ملخص
مرحلة أواخر القرن الـ 17 بدأت تشهد تراجع تواجد النينجا، عندما تم توحيد اليابان تحت حكم "شوغونية" توكوغاوا، فقد فرضت "الشوغونية" قوانين وأنظمة صارمة، ما صعّب على النينجا العمل وقلل من الطلب على خدماتهم، وما أسهم أيضاً في تسارع تراجع النينجا كان ازدياد استخدام الأسلحة النارية في الحروب، ما قلل من فعالية مهاراتهم وتكتيكاتهم التقليدية.
عملاء سريون أو مرتزقة عملوا من القرن الـ 15 إلى القرن الـ 17، كانوا ماهرين في تكتيكات التجسس والتخريب والاغتيال، وغالباً ما كان يتم تعيينهم من قبل اللوردات أو الحكام للقيام بمهام سرية في اليابان الإقطاعية، إذ إن حروف الكانجي اليابانية المستخدمة في تعريفهم هي 忍 و者، وتعنيان "التخفي والشخص". فمن هم هؤلاء المتخفون وماذا كانت مهمتهم؟ وهل هم أصحاب الرداء الأسود الذي عرفوا به عبر التاريخ؟
غموض "الشينوبي"
ما زال النينجا الصامت ذو الرداء الأسود الذي يتجسس ويخرب ويغتال، من دون أن يترك أثر، شخصية يابانية شائعة في الكتب والأفلام حتى الحديثة منها، وقد ألهم، بشكل غير مباشر، ظواهر ثقافية شعبية متنوعة، من سلاحف النينجا، إلى محارب النينجا الأميركي، لكن حقائق تاريخ النينجا قد تكون غامضة تماماً مثل هؤلاء المقاتلين الأسطوريين أنفسهم.
ويعرف النينجا أيضاً باسم "الشينوبي"، وهو فن يعلم الحيل التي يمكن استخدامها في اللحظات الحرجة، مثل القدرة على إخفاء الشخص نفسه ككاهن أو راهب متجول، أو امرأة أو فتاة من الجبال، والاختباء في الليل، وممارسة التجسس، وهو ما ذكره نينجا عاش في القرن الـ 17 وأوائل القرن الـ 18 اسمه ناتوري ماسازومي في كتابه "شونينكي، التعاليم السرية للنينجا، الدليل في القرن الـ 17 حول فن الإخفاء".
ومع كثرة القصص عنهم والمبالغة في تعظيمها، دفع بعض العلماء المعاصرين إلى التساؤل عما إذا كان النينجا موجودين بالفعل أم أنهم مجرد خرافة؟ ومنبع هذا التشكيك جزئياً أتى من وصف النينجا بأنهم خبراء في الفنون القتالية، وبأنهم يتمتعون بقدرات خارقة للطبيعة أو سحرة يستطيعون استحضار النار بأطراف أصابعهم وتحريك الرياح والأشياء بإشارات أيديهم، وفي العديد من القصص قيل عنهم إنهم يطيرون، بل وينقسمون إلى أجساد متعددة لإحباط محاولات المطاردة، لذا يعتقد معظم الباحثين أن الروايات التاريخية عن النينجا، كغيرها من شخصيات العالم السفلي، قد زُينت بشكل مبالغ فيه، مع احتفاظها بذرة من الحقيقة.
مهارات عالم لمحارب
على عكس محاربي اليابان المشهورين الآخرين، "الساموراي" الذين كانوا مقاتلين مدربين تدريباً عالياً من عائلات النخبة، كان النينجا ينحدرون من مختلف طبقات المجتمع. وعلى عكس "الساموراي" لم يكن النينجا ملزمين بميثاق شرف صارم "بوشيدو" يقتضي القتال وجهاً لوجه، فقد كان بإمكان أمراء الحرب توظيف النينجا للمشاركة في حرب عصابات من شأنها أن تُلحق العار بـ "الساموراي". وبما أنهم عملوا كمرتزقة وجواسيس، كان على النينجا أن يكونوا بارعين في التمويه والخداع، وعلى رغم أنهم يصوَّرون عادة كقتلة مدربين، إلا أنهم كانوا أكثر ميلاً إلى حشد مهارات التخفي والتشتيت والاستخبارات المضادة من القتل، وكانت مسؤوليتهم النهائية جمع معلومات استخبارية مفيدة لسيدهم سراً.
ووفقاً لـ"بانسينشوكاي" وهي موسوعة من 22 مجلداً عن فن النينجا تعود للقرن الـ 17، يصف الكتاب فنون النينجا بأنها كانت تشمل المهارات الاجتماعية وتقنيات المحادثة ووسائل تقوية الذاكرة وتقنيات النقل والطب وعلم الفلك، وحتى السحر. كما دُرّب النينجا على استخدام عقولهم ومعارفهم الواسعة للتسلل إلى أي بيئة اجتماعية واكتساب المعرفة، والهروب بأمان لإبلاغ رعاتهم بما يتوصلون إليه. ومن الناحية النفسية تتطلب من النينجا الجيد انضباطاً ذاتياً شديداً ونقاء ذهنياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من مسرح العرائس إلى قاتل
وعندما يتعلق الأمر بخزانة ملابسهم، قال الخبراء إن النينجا كانوا يرتدون أزياء تسهّل عليهم التجسس والاندماج مع السكان، على عكس صورتهم المحفوظة في الأذهان بالرداء الأسود، فقد قال بالاز زابو الباحث في قسم الدراسات اليابانية بجامعة "إيتفوس لوراند" في المجر "الزي الأسود بالكامل ذو القلنسوة مستوحى من الزي الذي كان يرتديه فنانو تحريك العرائس في مسرح العرائس الياباني".
أما إريك شاهان المترجم الياباني المتخصص في ترجمة نصوص فنون القتال، فقد نوّه إلى أن النينجا كانوا يرتدون ملابس تنكرية، وعن هذا قال شاهان "على الأرجح، كان النينجا يرتدون ملابس مطابقة للمكان الذي يحاولون التسلل إليه، ويشمل ذلك حمل أغراض يومية، لذا فإن ارتداء ملابس سوداء بالكامل سيلفت الانتباه بالتأكيد".
وبالاستناد لمؤلف كتاب النينجا ناتوري ماسازومي، فقال، "يجب على النينجا أن يكونوا قادرين على تغيير أزيائهم بحسب الحاجة"، فمن خلال براعتهم في التخفي، كانوا يتسللون غالباً إلى أهدافهم، لا في جنح الليل، بل في وضح النهار، متنكرين في زي تاجر أو كاهن بوذي أو فلاح أو فنان، فالمهمة التي يكونون بها هي التي تحدد الزي الذي يرتدونه.
على رغم ذلك فقد اشتهر النينجا بالرداء الأسود والقناع الذي كانوا يرتدونه في أوقات معينة، فقد كان هذا التصميم يسهّل عليهم عملية التخفي تحت جنح الظلام ويصعب التعرف على وجوههم من خلاله. وقد أطلق على أزياء النينجا اسم "شينوبي شوزوكو" أو درع النينجا أو "نينجا يوروي"، والتي كانت تحوي إضافة للباس الظاهر درعاً للذراعين والكاحل وأحياناً لباساً داخلياً مصنوعاً من سلاسل تسمى "كوساري كاتابيرا"، وهي خفيفة الوزن وتساعدهم على حماية أنفسهم.
إضافة للباس اختار النينجا مجموعة واسعة من الأسلحة بحسب مهمتهم، فاستخدموا العديد من الأدوات الشائعة كالمنجل والسيف ليتمكنوا من الاختباء بين الفلاحين والمزارعين، كذلك اشتهروا بحملهم "الشوريكين" نجمة النينجا، لأن هذه الشفرات الصغيرة المحمولة باليد سهلة الإخفاء واستخدامها لنزع سلاح الخصم، إضافة إلى الخناجر وسهام النفخ وقنابل الدخان والبارود والسموم والفخاخ المتنوعة.
السمعة صنعت أسطورة
بدأ النينجا نشاطهم منذ القرن الـ 14، عندما استعان بهم "الدايميو" أو أمراء الحرب الإقطاعيون اليابانيون لأغراض الاستخبارات ومكافحة التجسس بشكل رئيس، لكن طبيعتهم السرية لم تترك لهم أثراً يُذكر في السجلات التاريخية، فمعظم ما هو متداول عنهم يأتي من نصوص كُتبت في القرن الـ 17 وما بعده، وذلك بعد حروب "الشوغون" (اللقب الذي كان يطلق على الحاكم العسكري لليابان) بفترة طويلة عندما ازدهرت النينجا، وقد أسهمت سمعتهم كمحاربين ماهرين ومرعبين محترمين ومخيفين من قبل أعدائهم إلى ظهور العديد من الأساطير والخرافات، التي صورها كثيرون على أنهم كائنات خارقة تقريباً ذات قوى سحرية، فخلدت هذه الأساطير في الثقافة الشعبية من خلال الأفلام والكتب وألعاب الفيديو، والتي غالباً ما صورت النينجا كمحاربين ذوي قدرات خارقة للطبيعة.
إلا أن مرحلة أواخر القرن الـ 17 بدأت تشهد تراجع تواجد النينجا، عندما تم توحيد اليابان تحت حكم "شوغونية" توكوغاوا، فقد فرضت "الشوغونية" قوانين وأنظمة صارمة، ما صعّب على النينجا العمل وقلل من الطلب على خدماتهم، وما أسهم أيضاً في تسارع تراجع النينجا كان ازدياد استخدام الأسلحة النارية في الحروب، ما قلل من فعالية مهاراتهم وتكتيكاتهم التقليدية.