ملخص
بعد رفع الحظر عن سفر الإماراتيين إلى لبنان اتخذت إجراءات عدة لتوفير تجربة سياحية فريدة في البلاد، بينما أكدت وزيرة السياحة لورا لحود أن مراقبة الأسعار تعد من الخطوات الأساسية ضمن خطة الحكومة.
تتوجه الأنظار حالياً إلى الموسم السياحي في لبنان، في ظل الأجواء الإيجابية التي تسيطر على البلاد، والمؤشرات التي تدل على الدخول في مرحلة جديدة أكثر إشراقاً، فعلى رغم أن الأوضاع الأمنية لا تزال متقلبة، يتطلع الكل إلى موسم سياحي واعد ومزدهر بوجود مقومات عديدة تدل على ذلك. وآخر الأنباء الإيجابية التي بلغت اللبنانيين في هذا الإطار خبر رفع الحظر عن سفر الإماراتيين إلى لبنان، مما بعث التفاؤل في النفوس، فمن شأن قرار مماثل أن ينعكس إيجاباً على الموسم السياحي المقبل، ويكفل انتعاشه تماماً كما يطمح اللبنانيون. وبعد دخول قرار رفع منع سفر الإماراتيين إلى لبنان حيز التنفيذ، حطت في أرض مطار بيروت ثلاث طائرات على متنها إماراتيون ولبنانيون سارعوا مباشرة إلى زيارة لبنان، فاستقبلوا على أرض المطار بحفاوة بالبقلاوة والورود، تأكيداً على حسن الضيافة اللبنانية وتعبيراً عن الفرحة بقدومهم.
في حديثها مع "اندبندنت عربية"، أكدت وزيرة السياحة اللبنانية لورا لحود على أهمية هذه الخطوة بالنسبة إلى القطاع السياحي في لبنان، فيما تتوجه الأنظار الآن إلى الكويت التي يزورها رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون في الأيام المقبلة، وكذلك المملكة العربية السعودية، علّ قرارات رفع الحظر تتوالى ليستعيد لبنان موقعه الطبيعي كبلد سياحي بامتياز.
موسم سياحي واعد وخطوات غير معتادة
في السنوات الأخيرة شهد لبنان تقلبات كثيرة على مستوى النشاط السياحي، فبعد جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية كانت الأوضاع الأمنية غير المستقرة دوماً تترك وقعاً سلبياً على الموسم السياحي بالدرجة الأولى، وإن بدا ناشطاً وواعداً في مراحل معينة. وكانت الحرب الاسرائيلية الأخيرة بمثابة الضربة القاضية، إذ شهد لبنان نهاية مبكرة للموسم السياحي في صيف 2024، كما أن استمرار شركات الطيران بوقف تسيير رحلاتها من لبنان وإليه بعد إعلان وقف إطلاق النار انعكس سلباً في نهاية عام الماضي على موسم الأعياد الذي تترقبه الهيئات السياحية في لبنان كما في أي بلد في العالم.
أما اليوم فتعددت الخطوات التي تعد بتغيير إيجابي في المشهد اللبناني، وفيما عول لبنان طوال السنوات الماضية بصورة أساس على المغتربين الذي يعودون لوطنهم اشتياقاً ودعماً لأهلهم ومواطنيهم، أتى قرار الإمارات رفع الحظر عن سفر رعاياها إلى لبنان ليعد بازدهار الموسم السياحي المقبل بوجود السياح الخليجيين الذي اعتبروا سابقاً فئة يعول عليها في دعم القطاع السياحي إلى حد كبير.
خطة لدعم القطاع
قبيل انطلاق الموسم السياحي الواعد في لبنان، أكدت وزيرة السياحة اللبنانية أنه من المتوقع أن يكون الموسم المقبل مزدهراً بالمقارنة مع المواسم السابقة، لكنها فضلت عدم التحدث عن أرقام، لأنها لن تكون دقيقة إذا ما أعطيت من الآن، كما أن أرقام حجوزات تذاكر السفر ليست معياراً لنشاط القطاع السياحي دوماً، لاعتبارها تشمل المغتربين والسياح على حد سواء. إنما في كل الحالات اعتبرت لحود أن "لبنان يعتمد في القطاع السياحي على المغتربين بنسبة 50 في المئة، وعلى السياح بنسبة 50 في المئة، لأن كلاهما يسهم بصورة أو بأخرى في النشاط السياحي بمختلف أشكاله. وصحيح أن المغترب قد يقيم في منزله، لكن في كل الحالات ستكون له مساهمة عبر زيارة المرافق السياحية والمنتجعات، والجولات في البلاد والمطاعم التي يقصدها، وغيرها من الأنشطة التي يقوم بها على الأراضي اللبنانية".
