Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روسيا تتلقى بـ"مزحة" اتهامات ترمب... فهل تفشل شنغهاي قمة ألاسكا؟

رأى أحد صحافيي الكرملين أن الرئيس الأميركي شعر بالإهانة بعدما شاهد العرض العسكري الذي فاته على رغم أنه كان مدعواً أيضاً للاحتفال

لم تفرض الولايات المتحدة في عهد ترمب ولا حزمة واحدة جديدة من القيود ضد روسيا (أ ف ب)

ملخص

قبل ساعات من نشر رسالته "المؤامرة" على منصة "تروث سوشال"، صرح ترمب لمذيع الراديو سكوت جينينغز بأنه "ليس قلقاً على الإطلاق" في شأن خطر تشكيل "محور صيني - روسي" ضد الولايات المتحدة، تزامناً مع قمة منظمة شنغهاي للتعاون.

اعتبر الكرملين اتهام الرئيس الأميركي دونالد ترمب، روسيا والصين وكوريا الشمالية بالتواطؤ والتآمر على بلاده، "مجرد مزحة"، مشيراً إلى أن الحلفاء يدركون أهمية دور واشنطن في الشؤون الدولية.

ووصف الكرملين إعلان ترمب حول احتمال وجود "مؤامرة" بين موسكو وبكين وبيونغ يانغ بـ"التصريح الساخر"، وأمل مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية يوري أوشاكوف ألا يكون صاحب البيت الأبيض جاداً في كلامه.

وبحسب قوله، فإن قادة روسيا والصين وكوريا الشمالية لا يعتزمون حتى التفكير في تشكيل أي تحالف ضد الولايات المتحدة، لأنهم يدركون تماماً مكانة واشنطن ودورها في العمليات العالمية الحديثة.

وضمن تعليقه على عرض عسكري داخل بكين يوم الثالث من سبتمبر (أيلول) الجاري بمناسبة الذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية، والذي جمع قادة العالم، طلب ترمب من الرئيس الصيني شي جينبينغ أن ينقل أطيب تمنياته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون "لأنكما تتآمران ضد الولايات المتحدة الأميركية"، ولم يوضح الرئيس الجمهوري ما يعنيه.

وكتب الرئيس الأميركي على منصة "تروث سوشال" للتواصل الاجتماعي، طلباً من الزعيم الصيني شي جينبينغ بنقل تحياته إلى ضيوفه رفيعي المستوى من روسيا وكوريا الشمالية، مشيراً إلى دور الجيش الأميركي في إنهاء الحرب العالمية الثانية.

الكرملين: كلام مجازي!

وأعرب السكرتير الصحافي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف عن أمله في أن يكون ترمب كتب عن "مؤامرة" روسيا وكوريا الشمالية والصين ضد الولايات المتحدة مجازياً، وألا يكون لدى أي من الأطراف مثل هذه الخطط.

وأضاف "دعونا نأمل في أن يكون ذلك مجازياً وليس حرفياً، وبخاصة أن أحداً لم يكن يخطط لأي شيء".

وقبل ساعات من نشر رسالته "المؤامرة" على منصة "تروث سوشال"، صرح ترمب لمذيع الراديو سكوت جينينغز بأنه "ليس قلقاً على الإطلاق" في شأن خطر تشكيل "محور صيني - روسي" ضد الولايات المتحدة تزامناً مع قمة منظمة شنغهاي للتعاون. وأعرب عن ثقته في أن أياً من البلدين لن يستخدم جيشه ضد الولايات المتحدة. وفي رأيه، سيكون ذلك "أسوأ ما يمكن أن يفعلاه".

ووصفت وكالة "رويترز" على وجه الخصوص زعماء روسيا وكوريا الشمالية وإيران المجتمعين حول شي جينبينغ بـ"المحور"، على رغم تجنب شي جينبينغ الإشارة المباشرة إلى الولايات المتحدة في خطابيه خلال استعراض بكين وقمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين، أثناء تطرقه إلى فكرة بناء "عالم متعدد الأقطاب متساوٍ ومنظم"، وإشارته إلى أن البشرية الآن "مضطرة مجدداً للاختيار بين السلام والحرب، والحوار والمواجهة".

قال الرئيس شي أيضاً إن "الأمة الصينية عظيمة" ولا يمكن ترهيبها. ولم يسم دولاً أو خصوماً محددين. لكن شبكة "سي أن أن" التلفزيونية الأميركية أشارت إلى أن المسؤولين الصينيين كثيراً ما انتقدوا الولايات المتحدة في الماضي ووصفوها بالمعتدية، ودانوا "الهيمنة الغربية".

ورأى الصحافي في الكرملين ألكسندر يوناشيف أن الرئيس الأميركي شعر بالإهانة بعدما شاهد العرض العسكري الرائع الذي فاته على رغم أنه "كان بإمكانه الوقوف في المدرجات إلى جانب زعماء العالم"، كون ترمب كان مدعواً أيضاً للاحتفال.

علاقات متأرجحة فوق نصل السيف

يقول مثل روسي إنه في كل هزل مازح هناك نوع من الجد بين الكلمات، فمهما يكن من أمر اتهامات ترمب لروسيا والصين وكوريا الشمالية، وسواء كانت مجازية أو على سبيل المزاح والسخرية، فإنها تعكس واقع أزمة العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين الصين وروسيا وكوريا الشمالية من جهة ثانية، على رغم أن الزعيمين الروسي والأميركي فلاديمير بوتين ودونالد ترمب حافظا منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي، على اتصالات مكثفة عبر الهاتف والمراسلات التي شملت وسطاء.

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مصادر في الإدارة الأميركية، أن الحوار بين بوتين وترمب بناء، على رغم الخلافات المستمرة بين موسكو وواشنطن في شأن قضايا رئيسة.

ويقول مسؤولون أميركيون إن المحادثات غالباً ما تكون ودية، وقد تستمر لساعات نظراً إلى شرح الموقف الروسي بالتفصيل وضرورة الترجمة. وتضيف المصادر أن ترمب على رغم أسلوبه الاندفاعي في التواصل يتحلى بالصبر ويستمع باهتمام إلى حجج نظيره الروسي.

فإضافة إلى الأزمة الأوكرانية الملتهبة، يناقش رئيسا الدولتين آفاق التعاون الاقتصادي وتسوية القضايا الدولية الخلافية. ووفقاً لمصادر الصحيفة، يدافع بوتين باستمرار عن مطلب الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم ودونباس. من جانبه، يعرب ترمب عن اهتمامه بتطبيع العلاقات الثنائية.

وأكد وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو إمكانية إجراء مكالمة هاتفية أخرى بين رئيسي الدولتين خلال الأيام المقبلة، على رغم عدم تحديد موعد بعد. رسمياً، عقدت ست محادثات بين الزعيمين منذ فبراير (شباط) الماضي.

علاقات عامة ينقصها الود

صحيفة "ميركور. دي" الألمانية نقلت عن مصادر مقربة من الكرملين أن الرئيس الروسي يشعر بعدم الرضا وخيبة الأمل من الطريقة التي تتطور بها تفاعلاته مع نظيره الأميركي.

وأضافت نقلاً عن مسؤول سابق رفيع المستوى في الكرملين "بينما يشعر الكرملين بخيبة أمل وغضب لعدم نجاح الأمور مع ترمب، ستستكمل موسكو التواصل مع واشنطن"، فهم لا يرون في الخلاف حلاً نهائياً.

وذكرت الصحيفة ضمن تعليقها، أن رئيس الاتحاد الروسي يعد زميله عاطفياً وسهل التأثر، وأن المهل التي يحددها رئيس البيت الأبيض لا تثير على الإطلاق إعجاب بوتين الذي يعلي، وفقاً للمصدر، من شأن تحقيق الأهداف المرسومة في أوكرانيا على رغم تهديدات ترمب. خلال الوقت نفسه، زعمت الصحيفة أن الرئيس الروسي يتوقع أن "تحافظ موسكو على نفوذها على الرئيس الأميركي".

ما الذي استثار ترمب؟

بحسب تحليل لشبكة "سي أن أن"، فإن تجمع "القوى المعادية للغرب" في استعراض عسكري ببكين ليس مجرد استفزاز، بل هو تحذير مبكر من أن سياسات الرئيس الأميركي في فرض مزيد ومزيد من الرسوم الجمركية وتسلطه على الدول الأصغر وتعزيز القومية، قد تأتي بنتائج عكسية.

وقامت القناة التلفزيونية الأميركية بتحليل عواقب العرض العسكري الباذخ في الصين وتوحيد زعماء العالم المناوئين في بكين.

وأشارت إلى أن ترمب غاضب من صداقة الصين مع "أصدقائه الأقوياء" - زعيمي روسيا وكوريا الشمالية – لذلك اتهمهم بـ"التآمر" ضد الولايات المتحدة.

وقالت "إن منشور ترمب الأخير على منصة ’تروث سوشال‘ يعني شيئاً واحداً، إذا كان الهدف من التجمعين الكبيرين للزعماء المناوئين وخصوم الولايات المتحدة وحلفائها السابقين، هو إهانة الرئيس الأميركي شخصياً، فقد "نجحا مثل السحر".

وأضافت الشبكة التلفزيونية "لقد أبرز ذلك عبثية محاولات ترمب لكسب وسحر الأقوياء بمهاراته في عقد الصفقات، وادعاءاته بأن علاقاته الوثيقة المفترضة مع هؤلاء القادة يمكن أن تكون حاسمة".

وعدت شبكة "سي أن أن" أنه "على رغم لقاء ترمب الديكتاتور الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا الشهر الماضي، فإن استقباله الصاخب على السجادة الحمراء لم يحرز أي تقدم حتى الآن نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا، كما باءت اجتماعات الرئيس الأولى مع الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالفشل".

وكما ذكرت شبكة "سي أن أن"، فإن العرض العسكري الكبير للصين أقيم خلال لحظة دولية متوترة، إذ سعت "القوة العظمى الآسيوية الجديدة" إلى الاستفادة من السياسة الخارجية غير المتوقعة لترمب، والتي دمرت سمعة الولايات المتحدة باعتبارها "قوة عظمى موثوقة".

"كان غضب ترمب مثيراً للسخرية لأن الأيام القليلة الماضية داخل الصين كانت مليئة بنوع المشهد الذي يحبه"، كما جاء في المقالة.

فقد أقام الرئيس الصيني شي جينبينغ عرضاً عسكرياً ضخماً خلال الثالث من سبتمبر الجاري (أمس الأربعاء) إحياءً للذكرى الـ80 لهزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. وكان الهدف من هذا الحدث تسليط الضوء على دور الصين كلاعب رئيس في النظام العالمي الحديث، وإعادة النظر في الرواية التقليدية للحرب العالمية الثانية. ومن بين الأسلحة التي عرضتها الصين الصاروخ الباليستي العابر للقارات DF-5C والطائرة من دون طيار تحت الماء AJX002 وعينات من أسلحة الليزر.

وذكرت أنه لذلك رد ترمب على الحدث بنشر رسالة على موقع التواصل الاجتماعي، متهماً الصين وروسيا وكوريا الشمالية بالتآمر ضد أميركا.

 وإضافة إلى ذلك، خلال الأول من سبتمبر الجاري التقى الرئيس الروسي الزعيم الصيني ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين الصينية، وهذا ما استثار ترمب أكثر وأكثر.

اللقاء المؤجل بين ترمب وبوتين

أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن الجانب الروسي يتوقع زيارة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب للبلاد، رداً على زيارة بوتين لأميركا.

وصرحت زاخاروفا في المنتدى الاقتصادي الشرقي "قال رئيس بلادنا هذا في معرض تلخيصه لمشاركته في قمة ألاسكا. وأدلى بالتصريحات ذات الصلة. ويمكنني أن أنقل عنه قوله، لقد دعا الرئيس الأميركي علناً لزيارة روسيا".

وفي ردها على سؤال توضيحي حول المواعيد المحتملة لزيارة ترمب، أوضحت زاخاروفا أن "هذه مسؤولية الإدارة الرئاسية". وأضافت "أما بالنسبة إلى بقية التفاصيل، فهذا الأمر يعود للإدارات الرئاسية في بلدنا والولايات المتحدة".

وخلال أغسطس (آب) الماضي وضمن مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الروسي عقب اجتماع في أنكوريج، رد ترمب على دعوة لزيارة موسكو بالقول إنه يعد ذلك ممكناً.

وفي الأسبوع الذي سبق قمة "شنغهاي" أشيع أن ترمب وبوتين والرئيس الصيني قد يجتمعون في الصين مطلع سبتمبر الجاري. وقد تتزامن زيارة الزعيمين الروسي والأميركي لبكين مع الذكرى الـ80 لانتهاء الحرب العالمية الثانية.

لكن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف ذكر أنه لم تكن هناك مناقشات محددة ومؤكدة حول اجتماع محتمل لرؤساء الدول في الصين. وقال "يجهز الرئيس بوتين لهذه الرحلة. لم نسمع أية تصريحات من واشنطن تشير إلى استعداد الرئيس ترمب لهذه الرحلة، وتحديداً هذه الاجتماعات".

وبدوره قال ترمب، متحدثاً عن لقائه المحتمل مع بوتين "قد نعقد اجتماعات عدة، وسنقرر". وخلال الوقت نفسه، أكد تلقيه دعوة لزيارة بكين.

وبعد امتناعه عن زيارة بكين، توقع الرئيس الأميركي إجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي بوتين خلال الأيام المقبلة واتخاذ قرار في شأن خطوات أخرى تتعلق بروسيا وأوكرانيا. وأعلن الزعيم الأميركي ذلك أثناء إجابته عن أسئلة الصحافيين في بداية اجتماع مع الرئيس البولندي كارول ناوروكي داخل البيت الأبيض.

وقال ترمب رداً على أسئلة الصحافيين في بداية اجتماعه "سأتحدث معه [بوتين] قريباً جداً. وسأفهم بصورة عامة ما سنفعله". وأعرب عن ثقته في أن الولايات المتحدة اتخذت سابقاً "إجراءات حاسمة للغاية" في سياق التسوية داخل أوكرانيا.

قال "سأتحدث معه [بوتين] خلال الأيام القليلة المقبلة، وسأعرف بالضبط ما يجري". وأضاف الرئيس الأميركي "أريد أن يتوقف كل هذا"، متحدثاً عن الصراع الأوكراني، "أعتقد أن الحل سيكون جيداً".

وأضاف الرئيس الأميركي "توقفنا عن تقديم الأموال [لأوكرانيا]. نرسل أسلحة إلى [دول أخرى]، وإلى حلف ’الناتو‘، وهم يدفعون ثمنها بالكامل". وفي حديثه عن دعم واشنطن لكييف، أكد قائلاً "أنفق [الرئيس الأميركي الـ46 جو] بايدن 350 مليار دولار بغباء شديد. هذا أحد أسباب اندلاع كل هذا". ووصف ترمب تصرفات بايدن بأنها "سبب رئيس" للصراع.

موقف الرئيس الأميركي تجاه نظيره الروسي متقلب. أخيراً، انتقد ترمب بوتين مرات عدة، واصفاً إياه بـ"الرجل القوي"، ومع ذلك أشار إلى أنهم "يسمعون كثيراً من الهراء" من الزعيم الروسي. وبعدها سمح لنفسه خلال الوقت عينه بالإشادة ببوتين، قائلاً إنه يعتقد أنه "شخص محترف".

موقف ترمب الذي صار أكثر تشدداً تجاه روسيا خلال الأسابيع التي أعقبت قمة ألاسكا، والذي نلاحظه حالياً، يجري تفسيره في الغرب من خلال تأثير وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.

على رغم توافر الكيمياء الشخصية بين بوتين وترمب، فإن قمة ألاسكا كانت أول لقاء مباشر بينهما منذ عودة الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض وبدء الهجوم الروسي الشامل لأوكرانيا. وكان آخر اتصال هاتفي بينهما على هامش قمة مجموعة الـ20 في أوساكا باليابان خلال يونيو (حزيران) 2019، وتحدثا هاتفياً مرات عدة منذ إعادة انتخاب ترمب. الرئيس الأميركي، الذي أشاد في البداية بهذه المحادثات، أبدى لاحقاً خيبة أمله لعدم تأثيرها في مسار حرب روسيا ضد أوكرانيا، حتى إنه وصفها بأنها "بلا معنى".

بوتين بدوره لم يزر الولايات المتحدة منذ عام 2015، حين سافر إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولقاء الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وخلال عام 2021 التقى سلف ترمب، جو بايدن، ولكن ليس في الولايات المتحدة بل في سويسرا.

تهديدات ترمب تزعج بوتين ولا تقنعه

رئيس البيت الأبيض هدد مراراً وتكراراً بفرض عقوبات على روسيا وشركائها التجاريين في حال عدم التوصل إلى اتفاق سلام في شأن النزاع الأوكراني، وقال قبل قمة ألاسكا إنه خلال 50 يوماً ستُفرض عقوبات مناسبة على الاتحاد الروسي وشركائه، ثم خفض هذه المهلة إلى 12 يوماً. ومع ذلك أكد ترمب أنه لا يرغب في اتخاذ مثل هذه الخطوة، ويأمل في أن تتمكن الأطراف من التوصل إلى اتفاق.

واتهم ترمب روسيا أيضاً بـ"الكلام الفارغ" حول حل الوضع في أوكرانيا.

وخلال وقت لاحق، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الرئيس الأميركي يريد أن يتخذ شخصياً القرارات في شأن العقوبات ضد روسيا.

لكن في الواقع، لم تفرض الولايات المتحدة في عهد ترمب ولا حزمة واحدة جديدة من القيود ضد روسيا، لم تدعم العقوبات التي فرضتها مجموعة السبع خلال فبراير الماضي في ذكرى الحرب، أو القيود الجديدة التي فرضتها بريطانيا، أو خفض سقف سعر النفط الروسي الذي وافق عليه الاتحاد الأوروبي خلال يوليو (تموز) الماضي.

وهذا الأمر جعل الديمقراطيين الأميركيين يسجلون نقاط ضعف ضد ترمب، ويتحدثون بسخرية عن أن الرئيس الجمهوري "قرر الرد على الضربات الروسية على كييف بمنشور على مواقع التواصل الاجتماعي". والآن، وسط تصفيق شخصي عقب قمة ألاسكا، صرح ترمب بأنه لا ينوي فرض عقوبات جديدة على روسيا وشركائها التجاريين، مع أنه قال على متن طائرته، متوجهاً للقاء بوتين، إنه سيكون مستاءً إذا لم يُتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

فشل غير معلن

بعد ثلاث ساعات من المفاوضات بين الرئيسين الأميركي والروسي في ألاسكا، عاد ترمب إلى واشنطن من دون أية نتيجة. وقال مدارياً فشله بعد المحادثات "لا وجود للاتفاق إلا عند التوصل إليه". وهو ما يمكن تفسيره على أنه اعتراف منه بأنه وبوتين لم يتفقا على وقف إطلاق النار خلال الوقت الراهن. وأضاف "لم نصل إلى هذه النقطة بعد".

بعد الاجتماع، أجرى ترمب مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" أوضح فيها موقفه بصورة طفيفة. وأعلن أن بوتين يريد "حل المشكلة"، وأن روسيا وأوكرانيا على وشك التوصل إلى اتفاق. لكن ترمب لم يوضح بنود هذا الاتفاق، أو ما وافق عليه بوتين.

ومع ذلك، صرح بأن "الأمر متروك الآن للرئيس زيلينسكي". وأبدى الرئيس الأميركي استعداده لترتيب لقاء بين بوتين وزيلينسكي. وقال "حالياً، روسيا وأوكرانيا سترتبان لقاءً بين الرئيس زيلينسكي والرئيس بوتين. ولا أعتقد أنني طلبت منهما ذلك أصلاً. ليس الأمر أنني أريد الحضور، بل أريد التأكد من إتمامه". ولم يتضح من هذه الكلمات من سينظم اللقاء - موسكو أم كييف.

وقال ترمب أيضاً إنه اتفق مع بوتين على أمور كثيرة تتعلق بضمانات أوكرانيا الأمنية. وأضاف أنه نصح زيلينسكي بالموافقة على اتفاق مع بوتين "روسيا دولة قوية جداً، وهم ليسوا كذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب المسؤول الكبير السابق في وحدة الاستخبارات المشتركة بمقر حلف شمال الأطلسي إدوارد رونغ، فمن المهم أن ترمب لم يوافق على مناقشة "تبادل الأراضي الأوكرانية"، ولم يسمح للوفد الروسي بتوسيع جدول أعمال الاجتماع.

وصرح رونغ "قدمت روسيا، في الأقل داخلياً، الاجتماع على أنه نقاش حول قضايا أوسع بكثير من الحرب في أوكرانيا. أما من الجانب الأميركي، فكان الأمر واضحاً تماماً، أوكرانيا هي البند الوحيد على جدول الأعمال".

وقال الدبلوماسي الأميركي المخضرم دانيال فريد الذي قضى 40 عاماً في وزارة الخارجية، بما في ذلك الإشراف على العلاقات الأميركية - الروسية، "الخبر السار هو أنه لم يُتوصل إلى اتفاق سيئ بالنسبة إلى أوكرانيا، وهذا هو المكان الذي تنتهي فيه الأخبار السارة".

ويقول فريد إن المشكلة تكمن في أن بوتين لم يقدم أية تنازلات لنظيره الأميركي في قمة ألاسكا "حاول ترمب أن يظهر الأمر بصورة جيدة، لكن ليس واضحاً ما أنجزه". ويضيف الدبلوماسي المتقاعد أنه من غير الواضح سبب عقد القمة أصلاً. "انبثقت الفكرة من تقرير [المبعوث الأميركي الخاص ستيف] ويتكوف الخاطئ بأن الكرملين مستعد للتوصل إلى اتفاق. إما أن بوتين ضلل الجميع أو أن ويتكوف أساء فهمه، لكن روسيا لم تكن مستعدة للتوصل إلى اتفاق".

حلاوة من طرف اللسان فقط

الصحافيون الذين رافقوا الرئيسين إلى أنكوريج كانوا يتوقعون مؤتمراً صحافياً يسألون فيه عن نتائج القمة، لكن يبدو أن بوتين الذي نادراً ما يتواصل مع هذا العدد الكبير من المراسلين المستقلين الموجودين في ألاسكا رفض ذلك، واكتفى خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب القمة، بقراءة خطاب مطول من ورقة، مشيداً بترمب.

قال بوتين "اليوم نسمع الرئيس ترمب يقول لو كنت رئيساً، لما اندلعت حرب. أعتقد أن ذلك كان سيحدث بالفعل. أؤكد ذلك، لأنني والرئيس ترمب بصورة عامة، بنينا علاقات جيدة جداً، عملية، مبنية على الثقة. ولدي كل الأسباب للاعتقاد أنه بالمضي قدماً في هذا المسار، يمكننا التوصل - وكلما أسرعنا كان ذلك أفضل - إلى نهاية للصراع في أوكرانيا".

ورد ترمب الذي تلقف الحلاوة من طرف لسان بوتين بنداء زميله باسمه المألوف مرات عدة - ببساطة فلاديمير.

على رغم شغفه بالتحدث أمام الجمهور والتعامل مع الصحافة، بدا أن ترمب يتجنب الإجابة عن أسئلة الصحافيين. بعد انتهاء خطابيهما، انصرف الرجلان متجاهلين الصحافيين الذين كانوا يصرخون بأسئلتهم خلفهما. وفسر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قرار عدم المشاركة في المؤتمر الصحافي بالقول إن الزعيمين أدليا بتصريحات مستفيضة.

لم يتضح بعد كيف ينبغي تفسير هذه القمة بالنسبة إلى أوكرانيا وأوروبا، وصرح عالم السياسة يفغيني روشين قائلاً "من ناحية، لم يلق ترمب بتصريحات يصعب التراجع عنها، ولم يقرر أي شيء يخص أوكرانيا وأوروبا". وأضاف الخبير "لكن ربما يريد الاتفاق معهم على أمر لن يعجبهم".

وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق للشؤون الأوروبية جيمس أوبراين "كان ترمب في حاجة إلى اجتماع، ووعد بعقد مزيد من الاجتماعات ليبقى محط الأنظار. وهذا ما حصل عليه". وأضاف أن الفرصة سانحة الآن أمام بوتين ليحقق ما يريده، لكن لم يتضح بعد رأي ترمب في الأمر، أو ما إذا كان سيعيد النظر في موقفه.

ويعتقد المتخصص إدوارد رونغ أن ترمب لم يعجب ببوتين في الاجتماع، وأضاف "ربما كان هذا هو أكبر مخاوفي، أن يعجب بوتين بترمب. ترمب عفوي، ويمكن إقناعه باتخاذ قرار أو تقديم تنازل".

ويرى المتخصص السياسي يفغيني روشين أن بوتين تحدث مرة أخرى عن "الأسباب الجوهرية" للحرب على أوكرانيا، "هذا يعني أنه خلال الاجتماع حاول مرة أخرى العودة إلى هذه المحادثة، على وجه الخصوص، إلى موضوع توسع ’الناتو‘، من الواضح أن بوتين عنيد".

وصرح الرئيس الأميركي بأنه من بين أمور أخرى، تمت مناقشة "نقطة بالغة الأهمية"، من دون تحديد ماهيتها. كل هذا يشير بوضوح إلى أن بوتين لم يتخل عن رغبته في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم.

كثيراً ما أبدى الرئيس الروسي إعجابه بالاتحاد السوفياتي ورغبته في العودة إلى نموذج العلاقات الدولية الذي تقسم فيه الدول الكبرى العالم إلى مناطق نفوذ. يشكل هذا المطلب ضربة قاصمة لنظام الأمن الأوروبي الحالي. بالنسبة إلى أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) من دول البلطيق وأوروبا الشرقية، فإن قبول هذا المبدأ لن يعني هزيمة أوكرانيا فحسب، بل سيشرع فكرة أن الجيران الأقوياء يستطيعون فرض شروطهم وإخضاع سيادة الدول الأصغر.

يحاول بوتين مجدداً استغلال الحرب في أوكرانيا ليس فقط كنزاع إقليمي، بل أيضاً كأداة لإعادة صياغة هيكل السياسة العالمية. ويسعى إلى ضمان حق روسيا في التأثير في البنية الأمنية للدول الغربية.

يؤكد خطاب بوتين في ألاسكا، الذي أكد فيه قرب روسيا والولايات المتحدة جغرافياً، هذه الفرضية "مع أن المحيطات تفصلنا، إلا أن بلدينا في الواقع جاران قريبان. عندما التقينا، ونزلنا من الطائرة، قلت، مساء الخير يا جاري العزيز. من دواعي سروري رؤيتك بصحة جيدة وعلى قيد الحياة. وهذا يبدو جاراً كريماً، في رأيي، ولطيفاً للغاية. لا يفصلنا سوى مضيق بيرينغ".

وقال المتخصص السياسي روشين "ترمب لم يعد بوتين بأي شيء في ما يتعلق بتطبيع العلاقات، نعم، لقد استقبله على أعلى مستوى في الولايات المتحدة، وهذا مهم لبوتين، لكن هذا لا يمكن وضعه على الخبز لأكله، ولا يمكن تحويله إلى عملة صعبة". وأضاف المتخصص دانيال فريد "على ترمب أن يكف عن التظاهر بأنه أحرز تقدماً إذا لم يكن هناك تقدم"، وربما هذا ما فجر غضبه، ووضع العلاقات الروسية - الأميركية مجدداً أمام اختبار معقد وصعب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير