ملخص
التقديرات الأولية من "ستاندرد أند بورز غلوبال" تشير إلى تراجع إنتاج الرز الباكستاني إلى 9.35 مليون طن في 2025-2026.
تسببت الفيضانات العنيفة في إقليم البنجاب الباكستاني، أكبر منطقة منتجة للرز في البلاد، في إشعال مخاوف في شأن استقرار الإمدادات في واحد من أهم مصادر الرز للأسواق الآسيوية والأفريقية، فيما يفتح هذا الاضطراب الباب أمام الهند لتعزيز موقعها، مستفيدة من تراجع منافستها التقليدية والتاريخية.
أزمة داخلية تضرب القدرة التصديرية
على رغم أن حجم الخسائر لم يُقيّم بالكامل بعد، تشير المؤشرات المبكرة إلى محدودية وصولات السوق خلال سبتمبر (أيلول) واضطرابات في الشحنات المقررة لشهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين.
واضطر المصدرون الباكستانيون إلى الاستعانة بالرز الميانماري لتغطية العقود القائمة، وهو ما كشف ضعف القدرة على الوفاء بالالتزامات.
في الوقت ذاته، يواجه الرز الباكستاني منافسة حادة من التايلاندي الأرخص ثمناً والأعلى جودة نسبياً، مما يُضعف جاذبيته التجارية حتى قبل احتساب أثر الفيضانات.
الهند المنافس الأكبر المستفيد
الهند، التي تسيطر على أكثر من 40 في المئة من صادرات الرز العالمية، تجد نفسها في موقع قوة إضافي فبينما تحاول باكستان تعويض نقص المعروض وتواجه خطر تراجع صادراتها بنسبة تسعة في المئة في 2025-2026، يمكن للهند توظيف فائضها الكبير في سد الفجوة الناجمة عن الأزمة الباكستانية.
وعلى رغم القيود التي فرضتها نيودلهي أخيراً على بعض أنواع الرز بهدف ضبط الأسعار المحلية، فإن الوضع الجديد قد يدفعها إلى إعادة هيكلة سياساتها التصديرية بطريقة تمنحها قدرة أكبر على التحكم في الأسعار العالمية، خصوصاً تجاه أسواق آسيا وأفريقيا التي تعتمد بكثافة على واردات الرز.
موازين قوى جديدة في السوق
وتواجه باكستان التي كانت تراهن على الرز كسلعة استراتيجية لتعزيز صادراتها، خطر فقدان حصتها أمام منافسين مستعدين، وإذا ما استمرت الأمطار غير الاعتيادية في التأثير على المحاصيل، فقد تجد إسلام آباد نفسها في موقع "المُورّد الثانوي"، بينما تحتكر الهند وتايلاند النصيب الأكبر من الطلب العالمي.
وشهدت البنجاب، التي تُعدّ القلب الزراعي لباكستان وأكبر منتج للرز، أمطاراً موسمية غير اعتيادية رفعت منسوب المياه في نهر السند. وعلى رغم أن الأضرار في مقاطعة السند لم تتضح بعد، فإن تدفق المياه جنوبًا يهدد الحقول الزراعية هناك، وهو ما يضع الموسم الحالي أمام اختبار قاسٍ.
ويأتي هذا في وقت بالغ الحساسية للأسواق، إذ تتوقع هيئة الأرصاد الباكستانية استمرار هطول أمطار فوق المعدلات الطبيعية خلال سبتمبر الجاري، مما يعمّق حال عدم اليقين في شأن حجم المحصول النهائي.
اضطراب في الصادرات وضغوط تنافسية
بالتوازي مع الضغوط المناخية، يجد المصدرون الباكستانيون أنفسهم أمام معضلة أخرى: منافسة شرسة من الرز التايلاندي والميانماري، فبينما ارتفع سعر الرز الأبيض الباكستاني (WR) بنسبة كسر خمسة في المئة إلى 365 دولاراً للطن (FOB)، يُباع الصنف التايلاندي عند 355 دولاراً للطن مع جودة أعلى نسبياً، في حين يقدم الميانماري عروضاً أكثر إغراء بنحو 319 دولاراً للطن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا الفارق السعري جعل كثيراً من المشترين، خصوصاً في الأسواق الآسيوية، يعيدون النظر في عقودهم مع باكستان، التي تكافح لتأمين الكميات المطلوبة وسط نقص في المعروض المحلي.
ميانمار... البديل الموقت
لتفادي خسارة العقود الموقعة مسبقاً، لجأ المصدرون الباكستانيون إلى شراء شحنات من ميانمار عبر وسطاء في سنغافورة ودبي، وأُبرمت صفقات خلال الأسبوع الماضي بسعر 330 دولاراً للطن (FOB) بنسبة كسر خمسة في المئة و280 دولاراً بنسبة 25 في المئة، لتغطية عقود موجهة إلى أسواق مثل ماليزيا ومدغشقر.
لكن هذا الحل لا يبدو مستداماً، إذ إن إعادة جدولة بعض الشحنات من أكتوبر إلى ديسمبر (كانون الأول) يُظهر حجم الضغوط التي يواجهها القطاع في تلبية التزاماته، وهو ما يضعف ثقة المستوردين بقدرة باكستان على الوفاء بوعودها.
انعكاسات على المدى المتوسط
ولن يقاس الضرر الكامل للمحاصيل إلا بعد انحسار الفيضانات، غير أن التقديرات الأولية من "ستاندرد أند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس" تشير إلى تراجع إنتاج الرز الباكستاني إلى 9.35 مليون طن في 2025-2026، بانخفاض 3.8 في المئة على أساس سنوي، فيما يُتوقع أن تنخفض الصادرات بنسبة تسعة في المئة لتبلغ 5.20 مليون طن متري.
هذا التراجع قد يُغير خريطة المنافسة في سوق الرز العالمية، ويمنح تايلاند وميانمار والهند فرصاً أكبر لتعزيز حصصها، في وقت يتسم فيه السوق الدولي بحساسية شديدة تجاه أي نقص في الإمدادات نتيجة التغير المناخي وتزايد الطلب من الدول المستوردة في آسيا وأفريقيا.
ليست الفيضانات في البنجاب مجرد أزمة زراعية، بل نقطة تحول في موازين سوق الرز العالمية، فالهند، بثقلها الإنتاجي والتصديري، تبدو المرشح الأبرز للاستفادة من أي فراغ تتركه باكستان، ما يعني أن الأسواق في آسيا وإفريقيا ستظل أكثر اعتماداً على قرار نيودلهي، سواء بخفض أو زيادة صادراتها، وهو ما يضاعف من تقلبات الأسعار العالمية في المرحلة المقبلة.