Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جيل زد" والتواصل النصي... تفكير عميق ورد مناسب

يجدون في المكالمات الصوتية مصدراً للتوتر والضغط الاجتماعي

يفضل أكثر من ثلثي جيل زد الرسائل النصية القصيرة (آن سبلاش)

ملخص

يشجع تصميم منصات التواصل الاجتماعي على النزوع نحو التواصل النصي، مما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز كفاءة التواصل الكتابي على حساب المهارات الشفهية.

يطلق على "جيل زد" (المولودين بين أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية)، لقب المواطنين الرقميين الأصليين، كيف لا وهو الجيل المستيقظ على العصر التقني ووسائل تواصله الاجتماعية الذكية، والطموح في العمل والمنجذب لكل ما يحمل طابعاً شخصياً وإبداعياً، لذا يستخدمون الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية لإنجاز المهمات وحل المشكلات والبحث وطرح الأفكار، ويستثمرون ميزات التكنولوجيا الحديثة في تسريع الأمور الروتينية وصرف تركيزهم على ما يهم فعلاً، لكن يبدو أن لدى أفراد هذا الجيل تفضيلاتهم بما يتعلق بصورة التواصل وآلياته.

تطبيقات المراسلة

القصة كلها تتراءى في وسائل التواصل الاجتماعي، فبحسب الإحصاءات المرتبطة باستخدام تطبيقات المراسلة، ارتفع عدد مستخدمي "تيك توك" من "جيل زد" بين عامي 2020 و2024 بنسبة 82 في المئة، كما شهد "إنستغرام" تحولاً مشابهاً لترتفع نسبة المستخدمين إلى 28 في المئة، إضافة إلى زيادة في الإقبال على ميزة "الريلز".

ووفقاً لنتائج استطلاع رأي أجرته ميتو (Mitto)، واحدة من الشركات الرائدة في توفير حلول الاتصالات العالمية، بحث في سلوكيات المستهلكين وتفضيلاتهم في التواصل عند التفاعل مع علامات التجارة الإلكترونية، وكشف عن أن 90 في المئة من المستهلكين يرون أهمية تفاعل العلامات التجارية معهم عبر قنواتهم المفضلة، سواء أكانت الرسائل النصية القصيرة أم وسائل التواصل الاجتماعي أم تطبيقات الدردشة، وفضل 46 في المئة من المشاركين في الاستطلاع الرسائل النصية على البريد الإلكتروني، في حين ارتفعت هذه النسبة عند دراسة جيلي Z وجيل الألفية، إذ فضل أكثر من ثلثيهم الرسائل النصية القصيرة.

القلق الاجتماعي

والحقيقة أن "جيل زد" يتسمون بأنهم عرضة للقلق، بل إن الصحة النفسية تشكل مشكلة كبيرة بالنسبة إليهم، هم حساسون في التواصل ويحتاجون إلى بيئات عمل داعمة وتعزيز الرضا الوظيفي، لذا يجد هذا الجيل في التواصل عبر المكالمات الصوتية مصدراً للتوتر والضغط الاجتماعي، ومن هنا يلجأ غالبيتهم إلى تجنب الاتصال المباشر واعتماد الرسائل النصية ومنصات المراسلة التي توفرها تطبيقات التواصل الاجتماعي المرفقة بالرموز التعبيرية والصور المتحركة، للحد من القلق الاجتماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من الناحية النفسية، ربما يفضل "جيل زد" الرسائل النصية عموماً لأنها تتيح قابلية أعلى للتحكم وأقل إجهاداً، ومن الناحية الاجتماعية هي تتيح مجالاً للتحكم في التوقيت والرد مع الاحتفاظ بالنشاط الحالي بعيداً من المقاطعة، كما توفر لهم المساحة الكافية لممارسة نشاطات عدة في وقت واحد أثناء إجراء المحادثات النصية، والأهم من هذا كله أنها تتيح فرصة للتفكير وصياغة الرد المناسب.

فاطمة طالبة في كلية الحقوق (21 سنة) تقول "أفضل التواصل باستخدام الرسائل، لأني أشعر غالب الوقت بعدم الرغبة في الكلام عبر الهاتف، وفي حال الاضطرار ألجأ إلى إرسال تسجيل صوتي"، أما جوى زميلتها في الدراسة فتقول "أحرص في معظم الأحيان على أن تكون محادثاتي خاصة ضمن إطار ضيق، وعلى ألا أشرك من حولي بأحاديثي مع الآخرين، لذا أجد في التواصل بعيداً من المكالمات الشكل الأمثل بالنسبة إلي".

