ملخص
صرح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف خلال كلمته في مؤتمر الاستثمار أن الموارد المعدنية في باكستان مفتاح لإنعاش الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن الثروة المعدنية التي تمتلكها البلاد تبلغ قيمتها "تريليونات الدولارات"، وهو ما قد يحرر الاقتصاد من الاعتماد على عمليات الإنقاذ العالمية المتكررة.
انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان عام 2021، ومع رحيل آخر أفراد القوات الأميركية من كابول، إذ رحلت المصالح الأميركية من المنطقة وفقدت الجارة باكستان بين عشية وضحاها أهميتها الجيوسياسية لدى الولايات المتحدة وحلفائها التي كانت تمثل شريان الحياة للنفوذ والاقتصاد الباكستاني.
ومنذ ذلك الحين تحاول إسلام آباد الوقوف على أقدامها واستخدام الوسائل المحلية لإنعاش اقتصادها بدلاً من الاعتماد على المساعدات الخارجية، لكن من دون أن تفقد الأمل في جذب انتباه القوى العظمى التي تأمل باكستان أنها ستحل مشكلاتها مثل العصا السحرية، وتخلصها من ثقل الإصلاح الاقتصادي والتعامل مع الجماعات الإرهابية.
ويبدو أن أمل المسؤولين الباكستانيين قد يتحقق الآن مع اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة بالثروات المعدنية في باكستان، وتعد الزيارة الأخيرة للوفد الأميركي الذي ترأسه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون جنوب ووسط آسيا إريك ماير للمشاركة في منتدى الاستثمار المعدني في باكستان خطوة مهمة في إذابة الجليد القائم منذ فترة طويلة بين باكستان والولايات المتحدة.
وخلال إقامته التي استمرت يومين، التقى الوفد الأميركي مع كبار القادة المدنيين والعسكريين في باكستان في أول اتصال رسمي رفيع المستوى بين البلدين منذ عودة الرئيس ترمب للبيت الأبيض هذا العام، وتركزت المحادثات على تعزيز المصالح التجارية الأميركية وتعميق العلاقات الاقتصادية مع باكستان، مع التأكيد أيضاً لأهمية استمرار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب.
وأبدت الولايات المتحدة اهتمامها بصورة خاصة في المعادن الباكستانية، إذ تتمتع الدولة ببعض أكبر احتياطات المعادن في العالم، وتسعى الحكومة جاهدة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية في هذا القطاع.
مؤتمر الاستثمار
شاركت دول عدة بما فيها الولايات المتحدة في مؤتمر الاستثمار الذي عقد في إسلام آباد أخيراً لاستكشاف فرص الاستثمار في باكستان، وأبدى عدد من الشركات الأميركية خلال المؤتمر الاهتمام بقطاع المعادن الناشئ للاستفادة من الإمكانات المعدنية الهائلة التي تتمتع بها البلاد. وكان مشاركة 300 مندوب أجنبي في المؤتمر مشجعاً للآمال الباكستانية في جذب الاستثمار الأجنبي في قطاع المعادن، الذي لم يتطور بسبب نقص الموارد المالية وعدم وجود التقنيات الحديثة.
من جانبه صرح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف خلال كلمته في مؤتمر الاستثمار أن الموارد المعدنية في باكستان مفتاح لإنعاش الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن الثروة المعدنية التي تمتلكها البلاد تبلغ قيمتها "تريليونات الدولارات" وهو ما قد يحرر الاقتصاد من الاعتماد على عمليات الإنقاذ العالمية المتكررة، كما تحدث شريف عن اكتشاف كميات كبيرة من الهيدروكربونات والذهب والنحاس في السنوات الأخيرة.
قانون استخراج المعادن يثير الجدل
يتبع قطاع المعادن الحكومات الإقليمية بحسب النظام الفيدرالي في باكستان، والجهة المخولة لرسم السياسات حول طريقة استخراج المعادن وجذب المستثمرين وتحديد حقوق الجهات المحلية والأجنبية في عملية الاستخراج هي حكومة الإقليم الذي يقع فيه المنجم، لكن اهتمام الحكومة المركزية بتشجيع قطاع المعادن خلال الفترة الأخيرة أثار المخاوف في الأقاليم حول تدخل مؤسسات الحكومة المركزية في الشؤون الخاصة بالإقليم، بخاصة أن اللجنة التي تشرف على الاستثمارات حالياً يترأسها قائد الجيش الباكستاني، مما يعني أن المؤسسة العسكرية هي التي تتحكم باللجنة وتأخذ القرارات وليست الحكومة المدنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضمن مساعي اللجنة المذكورة في تشجيع الاستثمار الأجنبي في قطاع المعادن، أوصت اللجنة الحكومات الإقليمية بصياغة قانون جديد لاستخراج المعادن، وهو ما أثار حفيظة كثير من الأحزاب السياسية التي ترفض القانون الجديد وتعتبره حيلة لسيطرة الحكومة المركزية على ثروات المعادن الإقليمية وتحكم المؤسسة العسكرية فيها واستغلال الشركات الأجنبية للموارد المحلية من دون تأهيل الشعوب المحلية المالكة لهذه الثروات.
عوائق في طريق الاستثمار
ويأمل المسؤولون الباكستانيون بصورة خاصة في الاستثمار الأميركي في المعادن الأرضية النادرة التي يتوقع أنها ستفتح آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين وتساعد في توسيع العلاقات مع واشنطن إلى ما هو أبعد من مجرد التعاون الأمني، إلا أن إسلام آباد يتعين عليها التغلب على عدد من العقبات لجذب الاستثمار الأجنبي وجني ثماره.
وعلى رغم وضوح رغبة الولايات المتحدة في الاستثمار في قطاع المعادن إلا أنه يجب تحسين الحالة الأمنية في باكستان لتحقيق هذا الاستثمار، بخاصة أن معظم الاحتياطات المعدنية غير المستغلة تقع في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان، إذ تتزايد أعمال التطرف والانفصالية.
وتطمئن السلطات الباكستانية المستثمرين بتوفير الأمن الكامل، لكن الهجمات المسلحة الأخيرة لا سيما في بلوشستان تثير المخاوف حول تجسيد أهداف الاستثمار، لذا من الضروري اتخاذ خطوات أكثر عملية لمعالجة مخاوف المستثمرين الذين يتخذون قراراتهم على أساس الاستدامة الاقتصادية وليس على أساس التوقعات المتفائلة للحكومة الباكستانية. علاوة على ذلك، يتعين على باكستان أيضاً ضمان استمرارية السياسة والاستقرار السياسي.
من ناحية أخرى، جاءت زيارة الوفد الأميركي لإسلام آباد في وقت الذي فيه الرئيس دونالد ترمب تعريفات جمركية بنسبة 29 في المئة على السلع المستوردة من باكستان كجزء من التعريفات الجمركية الجديدة المفروضة على عشرات الدول، وتحصل باكستان 58 في المئة من الرسوم الجمركية على المنتجات والخدمات الأميركية.
وتبلغ قيمة صادرات باكستان إلى الولايات المتحدة 6 مليارات دولار سنوياً وهو ما يمثل 18 في المئة من إجمالي صادرات البلاد، وتشمل صادرات باكستان لواشنطن المنتجات النسيجية بنسبة 75 إلى 80 في المئة، إضافة إلى المنتجات الجلدية والأدوات الجراحية والرز والأسمنت ومنتجات الصلب والملح، في حين شهدت صادرات منتجات تكنولوجيا المعلومات إلى الولايات المتحدة أيضاً زيادة كبيرة في السنوات القليلة الماضية.
وأثارت الخطوة الأميركية مخاوف جدية في شأن التأثير المحتمل في الصادرات الباكستانية، لكن بعض خبراء الاقتصاد يقولون إنها قد تحمل أيضاً فرصاً طويلة الأجل لإسلام آباد. وبحسب بعض الخبراء فإن الولايات المتحدة فرضت رسوماً أعلى على الدول المنافسة لباكستان في صناعة المنسوجات، مثل الصين وبنغلاديش وفيتنام وكمبوديا مما يفتح آفاقاً جديدة للبلاد.
وسيتوجه وفد باكستاني رفيع المستوى قريباً إلى واشنطن لتعزيز العلاقات التجارية ومناقشة الرسوم الجمركية الأميركية، إذ أشارت إسلام آباد إلى أنها مستعدة لمراجعة الرسوم الجمركية على المنتجات الأميركية وزيادة الواردات، لكن لن يكون من السهل على باكستان الحصول على أي تنازلات من إدارة ترمب.
وعلى رغم تجميد العلاقات خلال الآونة الأخيرة بين واشنطن وإسلام آباد، فقد استمر التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين الأجهزة الأمنية في البلدين. أخيراً، ساعدت إسلام آباد الولايات المتحدة في القبض على أحد عناصر داعش المطلوبين للولايات المتحدة الذي كان العقل المدبر المزعوم للهجوم على مطار كابول في أغسطس (آب) 2021، الذي أسفر عن مقتل عشرات من الجنود الأميركيين.
وأشاد الرئيس ترمب بالحكومة الباكستانية على هذا التعاون في خطابه أمام الكونغرس في فبراير (شباط) الماضي، ومن المؤكد أن التعاون في مكافحة الإرهاب أدى إلى تحسين العلاقات بين إسلام آباد وواشنطن إلى حد ما، لكن لا توجد حتى الآن أي دلائل على أن هذه العلاقات ستتجاوز التعاون الأمني.
وعلى رغم أن الزيارة الأخيرة رفيعة المستوى للولايات المتحدة منحت بعض الآمال حول توسيع العلاقات، فإن مستقبل العلاقات الباكستانية - الأميركية يظل غير مؤكد، إذ أبدت الولايات المتحدة اهتمامها بالاستثمار في المعادن الرئيسة، لكنها لم تقدم أي التزامات رسمية. وعلى رغم بعض التحسن في العلاقات، فإن باكستان لا تعد حالياً من بين أولويات إدارة ترمب.
نقلا عن اندبندنت أوردو