Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السوريون يحيون ذكرى المأساة بعد 12 عاما على مجزرة الكيماوي

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حوادث الهجمات وأكدت أن النسبة الأكبر كانت على يد قوات الأسد

لم يكن هجوم الغوطة الوحيد بل شهدت البلاد 222 هجوماً كيماوياً على امتداد سوريا (اندبندنت عربية)

ملخص

للمرة الأولى بعد أكثر عقد من الزمن، أطلقت مساجد العاصمة دمشق وريفها تكبيرات جماعية من المآذن إحياء لهذه الذكرى الأليمة، حين أقدمت قوات نظام الأسد على تنفيذ هجوم بصواريخ محملة بغاز السارين استهدفت مدنيين في غوطتي دمشق الغربية والشرقية.

في الساعات الأولى من يوم الـ21 من أغسطس (آب) عام 2013، انتزع غاز "السارين" السام أنفاس قاطنين من أهالي الغوطة بضواحي دمشق، عقب قصف صاروخي خرج من فوهات منصات إطلاق الصواريخ، ليشهد على أكبر هجوم كيماوي شن على مناطق سيطرة القوات المعارضة لنظام بشار الأسد آنذاك. وقد فتك السلاح السام على يد القوات المهاجمة بأناس أبرياء، كان غالب ضحاياه من النساء والأطفال.

الغوطة المخضبة بالأصفر

تعود ذكرى الهواء الأصفر بعد 12 عاماً لتكون ماثلة أمام عيون ضحايا الهجمات الكيماوية، يحيي أهل الغوطة هذه الذكرى في كل سنة من سنوات الصراع السوري (2011 ـ 2024) خارج البلاد أو شمالاً حيث كانت المناطق خارج سيطرة الحكومة، لكنهم اليوم يعيدون استذكار الألم في مدينة "معضمية الشام" وفي سوريا من دون بشار الأسد، وفي المكان ذاته الذي شهد على أكبر جريمة إنسانية بسلاح محرم دولياً.

وللمرة الأولى بعد أكثر عقد من الزمن، أطلقت مساجد العاصمة دمشق وريفها تكبيرات جماعية من المآذن إحياء لهذه الذكرى الأليمة، حين أقدمت قوات نظام الأسد على تنفيذ هجوم بصواريخ محملة بغاز السارين استهدفت مدنيين في غوطتي دمشق الغربية والشرقية، بهدف السيطرة على المنطقة التي خرجت عن نفوذ رئيس النظام السابق بالقوة، وليسيطر على الاحتجاج الآخذ بالاتساع. وبما لا يقل عن 10 صواريخ – كما تفيد به المعلومات – كان الصاروخ الواحد منها يحمل 20 لتراً من الغاز الكيماوي، وقد سقطت على بيوت أناس عزل.

وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الهجوم منذ دقائقه الأولى أربع هجمات كيماوية متزامنة على تلك المناطق المأهولة بالسكان، إذ أطلقت الصواريخ المخصصة بعد منتصف الليل. واستغلت القوات التي شنت الهجوم الظروف المناخية التي أبقت الغازات السامة قريبة من سطح الأرض، وسقط صريعاً حينها 1144 شخصاً اختناقاً، منهم 1119 مدنياً بينهم 99 طفلاً و194 سيدة، أما العسكريون فكانوا 25 من مقاتلي المعارضة وقتها، في حين أصيب 5935 بأعراض تنفسية وحالات اختناق.
 
وكانت الجامعة العربية قد طالبت على الفور بإرسال فريق من المفتشين التابعين للأمم المتحدة في سوريا، للتوجه فوراً إلى منطقة الغوطة والتحقق من ملابسات الجريمة التي رأت أنه يتوجب تقديم مرتكبيها للعدالة عبر المحكمة الجنائية الدولية.

وفي الـ25 من أغسطس من العام ذاته، أي بعد أيام، دخل المفتشون الأمميون الغوطة عبر بعثة وصلت إلى معضمية الشام في الغوطة الغربية، ثم توجهوا إلى مناطق مثل زملكا وعين ترما في الغوطة الشرقية، وقد جمع المفتشون أدلة دامغة على استخدام غاز السارين عبر صواريخ (أرض ـ أرض).

 

المشهد المأسوي

وعلى رغم نفي نظام الأسد إقدامه على الهجوم، صادقت الحكومة السابقة على اتفاق حظر الأسلحة الكيماوية بعد شهر من هجوم الغوطة، وتخلصت من مخزون الأسلحة، ومن بينها غاز الأعصاب (السارين)، وأعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة تدمير 1300 طن من الأسلحة الكيماوية.

"أبو الخير"، وهو لقب الشاب محمد الشيخ، أحد شهود العيان على مجزرة الكيماوي في الغوطة، أسهم في الدخول مع فريق إسعافي، ويصف لنا المشهد المأسوي في زملكا بالغوطة الشرقية، ولا تسعفه الذاكرة في رسم الصورة الحزينة والدامية في ذلك اليوم المخضب باللون الأصفر.

وقال "حاولت جاهداً مع فريق الإسعاف ومجموعة من الفرق التطوعية الوصول إلى البيوت، بعد انجلاء القصف الصاروخي، توجهت مع فرق الإنقاذ. أذكر جيداً الجثث التي تكومت في الطرق والساحات، من مات متسمماً بدا شاحباً، أما من أصيب وكان على وشك الموت فأخذ الزبد الأبيض يخرج من فمه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويصف بقهر "هناك من وضع وشاحاً مبللاً بالماء، شاهدت أحدهم فارق الحياة وهو يضعه على وجهه، لكن كل محاولات الإنقاذ لم تفلح. لقد دفنت عائلات بأكملها في قبر واحد، وبصورة سريعة خوفاً من قصف ثان للنظام".

وعلى قوارب الموت من سواحل تركيا حاول أبو مضر، أب لطفلين فارقا الحياة بهجوم كيماوي، وأمهما توفيت في المستشفى أثناء إسعافها، ولم يبق من العائلة سواه، وحاول حازم عليلو الانتقال إلى أوروبا، لكنه فشل، وكاد أن يموت للمرة الثانية في البحر.

يتابع "المرة الأولى لنجاتي من الموت في سوريا، إذ فقدت عائلتي كاملة، أسعفت إلى المستشفى وبقيت يوماً كاملاً في جناح العناية. لقد نجوت، ولكن الغصة بخسارة عائلتي لا تفارقني، ولا تفارقني مشاهد أنفاسهم المتقطعة، وأنا مستلق بجانبهم لا أستطيع التحرك. أراهم على رغم الغشاوة في عيوني، وصعوبة التنفس تجتاح صدري".

خان العسل 

إزاء ذلك لم يكن هجوم الغوطة الوحيد، بل شهدت البلاد 222 هجوماً كيماوياً على امتداد سوريا، استخدم بها السلاح الكيماوي السام. ويروي الطبيب الشرعي لحادثة الهجوم الكيماوي على مدينة خان العسل في ريف حلب نجيب كلاوي لـ"اندبندنت عربية" تفاصيل الحادثة القاسية التي أزهقت أرواح مدنيين، ويؤكد توفر أكثر من 6 آلاف صورة موثقة لم تكشف بعد، هي أقرب لصور "قيصر" التي وثقت انتهاكات المعتقلين، وهذه الصور تحوي أبرز المشاهد التوثيقية للمصابين والجثث، وكلها محفوظة.

وعلى رغم ممارسة الطبيب الشرعي عمله بكل أمانة وإخلاص، لم يرق للنظام السابق التقرير الذي يدين قواته، ولهذا مارس بالمقابل عليه أسلوب ضغط ليطمس الحقائق التي سجلها بمحضر رسمي موثق ومحفوظ لليوم. وحين فشل، تعرض للاعتقال في فرع المخابرات العسكرية المسمى بـ"فرع فلسطين" سيئ الصيت، بعدما فشلت المخابرات في ثنيه عن شهادته، لتصل مدة اعتقاله إلى أكثر من سنتين كسرت خلالها أضلاعه وأسنانه من شدة التعذيب.

إعدامات ميدانية

"لم يشهد التاريخ أكثر إجراماً من نظام الأسد"، هكذا يروي الطبيب الشرعي كلاوي المقيم خارج سوريا في ألمانيا، ويكشف عن "وجود صور وثقتها الطبابة الشرعية لإعدامات ميدانية في غاية الرعب، لا تصدر إلا عن الأشرار" بحسب وصفه، لكن ما شاهده أثناء الكشف عن هجوم الكيماوي كان أكثر إيلاماً.

ويحكي الطبيب الشرعي عن مشاهداته وكشفه لأول مجزرة كيماوية حدثت في مارس (آذار) عام 2013، فبعد الكشف عن 16 جثة وصلت إلى مستشفى حلب الجامعي، وبعدها الكشف الميداني والطبي عن المصابين في مستشفيي (الرجاء والمستقبل) الأقرب إلى مدينة حلب من جهة خان العسل، تبين له أنه غاز السارين، وكتب تقارير عن المشهد هناك حول من بقي في غرفة الإنعاش لتلقي الأوكسجين، وسجل معها شهادة موثقة لأحد الناجين أكد فيها شهادة خطرة تأكد بها من أكثر من مصدر عن "سماع تحليق طائرة أتبعها قصف لغاز السارين"، ولم تشهد البلاد تحليق طائرات إلا للسورية والروسية في ذلك الوقت.

وأضاف "غاز السارين في حال استنشقه الإنسان يمنع الخلية من الاستفادة من الأوكسجين، ويظل الشخص يواظب على التنفس لكن الأوكسجين لا يصل، مثل شخص عطش لشرب الماء على رغم أن الماء أمامه، لأنه لا يستطيع الشرب. هناك مصابون تخطوا المرحلة الخطرة، لكن الخطورة تكمن في الأطفال والنساء الحوامل أو كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة، فإنه أكثر خطورة عليهم، إضافة إلى المصابين بقصور القلب ومرضى الرئة".

تورط 387 شخصية من كبار الضباط

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حوادث الهجمات بالسلاح الكيماوي، وأكدت أن النسبة الأكبر 98 في المئة كانت على يد قوات نظام الأسد، إذ نفذت 217 هجوماً تسببت في مصرع 1514 شخصاً، ونحو اثنين في المئة على يد تنظيم "داعش" بخمس هجمات كيماوية في حلب تسببت بوفاة 132 شخصاً.

وتشير التقارير الحقوقية إلى تورط 387 شخصية من كبار الضباط في الجيش والأجهزة الأمنية، وتورط مؤسسات عسكرية وأمنية في تلك الهجمات، منها المخابرات العسكرية والجوية ومكتب الأمن القومي ومركز الدراسات والبحوث العلمية، وكل هذا يوحي إلى أن القرار كان مركزياً في ذلك الوقت وأتى من رأس هرم السلطة.

المزيد من تقارير