ملخص
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 550 عملية اغتيال على أيدي مسلحين مجهولين منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024.
خرقت الطلقات النارية هدوء أحد أحياء حلب الشعبي وأصابت شاباً تجمع حوله المارة والأهالي، ليتبين أنها جثة جارهم الإطفائي المصابة بأعيرة في الرقبة والقلب، إذ أردته قتيلاً قبل أن يهم بالصعود إلى حافلته الصغيرة التي يعمل عليها لتوصيل طلاب المدارس.
وفيما حُملت جثة الشاب الثلاثيني إلى مركز الطب الشرعي لكن بقع الدماء ظلت متناثرة على الأرض وعلى جدار سور حديقة قريبة من موقع الحادثة، بينما غرق الحاضرون في أسئلة حول دوافع مقتل إطفائي عمل لأعوام طويلة ضمن فريق فوج إطفاء حلب، وسُرح من وظيفته بعد سقوط النظام، فهل الدافع ثأر عائلي قديم؟ وهل الفاعل هو أحد الموالين لنظام الأسد؟ مع أسئلة كثيرة تقلق الشارع وتثير الخوف في نفوس المواطنين السوريين.
ويروي شاهد في قضية مقتل الإطفائي الملقب بأبي جعفر، والمنحدر من قرية بريف حلب، وهو أحد أبناء العشائر، فيقول "سمعنا طلقات نارية متقطعة وعلى الفور توجهنا إلى مكان مصدر الصوت حيث رأينا جثة مضرجة بالدماء وملقاة على الأرض، وحينها لمحنا شاباً ملثماً يغادر المكان على متن دراجة نارية، وقرب الجثة شاهدنا جوال المغدور وحقيبته الصغيرة وفيها أوراق ثبوتية ونقود، مما يؤكد أن الجريمة ليست بدافع السرقة".
وحصلت حادثة الإطفائي في حلب بعد فترة وجيزة من سقوط نظام الأسد، وأخذت تتكرر بنسخ وأساليب عدة، فاستهدفت شخصيات موالية للنظام السابق وسياسية وعسكرية بصورة يومية في دمشق وحلب وحمص وحماه وغيرها من مناطق خاضعة لنفوذ الحكومة الانتقالية الجديدة، وغالبيتها تنفذ بواسطة ملثمين يقودون دراجات نارية.
ملثمون على متن دارجات
ويتواصل مسلسل التصفيات والأخذ بالثأر منذ أشهر على رغم مناشدات السلطة الحالية ترك الأمر للقضاء وتغليب روح المواطنة وتعزيز الوعي ونبذ الخلافات والثأر، ومع ذلك تتواصل عمليات القتل المباغتة وآخرها إطلاق النار من قبل مجهول يقود دراجة نارية على سيارة كان يقودها عميد كلية الهندسة المدنية السابق في جامعة حلب سهيل جنزير أمس الأحد فأرداه قتيلاً.
وتتشابه العمليات في طريقة وأسلوب التنفيذ بواسطة ملثمين يستقلون دراجات نارية، وغالباً يشهرون أسلحة فردية أو يخفونها بطريقة لا تثير الريبة، وفي بعض الأحيان يستخدمون كاتم صوت لمسدساتهم كما حدث مع الأستاذ الجامعي في حلب، لكن اللافت هو استخدام الدراجات النارية لتنفيذ عمليات القتل والسرقة، كونها توفر مرونة في التنقل والفرار وتصعب مهمة سيارات الشرطة في تعقبها.
ويعتقد المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن الزمن وحده كفيل بكشف هويات من يقوم بعملية التصفيات والاغتيالات هذه، منبهاً إلى ضرورة فتح تحقيقات جدية لمعرفة تلك المجموعات الغامضة التي تنفذ هذه الأعمال، قائلاً إنه "منذ سقوط النظام نشهد يومياً حادثة قتل أو خطف على يد مجهولين، ونحن نطالب بفتح تحقيقات وتقديم الجناة إلى العدالة لينالوا جزاءهم".
وأضاف الأحمد أن "تأخير تنفيذ عدالة انتقالية حقيقية وتقديم المجرمين والمتهمين للمثول أمام المحاكم له انعكاساته الدافعة إلى الانتقام، ولا ينبغي تحميل الذنب لجهة ما، إذ توجد بيانات ومنشورات تحمّل الطائفة العلوية ذنباً ارتكبه جزء منها، وهنا لا توجد مسؤولية جماعية بل مسؤولية فردية وكيانات تورطت بجرائم ويجب أن تحاكم"، موضحاً أن "ملف العدالة الانتقالية لا يحظى بالاهتمام اللازم من قبل الحكومة، مما يعرقل بسط الأمن وتحقيق الأمان.
اغتيالات صامتة
من جهتها وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، وهي المعنية بتوثيق الانتهاكات في سوريا، 550 عملية اغتيال على أيدي مسلحين مجهولين منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وجاءت حمص وحماة (وسط البلاد) في المرتبة الأولى بعمليات الاغتيال، حيث سجلت حمص 128 عملية وحماة 85 وحلب 41 ودرعا 31 وطرطوس 26 وأخيراً اللاذقية 25 عملية، كما شهدت البلاد بعامة أعمال عنف واسعة في مدن الساحل السوري كرد فعل بعد إقدام مجموعات مسلحة على صنع كمين في ريف جبلة باللاذقية أودى بحياة 16 من عناصر الأمن العام، مما أدى إلى تأجيج المشهد فأعقبته انتهاكات فردية ومجازر بحق أبناء الطائفة العلوية، وقد كشفت وزارة الداخلية وقتها أن أعمالاً انتقامية حدثت بدافع الثأر.
حاجة ورياضة
ويطلق السوريون على الدراجة النارية اسم "الموتور"، إذ يستخدمونها في تنقلاتهم ولا سيما داخل قرى وبلدات ريفية مترامية الأطراف، ويتحدث أبو عماد، وهو رب عائلة مكونة من خمسة أفراد فيقول "لا أملك وسيلة نقل أخرى، وأستخدم الدراجة النارية لتوصيل أولادي إلى المدرسة وشراء حاجاتي والذهاب إلى العمل، وأتفهم توجس الناس بعد كل ما يحدث من سلب وخطف وقتل باستخدامها، ولكنها الوسيلة الأوفر في ظل غلاء الوقود والمواصلات".
وبسبب تعاظم القلق من قبل الأهالي الذين يطالبون بتقييد وتنظيم عمل الدراجات، فقد فرضت محافظات سورية عدة أوامر تنظم حركتها خلال ساعات محددة بعد تسببها بحوادث، ولا سيما من قبل المراهقين الذين يسيرون بتهور وسرعة زائدة.
وفي هذا الشأن يقول أحمد الأسمر، وهو أحد منظمي السباقات عبر الدراجات النارية، إنه "من الجيد أن نمارس هوايتنا خارج حدود المدينة وألا نتسبب بإزعاج المواطنين والمارة، ولهذا ننظم السباقات في ساحات الضواحي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أبواب السجون المفتوحة
وبالحديث عن تنفيذ ملثمين عمليات اغتيال وهم يستقلون دراجات نارية، فهناك من يعتبر أنها أحداث متوقعة نتيجة الفوضى التي عاشتها البلاد عقب سقوط نظام الأسد لحين تشكيل وزارة الداخلية وهيكلة جهاز الأمن الداخلي وضبط الأمن، في مقابل من يرجح أن جزءاً من العصابات الملثمة التي تجول بدوافع القتل والانتقام جاءت بعد فتح أبواب السجون أثناء سقوط المدن والبلدات، إذ أفرج عن معتقلي الرأي والسياسيين، لكن السجون أخرجت أيضاً بعض المحكومين بجرائم قتل واغتصاب وسرقة، ولهذا تحاول الحكومة ملاحقتهم بغية إعادتهم للسجن ثانية، لتبقى الدراجة النارية مثار الخوف والذعر داخل الطرقات والأحياء والمناطق.