ملخص
أطلقت مصر مشروعاً ضخماً يهدف إلى تكثيف السياحة في مدينة سانت كاترين الجبلية التي تشكل بديرها وطرقها الجبلية وطبيعتها مقصداً معروفاً للحجاج والزوار
على قمة جبل في سيناء المصرية، قرب المكان الذي تلقى فيه موسى الوصايا العشر بحسب الديانات الإبراهيمية الثلاث، يتردد صدى صوت لا يمكن تجاهله ناجم عن أعمال حفر وبناء في سفح الجبل التاريخي.
أطلقت مصر مشروعاً ضخماً في المنطقة يهدف إلى تكثيف السياحة في مدينة سانت كاترين الجبلية التي تشكل بديرها وطرقها الجبلية وطبيعتها مقصداً معروفاً للحجاج والزوار.
ويقول سكان ومتخصصون في التراث إن جرافات الدولة ألحقت أضراراً بالمحمية الطبيعية المصنفة على لائحة التراث العالمي لـ"اليونيسكو".
ويعتبر دير سانت كاترين الأورثوذكسي أقدم دير مسيحي في العالم بقي مسكوناً بشكل متواصل، ويعيش في المنطقة سكان من البدو على أرض توارثوها عبر أجيال ويخشون اليوم تشوهها بسبب مشاريع التطوير.
ويتأمل مرشد من إحدى قبائل البدو بينما يرافق سياحاً في رحلة مشي بين الجبال، المنشآت الحديثة بأسى، ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية "(سانت) كاترين التي كنا نعرفها انتهت، نحن رأيناها لكن الأجيال الجديدة لن تعرف سوى هذه المباني".
"تشويه وتدمير"
يلوح فندق بنجوم خمس في الأفق، بينما تغطي أصوات الجرافات على تغريد الطيور الذي كان يوماً كل ما يمكن سماعه في المكان.
وطلب مرشد رحلات المشي عدم ذكر اسمه، وكذلك فعل غيره ممن أجرت وكالة الصحافة الفرنسية مقابلات معهم حول مشروع "التجلي الأعظم" الذي تبلغ كلفته قرابة 300 مليون دولار.
ويقول المدير السابق لمشروع محمية سانت كاترين الممول من الاتحاد الأوروبي، جون غرينجر، "يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها: هذا تشويه وتدمير".
وتتناثر حول المدينة منازل صغيرة من الطوب الأحمر وبساتين أصبحت تطغى عليها الأضواء الساطعة والخرسانة من فنادق فاخرة مثل منتجع مترامي الأطراف ومركز للمؤتمرات ومئات الوحدات السكنية.
في يوليو (تموز) الماضي ناشدت منظمة "وورلد هيريتدج ووتش" "اليونيسكو" إدراج المنطقة كموقع تراث عالمي معرض للخطر.
وانتخبت "اليونيسكو" في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وزير السياحة والآثار المصري السابق خالد العناني رئيساً لها، وأطلقت مصر أثناء وجوده في سدة المسؤولية في الوزارة مشروع سانت كاترين وهدمت في عهده مساحات واسعة من جبانة القاهرة التاريخية المدرجة على قائمة "اليونيسكو" للمواقع التراثية التي تستخدم في الوقت نفسه كمدفن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ما مصير الدير؟
قرب موقع المشروع الجديد على جبل موسى يقضي أكثر من 20 راهباً بملابسهم السوداء التقليدية أيامهم داخل دير سانت كاترين، يهتمون بأضرحته الصغيرة ومكتبة تضم مخطوطات نادرة، وبأشجار الزيتون والسرو المزروعة من حوله.
لكن في مايو (أيار) الماضي قضت محكمة مصرية بأن دير سانت كاترين يقع على أرض مملوكة للدولة وأن رهبان الدير التابعين للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية يتمتعون فقط بـ"حق الانتفاع".
وأثار الحكم خلافاً دبلوماسياً مع اليونان وغضباً من البطريركيات الأرثوذكسية، فيما دافعت مصر عن الحكم مؤكدة أنه "يحافظ على مكانة الدير".
في سبتمبر (أيلول) الماضي استقال أسقف سانت كاترين بعد تقارير إعلامية عن تمرد غير مسبوق داخل الدير الذي يفتح رهبانه أبوابه كل صباح لاستقبال زوار يرافقهم مرشدون من البدو المنتمين إلى قبيلة "جبلية" التي اشتق اسمها من كلمة "جبل".
"لم يعد لنا مكان"
تعيش قبيلة "جبلية" في المنطقة منذ 1500 عام ويقال إنها تتحدر من الجنود الرومان الذين قدموا لحراسة الدير.
في كل عام يرشد أهالي القبيلة مئات الآلاف ممن يأتون من أجل العبادة أو المغامرة، الذين تجذبهم الأماكن المقدسة والمناظر الطبيعية البكر.
ولأعوام، طالب البدو بتطوير الخدمات والبنية التحتية لانتشال مجتمعهم من براثن الفقر بعدما تم تهميشهم عقوداً.
اليوم، يخشون أن يكون التطور السريع يأتي على حسابهم وحساب راحة موتاهم، ففي عام 2022 هدمت الجرافات مقبرة البلدة التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، مما أجبر الناس على نبش مئات الجثث.
ويقول المرشد "جاؤوا في يوم بلا سابق إنذار وهدموا المقابر"، والآن أصبح موقع المقبرة موقفاً للسيارات.
ولم يرد مكتب محافظ جنوب سيناء على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية حول المقبرة وحول تأثير المشروع على المجتمعات المحلية، غير أن المسؤولين يشيدون بالعوائد الاقتصادية للمشروع، مؤكدين أن القرارات اتخذت بالتشاور مع الأهالي.
ويتابع المرشد "لا أحد يعلم ماذا سيحدث، ربما يطالبوننا غداً بالمغادرة، لم يعد لنا مكان".
عوائد السياحة
في الوقت ذاته يأمل كثر في أن تحسن عوائد السياحة أوضاعهم في مواجهة الارتفاع المستمر في الأسعار.
وفي جميع أنحاء البلاد يشكو كثر ممن هدمت منازلهم من أجل أعمال التطوير، التي شملت بناء جسور ومشاريع عقارية، بينما التعويضات التي دفعتها الدولة غير وافية.
وطلبت "اليونيسكو" من مصر عام 2023 "وقف تنفيذ أي مشاريع تطويرية أخرى" حول دير سانت كاترين وإجراء تقييم للأثر الذي تركته الأشغال، ووضع خطة للحفاظ على الآثار قبل تنفيذ المشاريع.
ولكن أعمال البناء مستمرة، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أعلنت الحكومة انتهاء 90 في المئة من المشروع.
وسط كروم العنب والسرو، يقف مسؤول محلي مشيراً إلى فندق فاخر يكاد يكون مكتمل البناء، متسائلاً "هذه الفنادق ضخمة وكلفها خرافية، هل ستمتلئ حقاً؟ هذه هي المشكلة الحقيقية، لكن لا يمكننا قول أي شيء".