Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جيل ما بعد "داعش" في العراق... لا يشبه أحدا

يصنع مستقبله بوعي جديد قائم على التجربة والمعاناة والرغبة في البناء لا الانتقام

كشافة عراقيون خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى السنوية لهزيمة تنظيم "داعش" (أ ف ب)

ملخص

 تقول ربى أحمد (21 سنة)، وهي طالبة في كلية الآداب، "كنا أطفالاً حين بدأ كل شيء، ولم نعد نريد أن نعيش في ظل الخوف، نريد أن نتعلم ونعمل ونسافر ونحلم مثل كل شباب العالم، وأهم شيء اكتشفناه هو أننا نستحق الحياة ولا يمكن لأحد أن يسلبها منّا".

قبل 11 عاماً اهتزت الجغرافيا العراقية تحت وقع حدث مزلزل وهو سقوط مدينة الموصل في قبضة تنظيم "داعش"، ولم يكن ذلك الحدث مجرد احتلال بل علامة فارقة في تاريخ العراق الحديث، ترك آثاره في كل مدينة وحي، وفي أعماق كل شاب وفتاة من أبناء المحافظات المنكوبة.

وما بين عامي 2014 و2017 عاش العراق تجربة وجودية صعبة، واجه خلالها الإرهاب بوحدة مجتمعية استثنائية انتهت بدحر "داعش" من أراضيه وإعادة السيطرة على المدن المحررة، إلا أن الأثر الأعمق ربما لم يكن على الخريطة بل في النفوس، خصوصاً بين الشباب الذين ترعرعوا في ظل الحرب وواجهوا تحدياتها بصورة مباشرة.

وبعد أكثر من عقد على ذلك اليوم المشؤوم يقف جيل ما بعد "داعش" ليعيد تعريف نفسه وهويته وأولوياته، فهو جيل يريد أن يصنع مستقبله بوعي جديد قائم على التجربة والمعاناة، وعلى الرغبة في البناء لا في الانتقام، والأمل لا الخوف.

ذاكرة الحرب ووعي النهوض

في مدينة الموصل التي شهدت أعنف معارك التحرير، يعيش الشاب محمود خالد (23 سنة)، وهو طالب في كلية الهندسة، قصة التحول فيقول "عندما دخل 'داعش' إلى مدينتنا كنت في الصف السادس الابتدائي، فأغلقت المدارس وتحولت المدينة إلى سجن كبير، واليوم حين أمشي في أزقة الموصل لا أرى فقط الركام بل أرى كيف تمكنا من النهوض على رغم كل شيء، وجيلنا تعلم أن الحياة لا تعطى مجاناً بل تنتزع بالعمل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومحمود ليس استثناء، فغالبية الشباب في الموصل أصبحوا أكثر اهتماماً بالتعليم وإعادة بناء مدينتهم، وتقول ربى أحمد (21 سنة)، وهي طالبة في كلية الآداب "كنا أطفالاً حين بدأ كل شيء ولم نعد نريد أن نعيش في ظل الخوف، بل نريد أن نتعلم ونعمل ونسافر ونحلم مثل كل شباب العالم، وأهم شيء اكتشفناه هو أننا نستحق الحياة ولا يمكن لأحد أن يسلبها منا".

ويلاحظ في الموصل حراك ثقافي متنام يتجسد في معارض الكتب والمراكز الشبابية والمبادرات التطوعية التي يقودها شباب من قلب المدينة، فلم يعد الحديث عن الحرب وحدها بل عن الإبداع والموسيقى وريادة الأعمال.

من الأطلال إلى الطموح

وفي محافظة الأنبار التي كانت من أبرز ساحات المواجهة مع التنظيم الإرهابي تتكرر القصة بلون مختلف، فعلى أطراف مدينة الرمادي يعمل الشاب سامي العلواني (26 سنة) في مشروع ناشئ لإعادة تدوير الأنقاض ويقول "كل شيء هنا بدأ من الصفر، بيوتنا تهدمت والطرقات خربت، لكننا قررنا أن نكون جزءاً من الحل ولا نريد أن ننتظر المساعدات فقط بل نبني بأيدينا، وأنا ومجموعة من زملائي بدأنا هذا المشروع لتوفير فرص عمل والإسهام في إعمار مدينتنا".

من جهتها ترى الطالبة الجامعية ليلى الدليمي (22 سنة) أن شباب الأنبار أصبحوا أكثر وعياً بأهمية التعليم، وتقول "خلال الحرب ترك كثير من الطلاب مقاعد الدراسة، لكن بعد التحرير رأينا كيف أن الجهل كان وسيلة 'داعش' للسيطرة علينا، واليوم صار التعليم أولوية لدى معظم الأسر، والشباب يطمحون إلى الدراسات العليا حتى في الخارج"، مضيفة أن "جيلنا لا يحمل الكراهية، فنحن نريد السلام ونريد أن نعيش كبقية العالم ونسهم في تطوير مدننا ومجتمعنا".

تحولات نفسية واجتماعية عميقة

ويؤكد الباحث الاجتماعي محمد الربيعي أن جيل ما بعد "داعش" يختلف جذرياً عن الأجيال السابقة، مضيفاً أن "تلك التجربة صنعت وعياً جماعياً يقوم على التحدي والتجاوز، وهذا الجيل تعلم معنى الفقد لكنه لم يسقط الأمل، وأصبح أكثر ميلاً للمشاركة وأقل تسييساً من الأجيال السابقة، فهو يريد نتائج ملموسة لا شعارات".

ويرى الربيعي أن هناك تحولات مركزية في وعي الشباب بعد "داعش"، ومنها وعي الأمن والسلام، فالشباب باتوا أكثر إدراكاً لقيمة الأمن والاستقرار وضرورة التعاون المجتمعي، فضلاً عن التركيز على التعليم والتنمية، إذ أصبحت الدراسة والعمل محورا الطموح الفردي والابتعاد من الانقسام الهوياتي، إذ يتجاوز الشباب اليوم الهويات الطائفية والمناطقية ويبحثون عن الانتماء الوطني الأشمل.

ماذا يقول الآباء؟

والشباب ليسوا وحدهم من يراقب التغيير، فيقول الحاج خالد ياسين (56 سنة) من الموصل "رأيت حرب عام 2003 ثم حرب 'داعش' وأبنائي اليوم يفكرون بطريقة مختلفة تماماً، فهم لا يهتمون كثيراً بالسياسة لكنهم يريدون العمل والعلم والبناء، وهذا شيء يفرح القلب".

أما في الأنبار فتقول السيدة فاطمة الجميلي (44 سنة) "خسرنا كثيراً لكن أولادنا تعلموا الدرس وصاروا أحرص منّا على السلم والتعليم وعلى مستقبلهم، وحتى الفتيات اليوم لديهن طموح قوي، وهذا أمر مهم جداً".

من الرماد ولد جيل جديد، جيل ما بعد "داعش"، جيل لا يشبه أحداً قبله، خرج من تجربة قاسية لكنه لم يخرج منهزماً، بل على العكس يمتلك اليوم أدوات مختلفة من الإصرار والوعي والقدرة على تجاوز الماضي والتمسك بالمستقبل، وفي مدن مثل الرمادي والموصل، التي كانت عنواناً للخراب، يتحول الشباب إلى عنوان للأمل بأن يكون ما حصل درساً لا قدراً، وأن يكون الغد بداية لحياة جديدة لا امتداداً للمأساة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير