Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صحافيو غزة يعرضون معداتهم للبيع مقابل كيس طحين

يعز على بشير التخلي عن كاميرته التي رافقته في كل دروب التغطية وهي عينه الثالثة التي ينقل بواسطتها جوع شعبه

يعرض الصحافيون كاميراتهم وأرشيفهم وميكروفوناتهم للمقايضة على كيس طحين (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

تحول الصحافيون من شهود على المجاعة ومن وسيلة نقلها للعالم إلى جزء منها. يقول أحد المصورين، نلاحق الخبر والصورة بأمعاء خاوية، عيوننا تحترق خلف عدسات الكاميرا، وأقدامنا بالكاد تحملنا من شدة الجوع، وقلوبنا يعتصرها الحزن والقلق على أطفالنا المجوعين أيضاً.

قضى الصحافي بشير أبو الشعر ساعات طويلة متنقلاً بين أسواق قطاع غزة الشعبية عله يظفر بكمية قليلة من الطحين أو الطعام النادر، ليسد جوع صغاره الذين ينتظرونه ببطون جائعة، لكنه فشل كغيره من السكان في الحصول على الغذاء، يقول "هذه مهمة شاقة ومستحيلة".

عاد بشير إلى بيته بيدين فارغتين، عيون أطفاله الجوعى أوجعت قلبه كثيراً، ومن دون تفكير كتب تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي "لم أعد أحتمل رؤية أطفالي ببطون جائعة، أنا مستعد لاستبدال كاميرتي من نوع Canon D80 وهي مصدر رزقي الوحيد مقابل كيس طحين فقط".

لا خبز في الخيمة

وسط المجاعة التي يعيشها سكان غزة لا يختلف الصحافيون عن باقي الأهالي، ويعانون جوعاً مؤلماً يدفعهم نحو موت بطيء، ولا يستطيعون توفير أبسط حاجات أسرهم وأطفالهم من طعام بات نادر الوجود داخل منطقة الحرب.

يعمل بشير مصوراً صحافياً نشيطاً، ولكن في ظل المجاعة التي تعيشها غزة منذ 150 يوماً بات لا يأكل طعاماً كافياً ويحرم نفسه الغذاء لأجل أطفاله، ونتيجة عدم تناوله سعرات حرارية كافية أضحى جسده هزيلاً ولا يقوى على الحركة، يضيف "تتغول المجاعة يوماً بعد آخر وتحصد أرواحاً أنهكها الجوع، وأنا خائف أن أفقد أحد صغاري".

خيمة بشير التي باتت مأوى له فارغة تماماً من أي طعام، ولا يجد خبزاً يطعمه لصغاره، لذلك عرض كاميرته للمقايضة لأجل إطعام صغاره قليلاً من الخبز، يوضح "لقد كان قراراً صعباً، ولكن إذا كان الثمن إنقاذ أطفالي من الموت فأنا مقتنع بقراري، وعهدي أن أبقى حريصاً على أداء رسالتي الصحافية".

الصورة ستغيب

يتألم بشير كثيراً، ويتابع "أرى أطفالي يتضورون جوعاً ويصرخون من شدة الحرمان، أبكي لعجزي عن سد جوعهم"، وبسبب الجوع أصبح الصحافي لا يقوى على الحركة ويكافح للاستمرار في العمل.

من شدة الجوع يخرج الصحافي بخطوات متثاقلة ليوثق قهر الغزيين جراء المجاعة، ولكن بعد عرض كاميرته للمقايضة من أجل الطحين يؤكد بشير أن ذلك سيؤثر في نقل ألم الغزيين للعالم، وأن ذلك ما تريده إسرائيل لتمنع توصيل معاناة المدنيين من أثر الحرب.

يعرف بشير أن صورته التي تجسد الفظائع الإنسانية داخل غزة ستغيب عن العالم عند مقايضة كاميرته مقابل الطحين، ويشير إلى أن الصورة إذا لم تؤثر في العالم وتدفعه للتحرك لسد جوع الغزيين، فحينها لا فائدة للعمل الصحافي.

بشير أب لسبعة أطفال، أحدهم الطفلة راما التي تعاني مرضاً مزمناً، ومنذ بداية الحرب يواصل تغطية الأحداث، قصف الجيش الإسرائيلي بيته وجُرح مرتين بجروح خطرة ولم يتوقف عن العمل، لكن الآن وصل إلى نقطة لا يستطيع عندها أن يرى أطفاله يموتون جوعاً.

يعز على بشير فراق كاميرته التي رافقته في كل دروب التغطية والتوثيق وهي عينه الثالثة التي ينقل بواسطتها جوع شعبه، مؤكداً أنه اضطر إلى التخلي عن أغلى ما يملك ليبقي أطفاله على قيد الحياة، لأن الأرغفة باتت حلماً صعب المنال.

بشير ليس الصحافي الوحيد الذي عرض معداته للبيع أو المقايضة من أجل الطحين، فقد سبقه وتبعه كثر على هذه الخطوة.

أرشيف صور غزة مقابل الطحين

عرض الصحافي فادي ثابت أرشيفه المهني للبيع مقابل كيس طحين، يقول "نحن لا نعيش فقط جوع البطون، بل قهر الكرامة، نحن نصور الموت ثم نعيشه، المرحلة الخامسة من سوء التغذية مرعبة، الغزيون يمشون في الشوارع بعيون غائرة ووجوه ذابلة".

تحول الصحافيون من شهود على المجاعة ومن وسيلة لنقلها للعالم إلى جزء منها، يضيف فادي "لسنا مجرد صحافيين نروي المأساة، إننا جزء من المجوعين نلاحق الخبر والصورة بأمعاء خاوية، عيوننا تحترق خلف عدسات الكاميرا، وأقدامنا بالكاد تحملنا من شدة الجوع، وقلوبنا يعتصرها الحزن والقلق على أطفالنا المجوعين أيضاً".

جوع صغاره، دفع فادي لعرض أرشيفه وهو أغلى ما يملك للمقايضة مقابل كيس دقيق يسد به جوع أسرته، يؤكد أن الجوع دفع به إلى هذا الخيار الصعب. وعلى رغم رمزية الأرشيف كأداة مهنية وتاريخية توثق مسيرته فإن الجوع أشد فتكاً.

10 أيام بلا خبز

كل صباح يرتدي ثابت درعه الصحافي الثقيل الذي بات يخفي آثار الجوع على جسده أكثر مما يحميه من الرصاص، ويودع أرشيف 20 عاماً من ذاكرة غزة المصورة، يوضح أنه "ليس سهلاً على الصحافي أن يتخلى عن معداته التي تمثل بالنسبة إليه سلاحه الشخصي، ولكن الكارثة كبيرة، ولم يعد أمامنا إلا أن نبدل معداتنا بكيس طحين".

منذ 10 أيام وأسرة الصحافي فادي تعيش من دون خبز، يقول "طلب مني طفلي ساندويش قائلاً، بابا أنا جوعان ولكني لم أجد في خيمتي خبزاً مما جعلني أشعر بالعجز"، متسائلاً "هل يوجد أصعب من شعور العجز لدى أب لا يملك رغيفاً لطفله؟".

ميكروفونات مقابل الطعام

الصحافي أحمد عبدالعزيز أيضاً جائع واضطر لبيع ميكروفوناته من أجل إطعام أسرته، يقول "المبلغ لم يكف سوى ليومين، اليوم أفكر في بيع الكاميرا، نحن لا نصور الحرب فحسب، نحن نعيشها ثم نبيع أدواتنا لنأكل".

على رغم المجاعة يواصل الصحافيون أداء رسالتهم تحت نيران الحرب، ولكن اشتداد الجوع جعل أجسادهم تتآكل وهذا ما دفعهم لبيع معداتهم مقابل كسرة خبز نادرة.

شهادات صحافيين

يقول الصحافي حلمي موسى "قضيت أسبوعاً من غير خبز، أقضي ما بين 20 و24 ساعة متواصلة على وجبة طعام واحدة وهي صحن شوربة عدس، وأسكن معدتي طوال هذه الساعات بالماء فقط".

يبدو الإرهاق مرسوماً على ملامح الصحافي حسني نديم، ويقول "في كثير من الأوقات لا نستطيع مواكبة الحدث، لأننا منشغلون بالبحث عن الطعام، الصحافي هنا لا ينقل الحدث فحسب، بل أصبح هو ذاته جزءاً من الحدث".

بات جسد الصحافية دعاء الباز نحيلاً، فهي تأكل وجبة واحدة فقط لا تتجاوز نصف رغيف من الخبز الفارغ وحبة من خيار إن توافرت، تقول "نحن نجوع، كنا نعيش بأمان لكن الحرب حرمتنا كل شيء حتى الطعام".

ويقول الصحافي أنس فتيحة "ما كنت أتخيل أن أوثق معاناة الناس من الجوع، وأنا نفسي أعاني وطفلي يطلب رغيف خبز، وأنا كصحافي عاجز عن توفيره لعائلتي، صرنا نطلب الخبز مثل بقية الناس".

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يعاني الصحافيون جوعاً قاسياً يهدد قدرتهم على الاستمرار في تغطية الأحداث، يقول الصحافي بشار طالب "ليست لدينا طاقة، اضطررت إلى التوقف عن العمل مرات عدة فقط للبحث عن طعام لعائلتي، أشعر للمرة الأولى بانهيار نفسي كامل، طرقت كل الأبواب لإنقاذ عائلتي من الجوع لكن من دون جدوى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انهيار وإغماء

عمر القطاع يقول "لا نستطيع الوصول إلى مواقع التغطية لأنه لم يتبق لدينا طاقة، أرهقت من حمل الكاميرات الثقيلة على كتفي والمشي لمسافات طويلة، أصبحت هيكلاً عظمياً وفقدت القدرة على العمل بالسرعة المعهودة، الأسوأ هو معاناة عائلتي الجائعة".

بعد الانتهاء من تقرير تلفزيوني مباشر انهار صالح الناطور، قائلاً "يؤثر الجوع بصورة مباشرة على التقارير اليومية التي أنتجها، بسبب الجوع أفقد التركيز وأنسى المعلومات أثناء البث التلفزيوني المباشر". وفي حادثة أخرى، أغمي على الصحافية سالي ثابت بعد بث مباشر بسبب الجوع، وجرى نقلها إلى المستشفى حيث تلقت محلولاً وريدياً لإنقاذ حياتها.

لن يبقى أحد ينقل الرسالة

تقول المديرة الإقليمية للجنة حماية الصحافيين سارة القضاة "الصحافيون في غزة يموتون جوعاً، وبات يؤثر بصورة مباشرة على قدرة الصحافيين على تغطية الأحداث، إنهم يواصلون مهامهم على رغم أن بطونهم خاوية وأجسادهم تضعف كل يوم".

تضيف القضاة "لا يهدد الجوع والمجاعة الأرواح فحسب، بل يهددان أيضاً قدرة الإعلام على تقديم شهادته، وإذا لم نتحرك الآن فلن يبقى في غزة أحد ليروي الحقيقة، ما نشهده ليس كارثة إنسانية فحسب، بل اعتداء مباشر وغير مسبوق على حرية الصحافة".

نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل يقول "الصحافي في غزة دفع ضريبة باهظة في سبيل تمسكه بأداء رسالته المهنية والإنسانية السامية، وازداد واقع الصحافيين سوءاً مع اشتداد المجاعة، حتى لم يعد يكابد من أجل الاستمرار في عمله الميداني، وملاحقة الأحداث التي تتوقف هنا وهناك بالقصف والتجويع، بينما هو نفسه وأسرته يعانون المجاعة المستشرية. ما يتعرض له الصحافيون داخل غزة غير مسبوق وليس له مثيل بأي مكان في العالم".

وبالنسبة إلى إسرائيل، يقول منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية غسان عليان "يعمل الجيش الإسرائيلي من خلال وحدة التنسيق على تسهيل وتمكين نقل المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة، ويدعم هذه الجهود بصورة فعالة، بما في ذلك من خلال المتابعة المنتظمة لمخزون المواد الغذائية داخل القطاع، وليست هناك أية مجاعة في غزة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير