ملخص
كانت الصورة تعبر عن هوية ومدرسة ملتقطها، ولم يكن من الصعب إحالة الصور إلى مدارس وثقافات معينة، أما اليوم فأصبح الهدف خلق محتوى لا أكثر، وإن كان بلا غاية.
يتعرض الناس بصورة متواصلة لضغط اجتماعي وتكنولوجي بهدف تصوير حياتهم وتوثيق لحظاتهم ومشاركتها، وخلق هوية بصرية رقمية تعتمد على أدوات تعديل وتحسين وفلاتر جاهزة، وبالنتيجة صورة تكاد تكون موحدة، في حين أن الهوية تدل بالأساس على ما يميزك عن الآخر. هذا التخبط في المفاهيم والانجرار الأعمى غير الواعي وراء ما تفرزه المنصات ومتطلبات عصر السرعة الذي بات يشكل هاجساً مقلقاً، إذ من الممكن أن تخسر وصولك إلى الجمهور بمجرد التخلف عن النشر الدوري.
بعض التقديرات تشير إلى أن ما يصل إلى 4.7 مليار صورة يجري إنشاؤها يومياً، وأن الشخص العادي يلتقط ما يصل إلى 20 صورة، مما يعني أن هناك مليارات الأشخاص يلتقط كل منهم في اليوم الواحد ما يعادل لفة فيلم (كان تستخدم في كاميرات التصوير القديمة)!
الأرقام تقول إن 350 مليون صورة تحمل يومياً على "فيسبوك"، أي ما يعادل 250 ألف صورة في الدقيقة، أضف إلى ذلك "إنستغرام" الذي يضيف نحو 100 مليون صورة يومياً، إذاً نحن نقترب من نصف مليار صورة تنشر يومياً.
ضغط اجتماعي وتكنولوجي
للسوشيال ميديا أهمية كبيرة في إظهار الصور وعرضها وتداولها وإيصال الفن والفنانين إلى الجمهور، إذ وفرت مناخاً جيداً لعرض الأعمال وتسويق الشخصيات بخلق الصورة الذهنية من خلال التكرار الصوري، فما الجدوى من إنشاء الصور إذا لم يكن هناك من يشاهدها! إلا أنها في الوقت ذاته، حولتها إلى محتوى متاح على مدار الساعة، مما شكل حالة من الاعتياد بين المستخدمين.
خلق المحتوى
والحقيقة أن المبدع يعاني اليوم النظرة السطحية التي وصلت إليها حال الصور في أيامنا في عصر الإنترنت والمنصات الاجتماعية، إذ كانت عملية إنتاج صورة واحدة تتطلب مهارات خاصة وتخطيطاً وجهداً نوعياً، وكان الهدف كله يرتكز على كيفية تأثير هذه الصور في المشاهد وكيف ستصبح حديث الناس وربما تعلق على جدرانهم أو حتى تخلد، في الأقل في أذهان مشاهديها، وعلى هذا كان يتنافس المتنافسون.
وكانت الصورة تعبر عن هوية ومدرسة ملتقطها، ولم يكن من الصعب إحالة الصور إلى مدارس وثقافات معينة، أما اليوم فأصبح الهدف خلق محتوى لا أكثر، وإن كان بلا غاية أو معنى وغير قابل للتذكر حتى على المدى القصير، بسبب كثافة التعرض للصور على مدار الساعة. تقول ياسمين وهي مصممة غرافيك "أصنف اليوم كمنتجة محتوى على الإنترنت، وأرى أصدقائي سعداء بالحصول على هذا اللقب المستجد، بينما أعاني أنا في سري من هذا التسطيح لجوهر عملي، لقد فقدت الصورة أهميتها الحقيقة بسبب كثرة منتجيها غير المتخصصين".
تحول في "إنستغرام"
بدأ "إنستغرام" كمنصة تضم أعمال المبدعين على اختلاف مجالاتهم، يرتادها الجمهور لمشاهدة الفن والتعرف على الفنانين والاستئناس بأعمالهم، في حين كان غالب المستخدمين يتشاركون المنشورات على "فيسبوك" و"إكس"، بالتالي كانت المنصة نوعية جداً، وكان بوسعك العثور على الصور المطلوبة بسهولة قبل أن تتحول إلى ساحة لعرض الصور الشخصية والفيديوهات القصيرة و"البث" المباشر، لتصبح بالنسبة إلى قاصدي الفن والصور الاحترافية مجرد مضيعة للوقت، كما هي لمرتاديها أيضاً، وبذلك أهملت الأعمال الفنية لصالح الصور الشخصية، واختصر المنتوج الفني بأكمله داخل تعريف لا يتجاوز حدود المحتوى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التزييف البصري
ونظراً إلى قوة تأثيرها في العقل البشري، توظف الصور اليوم بكثافة لخدمة أهداف معينة على المستويات كافة، وحتى على المستوى الفردي تستخدم الصور بين رواد المنصات العاديين كوسيلة لإيصال أفكار اجتماعية أو تعزيز فكرة تتعلق بالمظاهر الاجتماعية ومآلاتها، كأن تذهب إحداهن إلى مناسبة ما وتنشر صورها لإيصال فكرة عن طبيعة علاقتها بصاحبة المناسبة.
والحقيقة أن الأمر ذاته يحصل على المستوى السياسي، فالصور تستثمر اليوم أفضل استثمار بهدف إيصال أفكار تتعلق بطبيعة العلاقات بين الدول وزعمائها، كما يمكن أن توظف صورة قديمة تتعلق بحدث فائت مرتبط بقضية في بلد ما وضمن ظروف معينة، لخدمة قضية أخرى في بلد آخر، في حين أن الصورة لا علاقة لها بالحدث الحالي.
لذا بدأت تظهر منصات خاصة للتدقيق والتحقق من الصور، ومعرفة أصلها وتاريخها وحقيقة محتواها وغرضها الأصلي، وكذلك أدوات التحقق من المعلومات لمكافحة التضليل الإعلامي من خلال البحث العكسي. وفي المسعى ذاته يظهر هاجس التحقق من الصور المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي، على رغم أن خوارزمياته تقدم أهم وأقوى طرق التحقق من الزيف على مستوى الفيديو والصورة.