Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحافيون في الساحل الأفريقي يساقون إلى جبهات القتال

مصير يهدد الذين ينتقدون باستمرار سياسات السلطات الانتقالية المنبثقة عن انقلابات عسكرية

تحدثت منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن استمرار اختفاء صحافيين منذ عام 2024 من دون معلومات عن مصيرهم (أ ف ب)

ملخص

يوفر هذا الأسلوب تعزيزات بشرية جديدة لجيوش الساحل الأفريقي، التي تعاني قصوراً شديداً في الإعداد مقابل تهديدات متعددة المصادر، لا سيما مع تراجع الدعم الدولي العسكري وعجز الدول اقتصادياً عن تجنيد وتطوير كوادرها العسكرية.

يواجه الصحافيون في الساحل الأفريقي واقعاً مراً، إذ يتعرضون لضغوط متزايدة وصلت حد تجنيدهم قسراً من قبل الجيوش الوطنية التي تواجه انتكاسات تلو الأخرى في خضم تصاعد هجمات الجماعات المسلحة.

وكشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" غير الحكومية أن الصحافيين يجري تجنيدهم في دول مثل بوركينا فاسو قسراً، خصوصاً هؤلاء الذين ينتقدون باستمرار سياسات السلطات الانتقالية المنبثقة عن انقلابات عسكرية، وذلك في وقت تنعطف فيه بالفعل هذه الدول نحو انغلاق سياسي وتقييد للحريات.

وعلى رغم أن المنظمة رحبت بإفراج السلطات البوركينابية عن خمسة صحافيين وعدت ذلك "تطوراً إيجابياً"، غير أنها ذكرت أن هناك واقعاً مأسوياً يكمن في "استمرار اختفاء صحافيين آخرين منذ عام 2024 من دون معلومات حول مصيرهم".

غموض كبير

الوضع الصعب الذي يئن تحت وطأته الصحافيون في منطقة الساحل الأفريقي لا يقتصر فقط على بوركينا فاسو، حيث كشف شقيق صحافي من النيجر أن أخاه احتجز منذ أشهر و"هناك أنباء عن اقتياده للقتال في صفوف الجيش".

وقال حميد، الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل، إن "شقيقي انتقد منذ حدوث الانقلاب العسكري في الـ26 من يوليو (تموز) 2023 السلطات الجديدة في النيجر بقيادة الجنرال عبدالرحمن تياني، وانتقاداته كانت نابعة من مخاوف على الديمقراطية والتعددية والحريات في البلاد، قبل أن يقع اعتقاله من قبل السلطات ومنعنا من زيارته".

وقال "هناك رفاق له أبلغونا أن شقيقي جرى ضمه لصفوف القوات المسلحة للمشاركة في القتال ضد الجماعات المتمردة. لم نتمكن من التأكد من حقيقة هذا الأمر، لكن لا نستبعده في ظل امتناع السلطات عن تزويدنا بأية معلومات عنه".

وتواترت التقارير أخيراً حول لجوء الحكومات في الساحل الأفريقي إلى تجنيد الصحافيين المناهضين لها، لكن هذه الحكومات لم تعلق على الفور على ذلك.

إسكات الأصوات

ومنذ أن أطلقت مالي سلسلة من الانقلابات في الساحل الأفريقي عام 2022، بدأت المنطقة تميل إلى تقييد حرية الصحافة والتعبير مما يثير مخاوف جدية. واعتقل كثير من الصحافيين الذين واجهوا اتهامات بانتقاد القضاء والسلطات.

وعد الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، سلطان ألبان، أن "التقارير الحديثة تشير بالفعل إلى أن الأنظمة العسكرية في بوركينا فاسو وبعض دول الساحل الأفريقي جندت صحافيين للقتال في صفوفها، خصوصاً في ظل تصاعد التهديدات الأمنية. ووثقت منظمات حقوقية بالفعل حالات لتجنيد صحافيين ونشطاء وقضاة عبر تفعيل قانون الطوارئ بهدف إسكات أصواتهم المعارضة وإبعادهم حتى عن الفضاء العام".

وأوضح ألبان في تصريح خاص أنه "جرى رصد حالات لصحافيين جندوا قسراً، بينهم من أفرج عنهم بسبب ضغوط داخلية وأخرى خارجية، وفيهم من لا يزال يكتنف الغموض مصيره. وهدف المجالس العسكرية من وراء هذا الإجراء هو أولاً معاقبة الأصوات المنتقدة وهي سياسة للترهيب بدلاً من السجون". وتابع "ثانياً، يوفر هذا الأسلوب تعزيزات بشرية جديدة لجيوش الساحل الأفريقي، التي تعاني قصوراً شديداً في الإعداد مقابل تهديدات متعددة المصادر، لا سيما مع تراجع الدعم الدولي العسكري وعجز الدول اقتصادياً عن تجنيد وتطوير كوادرها العسكرية، على رغم حاجتها الماسة إلى ذلك في ظل تصاعد عمليات الجماعات المسلحة. ويمكن فهم هذا التجنيد أيضاً من منظور أمني وسياسي، إذ فيه هدف عقابي لإضعاف المجتمع المدني وكسر المعارضة".

تفكيك الطبقة المدنية

إلى أمد غير بعيد كانت فرنسا والقوى الغربية تفاخران بـ"تصدير" نموذج الديمقراطية إلى دول الساحل وغرب أفريقيا بصورة عامة، لكن انهيار الأنظمة الحليفة لها أدى إلى صعود قادة جدد يستهدفون بصورة كبيرة الصحافيين ومنظومة الأحزاب السياسية والنقابات وغيرها، مما ينذر بـ"زوال" هذا النموذج.

وشدد ألبان على أنه "لا يوجد تدفق كافٍ للمتطوعين أو المجندين أو المؤهلين لخوض القتال في الجيوش المحلية، لذلك تلجأ السلطات في هذه الدول إلى الوسائل القسرية في التجنيد. هذا النمط يكشف عن ضعف هياكل الجيوش الوطنية التي لم تعد قادرة على استقطاب وتدريب مقاتلين جدد بفاعلية، مما ينذر بضعف قدرة الدول على إدارة الأمن في المنطقة".

واستطرد بالقول إن "تجنيد الصحافيين والقضاة والناقدين يكشف عن ضعف شديد لدول الساحل، وسيؤدي إلى تفكيك الطبقة المدنية المستقلة ويعزز مناخ الخوف والهلع والترهيب، مما ينعكس سلباً على الحريات العامة في هذه البلدان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وضع صعب

وتتجاهل السلطات في الساحل الأفريقي بصورة كبيرة الانتقادات والتعليقات التي تندد بوضع الحريات والعمل السياسي، مما يثير تساؤلات جدية حول مصير الصحافيين الذين تم احتجازهم.

ناهيك بأن الغموض يسود أصلاً عدد هؤلاء، وعلى رغم أن منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" ذكرت كثيراً من الحوادث التي احتجزت فيها السلطات صحافيين، فإنها لم تقدم أرقاماً في شأن هؤلاء.

وقال الصحافي والباحث السياسي النيجري محمد أوال "بالفعل يمثل وضع الصحافيين الصعب في دول الساحل الأفريقي وجهاً آخر للمأساة التي تعيشها المنطقة، إذ أصبح هؤلاء عرضة للاعتداءات والاعتقالات التعسفية والتجنيد القسري في الدول الثلاث التي عرفت انقلابات عسكرية".

وأردف أوال أن "المجالس العسكرية تحاول استغلال عدم خضوعها لأية ضغوط خارجية أو داخلية لتكثيف حملات اعتقال الصحافيين وأيضاً بعض نشطاء المجتمع المدني، وتجنيدهم لتحقيق أهداف الحرب على رغم إدراكها مسبقاً بأن هذا ليس الحل الأمثل للأزمة الأمنية".

ولفت إلى أن "هذه الاعتقالات وحملات التجنيد القسري للصحافيين ونشطاء المجتمع المدني والمعارضة تمكن السلطات في النيجر وبوركينا فاسو، شأنها في ذلك أيضاً شأن مالي وتشاد، من إسكات أي صوت معارض وترهيبه".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير