Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميليشيات نسائية من البنادق إلى زنازين سوريا

شابات قاتلن في صفوف جيش نظام الأسد السابق وانتهى مصيرهن بين القتل والاعتقال والهرب

أسماء الأسد رفقة عدد من المجندات قبل إسقاط النظام (سي أن أن)

ملخص

بعد تشكيل "الجيش السوري الحر" وانشقاق الآلاف من عناصر الجيش السوري، حصل نقص حاد في العنصر البشري بجيش الأسد، فكان الاستعانة بتجنيد النساء أحد الخيارات التي جرى تنفيذها، فشاركت الميليشيات النسائية في أعمال القتل والتعذيب والإخفاء القسري.

لم تكن أسماء مثل الملازم أول قمر دلا والأميرة مجاهدة وغصون محمود أحمد والمقاومة الزينبية ولبوات الأسد "وهمية" أو يجري استحضارها للسخرية أو الاستهزاء، بل هي شخصيات وكيانات حقيقية من لحم ودم، تنتمي لمجموعة من السوريات اللواتي قاتلن إلى جانب نظام بشار الأسد على مدار 14 عاماً قبل سقوطه في ديسمبر 2024.

في طرطوس، إحدى مدن الساحل السوري، وتحديداً في 25 أغسطس (آب) 2016، خرجت جنازة شارك فيها العشرات من الموالين لنظام الأسد، أما صاحب الجنازة فهي الشابة غصون محمود أحمد، والتي قتلت في معارك ضد المعارضة بمدينة حلب. وغصون كانت تلقب بـ "الأميرة المجاهدة"، وتقاتل ضمن ميليشيات "المقاومة العقائدية الزينبية".

وهذه الميليشيات شكلتها إيران في سوريا، وأرسلتها إلى حلب، ذهب العشرات من عناصر هذه الميليشيات النسائية إلى حلب حاملين البندقيات، ثم عادوا محملين بالتوابيت، قبل أن يجري حل هذه الميليشيات لعدم توافر عناصر تنضم إليها، وهنا انتهت قصة غصون.

عسكرة بالوراثة

قمر دلا، ملازم أول، ورثت العمل العسكري من عائلتها، فعمها شقيق والدها هو العميد غياث دلا، أحد أبرز القادة العسكريين في الفرقة الرابعة بالجيش السوري، لم تكن قمر دلا تقاتل سراً أو تخفي نفسها، بل كانت تظهر في تسجيلات مصورة توثق مشاركتها في العمل العسكري لمصلحة النظام، وتفخر بذلك، أما عمها العميد غياث دلا، فكان أحد أسواط الأسد في عمليات القمع منذ 2011.

انضمت قمر إلى الفرقة الرابعة، ضمن ما يعرف باسم "الكتائب النسائية"، جرى فرزها على حواجز التفتيش عند مدينة جوبر بريف دمشق في الفترة ما بين 2014 و2018، ويعد حاجز جوبر من أكثر الحواجز المتهمة بارتكاب جرائم حرب في محيط العاصمة.

 

نفذت قمر دلا بشكل شخصي عشرات الاعتقالات بحق النساء المدنيات من أهالي الغوطة الشرقية، وتتهم أيضاً بالتورط بقتل وتعذيب العشرات، فضلاً عن عمليات الابتزاز المالي لذوي الضحايا وخصوصاً المعتقلين، إذ كانت كغيرها من ضباط النظام تطالب ذوي الضحايا بمبالغ مالية مقابل تقديم وعود بالإفراج عنهم.

وثقت قمر دلا بنظام الأسد، وقاتلت عنه حتى الرمق الأخير، وشاركت في جرائم الحرب، بيد أن ثقتها تبددت كلياً في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 عند إعلان سقوط النظام، فاختفت الملازم أول عن الأنظار، قبل أن تصلها قوات الأمن السوري في 16 مايو (أيار) الماضي لتعتقلها وتضعها في نفس الزنازين التي سبق أن وضعت بها قمر دلا العشرات من السوريات المدنيات.

نساء يحملن البنادق

خلال الفترة ما بين 2011 و2013 كان "الجيش السوري الحر" آنذاك، منتشراً في مختلف المدن السورية، واستطاع إلحاق خسائر فادحة بقوات النظام، يتزامن ذلك مع ازدياد عمليات الانشقاق عن الجيش السوري، الأمر الذي أسفر عن نقص حاد في العنصر البشري بجيش النظام، فكان تجنيد النساء خياراً يسهم في إنقاذ الموقف ولو جزئياً، فتشكلت عدة مجموعات من النساء بمسميات مختلفة أبرزها ميليشيات "لبوات الأسد"، وميليشيات "الكتائب النسائية" التابعة للفرقة الرابعة، وميليشيات "المقاومة العقائدية الزينبية" التابعة لإيران، علماً أن جميع النساء من السوريات.

تقول الصحافية السورية ميش الحاج، إنه في عام 2019 "لم تكن الفتيات الراغبات بالتطوع يحتجن إلا لبعض الأوراق البسيطة من هوية شخصية إلى صور، بشرط بلوغها 18 سنة، وسط تسهيلات كثيرة مقدمة لها، إضافة إلى الراتب الذي يصل إلى 200 دولار في بعض الكتائب، على أن غالبية الشابات يفضلن الانضمام إلى ميليشيات (الكتائب الرديفة) على الالتحاق بجيش النظام، بسبب سهولة الخدمة فيها والإجازات الدائمة التي تمنحها، إضافة إلى فرصة الحصول على مدخول مادي إضافي من خلال الوقوف على الحواجز التابعة لتلك الميليشيات، وممارسة الابتزاز والسرقة عليها، إلى جانب كون الترفيع في الميليشيات لا تحده مدة خدمة معينة كما هو معروف في جيش النظام، بل يعتمد على علاقة الشابة بمسؤولي الفصائل وقادات الكتائب فيها".

اعترافات علنية للصحافة العالمية

في 27 مارس (آذار) 2015، نشرت وكالة الصحافة الفرنسية، تقريراً ميدانياً يتحدث عن المقاتلات في جيش النظام. يروي التقرير قصة الرقيب ريم (20 سنة)، والرقيب أول سمر (21 سنة)، المنضويتين في "كتيبة المغاوير الأولى للبنات" التابعة للحرس الجمهوري، وتقاتلان على جبهة مثلث جوبر– زملكا– عين ترما، في غوطة دمشق الشرقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقول الرقيب ريم لوكالة الصحافة الفرنسية، "عادة أقضي على ثلاثة أو أربعة أهداف في اليوم، وبصراحة، عندما لا أصيب رجلاً مسلحاً في الجهة المقابلة، قد أبكي من الغضب، لدينا دائماً أهداف وإصابات محققة، قمت في أحد الأيام بقنص 11 شخصاً، وكنت سعيدة للغاية، فكافأني القائد بمنحي شهادة امتياز كتلك التي تعطى لنا في المدرسة".

وزيرات بمهمة خطف أطفال

ليست العسكرة فحسب، بل شاركت نساء أخريات في دعم جرائم الأسد بمختلف الطرق، ففي الرابع من يوليو (تموز) الماضي، أوقفت السلطات السورية، الوزيرتين السابقتين للشؤون الاجتماعية والعمل، ريما القادري وكندة الشماط، في سياق تحقيقات بملف يتعلق بالأطفال المعتقلين في عهد الأسد.

 

جاء ذلك بعد تشكيل لجنة تحقيق خاصة بموجب القرار الوزاري رقم /1806/ لعام 2025، والذي منح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صلاحية متابعة ملف الأطفال المفقودين بالتنسيق مع وزارة الداخلية، وكذلك شملت التوقيفات ندى الغبرة ولمى الصواف، المديرتين السابقتين لدار "لحن الحياة"، إضافة إلى رنا البابا، مديرة جمعية "المبرة"، إلى جانب عدد من الأشخاص الآخرين، بهدف الحصول على معلومات حول مصير مئات الأطفال الذين فُقدوا في أثناء احتجاز آبائهم أو أمهاتهم في سجون النظام، أو خلال إقامتهم في دور الرعاية الحكومية، وسط اتهامات بحدوث عمليات استغلال أو تستر على اختفاء هؤلاء الأطفال ضمن شبكات يُشتبه بمشاركة موظفين رسميين وجهات أمنية و "منظمات إنسانية" فيها. وبحسب وكالة الأنباء السورية (سانا) فإنه "جرى العثور على عدة كتب سرية محولة من قبل فروع أمنية عدة، تتعلق بتحويل عدد من الأطفال إلى جمعيات معنية بتربية الأيتام".

انتهت الثورة السورية رسمياً، وأعلن الرئيس أحمد الشرع أن "الثورة انتهت بانتصارها"، بيد أن التاريخ لا يزال يُكتب حتى اليوم، التاريخ الذي يوثق جرائم لا تعد ولا تحصى ارتكبت خلال الفترة ما بين 2011 و2024، وقد شارك بها مئات الآلاف من الجيش السوري النظامي، والآلاف من الميليشيات المسلحة الموالية له، والمئات من النساء سواء في العمل العسكري أو الإداري أو السياسي، إضافة إلى أطراف النزاع الأخرى المتورطة أيضاً بجرائم حرب، قد يمتد التحقيق بها لسنوات، وقد تتحقق العدالة، كلياً أو جزئياً، إلا أن الثابت الوحيد أنه بعد مرور ثمانية أشهر على سقوط النظام يقبع اليوم في السجون المئات من الضباط، من الرجال والنساء، المتورطين بجرائم حرب، على أمل تحقيق العدالة الانتقالية، التي يرى حقوقيون أنها شرط أساسي لتحقيق السلم الأهلي في البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير