسرائيل، وبأنها تزيد عزلتها دولياً وتعزز من حجم التأييد لفلسطين".
واعتبر وضع الجيش الإسرائيلي على قائمة الأمم المتحدة للأطراف التي ترتكب انتهاكات ضد الأطفال في مناطق النزاع (قائمة العار) إلى جانب تنظيمي "القاعدة" و"داعش" بأنه "ضربة قوية جداً هزت صدقية إسرائيل في العالم".
عزلة إسرائيل
وعن موجة الاعترافات الحالية بدولة فلسطين من دول أوروبية وأميركا اللاتينية، شدد المالكي على أنها "تعزز الشخصية القانونية لدولة فلسطين وتفتح الباب لتطوير العلاقات الثانية مع هذه الدول وتزيد عزلة إسرائيل والضغط عليها".
وفي شأن القضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، قال المالكي إنها خطوة "جاءت بتنسيق كامل مع فلسطين التي كانت في مقعد السائق مع جنوب أفريقيا".
وبحسب مستشار الرئيس الفلسطيني للعلاقات الدولية فإن السلطة الفلسطينية قررت منذ البداية الاعتماد على أية دولة في العالم لرفع القضية بعد إجرائها مشاورات مع متخصصين قانونيين، وذلك "توفيراً للوقت المخصص للبحث في قانونية تقديم فلسطين تلك القضية بنفسها".
وقال المالكي إن جنوب أفريقيا "أبدت استعدادها وجاهزيتها لذلك"، مضيفاً أن "المسؤولين فيها قرروا البدء في تلك القضية لوحدهم خلال المرحلة الأولى لأسبابهم الخاصة".
وتابع أنه بعد ذلك تم التوافق على دعوة دول العالم إلى الانضمام للقضية، فانضمت دولة فلسطين في مايو (أيار) الماضي قبل إغلاق الباب أمام ذلك مع بداية يونيو الجاري.
ويرى المالكي أن انضمام دول العالم كطرف في قضية الإبادة الجماعية "مهم جداً كي لا تكون جنوب أفريقيا لوحدها أمام قضاة المحكمة".
ومع أن المحكمة أصدرت قرارات احترازية عدة، آخرها أمرها إسرائيل بوقف اجتياحها رفح، إلا أن تل أبيب رفضت الامتثال لتلك القرارات.
وعقب رياض المالكي على تلك القرارات بأنها "ملزمة لإسرائيل لكن محكمة العدل الدولية لا تمتلك الآليات لفرضها إلا بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى إلزامها بالتنفيذ"، مؤكداً أن تجاهل تل أبيب تنفيذ تلك القرارات "يضعها في مصاف الدول المارقة ويعزلها عن العالم".
واعتبر أن تنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 هو "الحل الوحيد الذي سنواصل السعي إلى تجسيده على الأرض"، مؤكداً أن إسرائيل الجهة الوحيدة في العالم الذي ترفض هذا الحل.
ولم يتردد المالكي في وصف تأييد شعوب وحكومات أميركا الجنوبية لفلسطين وقضيتها بـ"القاعدة القوية والراسخة، فهي تعكس تضامن شعوب تلك القارة وأحزابها وقواها المدنية وحكوماتها مع حق الشعب الفلسطيني في الحصول على حقه في تقرير مصيره وإقامة دولة فلسطينية".
وكانت البرازيل استدعت سفيرها لدى إسرائيل "احتجاجاً على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة"، فيما انضمت تشيلي إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية"، كما أوقفت كولومبيا صادراتها من الفحم إلى إسرائيل مع استمرار الحرب على قطاع غزة بعد إعلانها قطع العلاقات مع تل أبيب.
وفي القارة السمراء أوضح المالكي أن محاولات إسرائيل الحصول على صفقة مراقب في الاتحاد الأفريقي "باءت بالفشل ولو مرحلياً"، مشيراً إلى "سعي فلسطين لتطوير علاقاتها الثنائية مع الدول الأفريقية لإغلاق الباب نهائياً أمام تل أبيب".
وأوضح أن "إسرائيل وبعض أصدقائها في أفريقيا سيحاولون إعادة الكرّة مرة أخرى، ولذلك فإن على فلسطين أن تبقى حذرة للتصدي لذلك من خلال تطوير العلاقات الثنائية مع دول القارة في المجالات كافة".
وتحظى فلسطين بصفة دولة مراقب في "الاتحاد الأفريقي"، ويشارك رئيسها أو من ينوب عنه في قممه السنوية التي تتخذ فيها قرارات داعمة للشعب الفلسطيني.