Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع الإسرائيلي- الإيراني يضع فرنسا أمام تحد دبلوماسي

بين الدعم الخفي والدعوة إلى السلام... كيف توازن باريس موقفها من الحرب؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ ف ب)

ملخص

يعكس موقف فرنسا بقيادة ماكرون سعياً دبلوماسياً دقيقاً للحفاظ على توازن يصعب تحقيقه في ظل تنامي التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل. وهكذا، يبقى الحياد النسبي لباريس محملاً بتناقضات تنبع من علاقاتها القوية مع إسرائيل ورغبتها المستمرة في الحوار مع طهران، مما يجعل دورها في المنطقة حيوياً، لكنه محفوف بالتحديات، خصوصاً في ما يتعلق باستقرار المنطقة ومصالحها في العالم العربي.

تواجه فرنسا تحدياً دبلوماسياً معقداً بعد تصاعد الضربات الجوية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، حيث يعد هذا التصادم العسكري، الذي يأتي بعد عقود من الحروب بالوكالة والضربات غير المباشرة، الأكثر حدة بين الطرفين منذ الثورة الإسلامية عام 1979، ويفتح فصلاً جديداً من المواجهة الإقليمية المباشرة، مما يضع القوى الدولية، وعلى رأسها فرنسا، أمام اختبار دبلوماسي صعب ومعقد.

رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ الفرنسي سيدريك بيران، يرى أن فرنسا ومعظم الدول الأوروبية تصنف الغارات الإسرائيلية الأخيرة كـ"ضربة استباقية"، وهو وصف يثير جدلاً واسعاً بسبب تداعياته القانونية والسياسية. ويقول إن هذا التوصيف، على رغم الجدل المحيط به، لا يغير من الإجماع الدولي شبه العام على رفض امتلاك إيران السلاح النووي، مؤكداً أن هذا الرفض يشكل قاعدة مشتركة بين القوى الغربية على اختلاف مواقفها تجاه أسلوب التعامل مع طهران.

مبادرة دبلوماسية للسلام

أعلن قصر الإليزيه أن فرنسا ستطلق "مبادرة بالتعاون مع شركائها الأوروبيين المقربين، لاقتراح تسوية تفاوضية شاملة تهدف إلى إنهاء الصراع" بين إسرائيل وإيران. وطلب الرئيس إيمانويل ماكرون من وزير الخارجية جان نويل بارو، خلال اجتماع مجلس الدفاع، تنفيذ هذه المبادرة "في الأيام المقبلة"، مؤكداً "ضرورة إنهاء العمليات العسكرية بصورة عاجلة".

كما طالب ماكرون الوزير باتخاذ "الإجراءات اللازمة" لتسهيل مغادرة المواطنين الفرنسيين المقيمين في إسرائيل أو إيران، في حال رغبوا بذلك.

 

واختتم مجلس الدفاع والأمن اجتماعه الذي استمر أكثر من ساعتين في قصر الإليزيه، ظهر الأربعاء، بحضور عدد من الوزراء، منهم وزير الداخلية برونو ريتيلو، ووزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو، ووزير الخارجية جان نويل بارو، لمناقشة التطورات في الصراع بين إسرائيل وإيران، إضافة إلى أوضاع الرعايا الفرنسيين في البلدين.

وأشار البيان إلى إمكانية اتخاذ إجراءات إجلاء وإصدار قرارات لاحقة، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية في الوقت الراهن.

في هذا الإطار، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن إسرائيل "لم تطلب" من فرنسا القيام بـ"عمليات حماية ودفاع"، وهو تصريح يراه مراقبون بمثابة إشارة إلى فتور محتمل في العلاقات الدبلوماسية بين باريس وتل أبيب، لا سيما في ظل الحصار الإسرائيلي على غزة.

في أبريل (نيسان) 2024، نفذت فرنسا عمليات اعتراض لصواريخ وطائرات مسيرة إيرانية استهدفت إسرائيل من قاعدة عسكرية في الأردن، في خطوة داعمة لها. إلا أن لهجة باريس شهدت تحولاً ملحوظاً في مايو (أيار) الماضي، حين وصف ماكرون الإجراءات التي اتخذتها حكومة بنيامين نتنياهو في غزة بأنها "غير مقبولة" و"مخزية".

كما أعلن ماكرون عن نيته المضي قدماً نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في خطوة أثارت معارضة شديدة من إسرائيل وزادت من تعقيد العلاقات بين البلدين.

علاوة على ذلك، أدت الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران إلى تأجيل فرنسا مؤتمراً أممياً كان مقرراً في الـ18 من يونيو الجاري لمناقشة تطورات النزاع، مما يعكس حساسية الموقف وتصاعد التوترات الإقليمية والدولية

وفي الوقت ذاته، دعا ماكرون إسرائيل إلى "التوقف فوراً" عن توجيه ضربات تعد "غير مرتبطة ببرامج إيران النووية والصواريخ الباليستية". جاء ذلك خلال اجتماع لمجلس الدفاع عقد أمس الأربعاء، كما وجه وزارة الخارجية الفرنسية بتسهيل مغادرة المواطنين الفرنسيين الراغبين في مغادرة إيران أو إسرائيل، حرصاً على سلامتهم وسط تصاعد التوترات.

قراءة في الموقف الفرنسي

قال الصحافي لدى الاتحاد الأوروبي حسين الوائلي، إن فرنسا تتفق مع الرؤية الإسرائيلية الرامية إلى إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، لكنها تعارض الوسيلة التي تعتمدها تل أبيب، والمتمثلة في تغيير النظام الإيراني عبر القوة.

وأوضح الوائلي أن "فرنسا ترى أن تجربة إسقاط الأنظمة بالقوة قد فشلت في دول مثل أفغانستان والعراق وليبيا والصومال، وأن هذا النموذج غير قابل للتكرار في السياق الإيراني". وأضاف "البديل الفرنسي يقوم على فتح قنوات دبلوماسية، ممارسة الضغوط السياسية، وتفعيل العقوبات الاقتصادية، على أمل أن تدفع هذه السياسات إيران إلى تقديم تنازلات، هذا هو الرهان القائم في باريس، على رغم أن النتائج ليست مضمونة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار إلى أن فرنسا تتحرك بصورة غير مباشرة لدعم إسرائيل، لا سيما في الجانب التقني والعسكري، وأنه "في حال تصاعدت المواجهة بصورة كبيرة، من المرجح أن تقف فرنسا إلى جانب إسرائيل على المستوى التكنولوجي أو حتى العسكري، وإن لم يكن ذلك بصورة علنية دائماً".

وتابع الوائلي "الدور الفرنسي في الوساطة الدبلوماسية مهم جداً، حيث انتظمت باريس في المراحل الأولى من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، لكن الإيرانيين لاحقاً قللوا من شأن الدور الأوروبي، وفضلوا التفاوض عبر القنوات المباشرة مع واشنطن، معتبرين أن الحوار مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا ليس حاسماً".

وأوضح أن "فرنسا تمتلك رؤية قانونية واضحة، تقوم على رفض أي لجوء إلى استخدام القوة العسكرية من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، وهو ما يتعارض مع الطرح الإسرائيلي الذي يستند إلى تفسير خاص للفقرة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تتيح الدفاع عن النفس حتى خارج الأراضي الإسرائيلية".

وأضاف، "إسرائيل تبرر ضرباتها الاستباقية على إيران باعتبارها دفاعاً عن النفس، بينما إيران هي الأخرى تقدم تفسيراً مشابهاً لنفس المادة وتقوم بضربات مضادة. في هذا السياق، يبقى الموقف الفرنسي أكثر اتزاناً، إذ يدعو إلى العودة إلى المرجعيات الدولية، واحترام القانون الدولي، واللجوء إلى مجلس الأمن".

واختتم الوائلي تصريحه بالقول "فرنسا لا تزال تطرح القانون الدولي كخيار، لكنها تعلم أن احترام هذا القانون أصبح أمراً نادراً في ظل هيمنة المصالح وتراجع فاعلية المؤسسات الدولية. لقد شاركت فرنسا في ست جولات غير مباشرة من الحوار مع إيران، لكنها تجد نفسها اليوم أمام واقع إقليمي ودولي لا يعطي للقانون الدولي وزنه الحقيقي، خصوصاً في ظل احتمال توسع الصراع".

من ديغول إلى ماكرون: تغيرات في العقلية السياسية الفرنسية

يصرح المحلل السياسي تميم هيكل بأن موقف فرنسا الحالي يبدو غير متوازن، إذ تتبنى سياسة دفاعية واضحة تجاه حليفها الإسرائيلي، متناسية أن تل أبيب هي من بادرت بالهجوم على إيران، ومن هذا المنطلق موقف باريس واضح لمصلحة إسرائيل، كما أن موقفها يتناغم مع توجهات الاتحاد الأوروبي، لا سيما على الصعيد الأمني، ما يترجم في نهاية المطاف إلى دعم غير مباشر لإسرائيل.

ويشير هيكل إلى أن هذا الموقف يتناقض مع التاريخ السياسي الفرنسي، مستشهداً بما حدث خلال حرب عام 1967، حين كان الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول يدعم إسرائيل قبل اندلاع الحرب، لكنه سارع إلى إدانتها عندما تأكد أنها هي من بدأت الهجوم.

 

ويرى هيكل أن هذا التناقض يثير التساؤلات، ويعكس تغيراً واضحاً في العقلية السياسية الفرنسية، وخصوصاً في ظل سياسات الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، التي تتسم بـتناقضات بارزة مقارنة بالمواقف التاريخية لفرنسا.

وعند سؤاله عن كيف توازن فرنسا بين خطابها الداعم للشرعية الدولية وحقوق الشعوب من جهة، وتحالفاتها الأمنية من جهة أخرى أوضح الصحافي والمحلل السياسي تميم هيكل أن فرنسا تعارض الإبادة الجماعية ليس انطلاقاً من موقف مبدئي ثابت، بل لأنها تدرك أن استمرار هذه الانتهاكات يشوه صورة إسرائيل على الساحة الدولية. ويضيف أن فرنسا ترى في الحفاظ على صورة إسرائيل كـ"دولة ديمقراطية وحليفة للغرب" أمراً ضرورياً لاستمرار دعمها لها دولياً.

ويتابع هيكل أن مصلحة فرنسا الاستراتيجية تقتضي بقاء إسرائيل قوية ومتماسكة، ولذلك تعد أن السياسات المتطرفة التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية الحالية، بما فيها الممارسات الميدانية العنيفة، تضعف الموقف الإسرائيلي دولياً وتعقد مهمة فرنسا في الدفاع عنها ضمن المحافل الدولية.

كما يشير إلى أن هذا الموقف الفرنسي لا يتناقض بالضرورة مع وقوفها إلى جانب إسرائيل في الصراع الجوي القائم مع إيران، بل يعكس محاولة فرنسية لضبط سلوك الحليف من دون التخلي عنه، ففرنسا بحسب هيكل، لا تزال تعد إسرائيل حليفاً أساسياً في المنطقة، لكنها قلقة من السياسات التي قد تضر بشرعية هذا التحالف على المستوى الدولي. وأكد أن الموقف الفرنسي لا ينسجم مع مبادئ القانون الدولي، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول حيادية باريس والتزامها القيم التي تدعي الدفاع عنها.

واقعية الحياد الفرنسي

على رغم سعي فرنسا إلى تقديم نفسها طرفاً متوازناً في الصراع بين إيران وإسرائيل، يبقى هذا الحياد محدوداً وواقعياً إلى حد كبير. فمن جهة، الدعم العسكري غير المعلن لإسرائيل يضع باريس في موقف قد يفسر على أنه انحياز نسبي. ومن جهة أخرى تعقد العلاقات مع إيران بسبب الملف النووي والتوترات المستمرة، مما يجعل باريس تفضل الحلول الدبلوماسية والعقوبات بدلاً من المواجهة المباشرة.

 

وبالنظر إلى تأثير هذا التوازن الحذر على علاقات فرنسا مع الدول العربية، نجد أن باريس تواجه تحديات كبيرة، إذ ينظر إليها كداعم لإسرائيل، مما ينعكس سلباً على علاقاتها مع كثير من الدول التي تؤيد القضية الفلسطينية، إضافة إلى ذلك تحاول فرنسا استثمار دورها الدبلوماسي والاقتصادي في المنطقة من خلال مبادرات السلام والمفاوضات، غير أن استمرار الصراعات الإقليمية يعرقل هذه الجهود، ويجعل من الصعب الحفاظ على مكانتها ومصالحها.

في نهاية المطاف، يعكس موقف فرنسا بقيادة ماكرون سعياً دبلوماسياً دقيقاً للحفاظ على توازن يصعب تحقيقه في ظل تصاعد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل. وهكذا، يبقى الحياد النسبي لباريس محملاً بتناقضات تنبع من علاقاتها القوية مع إسرائيل ورغبتها المستمرة في الحوار مع طهران، مما يجعل دورها في المنطقة حيوياً، لكنه محفوف بالتحديات، خصوصاً في ما يتعلق باستقرار المنطقة ومصالحها في العالم العربي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير