Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي الأضرار الصحية والبيئية لاستهداف المواقع النووية؟

تعرضت 3 مواقع إيرانية لقصف إسرائيلي مع استمرار التهديدات بالعمل على تدمير برنامج طهران النووي بالكامل

صورة التُقطت بواسطة الأقمار الاصطناعية لموقع فوردو النووي الإيراني (ماكسار تكنولوجيز/ رويترز)

ملخص

تثير الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المواقع النووية الإيرانية الخوف في المنطقة نظراً إلى الأخطار الصحية والبيئية الكبرى الناجمة عنها. فهي مدخل لتسرب إشعاعي قد يؤدي إلى تلوث في المياه والهواء والتربة، ناهيك بأضرار مباشرة على صحة البشر وتشوه الأعضاء لفترات طويلة. ويبقى الرهان على اكتفاء إسرائيل بتعطيل تلك المنشآت وتأخير البرنامج النووي للعودة إلى المفاوضات، وعدم تدميره بالكامل من خلال القصف.

أدخلت الحرب الإسرائيلية - الإيرانية منطقة الشرق الأوسط دائرة "الدمار الشامل" بفعل الهجمات التي تشنها الطائرات الجوية الإسرائيلية على مواقع إيرانية نووية في نطنز وأصفهان والتهديد المتكرر لمنشأة فوردو، وهو ما اعتبره وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن "إسرائيل تجاوزت خطاً أحمر جديداً بضربها مواقع نووية". وفي وقت أعلن فيه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي أن "منشأتا فوردو وأراك للماء الثقيل لم تتضررا بالهجمات". ومع تصاعد حرب التهديدات بين الطرفين باستهداف المنشآت النووية في إيران وإسرائيل، قفزت إلى الذاكرة "مشاهد الدمار والخزي التي أدمت البشرية من هيروشيما وناغازاكي، وصولاً إلى تشيرنوبيل"، وما تثيره من هلع في النفوس، والتساؤلات حول جاهزية لبنان ودول الشرق الأوسط الأخرى لمواجهة الخطر النووي، وتجنب الأضرار الصحية والبيئية الجسيمة وسط رؤية مستقبلية متشائمة حول "مستقبل مريع" قد تعيشه الأجيال المقبلة.

كيف تأثرت المواقع النووية الإيرانية؟

لم تخف إسرائيل حقيقة استهدافها لمواقع نووية إيرانية على رغم تعريضها المنطقة بأسرها للخطر. يقرأ المحلل الاستراتيجي الكويتي ظافر محمد العجمي المشهد النووي في المنطقة، ويكشف عن "استهداف إسرائيلي لمنشآت نطنز وفوردو وأصفهان النووية الإيرانية. ففي نطنز، دمر الجزء الواقع فوق الأرض من المحطة، بما في ذلك البنية التحتية الكهربائية ومنشآت التوزيع، مما قد يؤدي إلى تلف أجهزة الطرد المركزي في المنشآت تحت الأرض بسبب انقطاع الكهرباء. أما في فوردو وأصفهان، فأكدت السلطات الإيرانية أن الأضرار كانت محدودة"، مشيراً إلى أن "القصف أخرج بعض المرافق السطحية عن الخدمة، لكنه لم يعطل بالكامل القدرات النووية الإيرانية، بخاصة أن معظم أنشطة التخصيب تجري في منشآت محصنة تحت الأرض يصعب تدميرها عبر القصف الجوي التقليدي".

استهداف متكرر

يثير استهداف المواقع النووية المخاوف في النفوس البشرية، وما يزيد الطين بلة هو الإصرار الإسرائيلي على تدمير المواقع على مراحل متكررة، في مقابل تمسك إيران بتخصيب اليورانيوم. وتتعدد الأخطار الناجمة عن الاستهداف الجوي في ظل بروز معلومات عن تسرب مواد مشعة محدود داخل منشأة نطنز. يجزم الدكتور العجمي بوجود "أخطار كبيرة" بفعل استهداف المنشآت الإيرانية بصورة متكررة، و"أبرزها احتمال تدمير أنظمة التبريد أو التحكم، مما قد يؤدي إلى تسرب إشعاعي أو كيماوي داخل الموقع، وتصاعد المخاوف من تلوث بيئي في محيط المنشآت". ينطلق العجمي من التصريحات الرسمية، ليشير إلى أنه "حتى الآن، لم تؤكد السلطات الإيرانية أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود تسرب إشعاعي خارج المواقع المستهدفة، بل أشارت إلى أن مستويات الإشعاع لم ترتفع في المناطق المحيطة. ومع ذلك حذر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي من تلوث إشعاعي وكيماوي داخل موقع نطنز تحديداً، مما يعكس هشاشة الوضع وإمكان تفاقمه في حال تكرار الاستهداف أو حدوث خلل في أنظمة الأمان".

الأخطار الكبرى

يتسبب استهداف المنشآت النووية بأخطار متعددة، ويؤكد الدكتور إسماعيل عباس، البروفيسور في الكيمياء الفيزيائية والبيئية في الجامعة اللبنانية، أنه "عندما تتعرض منشأة نووية للقصف أو للتدمير الهيكلي أثناء هجوم عسكري، فإن أحد أخطر النتائج هو التسرب غير المسيطر عليه للمواد المشعة"، لافتاً إلى أنه "في الظروف العادية، يتم حفظ المواد المشعة – سواء كانت في قضبان الوقود أو داخل المفاعلات أو مخزنة كنفايات – داخل هياكل محصنة ومغلقة بإحكام لمنع أي تسرب، ولكن بمجرد اختراق هذه الحواجز بسبب الانفجارات أو الهجمات الجوية، تبدأ المواد المشعة بالتسرب إلى البيئة بصور متعددة، مثل الجسيمات الصلبة الناتجة من حطام الوقود، أو الغازات المشعة مثل (الزينون-133 (Xe-133 و(اليود-131)، أو العناصر المتطايرة مثل (السيزيوم-137)، أو السوائل الملوثة مثل مياه التبريد أو النفايات الكيماوية".

تسرب إشعاعي ممكن

تدفع الأخطار المتعددة إلى تحمل الأطراف المتصارعة مسؤولياتها لتجنب جعل المفاعلات النووية أهدافاً حربية، وما ينجم عنه من تسريبات إشعاعية أو سحابة يمكن أن تنتشر في الجو، وتهديد المنطقة بكارثة بيئية. وتطرق عباس إلى "عملية التسرب التي تبدأ غالباً عندما تنهار أنظمة الاحتواء. فالمرافق النووية تصمم عادة بطبقات من الفولاذ والخرسانة لمنع التسرب الإشعاعي، لكن القنابل القادرة على اختراق التحصينات يمكنها اختراق هذه الطبقات بسهولة. وإذا دمر وعاء المفاعل أو حوض تخزين الوقود المستهلك، فقد يحدث تسرب فوري للمواد المشعة". كما أن الانفجار نفسه قد يؤدي إلى تبخر أجزاء من قلب المفاعل أو الوقود النووي، مما ينشر سحباً سامة من الغبار والدخان المشع في الجو. وعلى رغم أن هذا ليس تفجيراً نووياً، فإنه يشبه "القنبلة القذرة" التي تنشر المواد المشعة على نطاق واسع عبر انفجار تقليدي.
في المقابل، يتطرق عباس إلى تأثير الحرائق الناتجة من القصف التي قد تؤدي إلى تفاقم الكارثة. فعند احتراق الوقود النووي أو المعدات الملوثة، يتم إطلاق نظائر مشعة متطايرة مثل "اليود-131" و"السيزيوم-137" في الهواء. كما أن الأضرار التي تلحق بأنظمة التبريد تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، مما قد يتسبب في انصهار جزئي أو تفاعلات كيماوية ثانوية تؤدي إلى إطلاق مزيد من المواد المشعة".

آثار صحية مدمرة

يتحدث الدكتور إسماعيل عباس عن أخطار النظائر المشعة المنبعثة المتنوعة، مشدداً على أن بعضها يشكل خطراً كبيراً على الصحة. فمثلاً، يمتص "اليود-131"، الذي يبلغ عمره النصفي نحو 8 أيام، بسرعة من قبل الغدة الدرقية، خصوصاً عند الأطفال، مما يزيد من خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية. أما "السيزيوم-137"، فعمره النصفي نحو 30 سنة، وينتقل بسهولة في الهواء والماء، ويتراكم في التربة وسلاسل الغذاء، مسبباً خطراً طويل الأمد للإصابة بالسرطان. "السترانشيوم-90" يشبه الكالسيوم ويدخل العظام والأسنان، مما يسبب أنواعاً من سرطان الدم. أما "البلوتونيوم-239" فيعتبر من أكثر المواد سمية إذا تم استنشاقه، وله عمر نصفي يصل إلى 24,000 سنة، ويشكل خطراً طويل الأمد على البيئة والصحة. أما في ما يتعلق بـ"التريتيوم" (الهيدروجين-3)، على رغم كونه مشعاً ضعيفاً، يمكن أن يدخل إلى المياه الجوفية ويؤثر في مياه الشرب".
بعد استعراض خطورة هذه المواد، ينبه عباس إلى إمكان أن "تحمل بواسطة الرياح إلى مسافات بعيدة، تصل إلى مئات أو آلاف الكيلومترات. وإذا كانت حركة الرياح في اتجاه غرب أو شمال غرب، فمن الممكن أن تصل الغيوم المشعة إلى العراق وسوريا ولبنان في غضون أيام قليلة، مما يؤدي إلى تلوث واسع النطاق للأراضي الزراعية والمياه والمباني والمنازل. وتؤدي هذه الترسبات إلى تدمير المحاصيل وتسميم مصادر المياه مثل الأنهار والمياه الجوفية. ويمكن أن تبقى هذه الملوثات في التربة والماء لعقود طويلة".

إجراءات احترازية

يدخل الإشعاع إلى جسم الإنسان عبر ثلاث طرق رئيسة: الاستنشاق للغبار أو الرماد أو الدخان المشع، والابتلاع عبر الطعام أو الماء أو الحليب الملوث، والتلامس الجلدي، بخاصة مع الجسيمات "ألفا" أو "بيتا" إذا لم تكن هناك حماية كافية وفق الدكتور إسماعيل عباس، الذي يوضح أنه "عند دخول النظائر إلى الجسم، تبدأ في إشعاع الأنسجة من الداخل، مما يزيد خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان، وأضرار في الجهاز التناسلي، وتشوهات خلقية، وفشل في الأعضاء، وتثبيط في الجهاز المناعي"، محذراً من أن "الفئات الأكثر عرضة للخطر هي الأطفال، والحوامل، وكبار السن".

الحذر واجب

تتطلب أخطار التلوث الإشعاعي رد فعل استباقياً وسريعاً، وعلى رغم أن "لبنان قد لا يكون في قلب الانفجار، فإنه لن يكون بمنأى عن تداعياته. وفي حال قصف منشآت نووية في إيران سيكون له تأثير بيئي وصحي إقليمي، يتطلب استعداداً ووعياً جماعياً، لأن الكارثة الإشعاعية لا تعترف بالحدود السياسية" من وجهة نظر الدكتور إسماعيل عباس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل من إجراءات استباقية؟

يقع على عاتق الدول المحيطة بإيران اتخاذ الإجراءات الوقائية في حال تصاعد خطر التسرب الإشعاعي، التي تراوح ما بين تفعيل خطط الطوارئ الوطنية للرصد الإشعاعي، وتوزيع أجهزة قياس الجرعات الإشعاعية المحمولة، ومراقبة محطات الرصد الإشعاعي الجوية والمائية والبرية، وضرورة التنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحذير السكان في المناطق الحدودية من الاقتراب من المواقع المشبوهة وتوزيع أقراص اليود إذا لزم الأمر.
يقارب المتخصص ظافر العجمي الإجراءات الوقائية من الناحية التقنية، حيث "تقاس نسب الإشعاع باستخدام أجهزة 'غايغر' لقياس النشاط الإشعاعي في الهواء، وأجهزة قياس الجرعات لتحديد كمية الإشعاع التي يتعرض لها الأفراد، إضافة إلى محطات الرصد الثابتة التي تراقب التغيرات في الخلفية الإشعاعية بصورة مستمرة. يتم الإبلاغ فوراً عن أي ارتفاع غير طبيعي في مستويات الإشعاع للسلطات المتخصصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة".
من ناحية أخرى، ينوه العجمي بضرورة التعامل بشفافية مع استهداف المواقع الخطرة، ويلفت إلى أن "حوادث قصف المنشآت النووية الإيرانية (نطنز، فوردو، أصفهان) تتشارك مع كارثة تشيرنوبل عام 1986، في عنصرين أساسين، وهما: السرية والإنكار وما ينتج منهما من هلع محتمل يسيطر على صناعة القرارات. ففي تشيرنوبل، أدى إخفاء السلطات السوفياتية لحجم الكارثة إلى تأخر الإجلاء وتعريض السكان لإشعاع عال، مما فاقم الأزمة الصحية والنفسية. هذا النمط من التعامل مع الأزمات يثير قلقاً بالغاً عند الحديث عن الهجمات على المنشآت النووية في إيران، وإن كانت الفروق الجوهرية بين الحالتين كبيرة".

لبنان في قلب الحدث

عندما وقعت كارثة تشيرنوبيل أوكرانيا في مايو (أيار) 1986، وصلت جزيئات إشعاعية إلى لبنان في الهواء، على رغم مسافة 2000 كيلومتر التي تفصل لبنان عن أوكرانيا. واليوم ترتفع الصرخة لبدء الخطوات الاحترازية لتجنب الأخطار الناجمة عن إمكان استهداف مواقع نووية في الإقليم، وأقربها على الإطلاق مفاعل ديمونا الواقع على مسافة 316 كيلومتراً عن العاصمة اللبنانية بيروت، وأبرزها توزيع أدوية تحوي Potassium Lodide. من جهتها، دعت النائب نجاة عون صليبا إلى تطبيق إجراءات فورية، وعدم انتظار وقوع الكارثة، لأن "الهواء قادر على حمل الجزيئات المشعة إلى مسافات بعيدة في حال كانت التيارات سريعة وقوية. وعلينا أن نستحضر دائماً فكرة التيارات الهوائية الحارة التي تضرب لبنان، والتي يعود مصدرها إلى الصحراء العربية البعيدة للغاية، وما تحمله معها من غبار في الموسمين الخريفي والربيعي. بالتالي فإن الخطر موجود، وعلى الدولة بوصفها مسؤولة عن مواطنيها أن تضع خطة طوارئ بالتعاون مع الهيئة العليا للإغاثة والمركز الوطني العلمية والطاقة الذرية لتوعية المواطنين إلى كيفية التعامل مع التسريبات".

من جهتها تعول النائبة نجاة عون على مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورصدها لنسب الإشعاعات المنبعثة من مواقع إيرانية مستهدفة، وقالت إن "هناك تأكيدات لعدم وجود تسرب إشعاعات إلى خارج المواقع مما يرجح عدم تضرر الأجزاء العميقة والخطرة من المنشآت النووية في إيران"، مستدركة "لكننا على فوهة بركان، ولا يمكن التغاضي عن الأخطار القائمة على الدول المجاورة". وتعد عون أن "اليورانيوم المخصب في إيران هو مصدر إشعاعي قوي وجميع الجهات تعي هذا الخطر، وفي مقدمها إسرائيل، بالتالي فإن تفجير المواقع إلى درجة تصاعد المواد المشعة خارج أنظمة الحماية من شأنه إلحاق الضرر بجميع الكائنات"، و"لا بد من إنهاء تلك الهجمات غير المبررة على منشآت خطرة على العالم بأكمله، ويمكن أن يتفشى في الماء والهواء والمزروعات وأجسام البشر وتشويه الأعضاء وتعطل وظائفها"، ناهيك بـ"استمرار العناصر المشعة لسنوات طويلة، ونحن ما زلنا حتى اليوم نعيش تحت صدمة هيروشيما"، بالتالي "لا بد من انتهاج الأطر القانونية الدولية على غرار تفكيك البرامج النووية، وتجنب استهداف تلك المواقع تحت أي ذريعة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير