ملخص
أعلنت لجنة شكلها حكمت الهجري تعيين العميد شكيب نصر قائداً لأمن السويداء، والعميد أنور رضوان نائباً له، وهما من ضباط النظام السابق ومتهمان بارتكاب جرائم حرب، في المقابل بدأت وزارة العدل السورية محاكمة أربعة من أشهر رموز نظام الأسد بينهم وزير الداخلية السابق والمفتي السابق، والمتهم باغتيال كمال جنبلاط.
في الـ28 من يونيو (حزيران) 2012 مرت أكثر من سنة على اندلاع الانتفاضة السورية ضد حكم البعث، ازدادت أعمال القتل شيئاً فشيئاً، كانت أعمال القتل ترتكب يومياً في غالب المدن السورية، فكان لا بد من صياغة قانون يبرر هذه الجرائم، فصدر في ذلك اليوم ما يسمى "قانون مكافحة الإرهاب"، الذي ينص بمضمونه على إلصاق تهمة الإرهاب بكل من يعارض النظام، ومن ثم فإن قتله مبرر لدى السلطة، بل أصبح للقتل تشريع قانوني في سابقة لم تشهدها سوريا من قبل.
ضباط جيش النظام وعناصره كانوا الأداة التنفيذية لقمع المعارضة من دون وجود سقف للعنف أو خط أحمر للقتل، وغالب عمليات الإعدام تتم بمصادقة مفتي الجمهورية.
عندما أصدر النظام قانون "مكافحة الإرهاب" رفض بعض القضاة تطبيقه، لكن الرفض يعني الموت المحتم أو الانشقاق والهرب، وهذا ما اختاره القاضي توفيق عليوي، فرفض تطبيق القانون وانشق، وبقي نازحاً وملاحقاً طوال الأعوام الماضية. لم يكن القاضي توفيق عليوي يحلم أن يكون ذات يوم محاسباً للأشخاص الذي نفذوا قانون الأسد وأثخنوا في دم الشعب السوري، بيد أن الحلم أضحى حقيقة، وبالفعل جلس عليوي وأمامه أربعة من أبرز رموز النظام السابق، وهو يسجل اعترافاتهم بما ارتكبوه من جرائم.
العدالة الانتقالية ترى النور
في السابع من أغسطس (آب) الجاري، نشرت وزارة العدل السورية تسجيلاً مصوراً يظهر القاضي توفيق العليوي، وهو يستجوب كلاً من المفتي العام السابق لسوريا أحمد بدر الدين حسون، واللواء إبراهيم حويجة، ووزير الداخلية السابق محمد الشعار، ورئيس فرع الأمن السياسي السابق بدرعا، عاطف نجيب. استجوب هؤلاء الأربعة بتهم تراوح ما بين "القتل العمد وارتكاب أعمال التعذيب، والموت الناجم عن التعذيب، والتحريض والاشتراك والتدخل بالقتل"، في مشهد لقي ترحيباً واسعاً على الصعيد الشعبي، أملاً في تحقيق العدالة الانتقالية.
إعادة تدوير مجرمي الحرب
محاكمة رموز النظام السابق جرت في العاصمة دمشق، لكن على بعد عشرات الكيلومترات، تحديداً في مدينة السويداء، أعلن شيخ العقل حكمت الهجري تعيين اثنين من رموز النظام السابق في مناصب حساسة.
الأول هو العميد شكيب أجود نصر، الذي كان من أبرز ضباط نظام الأسد، ومتهم بارتكاب جرائم حرب، وشغل منصب رئيس الأمن السياسي في فترة حكم النظام حتى سقوطه، عينه الهجري قائداً لما يسمى "قوى الأمن الداخلي في السويداء". أما الضابط الثاني فهو العميد أنور عادل رضوان، الذي كان يشغل مدير أمن منطقة بانياس في عهد النظام السابق، ومتهم بارتكاب انتهاكات واسعة في حق أبناء الساحل السوري، وعلى وجه الخصوص أبناء مدينة بانياس حيث اعتقل العشرات منهم، وجزء منهم لا يزال مصيره مجهولاً حتى اليوم، عينه الهجري نائباً لقائد "قوى الأمن الداخلي في السويداء".
يتحدر العميد شكيب نصر من قرية "نجران" بمحافظة السويداء، في الفترة ما بين عامي 2011 و2018، وشغل مناصب مختلفة بفرعي الأمن السياسي في الحسكة ودمشق. كان أحد الشخصيات التي يعتمد عليها النظام في التعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية"، حيث كان يدخل ويخرج من المربع الأمني التابع للنظام داخل مدينة الحسكة. وفي عام 2018 عينه بشار الأسد رئيساً لفرع الأمن السياسي في محافظة طرطوس.
عميد برتبة تاجر مخدرات
خلال الأشهر الأولى لتوليه المنصب، أشرف شكيب نصر على اعتقال العشرات من أبناء محافظة طرطوس، من بينهم الدكتور محمود الصالح، الذي يقول إنه "تعرض لتعذيب وحشي على يد العميد نصر في فرع طرطوس، وأمضى 23 يوماً في زنزانة انفرادية تحت التعذيب المباشر، قبل نقله إلى فرع الفيحاء في دمشق"، إضافة إلى عمله الأمني والاتهامات التي تلاحقه بخصوص تعذيب المعتقلين حتى الموت، عمل شكيب نصر في التغطية على تجارة وترويج المخدرات مقابل حصوله على نسبة من الأرباح، فكان من أبرز تجار المخدرات الذين عمل معهم المدعو "سموءل مظهر زريق"، الملقب بـ"أبي حيدرة"، وأخوه حسام الدين. وفي سبتمبر (أيلول) 2022 قتل سموءل بحادثة سير على طريق طرطوس- حمص، وضبطت شرطة المرور في السيارة التي كان يقودها 1970 كيلوغراماً من الحشيش، و3.27 مليون حبة كبتاغون، إضافة إلى ثلاث قنابل يدوية وبندقية حربية.
أصابع إيران حاضرة في جنوب سوريا
بعد سقوط النظام مباشرة هرب شكيب نصر متخفياً إلى السويداء، واختفى عن الأنظار إلى حين إعلان تعيينه قائداً للأمن الداخلي في المدينة من قبل حكمت الهجري. أما نائبه العميد أنور رضوان، فلا يقل تاريخه "إجراماً" عن نصر، إذ شغل منصب رئيس أمن منطقة بانياس، وعانى أهل المدينة طوال الأعوام الماضية قبضته الأمنية والاعتقالات التعسفية، فضلاً عن ارتباطه بـ"حزب الله" والجماعات الموالية لإيران في سوريا. وبعد سقوط النظام اختفى رضوان ولم يظهر اسمه إلا عندما تم الإعلان عن تعيينه في منصب أمني بالسويداء.
في الـ26 من يوليو (تموز) الماضي أعلن الهجري تشكيل "لجان قانونية وإنسانية" داخل السويداء، بهدف "تنظيم العمل القانوني والإنساني بشكل منهجي وصيانة حقوق المواطنين في هذه المرحلة الحساسة"، وفق زعمه. وبعد نحو أسبوع من تشكيلها، أعلنت اللجنة المسماة بـ"اللجنة القانونية العليا"، تعيين العميد شكيب أجود نصر قائداً لقوى الأمن الداخلي في السويداء، وأنور رضوان نائباً له، على رغم أنهما متهمان بارتكاب جرائم حرب. وقالت اللجنة في بيانها إن القرار جاء "بناءً على مقتضيات المصلحة العامة".
وبحسب البيان الصادر عنها، تتألف اللجنة من ستة قضاة، وثلاثة محامين، وأعلنت عن "قبولها التبرعات لتوزيعها على المتضررين".
قضاة مطلوبون للعدالة
من جانبها، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عن مصدر مسؤول في وزارة العدل السورية، تأكيده إحالة القضاة المذكورة أسماؤهم في عضوية ما سمي "اللجنة القانونية العليا" بالسويداء، إلى إدارة التفتيش للتحقيق، لمخالفتهم الواجبات المفروضة على القاضي بموجب أحكام قانون السلطة القضائية. ونقلت "سانا" عن المصدر قوله، "تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي نبأ تشكيل لجان محلية في محافظة السويداء، يأتي على رأسها ما سمي 'اللجنة القانونية العليا'، التي أصدرت عدداً من القرارات بتشكيل لجان أخرى ذات طابع إداري وأمني وخدمي، وتضمنت في تشكيلتها القضاة التالية أسماؤهم: مهند أبو فاعور وأيمن الحرفوش ومفيد عماشة وعصام العراوي وشادي مرشد ومعتز الصايغ، إن القضاة المذكورين ضمن اللجنة المذكورة باشروا أعمالهم، وهي أعمال تخالف الواجبات المفروضة على القاضي بموجب أحكام قانون السلطة القضائية، وبخاصة المواد 78 وما يليها من قانون السلطة القضائية، التي لا تجيز للقاضي الجمع بين الوظائف القضائية ومهنة أخرى أو أي عمل تبعي آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة، كما حظرت على القضاة إبداء الآراء والميول السياسية وحظرت عليهم الاشتغال بالسياسة".
وأضاف المصدر لـ"سانا" أنه "بما أن العمل الذي باشره القضاة المذكورون سالفاً عمل سياسي محض يتعارض مع المصالح الوطنية ويثير دعوات التفرقة والتقسيم، وباشره القضاة بذاتهم بتكليف من جهة غير مجلس القضاء الأعلى، وبما أن الأخبار تتناقل احتمال مشاركة قضاة آخرين في هذه الأعمال، مثل القاضي إخلاص درويش، والقاضي خزامة مسعود، فقد تمت إحالة القضاة المذكورين إلى إدارة التفتيش للتحقيق في ما ينسب إليهم واتخاذ الإجراءات المناسبة في حق من تثبت مشاركته في هذه الأعمال".
وتزامنت هذه التعيينات في السويداء مع بدء محاكمة أربعة من رموز النظام السابق، وهم:
أحمد بدر الدين حسون
مفتي سوريا السابق، ومشهور لدى السوريين باسم "مفتي نظام البراميل"، تم اعتقاله في مارس (آذار) الماضي بعد صدور مذكرة توقيف بحقه من قبل النائب العام في وزارة العدل، وتم إلقاء القبض عليه خلال محاولته الفرار خارج البلاد عبر مطار دمشق الدولي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إبراهيم حويجة
هو أحد المتهمين في المشاركة بعملية اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، زعيم الحركة الوطنية اللبنانية، مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي في الـ16 من مارس 1977، كان أحد أبرز الضباط في عهد حافظ الأسد وابنه بشار، متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تم اعتقاله في السادس من مارس الماضي. يتحدر من قرية عين شقاق في مدينة جبلة بريف اللاذقية. وبحسب تقارير لبنانية سابقة، فإن إبراهيم حويجة، هو المسؤول عن تنفيذ اغتيال كمال جنبلاط، إلى جانب تورط اللواء محمد الخولي في تلك الجريمة.
محمد إبراهيم الشعار
هو وزير الداخلية السابق خلال حكم نظام الأسد، من أشهر انتهاكاته ما تسمى "مجزرة صيدنايا" عام 2008، وشغل منصبه بالوزارة في الفترة ما بين عامي 2011 و2018، وهي الفترة التي شهدت أكبر عمليات اعتقال وقتل تحت التعذيب في تاريخ سوريا.
عاطف نجيب
ابن خالة بشار الأسد، يحمل رتبة عميد، ترأس فرع الأمن السياسي في مدينة درعا حتى عام 2011، وهو المتهم باعتقال أطفال درعا وتقليع أظافرهم. يتهم أيضاً بالإشراف على قتل الطفل السوري الشهير حمزة الخطيب.
إذاً، بينما يفرح السوريون في دمشق بالبدء في تحقيق خطوات العدالة الانتقالية التي ينتظرونها منذ سبعة أشهر، تعرض قسم عريض منهم للاستفزاز من قبل الجماعات المسلحة التابعة لحكمت الهجري في السويداء، وهي تستعين بضباط النظام السابق في إدارة المحافظة، وسط اتهامات للهجري بأن لديه مشاريع انفصالية وأجندة خارجية.
في المقابل يرى آخرون أن على الحكومة السورية أن تتعامل مع الأمر بحكمة، وتحل ملف السويداء من طريق الحوار وإشراك الجهات الإقليمية والدولية بهدف الوصول إلى نتائج إيجابية، بطرق أخرى غير العنف.