ملخص
بانضمام 10 دول من خارج "أوبك" في هذا التحالف، أصبحت تلك الكتلة من الدول المنتجة والمصدرة للنفط تمثل نسبة 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي.
على مدى العقدين الأخيرين، يتكرر كل عام مع أي اضطراب في أسواق الطاقة الحديث عن "نهاية "أوبك""، وأن منظمة الدول المصدرة للبترول فقدت أهميتها لأسواق الطاقة وتوشك على الزوال، وكل مرة يتصاعد ذلك الحديث يدرك العالم أكثر حاجته إلى "أوبك" لضمان استقرار السوق واستدامة المحرك الأول والأهم للنشاط الاقتصادي العالمي: الطاقة.
زادت وتيرة مثل هذا الحديث في الأعوام الأخيرة، وتحديداً منذ ما بعد توقيع اتفاق المناخ بباريس عام 2015 والتوجه نحو تطوير مصادر الطاقة المتجددة بديلاً للنفط والغاز ضمن أهداف مكافحة التغيرات المناخية بوقف انبعاثات الكربون، لكن التحول في مجال الطاقة لم يضعف الطلب على الوقود الأحفوري، والآن مع تراجع كثير من الدول عن سياسات مكافحة التغير المناخي وفي مقدمها الولايات المتحدة، عاد الاعتماد على النفط والغاز بقوة.
على رغم مرور 65 عاماً الآن على تأسيس "أوبك"، فهي ما زالت تجمعاً مهماً والمسهم الأساس في استقرار أسواق الطاقة العالمية وضمان استدامة النشاط الاقتصادي العالمي.
وقبل عقد من الزمن، وسعت "أوبك" مسؤوليتها تلك بالتحالف مع منتجين من خارج المنظمة ضمن ما أصبح يعرف بتحالف ""أوبك"+"، وحافظ ذلك على استمرار أهمية هذا التجمع لمنتجي الطاقة بالنسبة إلى العالم كله، وليس للمصدرين فقط.
"أوبك" واستقرار السوق
كثيراً ما هاجم بعضهم في الغرب، بخاصة في الدول المستهلكة للطاقة، منظمة "أوبك" واعتبروها تكتلاً يستهدف رفع الأسعار لزيادة عائدات الدول المصدرة للبترول الأعضاء فيها، بينما الواقع أن دول "أوبك" تعمل منذ إنشاء المنظمة قبل ستة عقود ونصف العقد على ضمان استقرار معادلة العرض والطلب في السوق، بتأمين الإمدادات مع الحفاظ على الأسعار العادلة من دون أن تنهار نتيجة اختلال تلك المعادلة.
جاء في البند الثالث لوثيقة تأسيس "أوبك" عام 1960، "أن تدرس الدول الأعضاء وتقر نظاماً يضمن استقرار الأسعار عبر وسائل عدة منها تنظيم الإنتاج، مع اعتبار لمصالح الدول المنتجة والمستهلكة وضرورة ضمان دخل ثابت للدول المنتجة، وضمان انسياب فعال ومنتظم لإمدادات هذا المصدر للطاقة للدول المستهلكة، وعائد عادل على رأس المال لمن يستثمرون في صناعة البترول".
خلال أزمة وباء كورونا تبدت أهمية "أوبك" وتحالفها مع المنتجين من خارجها بصورة كبرى، ومع عودة الاقتصادات الكبرى في العالم إلى العمل عقب نهاية إغلاقات كورونا بدأت حملة جديدة على "أوبك"، وهذه المرة قادت الحملة وكالة الطاقة الدولية التي تمثل مصالح مستهلكي الطاقة من الدول الصناعية الكبرى.
لم تعد تهمة "أوبك" إذاً أنها "تتلاعب بأسعار النفط" لمصلحة المنتجين والمصدرين وحسب، بل أيضاً تكرر الادعاء بأن الطلب العالمي على النفط وصل إلى ذروته وسيأخذ في الهبوط، وركزت وكالة الطاقة في تقاريرها الدورية وتصريحات مديرها على الدعوة إلى تحويل الاستثمارات بالمليارات من قطاع النفط والغاز إلى الطاقة المتجددة، وضخمت الوكالة بشدة من أرقام التوقعات المستقبلية التي كان الواقع الفعلي يثبت خطأها باستمرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع مجيء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السلطة مطلع هذا العام، تغيرت سوق الطاقة العالمية وعاد التركيز على الحاجة إلى النفط والغاز.
ومع أن الإنتاج من خارج دول "أوبك" زاد في الأعوام الأخيرة بما قلل من حصة دول المنظمة في سوق النفط العالمية، إلا أن حصتها تظل مهيمنة بما يعزز دورها في الحفاظ على استقرار السوق، إذ ما زالت دول "أوبك" الـ13 حالياً تنتج ما يصل إلى 30 في المئة من إنتاج النفط العالمي.
تحالف "أوبك+" وأهميته
في يونيو (حزيران) 2014 هوت أسعار النفط بشدة وثارت تكهنات كثيرة، معظمها في الغرب ونقلها الإعلام العربي وقتها، حول مستقبل منظمة "أوبك" ودورها في سوق الطاقة العالمية، بل كتب بعضهم أن "أوبك" انتهى دورها وأنها لن تستمر، لكن الأعضاء الكبار في المنظمة أكدوا أنها باقية ولا غنى عنها، بل إن تحالف "أوبك+" الذي يضم الآن أكثر من 20 دولة منتجة ومصدرة للنفط في مقدمها السعودية من "أوبك"، وروسيا من خارجها أصبح هو الضامن الأساس حالياً لاستقرار السوق.
استغرق الأمر عامين من 2014 إلى 2016 حتى اتفقت "أوبك" مع شركائها على تنسيق جهود ضبط توازن السوق وتحديد الإنتاج بما يحفظ تلبية العرض للطلب العالمي من دون فائض معروض كبير يهوي بالأسعار.
وأعلن اتفاق التعاون في بداية 2017، وجرى التوصل إلى الميثاق الرسمي لاتفاق "أوبك" وشركائها ضمن تحالف "أوبك+" في اجتماع بفيينا في يوليو (تموز) عام 2019.
وبانضمام 10 دول من خارج "أوبك" في هذا التحالف، أصبحت تلك الكتلة من الدول المنتجة والمصدرة للنفط تمثل نسبة 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي.
كان القرار الأكبر والأهم لتحالف "أوبك+" في وقت أزمة وباء كورونا حين اتفقت الدول الأعضاء في ربيع عام 2020 على خفض سقف إنتاج المجموعة بنحو 10 ملايين برميل يومياً نتيجة انهيار الطلب العالمي بسبب إغلاق الاقتصادات، وجنب ذلك العالم وأسواق الطاقة تحديداً أزمة كان يمكن أن تؤدي إلى انهيار الأخيرة.
هكذا نجح توسيع "أوبك" لتحالفاتها في ضمان استمرار أهميتها لأسواق الطاقة العالمية، وحافظ على دور المنظمة كلاعب رئيس في سوق الطاقة العالمية يضمن استقراره بالحفاظ على توازن العرض والطلب في السوق.
وعلى رغم التحولات التي حدثت في مجال الطاقة العالمي في الأعوام الأخيرة، فإن العالم أصبح في حاجة أكثر إلى مثل هذا التحالف بين "أوبك" وشركائها لضمان ذلك الاستقرار في السوق.
تغيرات سوق الطاقة ودور "أوبك"
من أهم التغيرات التي شهدتها سوق الطاقة في الأعوام الأخيرة ما حدث نتيجة حرب أوكرانيا وما تلاها من فرض عقوبات على روسيا وحظر الدول الأوروبية استيراد النفط والغاز الروسي بضغط أميركي، وعلى رغم أن المستفيد الأكبر من هذا التغير كانت الولايات المتحدة وشركات الطاقة الكبرى فيها بتوريد النفط والغاز لأوروبا لتعويض مصادر الطاقة ممن روسيا، فإن ذلك لم يكن كافياً لسد الحاجات الأوروبية.
جاء دور تحالف "أوبك" مع شركائها لضمان أن تلك التغييرات في مسارات الإنتاج والتصدير والاستهلاك لا تضر بتوازن معادلة العرض والطلب، وتكيفت الدول الأعضاء في التحالف بسرعة مع متطلبات هذا التغير، سواء بتعديل مسارات التصدير لتجنب أية تخمة معروضة في جانب وعدم تلبية الطلب في جانب آخر، أو بتغيير سقف الإنتاج لضمان توازن العرض والطلب في السوق.
كانت الولايات المتحدة قبل ذلك مباشرة تحولت من مستورد صاف للنفط إلى مصدر صاف مع زيادة إنتاجها ليدور الآن حول 13 مليون برميل يومياً، بل أصبحت من بين كبار المصدرين للنفط بنحو 4 ملايين برميل يومياً تذهب إلى مستوردين في آسيا وأوروبا، وبدأنا نسمع تصريحات مبالغاً فيها عن أن زيادة الإنتاج الأميركي ستتصاعد وأن ذلك سينال بقوة من حصة "أوبك" في السوق بما يقلل من أهمية المنظمة.
ويبدو أن تلك التقديرات للزيادة المستقبلية في الإنتاج النفطي الأميركي كانت مبالغاً فيها، مثل تقديرات وكالة الطاقة الدولية سابقاً لانهيار الطلب العالمي على النفط، فمنذ إدارة الرئيس جو بايدن السابقة كان التقدير بزيادة إنتاج أميركا بنحو 3 ملايين برميل يومياً، ثم جاء الرئيس ترمب ليتحدث عن زيادة الإنتاج بنحو 4 ملايين برميل يومياً.
أما التقديرات الرسمية من الهيئات الأميركية المعنية بالطاقة فلا تصل توقعاتها بزيادة الإنتاج حالياً إلى مليون برميل يومياً، فقطاع الطاقة الأميركي ليس خاضعاً تماماً للإدارة، حتى على رغم تحكمها في منح التصاريح بالتنقيب والاستكشاف وخصخصة الأراضي والشواطئ لذلك، فشركات الطاقة الكبرى شركات خاصة مسؤولة أمام حملة أسهمها، وتضع إستراتيجياتها المستقبلية على أساس تحقيق الأرباح للمساهمين وليس رغبات الحكومة في واشنطن وتمنياتها.
وصلت فورة الغاز والنفط الصخري إلى ذروتها منذ فترة وبدأت في التراجع، إما لنضوب الأحواض التي يستخرج فيها، أو لتوقف الشركات عن الاستكشاف والإنتاج نتيجة ضعف العائدات، وكل تلك التطورات تجعل من "أوبك"، وتحالفها مع الشركاء من خارجها ضمن "أوبك+"، مهمة وضرورية للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية.