ملخص
تشعر الولايات المتحدة ببعض القلق حيال تمدد "منظمة شنغهاي" وتوسع النفوذ الصيني بها، لكنه قل ق محدود في النهاية بالنظر إلى المشكلات والعوائق التي يمكن أن تواجه المنظمة وتحد من أهمية توسعها وبسط نفوذها حول العالم.
مع تعمد بكين الإبهار في استعراضها العسكري عبر عرض أحدث ابتكارات أسلحتها وسط حضور نادر من25 زعيماً عالمياً، بينهم قادة روسيا وكوريا الشمالية وإيران، يرسخ الزعيم الصيني استراتيجيته التي أعلنها في قمة "منظمة شنغهاي" للتعاون بتعزيز عالم متعدد الأقطاب خلال عشر سنوات، في تحد واضح لهيمنة الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وفي وقت توترت العلاقة بين أميركا وعديد من دول العالم بسبب الحرب التجارية وسياسة العقوبات. فهل تنجح استراتيجية بكين أم يصعب تنفيذها على أرض الواقع؟ وما الدور الذي يمكن أن تضطلع به واشنطن في مواجهة هذه الاستراتيجية؟
قوة عسكرية عظمى
يشير إحياء الصين ذكرى هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عبر عرض لأحدث أسلحتها من صواريخ باليستية عابرة للقارات ومقاتلات ودبابات جديدة، ليس فقط إلى إذكاء الفخر الوطني وإظهار الثقل الدبلوماسي لبكين، بل أيضاً إلى تقديم دليل واضح على أن الصين أصبحت قوة عظمى إقليمية قادرة على تحقيق هدفها في بناء جيش عالمي الطراز للدفاع عن نفسها من المعتدين الخارجيين مثل الولايات المتحدة، كما يقول المتخصص في مركز "تحليل الصين" التابع لجمعية "آسيا" نيل توماس، كذلك تظهر مشاركة25 قائد دولة معظمهم شاركوا في قمة "منظمة شنغهاي" للتعاون، الجاذبية التي تتمتع بها الصين حول العالم مع دول تسعى إلى بناء علاقات دبلوماسية واقتصادية أفضل مع بكين.
ويبدو أن عديداً من الأسلحة الجديدة التي تم الكشف عنها في العرض العسكري مصممة لتعزيز قدرات الصين على غزو تايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تطالب بها بكين، إذ تشمل هذه الأسلحة صواريخ فرط صوتية (هايبرسونيك) مضادة للسفن، والتي ربما تعيق محاولات البحرية الأميركية الدفاع عن تايوان، وطائرات مسيرة مقاتلة قد تمكن الجيش الصيني من التنقل بشكل أفضل في التضاريس الجبلية التايوانية، ما يوضح رغبة القادة الصينيين في استعراض القوة وإبراز قوة جيشهم في وقت تسعى بكين إلى زيادة نفوذها الدولي في مختلف المجالات.
خطط تحدي أميركا
لم يكن الاستعراض العسكري الصيني هو الدليل الوحيد على سلوك بكين المتغير حيال الغرب، فقبل يوم واحد، وضع الرئيس الصيني شي جينبينغ خططاً لنظام عالمي جديد يتحدى هيمنة الغرب بقيادة الولايات المتحدة خلال قمة "منظمة شنغهاي" للتعاون التي استضافتها مدينة تيانجين في شمال الصين، حيث انتقد في حضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ما وصفه بالسلوك المتسلط وعقلية الحرب الباردة للدول الأخرى، وهي كلمات بدت وكأنها هجوم على دونالد ترمب وحربه الجمركية ضد بكين وحلفائها بعدما تبادلت الصين والولايات المتحدة فرض رسوم جمركية تجاوزت100 في المئة، قبل أن تتفقا على خفضها موقتاً ريثما تجرى مفاوضات تجارية، كذلك هدد الرئيس ترمب بوتين بفرض رسوم جمركية مرهقة إذا لم يبرم اتفاق سلام مع أوكرانيا، وفرض على الهند رسوماً جمركية بنسبة50 في المئة لمعاقبتها على شرائها النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة.
وبمطالبته اتخاذ موقف واضح ضد الهيمنة وسياسات القوة، وممارسة تعددية أطراف حقيقية، استعرض الرئيس الصيني رؤيته لنظام عالمي بديل يعطي الأولوية لدول الجنوب العالمي، ومشاركتها على قدم المساواة في الحوكمة العالمية، ومن أجل تعزيز هذه الرؤية أوضح الرئيس شي عزمه تعظيم النفوذ الصيني في الدول الفقيرة، وكشف عن خطط لإنشاء بنك تنمية تديره "منظمة شنغهاي"، ومنصة تعاون للصناعات الخضراء وصناعات الطاقة، وقروض بقيمة 1.4 مليار دولار أميركي لأعضاء المنظمة، كذلك مهد الطريق أيضاً أمام الدول الأعضاء العشر في "منظمة شنغهاي" لاستخدام نظام (بيدو) الصيني للأقمار الاصطناعية، وهو بديل لنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس) الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
أكبر منظمة في العالم
لكن فيما تريد بكين وموسكو آليات تسوية تجارية تتجنب الدولار الأميركي واليورو، بعد أن أثرت العقوبات الغربية على أنظمة الدفع والبنوك الصينية وتسببت في الإضرار بالتجارة الروسية، يسعى البلدان إلى تعظيم نفوذهما وتحدي الغرب بقيادة أميركا عبر بوابة "منظمة شنغهاي" للتعاون، التي تأسست عام2001 كتكتل أمني أوراسي يضم الصين وروسيا وثلاث دول من آسيا الوسطى هي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ثم توسعت لتضيف مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري، وضمت كلاً من الهند وباكستان وإيران وبيلاروس وأوزبكستان، فضلاً عن14 دولة أخرى من آسيا وأوروبا وأفريقيا، تتمتع بصفة شركاء حوار، وهو تصنيف يمكن أن يؤدي في النهاية إلى وضع مراقب أو عضوية كاملة، وهي أرمينيا وأذربيجان والبحرين وكمبوديا ومصر والكويت وجزر المالديف وميانمار ونيبال وقطر والسعودية وسريلانكا وتركيا والإمارات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد "منظمة شنغهاي" للتعاون منظمة فريدة من نوعها، فهي ليست تحالفاً تقليدياً للدفاع المشترك، ولا مؤسسة اقتصادية متعددة الجنسيات، لكنها أكبر منظمة إقليمية في العالم من حيث عدد السكان والجغرافيا والناتج الاقتصادي المجمع، كذلك لديها أجندة أكثر شمولاً من معظم المنظمات الإقليمية، إذ تشمل القضايا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى رغم أن تركيزها الجغرافي أضيق من بعض المنظمات والمجموعات الأخرى، فإنها أصبحت واحدة من أبرز المؤسسات غير الغربية التي تربط روسيا بالصين والهند وشركاء آخرين.
وعلى رغم أن الحكومات الأعضاء ليست جميعها معادية للغرب، فإن المنظمة أصبحت في الأساس كتلة من الدول غير الغربية ذات علاقات واسعة مع روسيا والصين، مما يجعل موسكو وبكين تستفيدان من "منظمة شنغهاي" كواجهة جيوسياسية للنهج غير الغربي في التعامل مع القضايا الدولية، كما تشير ورقة بحثية لـ"معهد هدسون" في واشنطن.
ليست تحالفاً دفاعياً
غير أن ما يطمئن الولايات المتحدة أن الدول العشر الأعضاء ليسوا تحالفاً دفاعياً، حيث ينفي قادة "منظمة شنغهاي" باستمرار أية نية لإنشاء نسخة أوراسية من منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ تؤكد المادة الرابعة من معاهدة الصداقة والتعاون للمنظمة، الموقعة في أغسطس (آب) 2007، على أن الأطراف المتعاقدة لن تشارك في تحالفات أو منظمات موجهة ضد أطراف متعاقدة أخرى، ولن تدعم أية أعمال معادية لها، ولهذا ظلت "منظمة شنغهاي" رسمياً منظمة أمنية، أي منظمة تركز على مكافحة التهديدات العابرة للحدود الوطنية غير الحكومية مثل الإرهاب، بدلاً من أن تصبح هيكلاً دفاعياً جماعياً مثل حلف الـ"ناتو"، أي منظمة تمتلك قدرات لشن حروب تقليدية ضد دول غير أعضاء، وهي تركز بدلاً من ذلك على تدابير بناء الثقة، وتعزز الرقابة على الحدود، وتسهل التعاون في مجال إنفاذ القانون والاستخبارات ضد التهديدات العابرة للحدود.
ولا يجيز ميثاق "منظمة شنغهاي" للتعاون عمليات الدفاع الجماعي، كما تفتقر المنظمة إلى قوات عسكرية مخصصة، أو هيكل قيادة متكامل، أو هيئة تخطيط مشتركة، لكن أية عملية عسكرية كبيرة متعددة الجنسيات يشارك فيها الأعضاء تحت رعاية المنظمة يجب أن تنطوي على جهد مخصص من جيوشهم الوطنية.
وفي حين أن "منظمة شنغهاي" للتعاون ليست تحالفاً دفاعياً مشتركاً بالمعنى التقليدي، فإن عديداً من التدريبات العسكرية الصينية الروسية مع شركاء من آسيا الوسطى أجريت تحت رعايتها، مما ساعد على تطوير الاتصالات، وتحسين الكفاءة العملياتية، وتعزيز قابلية التشغيل البيني، وإظهار قدرات الردع للمراقبين الخارجيين، كما أنشأت "منظمة شنغهاي" أولى تدابير بناء الثقة العسكرية وشبكات مكافحة الإرهاب المتعددة الأطراف بين حكومات الدول الأعضاء، ومع ذلك توقفت المنظمة عن إجراء سلسلة مناوراتها العسكرية المتعددة الجنسيات المعروفة باسم "مهمة السلام"، منذ أن شنت روسيا غزوها الشامل على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، بينما واصلت تدريبات أخرى بشكل غير منتظم.
استفادة الصين وروسيا
لكن الحكومة الروسية ترحب بـ"منظمة شنغهاي" كهيكل متعدد الجنسيات غير غربي قادر على تعزيز أهدافها الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية، ذلك أن المشاركة في المنظمة ترتقي بمكانة روسيا الدبلوماسية، وتساعدها على السعي لتحقيق التكامل الاقتصادي في آسيا، وتدعم دعوتها إلى نظام أمني أوراسي مستقل عن الغرب، ومن خلال هذه المنظمة تستطيع الصين أيضاً السعي لتحقيق أهدافها الاقتصادية والأمنية المتشابكة في آسيا الوسطى ضمن هيكل تعاوني متعدد الأطراف لا يعطل مبادراتها الإقليمية الأخرى.
ويقتصر التعاون الأمني على مكافحة الإرهاب والقوى الانفصالية وقوى التطرف السياسي، وذلك وفقاً لـ"اتفاقية شنغهاي" الموقعة عام 2001، والتي تلزم الأعضاء بمكافحة ثلاث قوى شريرة هي الإرهاب الدولي، والانفصالية العرقية، والتطرف السياسي.
غير أن روسيا أحرزت في المجال الاقتصادي تقدماً في تشجيع حكومات "منظمة شنغهاي" على استخدام مزيد من الأدوات المالية غير الغربية الأقل عرضة للعقوبات الدولية، ومع ذلك لم ينشئ الأعضاء حتى الآن نظام دفع منفصل للمنظمة أو شراكة أوراسية كبرى.
أما بكين، فقد استخدمت خطاباً يؤكد تطابق قيم الصين و"منظمة شنغهاي"، ويفخر بكيفية تأثير ما يسمى بـ"روح شنغهاي" على المنظمة، ويمكن للصين استخدامها لتعزيز برامجها ذات الأولوية وتحدي النفوذ الغربي في آسيا الوسطى، وهي تحقق هذا الهدف من دون تهديد المصالح الروسية بشكل علني من خلال وصف أنشطتها بأنها تابعة لـ"منظمة شنغهاي" للتعاون بدلاً من مشاريع جمهورية الصين الشعبية، وفي المجال الدفاعي أتاحت المشاركة في تدريبات المنظمة للجيش الصيني بعض الفرص الأولية للتدرب على مهام استعراض القوة.
أهداف الصين
بالنسبة إلى بكين، تعد "منظمة شنغهاي" للتعاون منظمة قيمة لبسط نفوذها الاقتصادي والأمني في آسيا الوسطى من دون المساس بدور روسيا التقليدي كضامن أمن رئيس في المنطقة، ويمكنها القيام بذلك بشكل غير مباشر من خلال الاستفادة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية للمنظمة لحث الحكومات الأخرى على اتباع سياسات تفضلها جمهورية الصين الشعبية، مثل قمع الرسائل المناهضة لها، وتبني المبادرات الاقتصادية التي تدعمها بكين.
في المجال الأمني، يمكن للصين الاستفادة من "منظمة شنغهاي" في تأمين حدودها الغربية، كما تمنحها المنظمة وسيلة لإحباط التهديدات الإرهابية الدولية، بخاصة من أفغانستان، وحماية مصالحها الواسعة في قطاع الطاقة وغيرها من المصالح الاقتصادية لدى الدول الأعضاء الأخرى من الهجمات العنيفة.
وترغب الصين أيضاً في أن تكمل "منظمة شنغهاي" للتعاون أدواتها الأخرى في السياسة الخارجية الاقتصادية والأمنية والأيديولوجية، أو في الأقل ألا تعيقها بعدما شهدت هذه الأدوات تذبذباً على مر السنين، وكان أبرزها مبادرة "الحزام والطريق"، وأخيراً مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية.
لطالما كانت بكين القوة الدافعة وراء تطور "منظمة شنغهاي" للتعاون، إذ قاد المسؤولون الصينيون تصميم المنظمة وتطورها أكثر من أية دولة أخرى، متخذين دور صانع القواعد بدلاً من تلقيها، وتتجلى مظاهر الدور البارز للصين في "منظمة شنغهاي" بوضوح، إذ إن اسم المنظمة هو شنغهاي، ومقرها الرئيسي في بكين. كما تؤكد كتابات جمهورية الصين الشعبية وبياناتها على تطابق قيم المنظمة والقيم الصينية، وتتحدث عن "روح شنغهاي القائمة على الثقة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة، والمساواة والتشاور واحترام التنوع الثقافي، والسعي لتحقيق التنمية المشتركة".
ووجدت الصين أن "منظمة شنغهاي" للتعاون مفيدة في تعزيز برامجها وتحدي النفوذ الغربي في آسيا الوسطى من دون تهديد المصالح الروسية هناك بشكل علني، كذلك توفر اتفاقية الدول الأعضاء في المنظمة لعام2018 في شأن التدريبات العسكرية المشتركة أساساً قانونياً دولياً للجيش الصيني للانتشار على أراضي الدول الأعضاء الأخرى لإجراء تدريبات المنظمة. وقد استفادت جمهورية الصين الشعبية من "منظمة شنغهاي" للتعاون لتوسيع نطاق تعليمها العسكري المهني ليشمل دول آسيا الوسطى. مع ذلك، يمكن القول إن المنظمة أصبحت أقل أهمية لتنمية الجيش الصيني، فقد زاد من قدراته بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وطور شراكة دفاعية قوية مع روسيا، وأجرى تدريبات مع القوات المسلحة الروسية أكثر بكثير من أي جيش أجنبي آخر.
أهداف موسكو
تشجع الحكومة الروسية بشكل روتيني الهياكل المتعددة الجنسيات غير الغربية، مثل "منظمة شنغهاي" للتعاون، كأدوات لزعزعة النظام الدولي القائم، حيث صرح الرئيس فلاديمير بوتين مراراً بأن "منظمة شنغهاي" رسخت مكانتها كأحد الركائز الأساسية لنظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب، ودعا إلى إنشاء هيكلية جديدة في أوراسيا للتعاون والأمن غير القابل للتجزئة لتحل محل النماذج الأوروبية المركزية والأوروبية الأطلسية القديمة التي منحت مزايا أحادية الجانب لبعض الدول، كذلك صرح بوتين بأن روسيا تهدف إلى الاستفادة من "منظمة شنغهاي" للتعاون وغيرها من المؤسسات الإقليمية لبناء نظام جديد لضمانات ثنائية ومتعددة الأطراف للأمن الجماعي في أوراسيا من شأنه أن يعمل على التخلص التدريجي من الوجود العسكري للقوى الخارجية في هذه المنطقة.
ويدعو مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الروسي الصادر في مارس (آذار)2023 إلى التكامل المؤسسي نفسه في المجال الاقتصادي، حيث تتوخى هذه الاستراتيجية شراكة أوراسية كبرى تجمع إمكانات جميع الدول والمنظمات الإقليمية والروابط الأوراسية، بالاستناد إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، و"منظمة شنغهاي" للتعاون، ورابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، إضافة إلى التقاء خطط التنمية للاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
وتتيح المشاركة في أنشطة "منظمة شنغهاي" للحكومة الروسية إثبات أنها ليست معزولة دولياً على رغم هجومها على أوكرانيا وسياساتها السياسية والعسكرية الأخرى، كذلك ينظر المسؤولون الروس إلى "منظمة شنغهاي" كأداة لمواجهة التهديدات الإرهابية الإقليمية، بما في ذلك كوسيلة للتأثير في سياسات مكافحة الإرهاب لدى الأعضاء الآخرين.
سياسات متضاربة
اتبعت الحكومتان الصينية والروسية سياسات متضاربة في شأن "منظمة شنغهاي" للتعاون، لا سيما في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية للمنظمة، واقترحتا أخيراً تعديلات على شرط التصويت بالإجماع، ومع ذلك نجحتا في إدارة خلافاتهما داخل المنظمة، ومنعتا هذه الخلافات من الإضرار بشراكتهما الشاملة، ومن المرجح أن يقلل توسع عضوية المنظمة من تركيزها على آسيا الوسطى، ولكنه سيجعلها أداة أكثر فعالية لموسكو وبكين لبسط نفوذهما في أماكن أخرى.
في الوقت نفسه، يمكن أن يزيد توسيع العضوية من قدرات "منظمة شنغهاي" للتعاون، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم التفاوتات في الحجم الجغرافي والموارد الاقتصادية والديموغرافيا والتوجه الجيوسياسي والقوة العسكرية، وأدت الأولوية المعطاة أخيراً لتوسيع المنظمة إلى تعقيد التعاون الدفاعي الداخلي، ونظراً إلى افتقار الأعضاء الجدد إلى الإرث العسكري السوفياتي الروسي المشترك للمجموعة المؤسسة، وعلى رغم أن التوسع الأخير لـ"منظمة شنغهاي" للتعاون قد أضعف تماسكها وتركيزها التاريخي على آسيا الوسطى، فإن هذا التوسع وفر لموسكو وبكين وسيلة أخرى لكسب ود الحكومات المهتمة بالانضمام إلى المنظمة، وأداة معززة لبسط النفوذ في أوروبا والشرق الأوسط ومناطق أخرى في آسيا.
عوامل ضعف
هناك عوامل تضعف "منظمة شنغهاي" كمؤسسة إقليمية، إذ إن من المبادئ الأساسية للمنظمة احترام مبادئ عدم التدخل وصون السيادة، والتي تستبعد التدخل في أزمات الأمن الداخلي للأعضاء، وعندما تقع حادثة إرهابية في دولة عضو تميل المنظمة إلى مجرد إصدار بيانات دعم للحكومات التي تعرضت للهجوم.
إضافة إلى ذلك، لا تخضع النزاعات الثنائية للنقاش داخل مؤسساتها، ونتيجة لذلك لم تلعب "منظمة شنغهاي" أي دور في إدارة القتال الأخير بين عضويها الهند وباكستان، والذي كان من الممكن أن ينتهي بحرب نووية في قلب آسيا، ويتألف عديد من الاتفاقيات التي تبرمها الدول الأعضاء تحت رعاية "منظمة شنغهاي" من اتفاقيات ثنائية، ولا توفر المنظمة سوى منصة تفاوض ملائمة وغطاء متعدد الأطراف.
وتفتقر "منظمة شنغهاي" إلى موارد أو سلطات جوهرية كبيرة، وهي مهددة باستئناف التنافس التاريخي بين موسكو وبكين على أوراسيا، مما قد يفقد المنظمة أهميتها، ويمكن القول إن الاختلافات الصينية- الروسية تطمئن دول آسيا الوسطى من خلال تقليل احتمالية وجود سيادة ثنائية مشتركة بين الصين وروسيا داخل المنظمة.
وبينما يمكن أن يزيد توسيع العضوية من قدرات "منظمة شنغهاي" للتعاون، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم التفاوتات في الحجم الجغرافي والموارد الاقتصادية والديموغرافيا والتوجه الجيوسياسي والقوة العسكرية، وعلى رغم أن التوسع الأخير لـ"منظمة شنغهاي" أضعف تماسكها وتركيزها التاريخي على آسيا الوسطى، فإن هذا التوسع وفر لموسكو وبكين وسيلة أخرى لكسب ود الحكومات المهتمة بالانضمام إلى المنظمة، ومثل أداة معززة لبسط النفوذ في أوروبا والشرق الأوسط ومناطق أخرى في آسيا.
لهذا تشعر الولايات المتحدة ببعض القلق حيال تمدد المنظمة وتوسع النفوذ الصيني بها، لكنه قلق محدود في النهاية بالنظر إلى المشكلات والعوائق التي يمكن أن تواجه المنظمة وتحد من أهمية توسعها وبسط نفوذها حول العالم.