Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حزن ما بعد العطلات... ضريبة الحرية الموقتة

صدمة نفسية يعيشها الإنسان عند العودة إلى روتينه اليومي بعد الإجازات

علم النفس يعد اكتئاب ما بعد العطلات حالاً موقتة من الانزعاج النفسي الذي يظهر بعد انتهاء فترة العطلة (أ ف ب)

ملخص

بطل القصة هو "الدوبامين" هرمون "المتعة والدافع" الذي يفرَز بغزارة في لحظات الاكتشاف والدهشة والتجربة، فالعطلة بما تحمله من جديد ومغامرة وضحك، تطلق سيلاً من هذا الهرمون الساحر، وعندما نعود إلى روتيننا المعتاد ينخفض مستواه بصورة مفاجئة فنشعر بذلك الهبوط المزاجي القاسي.

تبدو العودة إلى العمل من بعد عطلة وكأنها عودة إلى الروتين الممل أو غير المحبب، ويشعر المرء في هذه الحال وكأنه يفقد فجأة كل المتعة التي جمعها أو عاشها خلال العطلة دفعة واحدة، وهذه الحال تسمى في علم النفس "كآبة ما بعد العطلات" أو (Post-Holiday Blues)، وتعد وكأنها صدمة نفسية حقيقية أو تتمتع بكامل شروطها، وكأن العائد من العطلة بمجرد أن يتذكر أنه سيرجع إلى الاستيقاظ مبكراً ليقوم بمهام محددة ملقاة على عاتقه في العمل فإنه يفقد دفعة هرمونات السعادة التي جمعها خلال عطلته.

كآبة موقتة قد تطول

وعلى رغم أن علم النفس يعد اكتئاب ما بعد العطلات حالاً موقتة من الانزعاج النفسي الذي يظهر بعد انتهاء فترة العطلة فإنه يتسبب بأعراض نفسية حقيقية مثل الأرق أو اضطرابات النوم وانخفاض الطاقة والحيوية والغضب السريع وصعوبة التركيز، وتختلط جميعها بمشاعر القلق أو الحزن، ولكنها رغم ذلك حال عابرة وغير مزمنة، وعادة ما تزول خلال أسابيع قليلة.

وفي دراسة أجرتها الطبيبة النفسية إيلين كينيدي- مور من جامعة برينستون، فإن السبب الأساس للشعور بالاكتئاب بعد العطلة يكمن في تراجع حاد في الأدرينالين والسيروتونين والدوبامين وهي هرمونات السعادة التي تكون مرتفعة خلال فترات العطلات بسبب الإثارة والتجارب الجديدة، ثم يشعر الدماغ فور انتهاء العطلة، بنقص في تلك الهرمونات، فيشعر الفرد فجأة بفراغ عاطفي وانخفاض في النشاط النفسي والجسدي.

يقول الخبراء في علم النفس العصبي، إن الدماغ يضخم الفرق بين ما كان عليه خلال العطلة وما هو عليه بعدها، فيخلق حالاً وهمية تجعل الواقع اليومي أكثر سوداوية مما هو عليه في الحقيقة.

ولكن ما الذي يعنيه ما يقدم عليه دماغنا، هل يعني أننا نكره العمل أم نكره فقدان الحرية؟

بما أن النفس البشرية تميل إلى "التفكير العاطفي" أي أن يأخذ الإنسان شعوره الخاص بمثابة دليل مطلق على ما يصيبه، فإننا عندما نعود من العطلة فنشعر بالملل أو التوتر، نفترض أن العمل هو السبب، لكن في الواقع، قد يكون الأمر أعمق وهو الخوف من فقدان لحظة الحرية الموقتة التي نشعر أنها ملكنا خلال العطلة.

في بحثه حول مشاعر ما بعد العطلة توصل ريتشارد أكونور إلى أننا نبني خلال العطلة "دروعاً دفاعية" موقتة بهدف الهرب من ضغوط الحياة، وعندما تنكسر هذه الدروع مع العودة للروتين، نصاب بما يشبه الصدمة النفسية.

ويضيف أكونور أنه ليس بالضرورة أن نكون جميعاً فرحين خلال العطلة، ولكن هناك ضغطاً اجتماعياً عاماً وعبر وسائل التواصل يفرض علينا إبداء الفرح والسرور خلال العطلات، مما يؤدي إلى استنزاف الطاقة في محاولة إظهار صور مزيفة للسعادة أمام الآخرين سواء كانوا واقعيين أو افتراضيين، بينما نكون نعاني داخلياً من القلق والتوتر، فالتظاهر بالفرح هو استنزاف للطاقة النفسية، يتركنا في حال ضعف بعد انتهاء العطلة.

تحول الكآبة الموقتة إلى مشكلة نفسية حقيقية

في العادة، تزول كآبة ما بعد العطلات خلال أسابيع، لكن إذا استمر الحزن والإنهاك النفسي، وبدأ الروتين يبدو كعبء لا يطاق، فإن ذلك قد يكون علامة على اضطرابات نفسية، وتفيد إحصاءات "التحالف الوطني للأمراض النفسية" في الولايات المتحدة الأميركية بأن نسبة غير قليلة من الناس يعانون تدهوراً نفسياً خلال فترة العطلات وما بعدها، وكأن ما ينشأ هو صراع بين الحلم الموقت للحرية والواقع الصارم الذي يفرضه روتين العمل والعلاقات الاجتماعية، الذي يفسره الأطباء بيولوجياً بأنه بسبب الانسحاب المفاجئ للهرمونات، الذي يؤثر بعمق على التوازن النفسي والبيولوجي بعدما يضخم الدماغ رتابة الحياة اليومية ويجعل العودة إليها تبدو أكثر كآبة مما هي عليه فعلياً، وهذا ما يسمى "متلازمة ما بعد الإجازة" أو (Post-Holiday Blues).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويسهم في ظهور هذه المتلازمة الضغط الاجتماعي الناتج من التظاهر بالسعادة والفرح الذي يستهلك طاقة هائلة، كما تقول جوديث أورلوف في كتابها "النجاح كمتعاطف فائق الإحساس" (Thriving as an Empath).

بحسب التحالف الوطني للأمراض النفسية (NAMI) فإن نحو 24 في المئة من المصابين بأمراض نفسية يصيبهم تدهور ملحوظ خلال فترة العطلات، وقد بينت الإحصاءات أن هناك اضطرابات عاطفية موسمية قد تصيب خمسة في المئة من البالغين، ويكون في ذروته خلال يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، مع تأثير واضح بعد انتهاء فترة العطلات في هذين الشهرين.

ووفقاً لتقرير أجرته إحدى الجامعات الإسبانية فإن 35 في المئة من العمال الإسبان الحساسين، الذين تراوح أعمارهم بين 25 و40 سنة، يعانون أعراضاً جسدية مزعجة عند اندفاعهم للعودة إلى دوامة العمل، مثل الأرق وتقلصات المعدة، وعدم انتظام ضربات القلب.

وأشار التقرير إلى أن الموظفين المنهكين يمكنهم التخفيف من كآبة نهاية الصيف عبر قضاء بضعة أيام في المنزل قبل العودة إلى "منجم الملح" بعد عطلتهم الإسبانية المعتادة التي تمتد شهراً كاملاً، وحذر التقرير أيضاً من العودة إلى العمل في يوم الإثنين الرهيب تحديداً.

تصف ميليسا وينبرغ، وهي استشارية في علم النفس والأداء، الأمر بأنه "خداع" صحي أو بأنه مجرد وهم من ضمن مجموعة من الأوهام التي يخدعنا بها دماغنا باستمرار، "سواء كنا استمتعنا بعطلتنا أم لا، أو كنا نرغب فعلاً بالعودة إلى العمل، فإن دماغنا مبرمج ليجعلنا نصدق بأننا فعلنا ذلك أو كنا نرغب بذلك، وبهذا ندفع الثمن العاطفي حتى لو كانت عطلتنا فاشلة، كما ندفعه إن كانت مذهلة".

الاختصاصي الهولندي آد فنغيرهوست أطلق على هذا الشعور اسم "مرض الترفيه" وهو مزيج من الأعراض النفسية والفيسيولوجية التي تصيب البعض عند مغادرتهم للعمل نحو الراحة، ثم مجدداً عند عودتهم إلى الرتابة، ومن تلك الأعراض يبرز القلق والحزن والإرهاق وصداع الرأس، وحتى أعراض تشبه الإنفلونزا.

لكن بطل القصة الحقيقي هو الدوبامين، هرمون "المتعة والدافع"، الذي يفرز بغزارة في لحظات الاكتشاف والدهشة والتجربة، والعطلة بما تحمله من جديد ومغامرة وضحك، تطلق سيلاً من هذا الهرمون الساحر، وعندما نعود إلى روتيننا المعتاد، ينخفض مستواه بصورة مفاجئة، فنشعر بذلك الهبوط المزاجي القاسي.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات