ملخص
قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير يوسف أحمد الشرقاوي إن التصدي للتحركات الإسرائيلية لا بد أن يكون في إطار عربي أشمل، وليس تحركاً فردياً، لأن الخطر يهدد الأمن القومي العربي، في ظل تواصل اعتداء إسرائيل على الأراضي العربية في سوريا ولبنان واستمرار الحرب على غزة.
مع توجه إسرائيل نحو احتلال ما تبقى من قطاع غزة، أصبح الحديث عن خطر تهجير الفلسطينيين أكثر صخباً، فبينما أكثر من مليوني مواطن فلسطيني أوضاعهم باتت أكثر كارثية يواصل الجيش الإسرائيلي دفعهم نحو النزوح لمناطق جغرافية أصغر، مما يثير التساؤل في شأن كيفية تعامل مصر لاستباق خطر تهجير الفلسطينيين قسراً إلى أراضيها، وبخاصة بعد تأكيد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن الحرب في غزة "لم تعد بهدف استعادة الرهائن الإسرائيليين، بل لتصفية القضية الفلسطينية".
وعلى رغم معارضة قيادة الجيش الإسرائيلي، أصر نتنياهو على تنفيذ خطة احتلال الـ25 في المئة المتبقية من أراضي قطاع غزة، التي ستبدأ باحتلال كامل مدينة غزة وسط القطاع، إذ سيطلب الجيش من 900 ألف فلسطيني مغادرتها، حسب القناة 12 الإسرائيلية، التي أفادت بأن المجلس الوزاري الأمني المصغر سيناقش تنفيذ عملية عسكرية تستهدف احتلال مدينة غزة ومخيمات وسط القطاع بهدف دفع السكان إلى التوجه جنوباً، وتشجيعهم على الخروج من القطاع، بما يعني ضمناً إجبارهم على التهجير القسري نحو مصر المحاذية للقطاع من جهة الجنوب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" كشفت قبل أيام عن إبداء نتنياهو لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير التزامه بتنفيذ مشروع التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة، تحت عنوان "الهجرة الطوعية" خلال أسابيع.
وكثيراً ما كررت القاهرة منذ اندلاع الحرب في غزة رفضها تهجير الفلسطينيين "طوعاً أو قسراً"، وأعلنت سابقاً رفضها مقايضة التهجير بأية مساعدات اقتصادية، وزاد الرئيس المصري خلال مؤتمر صحافي أول من أمس الثلاثاء على ذلك بتأكيده أن مصر لن تكون "بوابة لتهجير الفلسطينيين"، في إشارة إلى رفض أية خطط لخروجهم إلى دول أخرى عبر مصر.
حملة دبلوماسية
سرعة وتيرة تحركات نتنياهو باتجاه الاحتلال الكامل لغزة ربما تضع مصر أمام تحدٍ للتحرك استباقياً، قبل تحول التهديد المستمر منذ عامين بالتهجير إلى أمر واقع، إذ يرى مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير معصوم مرزوق أنه على القاهرة التحرك سريعاً ضد المخطط الإسرائيلي لاحتلال قطاع غزة بصورة كاملة، مؤكداً أن حكومة نتنياهو "تصر على الضغط بالنار والتجويع على سكان القطاع، لتهجيرهم قسرياً ودفعهم إلى اختراق الحدود المصرية".
ويعتقد مرزوق أن السلطات المصرية وأجهزتها ومؤسساتها "لديها معلومات كاملة عن المخطط الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، من خلال احتلال قطاع غزة وتهجير سكانه"، مشدداً على أن أية حكومة في مصر "لن تقبل بمخطط التهجير، لأنه يمس صميم إيمان الشعب المصري وحرصه وتمسكه بأراضيه، وهي مسألة ثقافية وتاريخية راسخة".
وحول سبل التحرك لمواجهة مخطط التهجير، يقول مرزوق ضمن حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "مصر لا بد أن تتحرك بتدشين حملة إعلامية ودبلوماسية في كل العواصم العالمية المؤثرة والمهتمة بالقضية الفلسطينية، لحشد الدعم والتضامن ومنع تنفيذ مخطط التهجير القسري للفلسطينيين.
وأضاف مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن مصر تحتاج إلى حديث أكثر جرأة ووضوحاً في ما يتعلق برفض احتلال غزة وإجبار الفلسطينيين على التهجير، لأنه يعني منع احتمالية "نشوب حرب" وانتهاء اتفاق السلام الذي من بين بنوده أن لا يقوم أحد الأطراف بتهديد الأمن القومي للطرف الآخر، منوهاً بأن مصر كانت أكثر حرصاً على عدم خرق الاتفاق بمنع التظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية لدى القاهرة، بينما سمحت إسرائيل بتنظيم تظاهرات أمام السفارة المصرية لدى تل أبيب الأسبوع الماضي.
