ملخص
استضافت بغداد 3 قمم عربية أعوام 1978 و1990 و2012، وجسدت نتائج كل قمة الظروف السياسية التي شهدتها المنطقة العربية.
ترغب الحكومة العراقية من خلال استضافة القمة العربية في ترسيخ شرعية النظام السياسي الجديد في العراق، وإثبات قدرته على إدارة ملفات دبلوماسية إقليمية كبرى.
"الرسالة الأساس للقمة هي أن العراق لم يعد ساحة للصراعات بل بات شريكاً فاعلاً في صياغة الحلول وجسراً جامعاً للعرب".
أعلنت وزارة الداخلية العراقية أنها أكملت الإجراءات الأمنية الخاصة بالقمة العربية التي تحتضنها العاصمة بغداد في الـ 17 من مايو (أيار) الجاري، إذ خصصت الوزارة ضمن اللجنة الأمنية العليا لتأمين القمة العربية 600 ضابط ومنتسب، لتأمين الحماية الشخصية للوفود العربية المشاركة، و100 ضابط لإشراكهم في المواكب الأمنية للوفود، فضلاً عن وجود 3 آلاف كاميرا ستكون في مركز العمليات، وسيجري إشراك طيران الجيش لتأمين سماء العاصمة بغداد.
وأوضحت الداخلية العراقية أن الخطة الأمنية المرافقة لقمة بغداد لن تتضمن أي حظر للسير، بل ستقتصر على منع حركة عجلات الحمل والدراجات ابتداء من الـ 14 وحتى الـ 18 من مايو الجاري، ومن المتوقع أن يشارك في القمة قادة وملوك ورؤساء حكومات من 22 دولة عربية، إضافة إلى رؤساء منظمات دولية وأممية، وكبار المسؤولين في الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية.
وستناقش القمة، وفقاً لما أعلنته الحكومة العراقية، ملفات تتعلق بالأمن القومي العربي والتحديات السياسية الإقليمية، إضافة إلى قضايا التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي والتكامل في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية.
ويزدحم جدول أعمال القمة بسلسلة من اللقاءات تبدأ في الـ 12 من مايو الجاري باجتماع كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي، يعقبه في اليوم التالي اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أما اجتماع المندوبين الدائمين وكبار المسؤولين فسيعقد في الـ 14 من الشهر نفسه، ليشهد اليوم الـ 15 اجتماعاً لوزراء الخارجية، وصولاً إلى الـ 17 من مايو الجاري والذي سيخصص لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة خلال دورته العادية الـ 34، فضلاً عن اجتماع القمة التنموية في دورتها الخامسة.
قمم بغداد
تاريخياً استضافت بغداد ثلاث قمم عربية خلال أعوام 1978 و1990 و2012، وجسدت نتائج كل قمة الظروف السياسية التي شهدتها المنطقة العربية، فقمة عام 1978 (مؤتمر القمة العربي التاسع) كانت رداً على "اتفاق كامب ديفيد"، فأعلنت رفضه وقررت نقل مقر "أمانة جامعة الدول العربية" من القاهرة إلى العاصمة تونس وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها.
أما قمة بغداد الاستثنائية التي عقدت في مايو 1990 فقد رحبت مقرراتها بوحدة اليمنين الشمالي والجنوبي، وحذرت من تصاعد موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ودانت قرار الكونغرس الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ومثلت هذه القمة أول بوادر الخلاف بين العراق والكويت، فقد اتهم الرئيس الراحل صدام حسين الكويت بـ "سرقة نفط حقل الرملة العراقي" على الحدود بين البلدين، وتجاوز الكويت على الحصص المقررة لها في إنتاجها النفطي مما سيؤثر في اقتصاد العراق ويخفض أسعار النفط التي كانت بغداد تطمح لارتفاعها إلى 25 دولاراً للبرميل، كي تجني موارد مالية أكبر تمكنها من إعادة إعمار ما دمرته الحرب العراقية – الإيرانية التي امتدت لثمانية أعوام.
وكان من أهم قرارات "قمة 1990" دعم العراق في حقه امتلاك كل أنواع التكنلوجيا الحديثة وإطلاق أسرى الحرب بين الجانبين العراقي والإيراني.
غياب العراق عن مؤتمرات القمة العربية
تعود القمم العربية في نشأتها لبداية ظهور الجامعة العربية عام 1945 وعقد أول مؤتمر قمة عربية عام 1946 بمدينة الاسكندرية، وبعد انتفاضة الأقصى عام 2000 وأحداث الـ 11 من سبتمبر (أيلول) 2001، بدأت القمة العربية تتجه إلى الانعقاد دورياً نتيجة تفاقم الأحداث العربية التي شكلت سمة رسمية طغت على جدول أعمال المؤتمرات العربية، وقد شارك العراق 33 مرة في مؤتمرات القمة العربية وغاب عنها خمس مرات في أعوام 1991 و1996 و2000 و2001 و2002، وقاطع الاجتماعات مرة واحدة عام 1973، بينما استضافت بغداد مؤتمرات القمة ثلاث مرات، أما سبب غياب العراق فكان الخلافات التي ظهرت بعد حرب الخليج الثانية عام 1990.
وبعد احتلال العراق عام 2003 أصبحت القمم العربية أكثر ضعفاً في قدرتها على التجاوب مع متطلبات الوضع العربي الطارئ، فباحتلال العراق باتت الولايات المتحدة تمارس نوعاً من الهيمنة عليه مما أفقده القدرة على التحرك بما يتعارض وسياستها حيال بعض القضايا، ولا سيما مع غياب الموقف العربي الموحد، فالدول العربية لم تدع إلى عقد قمة عربية على رغم وجود أمر طارئ وهو "احتلال العراق"، فتأخرت القمة العربية الدورية عن الانعقاد ولم تأت قمة عربية طارئة حتى بدعوة أحد من أعضاء جامعة الدول العربية، وتأخر انعقاد القمة العربية 16 شهراً، وعقدت في الـ 22 من مايو عام 2004 بعد أن كان من المقرر أن تعقد في مارس (آذار) عام 2003.
قمة 2012 ما بعد الانسحاب الأميركي
في الـ 29 من مارس عام 2012 عقد مؤتمر قمة بغداد بعد تأخر استمر أكثر من عامين، بسبب حال عدم الاستقرار السياسي الذي عاصرته الدول العربية عقب أحداث ما يسمى بـ "الربيع العربي"، وجاءت قمة 2012 في أوج تعقيدات العراق بعد الانسحاب الأميركي والصراع بين القوى السياسية وزيادة النفوذ الإيراني وغياب التوافق الوطني بعد نتائج انتخابات عام 2010 وسيطرة قائمة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (دولة القانون)، وسوء الحال الأمنية والانقسامات السياسية والمذهبية وسيطرة الميليشيات واتساع ظاهرة الفساد، ولم تشهد "قمة بغداد 2012" حضوراً رسمياً كبيراً على مستوى الملوك ورؤساء الدول، إذ حضر 10 رؤساء فقط من بين 22، وكانت القمة العربية الأولى التي يختصر جدول أعمالها بتسعة بنود فقط، كما لم تخرج قراراتها في جوانب تطبيقية تنفيذية، بل بقيت في أطر نظرية ضيقة، ولم يتضمن البيان الختامي الذي سمي "إعلان بغداد" أية قرارات مهمة حيال أبرز الملفات المعروضة أمام مؤتمر القمة، مثل الملفين الفلسطيني والسوري.
البعد الطائفي في قمة 2012
ومع تشديد الإجراءات الأمنية التي سبقت انعقاد قمة الجامعة العربية في بغداد عام 2012، قامت حكومة المالكي بأعمال توقيف جماعية ومن دون أوامر قضائية، وفي هذا السياق يصفها الصحافي عثمان المختار بـ "القمة الدموية"، بعد حملات الاعتقال التي قامت بها حكومة المالكي بدوافع طائفية، لذا "يحتفظ العراقيون بذاكرة سيئة للغاية مع القمم العربية بالمجمل، ففي قمة عام 2012 اعتقل آلاف العراقيين من مناطق الرضوانية والعامرية وحي الجهاد والجامعة والعدل والغزالية ومناطق أخرى تحت مزاعم خطة تأمين مطار بغداد ومكان انعقاد القمة، ولا يزال مصير كثير منهم مجهولاً وغير معروف، فيما حكم على آخرين بالإعدام".
العراق شريك فاعل في صياغة الحلول
شهدت المنطقة العربية منذ بدء انعقاد مؤتمرات القمة العربية كثيراً من المؤتمرات التي تراوحت بين العادية والدورية والاستثنائية، وصدر عنها كثير من القرارات التي عكست حال الانسجام كما الخلاف بين الدول العربية، إذ يشكل العراق جزءاً من حال التغيير والتأثير في مسارات الأحداث العربية، وفي هذا الشأن يرى مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية فرهاد علاء الدين أن الحكومة العراقية تسعى من خلال "قمة بغداد 2025" إلى إعادة تفعيل العمل العربي المشترك، وتكريس نهج جديد يقوم على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، ويقول لـ "اندبندنت عربية" إن "الرسالة الأساس للقمة هي أن العراق لم يعد ساحة للصراعات بل بات شريكاً فاعلاً في صياغة الحلول وجسراً جامعاً للأشقاء العرب".
سوريا وقمة بغداد
ولم يتضح بعد ما إذا كان رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع سيحضر قمة بغداد أم ستكتفي سوريا بالتمثيل على صعيد وزير الخارجية، ورداً على هذا السؤال أوضح المستشار علاء الدين أن "العراق وجه الدعوة رسمياً إلى الرئيس السوري، والعراق كان من أوائل الدول الداعمة لعودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، فسوريا دولة محورية في المشهد العربي ولا يمكن تجاوزها، والقمة تشكل فرصة حقيقية لإعادة دمجها تدرجياً في الحاضنة العربية عبر بوابة بغداد وضمن مسار ديبلوماسي يسعى إلى تهدئة التوترات وبناء علاقات متوازنة مع كل دول الجوار".
وخلاف ذلك يرى القيادي والمتحدث الرسمي لـ "المجلس الوطني للمعارضة العراقية" إسماعيل الجنابي أنه "إذا شهدت القمة حضور الرئيس السوري فقد تفتح باباً لتحول نوعي في العلاقات العراقية - السورية، بخاصة في ظل المتغيرات الإقليمية"، مؤكداً أن "حكومة العراق تتمنى أن تتاح لها الفرصة للعب دور الوسيط أو الحاضن للتهدئة بين سوريا والعالم، مما يمنحها دوراً إستراتيجياً، لكن هذا مستبعد في ظل الظروف الحالية المعقدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هدف القمة
أما أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد إياد العنبر فيرى أن اهتمام العراق بالقمة العربية يأتي لإثبات أن بغداد مؤثرة ولها القدرة على احتضان الاجتماعات العربية، "فالهدف من القمة تحقيق إنجاز سياسي للحكومة، وهناك عدم إدراك من قبل الحكومة بأن التعاون الإقليمي والشراكات الإستراتيجية مع دول فاعلة هي أكثر أهمية من حضور بروتوكولي وخطابات لا يمكن أن تؤثر في أي موقف".
وفي السياق نفسه يرى الجنابي أن "الحكومة العراقية ترغب من خلال عقد القمة في ترسيخ شرعية النظام السياسي الجديد في العراق، وإثبات قدرته على إدارة ملفات دبلوماسية إقليمية كبرى، إذ إن الحكومات تسعى إلى توظيف الحدث سياسياً لإبراز الاستقرار والأمن النسبي أمام الداخل والخارج".
السباق الانتخابي
ويكمل الجنابي أنه "مع أن العودة للمحيط العربي هدف معلن لقمة بغداد لكن هناك أهدافاً أخرى انتخابية، وذلك بإعلان نجاح القمة وبالتالي تسجيل إنجاز حكومي قد يؤثر إيجاباً في الناخبين".
ويختم الجنابي بالقول إن "الهدف الانتخابي هو الهدف الأساس والأكثر حضوراً على المدى القصير، خصوصاً بوجود مكاسب شخصية للحكومة الحالية، إذ يسعى رئيسها محمد شياع السوداني إلى تجديد ولايته مرة ثانية".
وعلى النقيض من ذلك يرى علاء الدين أن نجاح قمة بغداد يُحسب للدولة العراقية بكل مؤسساتها وليس للحكومة فقط، "فاستضافة بغداد للقمة تعد رسالة واضحة بأن العراق استعاد عافيته وانتقل من مرحلة الصراع إلى مرحلة الاستقرار والريادة الإقليمية، والهدف الأساس هو ترسيخ صورة العراق كدولة فاعلة ومؤثرة في محيطها العربي، وهذا إنجاز وطني قبل أن يكون سياسياً".