وتابعت "نتوقع أعداداً كبيرة من السياح خلال هذا الصيف، ومما لا شك فيه أن الحركة السياحية ستكون ناشطة جداً. وما يلعب دوراً مهماً هنا وينعكس إيجاباً على الموسم السياحي هو عمل الحكومة بصورة عامة، وعمل الوزارات المعنية بصورة خاصة لتطبيق جميع الإصلاحات المطلوبة. وتجري متابعة هذه المواضيع من خلال الاجتماعات الوزارية، وكان آخرها بحضور سفراء من دول مجلس التعاون الخليجي واللجنة الوزارية المصغرة. أما الوزارات المعنية هنا فهي وزارة السياحة ووزارة الأشغال العامة ووزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد، كل انطلاقاً من دوره. من جهة أخرى لا يمكن أن ننسى أهمية مبادرات القطاع الخاص، وما نشهده من استثمارات كبيرة في قطاع الفنادق والمقاهي والمطاعم التي تلبي مختلف الأذواق".
وأشارت الوزيرة لحود إلى أن "حظر السفر المفروض على مواطني الدول العربية كان من أبرز العوائق أمام ازدهار المواسم السياحية الماضية بالصورة المطلوبة"، موضحة أنه "بعد زيارة رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بدأنا نلمس تغيراً، وأعلن رفع هذا الحظر بعدها مباشرة، إلى جانب الإجراءات الضرورية لتفعيل هذا القرار. وكان وصول ثلاث طائرات إماراتية إلى لبنان في اليوم الأول بعد إعلان هذا القرار دليلاً على عودة الحركة. وهذا يعني عودة الثقة بلبنان، على أمل أن يتبع ذلك أجواء إيجابية من كل الدول بدءاً من المملكة العربية السعودية، وأيضاً دولة الكويت التي يزورها رئيس الجمهورية قريباً". وإذ أشادت وزيرة السياحة بجهود الجهات الرسمية المعنية كافة خلال الشهرين الماضيين، أكدت أن التحدي الأكبر هو في فرض الأمن وتجهيز المطار ومحيطه، وهذا أيضاً يجري العمل عليه مع الوزارات المختصة، فيما أخذت شركة طيران الشرق الأوسط على عاتقها عملية تأهيل طريق المطار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن خطة الحكومة لا تقتصر على ذلك، بل تشمل محاور عدة أخرى يجري العمل عليها بصورة متوازية في وزارة السياحة، من تأهيل للموظفين والكوادر والشرطة السياحية. وتهدف الجهود كافة إلى جعل زيارة لبنان تجربة سياحية مميزة وفريدة في كل المناطق وعلى امتداد أشهر السنة، وذلك عبر تشجيع المبادرات الخاصة، وتنويع السياحة بين سياحة بيئية ودينية وطبية ورياضية وثقافية وغيرها، لذلك يجري العمل على تأهيل بلدات نائية بالتعاون مع البلديات والهيئات المحلية لتضم تجارب أكثر تنوعاً، مع تأهيل للطرقات الخاصة التي يمكن أن يسلكها عشاق رياضة المشي، بصورة توفر الاتصال بين القرى والبلدات.
من جهة أخرى تبدو المهرجانات عائدة بقوة في مختلف المناطق اللبنانية، وهي من العناصر الإيجابية وتعد أيضاً بموسم سياحي نشط، فكثير من المهرجانات الكبرى التي كانت توقفت في مواسم سابقة، إما بسبب الأوضاع الأمنية أو بسبب الظروف الاقتصادية تعود بزخم، كما تدل إعلانات منظميها على برامجها لصيف 2025. مثال على ذلك مهرجانات بعلبك الدولية التي تعود في الموسم المقبل لتعيد الحياة لقلعة بعلبك التي صمدت على رغم القصف الإسرائيلي المتكرر والأخطار التي أحاطت بها، لذلك تعبر لحود عن تفاؤلها بهذه الأجواء الإيجابية والعناصر التي تؤكد على أقوالها في شأن الموسم السياحي المقبل.
في المرحلة الحالية أكثر من أي وقت مضى، يبدو دعم قطاع السياحة في غاية الأهمية كونه يشكل مصدر دخل أساس للبنان، إذ فاقت مساهمته 30 في المئة من الناتج المحلي العام الماضي. ومن المفترض إلى جانب المقومات المناخية والجغرافية والأثرية والخدماتية التي يتمتع بها ذلك البلد العمل على ضبط الأسعار، وتأكيد شفافيتها وتنافسيتها، بالتعاون مع النقابات السياحية المختصة والهيئات الاقتصادية ووزارة الاقتصاد.
هذا إضافة إلى دعم المهرجانات والتحضير لحملة ترويجية متكاملة، تسهم في خروج قطاع السياحة من الطابع الموسمي الضيق ليتحول بكل فعالياته ومناطقه جبلاً وساحلاً ودروباً، إلى تجربة فريدة على مدار العام لكل الزوار. وفي ذلك أيضاً تعول وزارة السياحة إلى حد كبير على المغتربين اللبنانيين مرة جديدة لارتباطهم بوطنهم، فمن المهم تشجيعهم على الاستثمار ليلعبوا دوراً فعالاً في هذا القطاع من خلال الابتكارات والمبادرات الجديدة، وأكدت لحود أن الوزارة على أتم الاستعداد لتقديم كل الدعم والتسهيلات لهم.
أرقام تنعكس على الاقتصاد
أما في شأن مؤشرات الموسم السياحي وبدايته، فأوضح نقيب مكاتب السياحة والسفر في لبنان جان عبود أن الموسم السياحي يبدأ عادة من تاريخ الـ21 من أبريل (نيسان)، ومع اقتراب أشهر الصيف يزيد عدد الحجوزات تدريجاً. إلا أن الأرقام تبلغ الذروة في الموسم السياحي لجهة السياحة وحركة المطار بين الـ15 من يونيو (حزيران) والـ15 من سبتمبر (أيلول)، ففي هذه الفترة تزيد أعداد الوافدين يومياً. وبالتالي تعتبر أشهر الصيف أساس للسياحة في لبنان، ويوازي عدد الركاب والوافدين نصف عددهم طوال العام.
أما في شأن عودة الأشقاء الخليجيين للبنان فيعتبرها "خطوة لها أثر إيجابي كبير في الموسم السياحي، ففي المفهوم السياحي تشكل الجالية العربية 40 في المئة من مجموع السياحة الواردة، كما كان الخليجيون يسهمون بنسبة 22 في المئة من السياحة العربية، وبالتالي لرفع الحظر أهمية كبرى بما أن مدة إقامة الخليجي في لبنان تتجاوز تلك التي يمضيها سياح آخرون على اختلاف جنسياتهم وقد تصل إلى 25 يوماً. وعلى رغم أن المصريين والأردنيين والعراقيين استمروا بالقدوم إلى لبنان، إلا أن مدة إقامتهم لا تطول وقد تتخطى أربعة أيام كمعدل عام. كما أن نسبة الإنفاق اليومي بالنسبة إليهم قد لا تتخطى 200 أو 300 دولار أميركي في اليوم، فيما معدل الإنفاق اليومي للخليجي كان يقارب 6 آلاف دولار أميركي"، لذلك ففي الفترات التي كان الخليجيون يحضرون فيها إلى لبنان، يشير عبود إلى أنه "كانت مساهمة السياحة في الاقتصاد تبلغ نحو 11 مليار دولار، وبالتالي بقدر ما يزيد عدد السياح الخليجيين يتوقع أن تزيد معدلات الإنفاق، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد اللبناني وعلى القطاعات الأخرى في البلاد، لذلك مع رفع حظر سفر الخليجيين كافة إلى لبنان، من المتوقع أن يشهد البلد الصغير موسماً سياحياً غير مسبوق".