ملخص
جرى تفويض نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس بالمصادقة على الخطة العملياتية النهائية للجيش، خلال وقت رأى عسكريون وقياديون في الجيش والأجهزة الأمنية القرار بمثابة مكمن للجيش الإسرائيلي "هذه ليست الخطة التي استعد لها الجيش".
10 ساعات من النقاش والصراعات والصراخ الذي استمر من السادسة مساء أمس الخميس إلى الرابعة فجر اليوم الجمعة، لم ينجح خلالها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أيال زامير وقادة الأجهزة الأمنية في إقناع المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) لحكومة الثلاثي نتنياهو-سموتريتش-بن غفير بالتراجع عن قرار احتلال غزة، وهو قرار نقل الحرب التي تشارف على عامها الثاني إلى حرب مفتوحة يتوقع مطلعون أنها تستمر لخمسة أعوام في الأقل.
الكابينت أصدر أوامر للجيش لبدء التنفيذ، وحدد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل موعداً نهائياً لإتمام إخلاء السكان الفلسطينيين داخل المناطق التي تشملها المرحلة الأولى من خطة الاحتلال، غير أن الجيش أسرع بالإعلان أنه غير مستعد لهذا القرار ويحتاج إلى وقت لتجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط في ستة ألوية، طلب المستوى السياسي تجنيدهم.
السيطرة وليس الاحتلال
الشعار الأبرز الذي استفاق عليه الإسرائيليون صباح اليوم "حفرة سوداء وحكم بالإعدام على الأسرى".
نتنياهو من جهته غير مبالٍ للتحذيرات وأخطار تداعيات هذا القرار، وواصل نشاطه وفق المبدأ الذي لا يساوم عليه "لا قرار فوق قرار الحفاظ على الحكومة". وعلى رغم التحذيرات والأخطار وتوقعات تدخلات دولية وأميركية لمنع تنفيذ القرار، فإن الحكومة ماضية في قرارها مع إمكانية اتخاذ قرار أخطر بإعادة مجد الاستيطان في القطاع، الذي انتهى قبل 20 عاماً عند تنفيذ خطة "فك الارتباط". وأوضح أكثر من وزير في مقدمتهم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير أن القرار بداية لإحياء مشروع الاستيطان في غزة.
الكابينت، وبعد مناقشته خطة الاحتلال، أقر خمسة مبادئ شملها بنيامين نتنياهو ضمن بيان صادر عن ديوانه وكان حريصاً في صياغته حتى يكون بياناً محكماً، لم يستخدم فيه كلمة احتلال إنما السيطرة، وهذا ليس صدفة فهو يريد عدم وقوع إسرائيل في مساءلات قانونية ودولية، تحديداً المتعلقة بالمسؤولية المدنية على السكان، وفق القانون الذي يلزم الدولة المحتلة إدارة شؤون السكان في جميع مجالات الحياة، وهو جانب غير قادرة عليه إسرائيل من الناحية المالية لتكاليفه الباهظة ومن نواحي أمنية وعسكرية أيضاً.
أما زامير فقد تلقى صراخات وتهجمات كبيرة من قبل الوزراء بعد تحذيره من تداعيات تهجير نحو مليون فلسطيني من سكان غزة، والخطر على الأسرى. وأوضح رئيس الأركان أن إسرائيل لا تملك حلاً إنسانياً لمليون فلسطيني سيجري تهجيرهم "كل شيء سيكون معقداً". زامير اقترح ساخراً من الوزراء "أزيلوا بند إعادة الأسرى كأحد أهداف الحرب".
هذا الجانب أيضاً أثار خلافات كون الخطة ستنفذ على مراحل، وكان اقترح بعض الوزراء إضافة بند يؤكد تجميد القرار إذا جرى التوصل إلى صفقة الأسرى. وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عارض هذا، وطلب إضافة بند يمنع وقف القتال حتى في حال وجود صفقة، وعارض ومعه الوزير إيتمار بن غفير إدراج عنصر إدخال المساعدات الإنسانية واسعة النطاق إلى القطاع. وفي القرار أصر نتنياهو أن يكتب بوضوح أن العملية لن تتوقف من أجل صفقة أسرى، وهو ما استدعى كثراً إلى اعتبار القرار حكماً بالإعدام على الأسرى الأحياء.
ستة ألوية ومسؤول إدارة مدنية
في هذه الأثناء، ووسط احتدام الجبهة الثامنة في حرب غزة –أي الداخل الإسرائيلي نفسه- ألزم الكابينت الجيش بتجنيد فوري لست فرق عسكرية، وهي فرقة (162) وتسمى فرقة حسم المعركة، وفرقة المظليين المختارة (98)، والفرق (36) و(99) و(146)، والفرقة المسماة فرقة غزة.
مهمة الست فرق كمرحلة أولى تهجير مليون فلسطيني حتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من الشمال إلى منطقة المواصي ومحور نتساريم، لتفرض الاحتلال على مدينة غزة ومخيمات الوسط. وتضع في مركز هدفها ما سماه الإسرائيليون حي القيادات التابع لـ"حماس" وسط غزة، وتعمل على حماية المحاور والمنطقة العازلة.
وفي المرحلة الحالية من المتوقع استمرار القتال حتى العامين المقبلين، وإذا ما تحولت إلى حرب مفتوحة، بتقدير عسكريين أن تستمر حتى خمسة أعوام وسينفذ الجيش خمسة مبادئ وضعها الكابينت:
- نزع سلاح "حماس".
- إعادة جميع الأسرى من أحياء وأموات.
- تجريد القطاع من السلاح.
- فرض سيطرة أمنية إسرائيلية على غزة.
- إقامة إدارة مدنية بديلة لا تكون من "حماس" ولا السلطة الفلسطينية، وسيقودها في المرحلة الأولى منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة اللواء غسان عليان.
أما حالياً فجرى تفويض نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس بالمصادقة على الخطة العملياتية النهائية للجيش، خلال وقت رأى عسكريون وقياديون داخل الجيش والأجهزة الأمنية القرار بمثابة مكمن للجيش الإسرائيلي "هذه ليست الخطة التي استعد لها الجيش".
وحذر قادة في الجيش من أن القرار "يشكل فخاً تكتيكياً وعملياتياً لحجم كبير من قوات الجيش المطلوب منها تنفيذ المهمة، إذ سيكونون معرضين لخطر مكامن ’حماس‘ والانفجارات، وسيؤدي ذلك إلى استنزاف القوات النظامية والاحتياط".
مصادر عسكرية أشارت إلى وجود فجوات كبيرة في جاهزية معدات هندسية ثقيلة، ناقلات جند مدرعة ودبابات تحتاج إلى رفع الجاهزية. كما أن إنشاء مراكز توزيع الغذاء وتهجير السكان يشكلان إشكالية كبيرة للجيش، إذ يتطلبان عمليات تستغرق وقتاً في التخطيط والتحضير والتنفيذ، بالتالي ستتطلب وقتاً للاستعداد وموارد كبيرة.
من ناحيته، سيكون رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان إيتسيك كوهين ملزماً إجراء بحث طارئ وسريع، لتحليل تداعيات ورسم خطة عملياتية تحوي الفجوات الموجودة لدى الجيش وتحدد الجداول الزمنية للتنفيذ، وبعد بناء الخطة ستعرض للمصادقة من المستوى السياسي.
تهديد استراتيجي طويل الأمد
معارضو القرار في إسرائيل اعتبروه تهديداً استراتيجياً طويل الأمد لأمن الإسرائيليين، ويجسد خضوعاً للاعتبارات السياسية والشخصية على حساب الأمن القومي، في ظل تصاعد المخاوف في شأن مصير الأسرى الإسرائيليين داخل القطاع وتداعيات الاحتلال طويل الأمد.
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إن القرار سيؤدي إلى كارثة يعقبها عدد من الكوارث الإضافية، مضيفاً على منصة "إكس" اليوم تعليقاً على القرار "في تناقض تام مع رأي الصفوف العسكرية والأمنية، ومن دون مراعاة لتآكل واستنزاف القوات المقاتلة، جر بن غفير وسموتريتش نتنياهو إلى خطوة ستستغرق أشهراً، وستؤدي إلى مقتل الرهائن ومقتل عدد من الجنود، وستكلف دافعي الضرائب الإسرائيليين عشرات المليارات، وستؤدي إلى انهيار سياسي". وأضاف "هذا بالضبط ما أرادته ’حماس‘، أن تحاصر إسرائيل في الميدان من دون هدف، من دون تحديد صورة للغد، في احتلال لا نتيجة منه ولا أحد يفهم إلى أين يقود".
من جهته، قال رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان إن القرار يثبت مرة أخرى أن قرارات تتعلق بالحياة والموت تُتخذ في إسرائيل من دون الرجوع إلى الاعتبارات الأمنية الحقيقية، أو أهداف الحرب المعلنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر ليبرمان "رئيس وزراء السابع من أكتوبر" وفق ما وصف به نتنياهو، "يواصل التضحية بأمن المواطنين الإسرائيليين في سبيل طموحاته الشخصية للوصول إلى رئاسة الدولة".
أما النائب السابق ورئيس حزب "الحركة الديمقراطية" يائير غولان فوصف القرار بالكارثة "التي ستمتد تأثيراتها لأجيال قادمة"، وقال "إنه قرار بمثابة حكم بالإعدام على المختطفين لدى ’حماس‘، وعلى عائلاتهم التي تعيش في حالة فاجعة مستمرة. إسرائيل ستجد نفسها لعقود طويلة متورطة في أزقة غزة، تدفع ثمناً باهظاً يقدر بمئات المليارات، وكل ذلك فقط من أجل البقاء السياسي لرئيس الحكومة، ومن أجل إرضاء رؤى لا تمت للواقع بصلة".
وأكد غولان ضرورة تكثيف التحرك الشعبي لإسقاط الحكومة الحالية، قائلاً "إسقاط هذه الحكومة لن يكون فقط إنقاذاً سياسياً، بل إنقاذ لأرواح لا تحصى في المستقبل".
يشار إلى أن استطلاع رأي أجرته صحيفة "معاريف" اليوم أشار إلى أن 57 في المئة من الإسرائيليين يريدون وقف الحرب، مع صفقة شاملة وانسحاب الجيش من غزة، فيما 30 في المئة يريدون احتلال غزة حتى لو أدى الأمر إلى مقتل الأسرى، و13 في المئة لا رأي لهم.