وتنص معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وقعت عام 1979 على أنه "يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية، أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه، ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. ويتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو المشاركة في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام، أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. ويتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة".
واعتبر الدبلوماسي السابق أن إسرائيل انتهكت معاهدة السلام باختراق محور فيلادلفي الذي يقع ضمن المنطقة "د" في المعاهدة، وذلك كما فعل نتنياهو بانتهاك اتفاق أوسلو وغيره.
وأشاد مرزوق بلهجة الخطاب القوية التي استخدمها السيسي في مؤتمره الصحافي الأخير مع نظيره الفيتنامي، إذ وصف ما يحدث في غزة بأنه "إبادة"، متمنياً أن يكون بداية لتحرك ضد إسرائيل في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتعاون مع الدول الداعمة لفلسطين داخل أوروبا وآسيا وأفريقيا، بهدف حصار إسرائيل بما يصل إلى المطالبة بطردها من الأمم المتحدة.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال أول من أمس إن الحرب في غزة لم تعد ذات أهداف سياسية، إنما أصبحت تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، مؤكداً أن سكان القطاع يتعرضون إلى "إبادة ممنهجة"، وسط وقوف الضمير الإنساني متفرجاً على ما يحدث، مضيفاً أن "التاريخ سيحاسب كثيراً من الدول على موقفها من الحرب".
تحرك عربي
كذلك، قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير يوسف أحمد الشرقاوي إن التصدي للتحركات الإسرائيلية لا بد أن يكون في إطار عربي أشمل، وليس تحركاً فردياً، لأن الخطر يهدد الأمن القومي العربي، في ظل تواصل اعتداء إسرائيل على الأراضي العربية في سوريا ولبنان واستمرار الحرب على غزة.
وفي حديثه إلى "اندبندنت عربية"، دعا الشرقاوي إلى تشكيل مجموعة عمل تضم مصر والسعودية وقطر وجنوب أفريقيا وكل الدول التي ترغب في دعم الحق الفلسطيني والأعضاء في تجمعات مثل "مجموعة لاهاي"، وأن تعمل تلك المجموعة على اتخاذ إجراءات عقابية دبلوماسية واقتصادية بحق إسرائيل، للضغط باتجاه إنهاء الحرب داخل قطاع غزة ومنع تهجير الشعب الفلسطيني، وبخاصة أن هناك حراكاً دولياً إيجاباً لدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن تكثيف إسرائيل تحركاتها العسكرية داخل غزة وقرارات الكنيست في شأن ضم الضفة الغربية، يهدف إلى القضاء على حلم الدولة الفلسطينية قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي من المنتظر أن تشهد تزايداً في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ومن المرتقب أن تعلن كل من فرنسا وبريطانيا وكندا والبرتغال ومالطا اعترافها بالدولة الفلسطينية، أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال سبتمبر (أيلول) المقبل.
بينما يعتقد المتخصص في مجال العلوم السياسية مصطفى كامل السيد أن مصر اتخذت إجراءات دبلوماسية استباقية للرد على مخطط إسرائيل لاحتلال كامل قطاع غزة، وذلك عبر نقل مخاوفها إلى إدارة الرئيس الأميركي ترمب والتلويح بأنه يعد خرقاً لاتفاق السلام بين القاهرة وتل أبيب.
وقال السيد لـ"اندبندنت عربية" إنه لا بد للحكومة المصرية أن تتحرك للتنسيق مع الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز لإثارة المسألة في الأمم المتحدة والمطالبة بتوقيع عقوبات على إسرائيل، فضلاً عن التنسيق مع السعودية وقطر للتواصل مع واشنطن وإثارة اهتمام الرئيس الأميركي بخطورة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، لافتاً إلى أهمية تكثيف الاتصالات المصرية مع الدول الأوروبية لدعم اعتراف مزيد من الدول بالدولة الفلسطينية، معتقداً أن تعليق التعاون الاقتصادي من جانب القاهرة مع تل أبيب ربما يكون إحدى الأوراق على الطاولة لإثناء إسرائيل عن احتلال كامل قطاع غزة.
ويبدو الموقف الأميركي تجاه احتلال ما تبقى من غزة ضبابياً، إذ أجاب عن سؤال في شأن اعتزام إسرائيل توسيع عملياتها العسكرية في القطاع بأن الأمر متروك لتل أبيب، بينما ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي أن القلق يتزايد لدى مسؤولين في الإدارة الأميركية إزاء اقتراح نتنياهو توسيع نطاق الحرب، وهو التحرك الذي جاء بعد أقل من أسبوع من زيارة مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى إسرائيل.