ملخص
تخطط إسرائيل لإخلاء 1.2 مليون نسمة في الذكرى السنوية الثانية لهجوم السابع من أكتوبر، فكيف يتحضر سكان غزة للقرار المرعب؟
تعتقد شيماء بأن من المبكر التفكير بالخطة الإسرائيلية للسيطرة على مدينة غزة، ولكنها تراجع حساباتها بسرعة، فتقول "منذ بداية الحرب يعلن الجيش عن خططه بخصوص غزة، وللأسف يقوم بتنفيذها بالقوة النارية، ليس مبكراً الاستعداد لما هو كارثي".
واعتمد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت" خطة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للسيطرة على مدينة غزة، وبحسب القناة "14" العبرية، فإن الخطة مكونة من ثلاث مراحل هي إدخال مساعدات إنسانية بكثافة إلى مدينة غزة، يتبعها نقل السكان إلى معسكرات مركزية في جنوب القطاع، وأخيراً فرض حصار محكم والسيطرة العسكرية الكاملة على المدينة.
وبمجرد أن أقر "الكابينت" الخطة الإسرائيلية انقلب المزاج العام في غزة وباتت مشاعر الناس أكثر سلبية، إذ يتابع السكان مخطط السيطرة الكاملة على المدينة، وما قد ينتج من هذا القرار من دمار هائل وعدد ضخم من القتلى والجرحى وكلف مادية ومعنوية لا طاقة لهم بها.
على باب خيمتها في مدينة غزة تجلس شيماء تفكر في خطة الاحتلال، وتقول "أحاول الاستعداد لهذا السيناريو الكئيب، لكن عقلي عاجز عن التفكير والتخطيط، لا أعرف ماذا سأفعل، لكن كل ما يهمني الآن رسم خطط لحياة عائلتي إذا بدأ تنفيذ العملية العسكرية".
لا تجيد شيماء السياسة ولا تفهم العلوم العسكرية، لكنها قرأت المخطط الإسرائيلي، "أحاول فهم ما قد يحدث لنا، لا شيء يخيف سوى أمر واحد هو إخلاء جميع سكان المدينة قسراً نحو الجنوب، هذا بحد ذاته رعب لا طاقة لنا بتحمله".
الموت أرحم
في الـ13 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، وزعت إسرائيل للمرة الأولى أوامر إخلاء لسكان مدينة غزة وأمرتهم بالنزوح نحو الجنوب، وحينها استجابت شيماء وتركت منزلها وتوجهت نحو منطقة المواصي الإنسانية.
عاشت شيماء حياة قاسية في المواصي، وتشرح باختصار "فقدنا المأوى وعشنا في ذل الخيمة، لا ماء ولا كهرباء ولا طعام ولا حياة، فقط رعب وخوف، كانت تجربة قاسية، واليوم يجهزنا الجيش نفسياً لتلك المرحلة ويدمر معنوياتنا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على أية حال، ترفض شيماء تكرار تجربة النزوح هذه المرة نحو الجنوب، وتوضح أنها تفضل الموت في غزة عنه في جنوب القطاع، وتستعد حالياً لتجربة النزوح داخل المدينة التي يخطط الجيش لاحتلالها، مشيرة إلى أنها ستبقى وإن كان الثمن العيش تحت سلطة احتلال، فذلك من وجهة نظرها أفضل من الهجرة.
ويعيش في مدينة غزة نحو 1.2 مليون نسمة، وهذا أكبر تجمع سكاني في القطاع، وتخطط تل أبيب لنقلهم إلى منطقة المواصي الإنسانية، وكل هذا العدد اليوم مشغول برسم الخطط الفردية استعداداً لأكبر مصيبة ينتظرونها.
يتقبل وسيم فكرة النزوح جنوباً للنجاة بحياته، ويخطط من الآن لتوفير مأوى جديد له في جنوب غزة، ويعمل باجتهاد لتجهيزه من جميع النواحي، ويقول "ماضية إسرائيل في مخططات حربها على غزة، وبما أنني مسؤول عن إعالة أسرة من 13 فرداً فإن عليّ حمايتهم".
ونصب وسيم ثلاث خيام في قطعة أرض جنوب غزة، وجهز حماماً مستقلاً وخزان مياه وبعض المستلزمات الأساسية للعيش، ويقول "توقفت قليلاً قبل اتخاذ هذا القرار، لكنني استنتجت أن الانصياع للأوامر الإسرائيلية ربما ينقذ حياة عائلتي".
يعرف وسيم أنه سيعاني النزوح، وأن حياة بدائية أكثر من حياته الحالية تنتظره، لكنه يوضح أن النزوح مسألة حياة أو موت، وأن إسرائيل لن ترحم من لم ينزح، وحياته مهددة بالقتل والحصار.
وما دفع وسيم إلى هذه التجهيزات أنه عرف أن إسرائيل تخطط لحصار غزة مجدداً، مما يعني أن المجاعة ستعود، ويشير إلى أن أولاده يعانون سوء تغذية حاداً، وهو لا يرغب في رؤيتهم يموتون أمام عينه من قلة الطعام، وبما أن الجيش سيسمح بدخول البضائع في المنطقة الإنسانية فلا بأس لديه من التوجه إليها.
تلطم هنادي وجهها بعدما عرفت أن الخطوة التالية احتلال مدينة غزة، وتقول "كثير من المشاعر السلبية تحاصرني، هذا القرار جاء صادماً خصوصاً بعد فترة من انتظار الهدنة، لكن فشلها جلب لنا ويلات عظيمة".
قطعة عذاب
وتعتقد هنادي بأن إعادة احتلال غزة يفضي إلى مزيد من الإبادة، مشيرة إلى أن السكان غير مستعدين مادياً لدفع كلف النزوح، وترى أنه قرار فردي، لكنها شخصياً ترفضه بالمطلق، إذ كانت تجربتها الأولى في النزوح قطعة من العذاب ولا تريد تكراره.
وتؤمن هنادي بالبقاء في غزة، فهي ترى أن بقاء السكان وعدم انصياعهم لأوامر الإخلاء فيهما فائدة كبيرة، فمن خلال ذلك ستفشل إسرائيل في تدمير القطاع وتحقيق هدفها المعلن وهو إعادة احتلال غزة.
إذا بدأت إسرائيل في احتلال غزة، فإن شريف يؤكد أن العملية البرية الجديدة ستكون كارثة إنسانية كبيرة، ويقول "لم تعُد لدينا طاقة لأبشع شيء ينتظرنا، على العالم أن يتحرك قبل أن يمحونا الجنود من الوجود، نعيش كل يوم في قلق وخوف".
ويضيف "نحن الضحية الأولى، توسيع إسرائيل لعملياتها البرية سيؤدي إلى دمار أكثر وموت أكثر، أين سنذهب إذا أمرتنا تل أبيب بالإخلاء، لقد صدمت عندما قرأت أن السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل هو موعد إخلاء مدينة غزة، إنها صدمة غير متوقعة".
وحدد نتنياهو السابع من أكتوبر المقبل موعداً نهائياً لإخلاء مدينة غزة بالكامل من السكان، وبعد ذلك التاريخ ستفرض إسرائيل حصاراً على عناصر حركة "حماس" الذين سيبقون داخل المدينة. ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فإن عملية احتلال غزة ستمتد من أربعة إلى خمسة أشهر، وستتولى تنفيذها ست فرق عسكرية.
يقول تيسير "السابع من أكتوبر موعد يأمل منه الجيش في أن ينسى سكان غزة هجوم عام 2023، وأن يتحول اليوم إلى ذكرى نكبتهم الجديدة لأنه سيقتطع منهم مدينة غزة كلها، وهي قطعة من قلوبنا".
ويضيف "فكرة أن تهدم مدينة غزة أمام أعيننا مفزعة ومرعبة، كل ما مضى شيء، وما هو مقبل شيء آخر، نحن إزاء مخطط إنهاء وطمس وتبديد للكينونة والتاريخ والمستقبل، نحن في خضم الاقتلاع، وربما سيكون أي خيار لتدارك الكارثة قاسياً".
ويوضح تيسير أن الكارثة بذاتها تفوق قسوتها كل شيء لأن الجيش الإسرائيلي آتٍ ليهدم ويدمر، وحين يخرج لن يبقى شارع نمشي فيه ولا بناء ندافع عنه"، مناشداً قادة "حماس" بأن ينقذوا غزة قبل فوات الأوان، وأن يعلنوا "ساعة صفر الخروج" ويطالبوا بقوات عربية ودولية ويوقفوا "بلدوزر" الخراب.
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن "احتلال مدينة غزة يعرض مئات آلاف السكان للخطر والجوع والأمراض وانهيار ما بقي من المرافق الصحية، مما يعني أننا أمام كارثة إنسانية وحقوقية هي الأبشع".
ويضيف أن "إسرائيل تحاول تغيير الوعي عند الغزيين بربط احتلال غزة بذكرى عملية ’طوفان الأقصى‘، لكن الغزيين يبدون عزيمة وإصراراً على عدم النزوح وترك أرضهم لإفشال المخطط الإسرائيلي".