بيئة رقمية

وتناول تقرير لجامعة ستانفورد نتائج دراسة هدفت إلى الوصول إلى فهم أفضل لـ"جيل زد"، إذ إن هذا الجيل وبحكم نشأته في زمن التقنيات الأحدث المرتبطة بالإنترنت طور في وقت مبكر بيئة مزودة بأدوات رقمية فعالة سمحت لهم الاعتماد على أنفسهم والتعاون، ومن خلال التعرف في سن مبكرة على الناس والثقافات حول العالم، طوروا بالطريقة نفسها تقديراً أكبر للتنوع وأهمية إيجاد هوياتهم الفريدة.

ربما يشعرون بالأمان أكثر ضمن تفاصيل عالمهم الذي نشأوا عليه، كما تتيح لهم أدواتهم الرقمية تحكماً أعلى، ومن هنا إذا أردنا الوصول إلى أسباب أعمق، نجد أن هذا الجيل نشأ في بيئة رقمية تسيدت فيها الرسائل النصية كصورة للتواصل، شكلت مع الوقت ما يعرف بالتأثير التراكمي.

 

من جهة أخرى يشجع تصميم منصات التواصل الاجتماعي على النزوع نحو التواصل النصي، إذ توفر واجهة سهلة وسريعة، والحقيقة أن هذا التصميم لم يأت من عبث بل استند إلى بحوث معمقة في السلوك البشري لتعزز التفاعل والانخراط المستمر، من خلال توفير جرعات من المكافآت النفسية الصغيرة المترافقة مع كل إشعار، نحن نتحدث هنا عن توفير مجموعة من الحاجات العاطفية والمعرفية لجيل كامل.

التحكم في سير العملية

في وقت ينغمسون فيه في بيئة تتسم بالتبادل المستمر للمعلومات، يظل استقبال المعلومة والتفاعل معها معتمداً على وقت الشخص، لذا ربما ينظر إلى المكالمات الهاتفية على أنها نوع من التدخل في الحرية الشخصية أو نوع من المقاطعة فهي تتطلب استجابة سريعة بغض النظر عما نفعل، وكأن الآخر هو الذي يتخذ قرار التفاعل ووقته وشكله.

 

وربما أعطتهم هذه البيئة الغنية بالوسائل الرقمية الذكية نوعاً من الطبع الذي يتسم بحب السيطرة والتحكم في سير العملية وضمان النتائج، وفي هذا هم كانوا بعيدين من الضغوط النفسية التي كان يفرضها التواصل المباشر، سواء بغرض الدراسة أم التعلم أم التسوق وغير ذلك، وربما شكل حولهم نوعاً من الحدود الشخصية وصبغ تفاعلهم المجتمعي بصبغة خاصة، فالرسائل النصية تتيح لهم صياغة الردود بعناية ومراجعتها وتحريرها وتعديلها قبل الإرسال، على عكس المكالمات المباشرة التي تتطلب تفكيراً سريعاً وسرعة بديهة لاختيار الرد الفوري المناسب.

وبذلك تحوز الرسائل النصية بالنسبة إلى كثيرين على المرتبة الأولى في الكفاءة والسرعة ودقة نقل المعلومات، إضافة إلى أنها تضمن بقاء وجود نسخة موثقة لمراجعتها لاحقاً.

انخفاض المهارات الشفهية

ويؤكد المتخصصون في هذا السياق وجود أخطار من أن يؤدي الاستخدام المستمر للتواصل الرقمي إلى تكيف عقول أفراد هذا الجيل مع المعالجة السريعة للمعلومات البصرية والنصية، مما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز كفاءة التواصل الكتابي على حساب المهارات الشفهية، وقد تؤدي هذه التكييفات العصبية إلى تحول في أولويات المعالجة العصبية، فالمخ البشري مرن يتكيف مع الأدوات والتقنيات السائدة في البيئة المحيطة.

إضافة إلى أنه غالباً ما يؤدي التواصل من خلال الرسائل إلى حدوث سوء فهم ومخاطرة في عدم وصول المقصد الحقيقي من وراء الكلام، فنحن هنا نفتقد للغة الجسد كاملة ونبرة الصوت، كما أن في الرسائل كثيراً من التحجيم لمفهوم التواصل الاجتماعي، والتعاطف بين البشر في لحظات الفرح والحزن وغيرها، كما يمكن أن يؤدي هذا التواصل في بعض الأحيان إلى الاستسهال في إرسال الكلام والتهور في ردود الفعل، وكذلك قد نحتاج إلى إيصال صورة كاملة عن موضوع إلى اعتماد نصوص طويلة وتفاصيل إضافية، وهذا ما يمكن أن يسبب إزعاجاً لمستلمها.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات