ملخص
تمثل العقوبات الأميركية أداة مزدوجة، ردعاً قانونياً من جهة ورسالة استراتيجية من جهة أخرى، تؤكد أن الساحة السودانية لا تزال ضمن حسابات التوازنات الجيوسياسية لواشنطن وغيرها من القوى الدولية، التي وإن بدت منشغلة بأزمات أخرى فإنها لم تغفل عن متابعة تطورات الساحة السودانية وما تنطوي عليه من تعقيدات استراتيجية، خصوصاً في ظل تعقيدات القرن الأفريقي وتصاعد التنافس الإقليمي والدولي على منافذه الحيوية.
تدخل الحرب السودانية المندلعة منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، والتي أحدثت دماراً هائلاً في البنية التحتية وتآكلت بفعلها مؤسسات الدولة، طوراً جديداً من التعقيد والتدويل. ففي الـ22 من مايو (أيار) الجاري، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على السودان متهمة إياه بانتهاك قانون مراقبة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية لعام 1991، وعلى رغم أن الإعلان بدا مفاجئاً في توقيته بسبب انسحاب الاهتمام الأميركي عن السودان خلال الفترة الأخيرة، فإنه لا ينفصل عن التصور الشامل للسودان كدولة هشة ومنهارة سياسياً واقتصادياً، وفي حاجة لإعادة بناء الشرعية.
العقوبات التي أعلنتها الخارجية الأميركية تستهدف، من الناحية التقنية، وقف منح الائتمانات المالية للحكومة السودانية وتجميد فرصها في الاستفادة من أية تسهيلات اقتصادية أميركية، وعلى رغم أن الأثر الاقتصادي المباشر قد يبدو محدوداً بالنظر إلى ما آل إليه الاقتصاد السوداني من تدهور حاد، فإن الدلالة الحقيقية لهذه الخطوة تكمن في بعدها السياسي.
وبحسب تقديرات دبلوماسية، فإن تمرير القرار في الكونغرس الأميركي ليس سوى إجراء شكلي، مما يعني أن العقوبات أصبحت بحكم المؤكدة، وأنها لا تفهم باعتبارها رداً تقنياً على حادثة بعينها بل كرسالة موجهة للنظام السوداني، مفادها أن السلوك الداخلي أصبح مادة للرقابة الخارجية، وأن الدولة حين تفقد تماسكها الداخلي تصبح موضوعاً للمساءلة الدولية.
لا تعبر هذه الخطوة عن لحظة غضب أميركي عابر، بل تأتي في سياق إعادة صياغة تموضع واشنطن في معادلة الصراع السوداني، وتقرأ كمقدمة لضغوط متزايدة، وربما كمرحلة تمهيدية لإجراءات أكثر قسوة، قد تطاول أفراداً أو مؤسسات، أو تعيد السودان إلى قوائم التصنيف المرتبطة بالإرهاب أو بانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار تمثل العقوبات أداة مزدوجة، ردعاً قانونياً من جهة ورسالة استراتيجية من جهة أخرى، تؤكد أن الساحة السودانية لا تزال ضمن حسابات التوازنات الجيوسياسية لواشنطن وغيرها من القوى الدولية، التي وإن بدت منشغلة بأزمات أخرى فإنها لم تغفل عن متابعة تطورات الساحة السودانية وما تنطوي عليه من تعقيدات استراتيجية، خصوصاً في ظل تعقيدات القرن الأفريقي وتصاعد التنافس الإقليمي والدولي على منافذه الحيوية.
تداعيات سياسية
على الصعيد السياسي الداخلي، تشكل العقوبات الأميركية تطوراً بالغ الأهمية في مسار الأزمة السودانية، لما تحمله من تداعيات مباشرة وغير مباشرة على بنية الحكم واستقرار النظام السياسي داخل البلاد، أهمها:
أولاً، تسهم هذه الإجراءات في مزيد من تقويض الدولة وتعميق عزلتها، وتضعف ما تبقى من مشروعية السلطة الحاكمة المتآكلة، حتى ولو استعانت بشخصيات من خارج الدائرة العسكرية، مثلما حدث بتعيين رئيس وزراء جديد. ليس فقط أمام المجتمع الدولي بل في نظر قطاعات واسعة من السودانيين الذين يحملون القيادة العسكرية مسؤولية إجهاض الانتقال الديمقراطي، وقيادة البلاد إلى حرب مدمرة ذات كلفة بشرية واقتصادية فادحة. ومن هذا المنطلق فإن العقوبات ستغذي خطاب الاحتجاج والمعارضة المدنية، خصوصاً في ظل التردي المعيشي والانهيار المتواصل للخدمات وغياب أفق الحل السياسي، وفي مناخ كهذا يتنامى الاحتقان الشعبي وتتسارع وتيرة الاستقطاب بين الفاعلين السياسيين، وتتعزز مظاهر الفوضى الأمنية والاجتماعية، وتتضاءل فرص التغيير الديمقراطي السلمي.
ثانياً، تنعكس العقوبات على أداء مؤسسات الدولة لا سيما في ظل هشاشتها المتزايدة، إذ يؤدي تراجع الدعم الدولي وتضييق القنوات الاقتصادية إلى إضعاف قدرة أجهزة الحكم على تسيير شؤون البلاد، وفي هذا السياق تبرز جماعة "الإخوان المسلمين" في سعيها لملء الفراغ لما قد تجده في هذا الظرف من فرصة لإعادة تنظيم صفوفها، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويهدد تماسك الدولة.
ثالثاً، على رغم أن العقوبات تستهدف قيادات محددة فإنها قد تدفعها إلى التماسك وإغلاق الصفوف بحجة مواجهة الضغوط الخارجية، وهو ما قد يؤثر سلباً في فرص الحوار الوطني، ويؤجل الاستجابة لمطالب التغيير السياسي الشامل، سواء من جانب الفاعلين الرسميين أو من قبل المعارضة.
رابعاً، في ظل هذه البيئة المضطربة قد تشهد الساحة السياسية إعادة اصطفاف جديدة تقوم على اعتبارات براغماتية، لا على أسس وطنية جامعة، مما قد ينتج مشهداً هشاً قابلاً للتفكك بدلاً من أن يؤسس لتحالفات تسهم في الانتقال السلمي والمستقر.
خامساً، تزداد أخطار النزاعات الاجتماعية والمحلية نتيجة تراكم الأزمات وتضييق آفاق الحلول السياسية، مما ينذر بعودة الصراعات القبلية والإثنية أو الجهوية، ويدفع البلاد نحو مزيد من الانقسام، ما لم تقابل هذه الضغوط بتحرك داخلي يعيد ترتيب الأولويات على أسس وطنية مسؤولة.
أزمات متشابكة
من المتوقع أن تترك العقوبات الأميركية تداعيات بالغة على الواقع السوداني، لا سيما في الجانب الاقتصادي الذي يرزح أصلاً تحت وطأة أزمات متشابكة تشمل التضخم المفرط، وتدهور قيمة العملة الوطنية والانهيار شبه الكامل للبنية التحتية المالية. وتشير التقديرات إلى أن هذه العقوبات ستعمق من تدهور الاقتصاد السوداني من خلال تعطيل قنوات الدعم الدولي، بما في ذلك مؤسسات التمويل متعددة الأطراف التي تتأثر بالسياسات الأميركية.
ومن أبرز النتائج المتوقعة، تراجع القدرة على استيراد السلع الأساس وانخفاض احتياطات النقد الأجنبي، مما سيقود إلى مزيد من تآكل قيمة الجنيه السوداني وارتفاع الأسعار واتساع دائرة الفقر، وتعني هذه العقوبات مزيداً من العزلة للنظام المصرفي السوداني عن الأسواق العالمية مما سيعرقل حركة التحويلات المالية والتجارية، ويضعف مناخ الاستثمار في البلاد وسط عزوف محتمل للمستثمرين خشية التعرض للأخطار المرتبطة بالعقوبات.
يواجه السودان التزامات مالية كبيرة تجاه مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إذ يعاني صعوبات في الحصول على دعم مالي أو برامج إعادة هيكلة ديون بسبب الوضع السياسي غير المستقر والعقوبات الأميركية التي تعرقل انخراطه في النظام المالي الدولي، وتتفاقم الآثار الاقتصادية أيضاً على السودان بسبب حجم ديونه المتراكمة على المستويات الثنائية والمتعددة الأطراف، فالصين تعد من أكبر الدائنين للسودان مما يضعه في موقف هش أمام الضغوط المحتملة من بكين، التي قد تستخدم ملف الديون كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية في إطار تنافسها الإقليمي والدولي.
ومع تجميد فرص الوصول إلى التمويل الأميركي الرسمي، تتزايد صعوبات السودان في تأمين الموارد الضرورية لمعالجة أزماته الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، ويحتمل أن تفتح هذه العقوبات الباب أمام إجراءات تصعيدية إضافية، سواء من خلال فرض قيود على الأفراد والمؤسسات المرتبطة بالسلطة، أو عبر تضييق المساعدات الإنسانية والتنموية بحجة ضعف الرقابة الحكومية، مما يجعل السودان أكثر عرضة للضغوط الخارجية في ملفات إقليمية ودولية حساسة.
حسابات براغماتية
تحمل العقوبات الأميركية أيضاً أبعاداً دبلوماسية عميقة تتجاوز الإطار العقابي المباشر، لتعيد رسم موقعه في الجيوسياسة الدولية والإقليمية، وتلقي بظلال كثيفة على مستقبل انخراطه في منظومات التعاون متعددة الأطراف، إذ تفهم هذه العقوبات في الأوساط الدبلوماسية على أنها إشارة صريحة إلى تراجع ثقة المجتمع الدولي في قدرة السلطة السودانية الحالية على الالتزام بالمعايير المتعارف عليها في النظام الدولي، سواء ما يتعلق بحقوق الإنسان أو بالحكم الرشيد أو بإدارة الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة، وعليه فإن السودان الذي كان يسعى إلى الخروج من دائرة العزلة واستعادة موقعه الطبيعي في المنظمات الدولية، بعد إسقاط النظام السابق، يجد نفسه مرة أخرى أمام واقع جديد من التهميش الدبلوماسي.
على المستوى العربي، تجد بعض الدول نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم علاقاتها مع السودان، بين منطلقات التضامن السياسي أو الاستثمارات الجيوسياسية، والتزاماتها تجاه النظام الدولي الذي يراقب من كثب كل دعم موجه لأنظمة موصوفة بالفشل السياسي أو بانتهاك المعايير الحقوقية، وقد يؤثر ذلك سلباً على الانخراط العربي في جهود التسوية، خصوصاً إذا أصبحت الخرطوم مصدر توتر أو عبء دبلوماسي في المحافل الإقليمية.
أما على الصعيد الأفريقي، فإن موقع السودان داخل الاتحاد الأفريقي و"إيغاد" ومؤسسات السلم والأمن القارية قد يتعرض للتآكل، مع تصاعد الشكوك حول مدى أهلية السلطة الحالية للمشاركة في آليات الوساطة الإقليمية، أو قيادة ملفات حساسة كالتكامل الاقتصادي والنزاعات العابرة للحدود، أو حتى التعاون في مشاريع استراتيجية مثل سد النهضة.
وتزداد هذه التحديات مع تعثر المبادرات الأممية والإقليمية الرامية إلى إطلاق مفاوضات بين طرفي النزاع، إذ تضعف العقوبات من قدرة الوسطاء على انتزاع التزامات موثوقة من طرفي الصراع، في ظل غياب حوافز دولية واضحة، وتنامي الشعور بعدم جدوى المسارات التفاوضية التقليدية.
أما تحالف "الصين–روسيا–إيران" فيشكل محوراً بديلاً غير غربي قد يمنح السودان هامشاً دبلوماسياً للمناورة، لكن هذا المحور لا يقدم دعماً سياسياً أو اقتصادياً كافياً لتعويض العزلة الغربية، وكل دولة تتعامل مع السودان وفق حسابات براغماتية قائمة على المصالح أكثر من الالتزامات السياسية أو الإنسانية.
عزلة مزدوجة
على رغم أن المساعدات الإنسانية للسودان تراجعت فعلياً في ظل الحرب بسبب تعذر الوصول الإنساني وانعدام التوافق على هدنة دائمة تتيح فتح ممرات آمنة، فإن هذه العقوبات تضيف طبقة جديدة من التعقيد والعقبات في وجه العمل الإغاثي، فعلى المستوى الإجرائي تتسبب العقوبات في تقييد التحويلات المالية بما في ذلك تلك الموجهة إلى المنظمات الإنسانية العاملة في الداخل السوداني، وتعقد آليات التوريد والشراء عبر القنوات الرسمية أو شبه الرسمية، ويؤدي إدراج كيانات مصرفية أو خدمية في قوائم العقوبات إلى تعطيل المنظومة اللوجيستية التي تعتمد عليها عمليات توزيع الغذاء والدواء، مما يهدد بانقطاع الدعم عن الفئات الأشد هشاشة، خصوصاً داخل مناطق النزوح الجماعي والمناطق المعزولة.
ولا تقتصر التداعيات على المؤسسات المحلية، بل تشمل أيضاً البيئة التشغيلية للمنظمات الدولية والإقليمية. فالعقوبات تثقل كاهل هذه الجهات بقيود إدارية ومصرفية، وتدفع بعضها إلى تقليص وجودها أو وقف أنشطتها بالكامل، خشية الوقوع تحت طائلة القوانين المالية الدولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق، تتسارع وتيرة الانكفاء الإنساني في لحظة فارقة، بينما تتفاقم حاجات السكان بصورة دراماتيكية، أما منظمات المجتمع المدني السوداني التي كانت تشكل في بعض المناطق خط الدفاع الأخير أمام المجاعة أو المرض، فإنها تواجه اليوم بيئة خانقة تجمع بين القيود الأمنية وغياب التمويل الخارجي، مما يفقد الأزمة صوتها المحلي ويترك ضحاياها في عزلة مزدوجة.
دوائر التأثير
بادرت الحكومة السودانية إلى نفي الاتهامات التي استندت إليها واشنطن، لا سيما ما يتعلق باستخدام أسلحة كيماوية، ووصفتها بأنها "ادعاءات كاذبة ولا أساس لها من الصحة"، معتبرة أنها تفتقر إلى الأدلة الميدانية أو التقارير الدولية المحايدة، وتندرج في إطار حملة تشويه ممنهج يهدف إلى تقويض صورة الدولة السودانية في المحافل الدولية، وأكدت الحكومة في بياناتها وتصريحات مسؤوليها التزامها بالقانون الدولي الإنساني، ورفضها لما عدَّته "تسييساً للملف الإنساني واستخدامه كأداة ضغط دبلوماسي".
غير أن هذا الموقف الرسمي يطرح تساؤلات جوهرية حول كيفية تعاطي القيادة الحالية ممثلة في المؤسسة العسكرية، مع تداعيات العقوبات الأميركية وما إذا كانت ستسلك النهج ذاته الذي اتبعه نظام الرئيس السابق عمر البشير، حين واجه العقوبات بالتحدي والمجابهة المباشرة، فكانت النتيجة عزلة دولية خانقة وتدهوراً اقتصادياً دفع ثمنه السودانيون.
وحتى الآن، لا توحي المؤشرات الأولية بأن المؤسسة العسكرية تتجه نحو خيار المواجهة المفتوحة أو التصعيد اللفظي مع الولايات المتحدة، بل إنها قد تسعى إلى الحفاظ على توازن بين عدم الظهور في موقع الخضوع التام للضغوط الخارجية من جهة، وعدم الانزلاق إلى مواجهات غير محسوبة قد تفاقم عزلتها من جهة أخرى، في ضوء إدراك متزايد لكلفة المواجهة في ظل المشهد الميداني المعقد والانقسامات الداخلية، كما أن التجربة العملية أثبتت أن التصعيد اللفظي أو السياسي قد يمنح خصومها نقاطاً إضافية على الساحة الدولية، ويعرقل أية محاولات لإعادة تموضعها في المشهد الإقليمي.
ولكن ربما تتغير هذه الاستراتيجية في حال عودة بعض رموز النظام السابق، لا سيما المنتمين إلى التيار الإسلامي ودوائر "الإخوان المسلمين" إلى دوائر التأثير، فقد يدفعون المؤسسة العسكرية بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان نحو خطاب أكثر تشدداً أو حتى إلى خيار المواجهة السياسية مع الولايات المتحدة.
سيناريوهات محتملة
في ضوء المعطيات الراهنة، فإن السيناريو الأول يتمثل في تصاعد العزلة الدولية وتدهور اقتصادي حاد، إذ تستمر العقوبات الأميركية على السودان وتتوسع لتشمل تضييقاً إضافياً من قبل الاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى، مما يفاقم من عزلة السودان إقليمياً ودولياً. ومع انعدام الأفق السياسي الداخلي نتيجة غياب حكومة مدنية شرعية ومؤهلة للتفاوض مع المجتمع الدولي، تستمر الحرب، مما يسهم في مزيد من تفكك مؤسسات الدولة، ويفتح الباب أمام مزيد من الانهيار الكامل للخدمات العامة ومزيد من انزلاق الاقتصاد.
والسيناريو الثاني يتمثل في بروز ضغط دولي متزايد باتجاه فرض تسوية سياسية شاملة داخل السودان، تقود إلى وقف إطلاق نار شامل وتشكيل حكومة انتقالية ذات طابع مدني، قادرة على استعادة الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والمؤسسي، ويعكس هذا السيناريو تحركاً من قبل أطراف دولية وإقليمية، تشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة إلى جانب دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية، اللتين تبديان اهتماماً متزايداً بمنع انزلاق السودان نحو حال انهيار شامل.
أما السيناريو الثالث فيفترض حدوث تحولات داخلية مفصلية ضمن أحد طرفي النزاع الرئيسين، الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، نتيجة لضغوط ميدانية ونفسية متراكمة تؤدي إلى انشقاقات داخلية تغير من توازن القوى الراهن، وتمهد الطريق لتحول سياسي غير متوقع، ففي هذا السيناريو تظهر تيارات إصلاحية أو براغماتية من داخل المؤسستين العسكريتين تتبنى موقفاً مغايراً للقيادة العليا، وتدعو إلى وقف الحرب والدخول في مفاوضات سياسية كمدخل لإنقاذ الدولة من الانهيار التام.
وينبع هذا الاحتمال من جملة من العوامل المتداخلة، يأتي في مقدمها الاستنزاف الميداني المتواصل لكلا الطرفين إلى جانب معاناة المدنيين في مناطق السيطرة المختلفة، مما قد يولد ضغطاً داخلياً يدفع بعض الفاعلين داخل المؤسستين إلى مراجعة الخيارات القائمة، يضاف إلى ذلك وجود إشارات سابقة لوجود تيارات إصلاحية أو وطنية داخل الجيش، تبدي استعداداً لقراءة المشهد بعيون سياسية لا عسكرية، وربما تكون هذه التيارات أقرب إلى المجتمع المدني أو القوى الوطنية غير المسلحة، مما يجعلها أكثر تقبلاً لفكرة الحل السياسي.