ملخص
بعد يوم من إعلان الرئيس الأميركي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إثر لقائهما في اسكتلندا، التوصل إلى أسس اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً عن وعد زيادة واردات أوروبا من الطاقة الأميركية، واصفة الوعد بأنه "كلام في الهواء".
يشكك خبراء الطاقة والاقتصاديون والمحللون في إمكان تحقيق ما أعلن ضمن الاتفاق الأميركي الأوروبي في شأن التجارة، في ما يخص زيادة واردات الطاقة الأوروبية من أميركا بنحو ثلاثة أضعاف.
فبكل معايير السوق وتوجهات سوق الطاقة الأوروبية لا يمكن للدول الأوروبية استيعاب تلك الزيادة، فضلاً عن أن الإنتاج الأميركي لن يكون كافياً لتصدير تلك الكميات، في ظل تراجع إنتاج النفط الصخري وجمود أو انخفاض إنتاج المشتقات البترولية المكررة.
أضف إلى ذلك أن أوروبا تعمل على زيادة نصيب الطاقة المتجددة في استهلاكها من الطاقة على حساب الوقود الأحفوري الذي تعهدت بزيادة استيراده من أميركا، كما أن المصافي الأوروبية تفضل أنواع نفط أخرى غير النفط الأميركي الخفيف، مثل خام الأورال الروسي أو خامات من الشرق الأوسط.
في مقابل خفض التعريفة الجمركية على الصادرات الأوروبية لأميركا من 30 في المئة، التي أعلنها الرئيس دونالد ترمب، إلى 15 في المئة، تعهدت أوروبا بشراء منتجات طاقة أميركية بنحو 750 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة، ذلك بحسب الاتفاق الذي لم تعلن تفاصيله بعد وينتظر الكشف عنها في الأيام المقبلة.
يعني ذلك أن تصل قيمة واردات أوروبا من النفط والغاز وتكنولوجيا الطاقة النووية الأميركية إلى 250 مليار دولار سنوياً، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قيمة وارداتها الحالية التي لا تصل إلى 80 مليار دولار سنوياً.
أما المشكلة الأكبر فهي أن المفوضية الأوروبية لا تملك فرض أية سياسات استيراد طاقة على القطاع الذي غالبه شركات خاصة تتخذ إداراتها القرارات بما يحمي مصالح المساهمين فيها، بغض النظر عن أية سياسات رسمية.
هل وعد الأوروبيون ترمب لتمرير خفض التعريفة؟
بعد يوم من إعلان الرئيس الأميركي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إثر لقائهما في اسكتلندا، التوصل إلى أسس اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً عن وعد زيادة واردات أوروبا من الطاقة الأميركية، واصفة الوعد بأنه "كلام في الهواء"، والتعبير هو خلاصة آراء الخبراء والمحللين الذين تحدثت إليهم الصحيفة.
جاء "الوعد" الأوروبي في مقابل خفض ترمب نسبة التعريفة الجمركية على الصادرات الأوروبية إلى بلاده من 30 في المئة، التي أعلنها سابقاً، إلى نسبة 15 في المئة.
ومع أن الاتفاق الذي سيعلن قبل موعد الـ12 من أغسطس (آب) المقبل المحدد لبدء فرض رسوم التعريفة الجمركية المتبادلة على شركاء أميركا التجاريين سيتضمن بنوداً أخرى، إلا أن أهم مقايضة فيه كانت خفض التعريفة الجمركية الأميركية في مقابل وعد بزيادة واردات الطاقة الأوروبية من أميركا.
وعن ذلك، يقول مدير شركة "كلير فيو انرجي" للاستشارات، ومقرها واشنطن كيفن بوك، إن "تجربة فترة الرئاسة السابقة باتفاق المرحلة الأولى مع الصين وفر سابقة مهمة لوعد الاتحاد الأوروبي باستيراد طاقة بنحو 750 مليار دولار، وتلك إشارة إلى أن كثيراً مما يعلنه الرئيس ترمب لا يتحقق على أرض الواقع".
تضمن اتفاق إدارة التجارة مع الصين في مرحلته الأولى، الذي وقعته إدارة ترمب السابقة في عام 2020 مع بكين، أن يزيد الصينيون وارداتهم من الولايات المتحدة بمقدار 200 مليار دولار، ولم يحدث ذلك مطلقاً، فضلاً عن أن كثيراً من الوعود بمئات مليارات الدولارات التي ستأتي إلى أميركا من الشرق الأوسط وغيره من المناطق لم يتحقق منها إلا النزر اليسير.
كما فعل اليابانيون أمراً مماثلاً قبل أيام للتوصل إلى اتفاق خفض التعريفة الجمركية مع إدارة ترمب، فقد وعدوا باستثمار 550 مليار دولار في الولايات المتحدة في السنوات المقبلة، وكان الرقم كافياً ليعلن الرئيس الأميركي انتصاراً تجارياً، على رغم أن الوعد الياباني يظل مجرد "وعد" ليس أكثر، والواضح أن الأوروبيين فعلوا الشيء نفسه بوعد زيادة وارداتهم من الطاقة.
لماذا يصعب تحقيق زيادة واردات الطاقة؟
وبحسب بيانات وأرقام مركز الإحصاء الأوروبي "يوروستات"، استوردت دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي 2024 نحو 435.7 مليار دولار من أنواع الطاقة المختلفة، ومن بين تلك الواردات كان حجم ما استوردته أوروبا من الوقود الأحفوري (الغاز المسال والنفط ومشتقاته) من الولايات المتحدة لا تزيد قيمته على 75 مليار دولار، أما البقية فمن مصادر أخرى، منها روسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها.
ولكي تفي أوروبا بالوعد الذي تضمنه إعلان الاتفاق التجاري مع ترمب "يتطلب ذلك أن تستورد أوروبا كميات أكبر بكثير من الغاز والنفط من الولايات المتحدة بدلاً من الموردين الآخرين للقارة أيضاً، مع افتراض استمرار ارتفاع أسعار الغاز والنفط كي تصل إلى مستهدف واردات بقيمة 250 مليار دولار سنوياً"، كما تقول المحللة في مركز سياسات الطاقة الدولية بجامعة كولومبيا صوفي كوربو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن ذلك لا يبدو وارداً، على رغم التفاؤل الذي ساد قطاع الطاقة، خصوصاً الشركات الأميركية، فور إعلان ترمب وفون دير لاين، وهو التفاؤل الذي تراجع بسرعة منعكساً في استقرار أسعار أسهم شركات الطاقة التي ارتفعت لفترة.
ويقول بيل فارين برايس من معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة إنه "يصعب تصور أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من مضاعفة قيمة واردات الطاقة من الولايات المتحدة نحو خمسة أضعاف، في وقت تتجه فيه نحو مصادر الطاقة المتجددة".
ويضيف رئيس أبحاث الغاز في المعهد أن "الطلب الأوروبي على الغاز بطيء النمو وأسعار الطاقة تنخفض، ثم في النهاية الشركات الخاصة هي التي تتعاقد على استيراد الطاقة وليست الدول، سواء أحببنا ذلك أم لا، فان توربينات الرياح هي التي تكسب سباق الطاقة في أوروبا".
ما قدرة أميركا على زيادة الصادرات بقوة؟
وبحسب تقرير لشركة "غلوبال كوموديتي انسايتس"، التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" العالمية للتصنيف الائتماني، فإن النفط يشكل 55 في المئة من واردات الطاقة الأوروبية من أميركا، بينما تشكل المشتقات المكررة نسبة 14 في المئة.
ويقول تقرير آخر من شركة "بلاتس" لمعلومات واستشارات الطاقة إن صناعة الغاز المسال الأميركية ربما تستفيد قليلاً من زيادة الواردات الأوروبية، لكن تحقيق الهدف المعلن لزيادة واردات الطاقة "غير قابل للتحقيق".
طبقاً لبيانات شركة "كوموديتيز آت سي"، فإن دول الاتحاد الأوروبي استوردت في العامين الماضيين 2023 و2024 نفطاً أميركياً بمعدل 1.9 مليون برميل يومياً في المتوسط، شكلت خمس (نسبة 20 في المئة) واردات النفط الأوروبية من الخارج.
وحتى بفرض قدرة المفوضية الأوروبية أن تضغط على الشركات الخاصة، وهو أمر غير وارد في الغالب، لشراء النفط الأميركي بدلاً من نفوط أخرى فإن الإنتاج الأميركي ربما لا يمكنه تلبية الزيادة في الاستيراد الأوروبي.
فقد وصلت طاقة التصدير الأميركية إلى حدها الأقصى في فبراير (شباط) 2023، حين بلغت صادرت النفط 5.63 مليون برميل يومياً، بحسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وبدأ منحنى التصدير في النزول منذ ذلك الحين، ومع تراجع إنتاج النفط الصخري المستمر قد لا تتمكن الشركات الأميركية من العودة لهذا المستوى من الصادرات.
حتى إذا ارادت الولايات المتحدة زيادة صادراتها من خام النفط إلى دول أوروبا، فإن قطاع التكرير الأوروبي أصلاً في منحى انكماش، كما يشير إليه تقرير "غلوبال".
ولم يعد الطلب على النفط في أوروبا يشهد نمواً مع سلسلة من إغلاق مصافي التكرير، ويتوقع أن يستمر إغلاق مصافي التكرير في أوروبا وأميركا الشمالية في السنوات المقبلة، مما يقلل الطلب على النفط أكثر.